فتيات يتدربن على إزالة الألغام ضمن برنامج نفذته الأمم المتحدة بالسودان في 2021 - (يونيتامس)
فتيات يتدربن على إزالة الألغام ضمن برنامج للأمم المتحدة بالسودان في 2021 - (بعثة يونيتامس)

اتهم ناشطون وحقوقيون، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بالتورط في زراعة ألغام أرضية بمناطق حضرية، "مما يعرض حياة المدنيين للخطر". في حين أشارت وسائل إعلام محلية إلى أن الأمطار الغزيرة التي ضربت بعض المدن السودانية مؤخرا، كشفت عن ألغام مزروعة في عدد من المناطق، بما في ذلك العاصمة الخرطوم.

وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صورا، قالوا إنها تُظهر مجموعة من الألغام مزروعة في منطقة الجيلي بشمال الخرطوم، حيث توجد مصفاة رئيسية للبترول.

وأثير جدل كثيف عن الجهة التي زرعت تلك الألغام. بينما يتبادل الجيش وقوات الدعم السريع الاتهامات بالتورط بزراعة ألغام في مناطق مدنية.

ولم يتسن لموقع الحرة التأكد من صحة الصور المنشورة بمواقع التواصل من مصدر مستقل.

وتُزرع الألغام لاستهداف الآليات الثقيلة مثل المدرعات والشاحانات والعربات القتالية وغيرها، وهذا النوع من الألغام لا ينفجر إلا تحت وطأة جسم ثقيل. وهناك نوع آخر يستهدف الأفراد والجنود المشاة، وفق خبراء ومختصين.

ويرى الخبير الاستراتيجي، عبد المنعم الزاكي، أن منطقة الجيلي تقع تحت سيطرة قوات الدعم السريع، التي تتخذ من مصفاة البترول مقرا للاحتماء من الضربات الجوية التي يشنها سلاح الطيران التابع للجيش السوداني.

وقال الزاكي لموقع الحرة، إن "الجيش يسعى لطرد قوات الدعم السريع من منطقة الجيلي، خاصة مصفاة البترول، مما جعل قواتها تزرع حقلا من الألغام في تلك المنطقة لإيقاف تقدم الجيش".

وبث ناشطون بمواقع التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو يظهر فيها جنود يرتدون أزياء الجيش السوداني، وهم يحملون مجموعة من الألغام، مشيرين إلى أن قوات الدعم السريع زرعتها في بعض أحياء أم درمان.

وفي المقابل، يشير المحلل السياسي السوداني، عمار صديق إسماعيل، إلى أن الألغام التي جرفتها السيول والأمطار في منطقة الجيلي بشمال الخرطوم، زرعتها قوة من الجيش، أثناء محاولتها استعادة السيطرة على المصفاة.

وقال إسماعيل لموقع الحرة، إن "الجيش يملك وحدة متخصصة في المتفجرات، هي التي زرعت الألغام في شمال الخرطوم، وحول عدد من المدن السودانية، مثل مدينة شندي، لمنع هجوم قوات الدعم السريع على تلك المدن".

وأشار المحلل السياسي إلى أن قوات الدعم السريع اكتشفت خلال الحرب الحالية، مجموعة من الألغام زرعها الجيش في منطقة العيلفون بشرق الخرطوم وغيرها من المناطق، لافتا إلى أن تلك الألغام "تشكل خطرا على المدنيين".

وكانت وسائل إعلام سودانية، أوردت في يناير الماضي، أن 10 أشخاص لقوا مصرعهم بانفجار لغم، بالقرب من مدينة شندي بشمال السودان، حينما كانوا يستغلون مركبة عامة، في طريقهم إلى المدينة.

وكانت منسقة الشؤون الإنسانية في السودان، كليمنتاين نكويتا سلامي، أعلنت في منشور على منصة (إكس)، في أبريل الماضي، مقتل 18 شخصا، في 3 حوادث تتعلق بالألغام ومخلفات الحرب القابلة للانفجار، في يناير وفبراير 2024.

وتداول ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو، قالوا إنه لعدد من جنود الجيش السوداني، يزرعون مجموعة من الألغام في بعض الأحياء السكنية.

ويؤكد الزاكي، أن الجيش، بخلاف الدعم السريع، يستخدم وسائل دفاعية غير مضرة بالمدنيين، مثل حفر الخنادق، لحماية مقراته ومنع قوات الدعم السريع من التقدم.

وأضاف "قوات الدعم السريع لجأت، بعدما تصاعدت هجمات الجيش عليها، لزرع الألغام لتفادي الموجات الهجومية التي يشنها مقاتلو الجيش".

