جانب من عمليات تقديم العلاج لمرضى الكوليرا بولاية كسلا – فرانس برس
جانب من عمليات تقديم العلاج لمرضى الكوليرا بولاية كسلا – فرانس برس

رفعت السلطات الصحية السودانية وتيرة تحركاتها لمحاصرة وباء الكوليرا، بعدما أعلنت رسميا أن المرض ضرب عددا من المناطق، خاصة في شرق البلاد، حيث جرى تسجيل معدلات عالية للأمطار.

وأعلنت وزارة الصحة السودانية أن ولايتي كسلا والقضارف بشرق السودان الأكثر تضررا من الوباء، نتيجة للأوضاع البيئية، والماء غير الصالح للشرب.

وأكد وزير الصحة السوداني، هيثم محمد إبراهيم، الأحد، ارتفاع عدد الإصابات بالكوليرا إلى 354 إصابة، معلنا وفاة 22 من المصابين بالمرض.

والكوليرا عدوى إسهالية حادة تنتج عن تناول طعام أو ماء ملوث ببكتيريا ضمة الكوليرا.

ويتسبب المرض بالإسهال والجفاف الشديد الذي قد يؤدي إلى الوفاة خلال ساعات، وفق منظمة الصحة العالمية.

وكشف إبراهيم عن حملة لإصحاح (معالجة) البيئة وتوفير مياه الشرب في المناطق التي ضربها الوباء، بجانب حملات لتوعية المواطنين بالاشتراطات الصحية ومطلوبات الوقاية من الوباء.

وأكد الوزير السوداني تواصلهم مع المجتمع الدولي ووكالات الأمم المتحدة لطلب لقاحات الكوليرا.

وفي الفترة من مطلع العام إلى 28 يوليو 2024، تم الإبلاغ عن 307433 حالة إصابة بالكوليرا و2326 حالة وفاة في 26 دولة، وفق منظمة الصحة العالمية.

ويشير وزير الصحة في ولاية كسلا، علي آدم، إلى أن وباء الكوليرا الذي ضرب بعض مناطق الولاية فاقم معاناة القطاع الصحي، الذي يعاني أصلا من مشكلات كبيرة.

وقال آدم لموقع الحرة، إن انتشار الكوليرا في السودان كان متوقعا، منوها إلى أن الحرب التي تدور بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أكثر من 16 شهرا أثرت بشكل مباشر في ظهور وانتشار المرض.

وأوضح وزير الصحة بولاية كسلا، أن الإصابات ناتجة عن مشكلات متعلقة بمياه الشرب، لافتا إلى أن سكان المحليات التي ضربها الوباء يشربون من الأنهار، ويفتقرون إلى مصادر المياه الآمنة.

وأشار آدم إلى أن السلطات خصصت عنابر لعزل المرضى، لكنه قال إن هناك حاجة لعنابر عزل أكثر تخصصية لوباء الكوليرا، داعيا المنظمات الإقليمية والدولية للتدخل لتقديم المساعدة المطلوبة.

ويشهد السودان منذ أسابيع عدة أمطارا غزيرة أدت إلى نزوح آلاف الأشخاص وظهور عدد من الأمراض مع زيادة حالات الإسهال خصوصا بين الأطفال.

وأشار المختص في طب المجتمع، نزار الطريفي، إلى أن هناك "ارتفاعا متسارعا لمعدلات الإصابة بالكوليرا"، مقارنة مع تاريخ تسجيل أول حالة للوباء.

وأرجع الطريفي، في حديثه لموقع الحرة، تصاعد معدلات الإصابة بالكوليرا إلى فشل وعجز السلطات السودانية عن تقديم الخدمات العلاجية المناسبة للمرضى، في التوقيت المناسب.

وأشار إلى أن العنابر المخصصة لعزل المصابين بالكوليرا في أغلب المستشفيات لا تناسب طبيعة وسرعة الوباء في الانتشار، مشددا على ضرورة أن تتم عمليات العزل بدقة طبية عالية، لضمان محاصرة المرض.

وفي محاولة لسد النقص في الخدمات، أطلق ناشطون في عدد من المدن السودانية التي شهدت تسجيل حالات إصابة بالكوليرا، مبادرات لتوعية المواطنين، وللمساعدة في تقديم العون للمرضى.

