صحفيون سودانيون يحتجون على تعليق صدور صحيفة التيار
وقفة احتجاجية سابقة لصحفيين سودانيين مطالبين بالحرية - أرشيفية

في وجه آخر لمعاناة الصحفيين السودانيين خلال الحرب، "اختطفت قوة مسلحة" الصحفي علاء الدين أبو حربة، من منزله بمنطقة شرق النيل، الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، وفق ما أفاد بيان لنقابة الصحفيين السودانيين، الأحد.

ووصف البيان عملية الاختطاف بـ"المنحى الخطر"، مشيرا إلى أن القوة المسلحة طلبت فدية مليون جنيه سوداني (نحو 300 دولار) لإطلاق سراحه، أو تصفيته جسديا حال لم يصلهم المبلغ.

وأشار البيان إلى أن الخاطفين تسلموا المبلغ المطلوب، لكنهم بدلا من إطلاق سراح أبو حربة، ضاعفوا مبلغ الفدية إلى اثنين مليون جنيه، "مما يضع حياته في خطر داهم في أي لحظة".

ودانت نقابة الصحفيين السودانيين "هذا العمل الإجرامي البربري"، وحمّلت قوات الدعم السريع المسؤولية الكاملة عن حياة الصحفي أبو حربة، وأكدت أن "تهديد حياته أو المقايضة عليها، يمثل انتهاكا صارخا لكل القوانين والأعراف الدولية".

وتواجه الصحفيات والصحفيون في السودان ظروفا تُوصف بالقاسية، خلال الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، في وقت دعت فيه منظمات محلية ودولية طرفي القتال لتمكين العاملين في مجال الصحافة من القيام بواجبهم المهني، وعدم تعريضهم للمخاطر.

وتعرّض عدد من الصحفيات والصحفيين إلى تعديات وانتهاكات على أيدي عناصر تابعة للجيش السوداني، وأخرى تابعة لقوات الدعم السريع، في عدد من المدن السودانية، بينها مدن لا تشهد أي مواجهات عسكرية، وفق منظمات حقوقية.

وقال سكرتير الشؤون الاجتماعية في نقابة الصحفيين، وليد النور، لموقع "الحرة" إن "ما تعرض له أبو حربة تصرف سيئ ومرفوض، يعرض حياته للخطر، وخاصة بعد أن رفض الخاطفون إطلاق سراحه، كما وعدوا".

وأشار النور إلى أن الفدية التي طالبت بها القوة الخاطفة فوق طاقة واحتمالات أسرته الصغيرة والكبيرة، ولا سيما في ظل الأوضاع القاسية التي يعيشها ملايين السودانيين، ممن فقدوا وسائل دخلهم.

وكانت مجموعة مسلحة مكونة من خمسة أفراد، داهمت في 16 أغسطس، منزل الصحفي عبد الرحمن حنين في شرق النيل، إحدى محليات العاصمة الخرطوم، ونهبت بعض الممتلكات، وفق نقابة الصحفيين السودانيين.

وأكدت النقابة أن حرية الصحافة والإعلام وحرية التعبير في السودان، تتعرض لأخطر التهديدات منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل من العام الماضي، مشيرة إلى أنها وثقت 438 انتهاكا ضد الصحفيين والصحفيت منذ اندلاع الحرب في السودان.

وتعرضت الصحفية صباح أحمد في مارس الماضي إلى الاحتجاز بواسطة قوات الدعم السريع في مدينة الحصاحيصا في ولاية الجزيرة وسط السودان، مما أجبرها وزوجها الصحفي، الهادي الأمين، على مغادرة المدينة، حفاظا على أنفسهما وأطفالهما.

ووصلت أسرة الأمين إلى مدينة الدامر بولاية نهر النيل في شمال السودان، بعد معاناة ورحلة طويلة، تعرض خلالها الأمين إلى الاحتجاز بواسطة قوات الدعم السريع.

وفي 17 أغسطس، اقتحمت قوة مسلحة مكونة من 15 شخصا، وصلت على متن 4 سيارات دفع رباعي، المنزل الذي تقيم فيه أسرة الأمين في المدينة الواقعة تحت سيطرة الجيش.

واقتادت القوة الأمين وصباح إلى مقر احتجاز حكومي، وفتشت هواتفهما النقالة، قبل أن تطلق سراحهما لاحقا، وفق ما أفادت مصادر متعددة تحدثت لموقع "الحرة".