واستغرب المتحدث نفسه "صمت المجتمع الدولي على سلوك قوات الدعم السريع التي تلجأ إلى مثل تلك الوسائل التي تعرضت حياة المدنيين للخطر"، مضيفا "خطر الألغام معركة مؤجلة تنتظر السودانيين، ويجب على المجتمع الدولي الاضطلاع بمسؤولياته في هذا الخصوص".

وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قال في أبريل الماضي، إن الألغام الأرضية والذخائر المتفجرة ومخلفات الحرب من المتفجرات تهدد، بشكل مباشر، ملايين الأشخاص من السودان وأفغانستان وميانمار وأوكرانيا وكولومبيا وغزة.

من جانبه، يشير إسماعيل إلى أن خطر الألغام سيظهر بصورة أكبر عقب توقف الحرب وعودة الحياة إلى طبيعتها، متوقعا تعرُّض حياة كثير من المدنيين إلى الخطر.

وأضاف "الخطر سيكون أكبر إذا تمت زراعة تلك الألغام بطريقة عشوائية، ودون إحداثيات دقيقة، مما يصعّب مهمة تحديد مواقعها، ونزعها لاحقا".

وتقر معاهدة حظر الألغام، الموقعة عام 1997 في أوتاوا بكندا، حظرا شاملا على الألغام المضادة للأفراد، كما تحظر تخزين وإنتاج وتطوير ونقل تلك الألغام.

من جهته، نفى مدير المركز القومي لمكافحة الألغام، العميد ركن خالد حمدان، "قيام طرفي الحرب في السودان، بزراعة ألغام"، مؤكدا أنه "لا دليل يثبت وجودها حتى الآن".

وقال حمدان لصحيفة التغيير الإلكترونية، إن "الحديث عن الألغام شائعات تظهر فقط في وسائل الإعلام"، داعيا المواطنين للتفريق بين الألغام ومخلفات الحرب الأخرى.

ويشهد السودان أكبر أزمة إنسانية على وجه الأرض. إذ يعاني أكثر من نصف سكان البلاد البالغ عددهم 48 مليون نسمة من الجوع، بينما أُجبر واحد من كل أربعة على ترك منزله.

وتتباين الإحصائيات الخاصة بعدد ضحايا الحرب، إذ تشير تقديرات نقابة أطباء السودان، في مايو الماضي، إلى مقتل أكثر من 30 ألف شخص، وإصابة أكثر من 70 ألفا، متوقعة أن يكون الرقم الحقيقي للضحايا أكبر بكثير.

وفي 25 يونيو، أصدرت لجنة الإنقاذ الدولية تقريرا عن الأوضاع في السودان، مشيرة إلى أن "تقديرات ضحايا الحرب تصل إلى 150 ألف شخص".

وأشارت اللجنة، وهي منظمة غير حكومية مقرها في نيويورك، إلى أن 25 مليون شخص من سكان السودان البالغ عددهم نحو 42 مليون نسمة في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية والحماية.

وحذرت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، الاثنين، من أن السودان وصل إلى "نقطة انهيار كارثية"، مع توقع تسجيل عشرات الآلاف من الوفيات التي يمكن تفاديها جراء الأزمات المتعددة.

قنوات اتصال مفتوحة على مدار الساعة بين واشنطن والخرطوم
السفير السوداني في واشنطن محمد عبد الله إدريس

في مقابلة خاصة مع قناة "الحرة"، قال السفير السوداني لدى الولايات المتحدة، محمد عبد الله إدريس، إن العقوبات الأميركية على قائد الجيش "لا تستند إلى حقائق أو أدلة موثوقة".

واعتبر السفير ما جرى خطوة متسرعة وغير مبررة. وأضاف أن "القرار استند إلى سرد معلومات مغلوطة بدلا من حقائق ميدانية أو وثائق رسمية".

 

وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على قائد الجيش السوداني، الجنرال عبد الفتاح البرهان، متهمة قواته بتنفيذ هجمات على المدنيين.

وتأتي هذه الخطوة بعد أيام من فرض عقوبات مماثلة على قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو "حميدتي" ما أثار استياء الحكومة السودانية، التي وصفت القرار بأنه يعكس "التخبط وضعف حس العدالة"، بحسب بيان وزارة الخارجية السودانية.

وفي حديثه لقناة "الحرة" انتقد السفير إدريس توقيت فرض العقوبات، مشيرا إلى أنه جاء قبل ثلاثة أيام فقط من انتهاء ولاية إدارة الرئيس جو بايدن.