وقالت هاجر عثمان، وهي ناشطة في مبادرة مجتمعية بمدينة كسلا، إن مجموعات من المتطوعين شرعت في تنفيذ حملات توعية وسط النازحين الذي أجبرتهم الحرب على الفرار إلى المدينة الواقعة بشرق السودان.

وقالت عثمان لموقع الحرة، إن الإصابات حتى الآن جرى تسجيلها في مناطق خارج المدن الرئيسية، مما يجعل إمكانية السيطرة على الوباء تبدو ممكنة، "لكن الخطر سيكون كبيرا إذا تسلل الوباء إلى المدن الكبيرة، إذ تصعّب السيطرة معه".

وأشارت الناشطة الطوعية إلى أن حملاتهم التوعوية ترمي لرفع إدراك النازحين بالوباء، وكيفية الوقاية منه، بما يقلل فرص انتشاره وتمدده إلى مراكز الإيواء التي تكتظ بالآلاف ممن شردتهم الحرب.

بدورها، ترى نقابة أطباء السودان أن إعلان وباء الكوليرا بالبلاد "جاء متأخرًا"، مشيرة إلى أن الوضع تفاقم بسبب عدم إعلان الوباء في التوقيت الحقيقي.

وقالت النقابة في بيان على منصة (إكس)، إن المعلومات المعلنة عن الوباء متعلقة بالمناطق الآمنة فقط، مشيرة إلى عدم توفر معلومات دقيقة عن الوضع الوبائي في الولايات التي تشهد عمليات عسكرية نشطة.

وطالب البيان بوقف الحرب "التي أثرت سلبًا على فعالية النظام الصحي"، مشددا على ضرورة أن تتعامل السلطات بالشفافية الكاملة مع المرض، بما في ذلك عدد الحالات، والموقف الدوائي.

ودعا إلى أهمية عزل الحالات المشتبه فيها أيضا، ورفع التثقيف الصحي، بالإضافة إلى العمل لمنع انتشار المرض إلى الولايات الأخرى.

وكانت منظمة الصحة العالمية قالت في مايو الماضي، إن نظام الرعاية الصحية في السودان ينهار، بينما تُدمر المرافق الصحية وتتعرض للنهب وتعاني نقصا حادا في الموظفين والأدوية واللقاحات والمعدات.

وقال المتحدث باسم المنظمة، كريستيان ليندميير، إن ما بين 20 إلى 30 بالمئة فقط من المرافق الصحية تعمل في السودان، منوها إلى أن أكثر تلك المرافق يعمل بالحد الأدنى.

وأشار ليندميير إلى أن الإمدادات الطبية لا تلبي سوى 25 بالمائة من الاحتياجات، لافتا إلى أن بعض الولايات مثل دارفور "لم تتلق الإمدادات الطبية خلال العام الماضي".

السودان- مظاهرات- أرشيف
خبراء من الأمم المتحدة دعوا إلى نشر قوة "مستقلة ومحايدة من دون تأخير" في السودان

في فيلمها الوثائقي "السودان تذكرنا" (Sudan, Remember Us)، تواجه المخرجة هند مدب، مهمة صعبة، حيث سعت لسرد قصة أربع سنوات محورية في تاريخ السودان من خلال وجوه وشهادات مجموعة من الشباب.

خلال تلك الفترة، تمت الإطاحة بدكتاتورية استمرت 30 عاما عبر ثورة شعبية، لكن تم اختطاف تلك الثورة من قبل الحكام العسكريين.

من خلال التركيز على الشباب الذين كانوا في قلب الأحداث، وفرت مدب نظرة عميقة حول الطريقة التي انتعش بها الأمل الجماعي لجيل كامل من السودانيين.

يبدأ الفيلم برسائل صوتية لمدب مع الشهود خلال الأيام التي تلت اندلاع الحرب بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) في أبريل عام 2023.

ورغم أن تلك الأصوات لم تكن مألوفة لدى الجمهور، فهي نقلت مشاعر اليأس والأمل بوضوح كما يؤكد موقع "فارييتي".

استمرار الحرب في السودان بعد مرور ما يقرب من 18 شهرا جعل تلك اللحظات أكثر إيلاما، رغم أن الفيلم لا يركز على النزاع الحالي. بل يعود إلى عام 2019، عندما كان التغيير الجوهري يبدو ممكنا.