وأكدت بيانات صادرة من نقابة الصحفيين تعرُّض خمسة صحفيين وثلاث صحفيات إلى إصابات واعتداء جسدي، بينها حالة اعتداء جنسي.

وتشير البيانات إلى 39 حالة اختطاف وتوقيف واحتجاز، تعرض لها صحفيون سودانيون، بينهم 5 صحفيات، بجانب 28 حالة إطلاق نار، طالت صحفيين، بينهم 10 صحفيات.

ويرى الصحفي السوداني، الناطق السابق باسم تجمع المهنيين السودانيين، صلاح شعيب، أن التضييق الذي يواجه الصحفيين السودانيين، "ناتج عن نظرة حكومة الأمر الواقع للحرب".

وقال شعيب لموقع "الحرة" إن حركة الصحفيين السودانيين مقيدة عن عمد بواسطة طرفي الحرب كل في مناطق سيطرته، "خشية أن ينقل الصحفيون الانتهاكات التي يقومان بها".

وأضاف "لاحظنا أن الطرفين متورطان في عمليات اعتقال الصحفيين، وأحيانا تعذيبهم، مما يجعل مناخ العمل الصحفي مشوبا بالخوف، وربما يعرض حياة الصحفيين للخطر".

موسكو تعمل على تعزيز علاقاتها مع السودان ذي الموقع الاستراتيجي في القارة الأفريقية
مناورة "خطرة" وقاعدة عسكرية "مجمدة".. ما سر التقارب السوداني الروسي؟
عادت عجلة التقارب بين الجيش السوداني وبين روسيا إلى الدوران بوتيرة أسرع، إذ يجري وفد من البنك المركزي الروسي مباحثات مع مسؤولين في بورتسودان، بينما ذكرت وسائل إعلام محلية أن وزير الدفاع السوداني، ياسين إبراهيم، أنهى الجمعة، زيارة إلى موسكو.

وروى أيمن طارق (اسم مستعار) حادثة تعرضه للاعتقال في إحدى مدن شرقي البلاد بواسطة الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش السوداني، مشيرا إلى أن "الصحفيين السودانيين يعيشون بين ناري الجيش وقوات الدعم السريع".

وقال طارق لموقع "الحرة" بعد أن طلب حجب هويته خوفا على سلامته الشخصية، إن الصحفيين السودانيين يعانون من نظرة تجريمية من الطرفين.

وأشار إلى أنه تعرض للاعتقال في معتقلات الاستخبارات العسكرية لساعات، لمجرد أنه أبدى موقفا رافضا لاستمرار الحرب، منوها إلى أن الاستخبارات تنظر بتجريم لكل من يطالب بإنهاء الحرب.

ويشير شعيب إلى أن الانتهاكات التي تطال الصحفيين ليست حكرا على طرف بعينه، مشيرا إلى أن الطرفين طالعان في الاعتداء على الصحفيين، سواء من خلال تقييد حرية العمل الصحفي، أو من خلال الاحتجاز غير المشروع.

وأضاف "المضايقات التي تطال الصحفيين جعلت المعلومات الحقيقية عن الانتهاكات ضد المدنيين في مناطق سيطرة الطرفين، غير موثقة بالقدر الكافي".

ولفت إلى أن المناخ في السودان لا يتيح للصحفيين حرية عرض الحقائق كاملة، نظرا لما تترتب عليه التغطية الصادقة والشفافة من ردود فعل من الطرفين، مما قد يجعل الصحفيين يفقدون حياتهم، أو أقله تعرضهم للحجز والتعذيب.

الانتهاكات التي طالت الصحفيات والصحفيين في السودان لم تتوقف عند التهديد، ووصلت إلى القتل، إذ لقي 6 من الصحفيين السودانيين مصرعهم خلال الحرب، وفق ما تقول نقابة الصحفيين السودانيين، ومنظمات صحفية أخرى.

وأكدت النقابة مقتل الصحفية سماهر عبد الشافع والصحفية حليمة إدريس والصحفي عصام حسن مرجان والصحفي عصام الحاج والصحفي أحمد يوسف عربي والصحفي خالد بلل، خلال الحرب الحالية.

بدوره، طالب النور طرفي الحرب في السودان بتمكين الصحفيين من القيام بدورهم في تغطية أهوال الحرب والكوارث، منوها إلى أن الحرب السودانية أصبحت منسية، "مما يستوجب إفساح المجال للصحفيين لتغطيتها على النحو المهني، دون تقييد".

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".