واعتبر أن هذا التوقيت "غير مفهوم" ويعكس استعجالا غير مبرر. وأوضح أن الإدارة الأميركية كانت على دراية كاملة بما يجري في السودان منذ بداية النزاع قبل 15 شهرا.

ولفت إدريس إلى أن واشنطن رعت بنفسها جولة مفاوضات في جدة، والتي أسفرت عن اتفاق يدعو قوات الدعم السريع للخروج من المناطق السكنية والمؤسسات العامة ووقف الهجمات على المدنيين.

ومع ذلك، أشار السفير إلى أن قوات الدعم السريع لم تلتزم بالاتفاق، بل صعدت من عملياتها العسكرية، وارتكبت انتهاكات جسيمة، بما في ذلك مقتل والي غرب دارفور.

وقال إدريس: "رغم كل هذا، جاءت العقوبات الأميركية لتساوي بين طرفي النزاع، وهو أمر غير منطقي وغير عادل".

وأكد السفير إدريس أن فرض العقوبات على طرفي النزاع يعكس "خطأ في تقدير الأمور"، داعيا إلى ضرورة تحديد الجهة المسؤولة عن الانتهاكات والمجازر ومعاقبتها بشكل محدد.

وأوضح أن الحكومة السودانية ملتزمة بحماية المدنيين بموجب الدستور والقوانين السودانية والدولية.

وتابع قائلا: "لا يمكن للحكومة السودانية أن تقف متفرجة أمام تمرد مسلح يستهدف المؤسسات الرسمية. القانون والشرعية الوطنية والدولية تفرض على الحكومة التعامل مع هذه التهديدات".

العلاقات الثنائية

على صعيد العلاقات المستقبلية بين السودان والولايات المتحدة، أعرب السفير إدريس عن أمله في أن تتخذ الإدارة الأميركية المقبلة، بقيادة الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، نهجا مختلفا في التعامل مع الأزمة السودانية.

وأوضح أن "هناك توقعات بأن ترفع الإدارة المقبلة العقوبات عن البرهان، مما قد يدفع عملية السلام في السودان إلى الأمام".

واتهم السفير إدارة بايدن بمحاولة فرض واقع سياسي على الإدارة المقبلة من خلال استعجال فرض العقوبات.

وأكد أن الحكومة السودانية تعتزم التواصل مع الإدارة الجديدة للعمل على إصلاح ما وصفه بـ"الوضع غير المنصف".

وفي حديثه عن قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، نفى السفير إدريس امتلاك البرهان أي أرصدة مالية في الولايات المتحدة، قائلا: "الرصيد الوحيد الذي يمتلكه البرهان هو في قلوب السودانيين".

وختم السفير حديثه لقناة "الحرة" بالتشديد على أن الحكومة السودانية دعت مرارا المجتمع الدولي لزيارة البلاد والتحقق من الحقائق على الأرض قبل إصدار أي قرارات.

وقال إن "إصدار إدانات قبل التحقق من الحقائق هو أمر مقلوب وغير منطقي. يجب أن تأتي الجهات المعنية لدراسة الوضع والتحدث مع المواطنين قبل إصدار أحكام".

وتعد هذه العقوبات جزءا من جهود واشنطن للضغط على الأطراف السودانية لإنهاء النزاع المستمر، الذي أدى إلى نزوح الملايين وسقوط آلاف القتلى.

ورغم تبرير واشنطن لهذه الخطوات، يثير قرارها جدلا واسعا داخل السودان، حيث ترى الحكومة أن العقوبات تدعم "من يرتكبون الإبادة الجماعية"، في إشارة إلى قوات الدعم السريع.

وزير الخارجية الاميركي انتوني بلينكن اتهم القوات المسلحة السودانية بارتكاب جرائم حرب عبر استهدافها للمدنيين، وأضاف بلينكن، أن كلا من القوات السودانية وقوات الدعم السريع أعاقا إحرازَ تقدُّمٍ في العمليّةِ السلميّة في السودان.

وقال بلينكن في بيان "إن هذه العقوبات مجتمعة تؤكد وجهة نظر الولايات المتحدة بأن أيًا من الرجلين غير لائق لحكم السودان المستقبلي المسالم".

بينما قالت وزارة الخزانة في بيان إن البرهان ترأس جيشا "ارتكب هجمات مميتة على المدنيين، وإن القوات المسلحة السودانية بقيادة "البرهان"، ارتكبت هَجمات مميتة ضد المدنيين.

وقالت ، إن الخطوات المتخذة تسلّط الضوء على التزام واشنطن بالتوصل إلى وضع حد لهذا النزاع.