مواطنون بالولاية الشمالية يشيّدون حاجزا من الطوب لتفادي السيول – فرانس برس
مواطنون بالولاية الشمالية يشيّدون حاجزا من الطوب لتفادي السيول – فرانس برس

أعلنت السلطات السودانية، الأربعاء، حصيلة جديدة للأضرار التي خلفتها الأمطار والسيول في عدد من الولايات، مؤكدة ارتفاع أعداد الضحايا إلى 138 شخصا، في 10 ولايات.

وأكدت غرفة الطوارئ الوطنية أن نحو 14 ألف أسرة تأثرت بالأمطار والسيول التي ضربت الولاية الشمالية الحدودية مع مصر، الثلاثاء، وفق وكالة السودان للأنباء.

وجاءت أمطار الولاية الشمالية بعد يومين من أمطار وسيول ضربت مناطق واسعة في شرق السودان، مما تسبب في انهيار سد أربعات، الذي يبعد 40 كيلومترا عن مدينة بورتسودان التي اتخذها قادة الجيش مقرا للحكومة، بعد اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023.

وكشفت الغرفة عن انهيار 3039 منزلا انهيارا كليا، بجانب تعرُّض 9679 منزلا لأضرار متفاوتة، مشيرة إلى أن الأمطار والسيول تسببت في تلف 8141 نخلة، بجانب 996 شجرة فواكهة متعددة.

وأصدرت السلطات السودانية قرارا بتعليق الدراسة في جميع مدارس الولاية الشمالية، وتأجيل الامتحانات بالمراحل المختلفة، لحين إشعار آخر.

وأكدت وزارة الصحة السودانية، تسجيل 102 إصابة جديدة بالكوليرا، ليرتفع التراكمي إلى 1223 حالة، وتسجيل 5 حالات وفاة جديدة، ليرتفع العدد التراكمي إلى 48 حالة وفاة.

وأشارت الوزارة إلى أن حالات الكوليرا جرى تسجيلها في ولايات كسلا والقضارف والجزيرة والخرطوم ونهر النيل، وكشفت عن فتح مراكز عزل بتلك الولايات، ونوّهت إلى أنها في حاجة إلى مراكز عزل أخرى في كسلا والقضارف ونهر النيل.

وأوردت صحف محلية أن عدد الوفيات من جراء فيضان خور بركة بمدينة طوكر بولاية البحر الأحمر، ارتفع إلى 12 حالة وفاة، عقب العثور على جثمان رجل وطفلة.

وذكر شهود عيان لراديو دبنقا، أن الأهالي عثروا على جثامين أسرة كاملة تحت أنقاض منزلها، في حين لم تتمكن فرق الإنقاذ من انتشال الجثامين.

وكانت منظمة الهجرة الدولية أشارت إلى أن فيضان خور بركة أدى إلى نزوح 500 شخص، خارج المنطقة.

جانب من أضرار الأمطار والسيول بالولاية الشمالية في السودان - فرانس برس
حصيلة مرتفعة لضحايا السيول في السودان.. وتحذيرات من الأسوأ
تواصلت معاناة السودانيين مع السيول والأمطار الغزيرة، التي جاءت بمعدلات أعلى من السائد في بعض المناطق، إذ تعرضت الولاية الشمالية، صباح الثلاثاء، لموجة شديدة من الأمطار، مما أدى لخسائر جديدة. في حين حذرت هيئات حكومية من معدلات أمطار عالية، متوقعة.

وجددت وحدة الإنذار المبكر بهيئة الأرصاد الجوية الحكومية، الأربعاء، دعوتها للمواطنين لأخذ الحيطة والحذر، وتوقعت هطول أمطار غزيرة في أنحاء واسعة من السودان.

وأعلنت غرفة الطوارئ الوطنية عن تأثر 10 ولايات من أصل 18 ولاية سودانية، بالأمطار والسيول والفيضانات هذا العام، مشيرة إلى أن الضرر طال 50 محلية بتلك الولايات.

وكان مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة (أوتشا)، أفاد بأن عدد الذين تأثروا من جراء الأمطار الغزيرة والفيضانات في جميع أنحاء السودان، يُقدر بـ317 ألف شخص.

وأشار المكتب على موقعه الإلكتروني، الثلاثاء، إلى أن 118 ألف شخص نزحوا عن منازلهم، بينما دُمِّر ما يقرب من 27,000 منزل، وتضرر ما يصل إلى 31,240 منزلًا بسبب الأمطار الغزيرة والفيضانات.

وأوضح المكتب أن الأمطار ألحقت أضرارا بـ 190 خيمة في مدينة كسلا بشرق السودان، تأوي حوالي 950 نازحا، فروا إلى المدينة من ولاية سنار والجزيرة والخرطوم بسبب الحرب.

مهاجرون سودانيون غير شرعيين، في انتظار ترحيلهم من ليبيا – مطار بن غازي 2019
مهاجرون سودانيون غير شرعيين، في انتظار ترحيلهم من ليبيا – مطار بن غازي 2019

في إحدى ليالي أبريل عام 2023، وبينما كان صوت القذائف يمزّق سكون مدينة الفاشر، شمال دارفور، احتضنت تماضر النور البكر، أطفالها.

لديها ثلاثة أطفال، احتضنتهم سوية، في محاولة لتهدئة رعشة الخوف في قلبها.