اختارت مدب ثلاثة خيوط سردية لتقديم القصة. فعوضا عن عرض كل موضوع بشكل منفصل، تقوم بتقديمها جماعيا، حيث يتم تجميع قصصهم حسب الموضوع.

أولاً، تبرز الثورة كحدث ثقافي وفني، حيث كان الشعر والفن جزءا رئيسيا من الاحتجاجات.

ثانيا، تسلط الضوء على البُعد النسوي للثورة، مع كون معظم قادتها من النساء الشابات اللاتي سعين لتحطيم قيود المجتمع الأبوي.

ثالثا، تعرض كيف تحولت المحادثات حول الأحلام الفردية المتواضعة إلى مطالب علنية صاخبة من خلال المشاركة والتضامن.

 وفي تعليقها الصوتي التمهيدي، تلفت مدب إلى أن السودان أرض الأدب، ومن هنا يأتي التقدير العميق للشعر الذي تعكسه عدستها. خلال الفيلم، يتم عرض الثوار الشباب وهم ينشدون الشعر لبعضهم البعض، ويكرمون أسلافهم من المثقفين.

شِعرُهم يعكس واقعهم المعاصر ويستمد إلهامه من قادة الانتفاضات السابقة في الستينيات والثمانينيات

بينما تلتقط الكاميرا الغضب، تسلط الضوء أيضا على عزم هؤلاء الشباب على بناء عالم أفضل لأنفسهم.

تقدم موسيقى ثورتهم، التي تشمل الطبول والصافرات وأصوات الحجارة على الأسفلت، خلفية صوتية لمظاهرتهم.

بعدها تنتقل مدب والقائمة على تركيب الفيلم، غلاديس جو جو، من اللحظات الإيقاعية إلى المحادثات العفوية في المقاهي والمنازل والشوارع، مما يضيف بُعدا آخر للسرد.

يتحول الحوار بعد ذلك إلى خيط موضوعي أكبر يتناول حقوق النساء، وسوء الممارسات الدينية، ورؤيتهم للسودان الذي يأملون في العيش فيه.

تُبرز الكاميرا أيضا خصوصية العاصمة، الخرطوم، كمكان ذو تاريخ غني كان مصدر إلهام لهؤلاء الثوار الشباب.

لكن التوقعات الكبيرة التي رافقت الحراك الشعبي في بداية الثورة السلمية، تعرضت للحصار، بل والقمع عندما قامت القوات العسكرية بتفريق اعتصام المحتجين بعنف في يونيو 2019.

لا تتردد مدب في عرض مشاهد مروعة للتعذيب والترهيب باستخدام لقطات من الهواتف المحمولة، بينما يتناول التعليق الصوتي تفاصيل القتل والاعتقالات.

ومع كل ما حدث، يتضح من خلال رسالة الفيلم، أن الأصوات التي ارتفعت من أجل سودان أفضل، تستمر في حمل حلم الغد الأفضل، مما يعكس القوة الحقيقية للفيلم كقصة عن المثابرة الجماعية التي لا يمكن كسرها، بحسب وصف "فارييتي".

رغم ذلك، وفي وقت يواجه فيه السودان أزمات الحرب والمجاعة ونزوح الملايين، يقدم الفيلم رمزًا للأمل في المستقبل، "ليمسك به الناس حتى تمر هذه الكارثة" وفق تعبير الموقع ذاته.

وأسفرت الحرب في السودان عن عشرات آلاف القتلى. 

وفي حين لم تتّضح الحصيلة الفعلية للنزاع، تفيد تقديرات بأنها تصل إلى "150 ألفا" وفقا لوكالة فرانس برس. 

ونزح أكثر من عشرة ملايين شخص داخل السودان أو لجأوا إلى البلدان المجاورة منذ اندلاع المعارك في 2023، بحسب إحصاءات الأمم المتحدة. 

والجمعة دعا خبراء من الأمم المتحدة إلى نشر قوة "مستقلة ومحايدة من دون تأخير" في السودان، بهدف حماية المدنيين في مواجهة الفظائع التي يرتكبها الطرفان المتحاربان.