"الحرب لا ترحم، والجوع بات يهدد حياتهم"، قالت البكر لموقع "الحرة".

حاول زوجها، الذي ظل معها طوال فترة النزوح، البحث عن أي وسيلة للخروج من السودان، بعدما ضاق بهم الحال وأصبحت الفاشر ساحة معركة، لا تصلح للعيش.

لم يكن أمامهما خيار سوى الهرب. 

جمعا ما تبقى لديهما من أموال قليلة، واستعدا لرحلة محفوفة بالمخاطر نحو ليبيا، حيث قيل لهما: هناك فرصة لحياة أكثر أمانا.

بدأت الحرب في السودان منتصف أبريل عام 2023، نتيجة صراع بين القوات المسلحة بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي.

يعود أصل الخلاف إلى تنافس قديم بين المؤسستين حول السلطة والنفوذ، وتفاقم الخلاف بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019.

خلفت الحرب آثارا إنسانية تصفها تقارير دولية بـ"الكارثية"، إذ سقط آلاف الضحايا المدنيين وأجبر الملايين على النزوح داخليا وخارجيا.

رحلة الهروب إلى الكفرة

في شاحنة قديمة مكتظة بالهاربين، انطلقت البكر وزوجها وأطفالهما عبر الصحراء الكبرى في أغسطس من نفس العام.

كان الحرّ لا يُطاق، والماء شحيحا، والخوف من قطاع الطرق والميليشيات، ينهش القلوب.

كلما شعرت البكر باليأس، نظرت إلى عيون أطفالها واستمدّت منهم القوة، فيما كان زوجها يمسك بيدها ليطمئنها بأن "هذه المحنة ستمر".

بعد أيام من المعاناة، وصلوا إلى مدينة الكفرة الليبية، نقطة الدخول الرئيسية من السودان، وتبعد نحو 350 كيلومترا عن أقرب نقطة حدودية سودانية.

خلال عام 2024، تضاعف عدد اللاجئين السودانيين الباحثين عن الأمان في ليبيا، مع وصول ما يقدر بنحو 400 لاجئ إلى البلاد يوميا، وفقا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

سرعان ما اكتشفت أسرة البكر أن الكفرة تعج بالمُهربين والمسلحين، وأن اللاجئين السودانيين يُعاملون بقسوة. 

بالكاد تمكنوا من العثور على مكان يؤويهم. ناموا في مخزن صغير مشترك مع مجموعة عائلات، هربت أيضا من أماكن أخرى.

في الصباح، بدأوا مع آخرين بمساعدة مهرب، التحرك نحو العاصمة الليبية طرابلس، حيث أوقفهم مسلحون على حواجز عدة.

قالت البكر: "كانوا ينزلوننا ويهينوننا، خاصة في بوابة إجدابيا شرق ليبيا، ويطلبون أموالا إضافية حتى نمر".

دفعوا ما يعادل الـ 100 دولار أميركي لهذه الحواجز، حتى وصلوا إلى طرابلس في الغرب.

خريطة السيطرة في ليبيا

احتجاز أول

وصلت الأسرة والقافلة إلى مقر مفوضية اللاجئين. بالكاد استطاعوا تسجيل أسمائهم، ثم حصلت كل أسرة على مبلغ 500 دينار (حوالي 101 دولار أميركي)، بحسب البكر.

قالت البكر: "هذا المبلغ لا يكفي إيجار بيت لشهر واحد، لذا خصصناه للأكل والشراب".

لم يكن هناك مكان يأوي أسرتها، فباتوا أمام المفوضية مع عشرات من السودانيين الآخرين.

لم يمضِ وقت طويل حتى داهمت قوات الأمن الليبية المنطقة بعد اكتظاظها بالمهاجرين.

اعتُقل عشرات اللاجئين، من بينهم البكر وزوجها وأطفالهما الذين يبلغون من العمر سبعة وثمانية و12 عاما.

اقتيدت الأسرة مع عشرات من الأسر الأخرى إلى سجن أبو سليم.

"أجبرونا على خلع كل ملابسنا أنا وزوجي تماما حتى الأطفال الصغار، بدعوى التفتيش، وعندما جادلناهم ضربونا. لدي علامات على جسمي بسبب ضربهم" قالت البكر.

كانت الليالي في السجن تمر بطيئة ومليئة بالخوف. 

شاهدت البكر رجال الأمن يضربون بعض المحتجزين، وسمعت صرخات نساء تم استجوابهن بطرق مهينة.

حاولت أن تبقى قوية من أجل أطفالها الذين كانوا يبكون من الجوع والبرد.

في السجن، رافقتهم امرأة سودانية مع أطفالها السبعة، أكبرهم فتاة تبلغ من العمر 18 عاما.

كانت السيدة تعاني من مرض السكري، ولم تكن قادرة على تناول الطعام الذي يقدم لهم، وهو عبارة عن خبز أو أرز.

تعيش هذه السيدة الآن مع البكر وعائلتها. تعاني من مرض شديد بسبب ما حدث معها في السجن.

بعد 30 يوما من الاحتجاز والمعاناة، تم إطلاق سراحهم بعد أن تدخلت مفوضية اللاجئين التي منحتهم 900 دينار (190 دولارا أميركيا تقريبا) للبحث عن مأوى.

وبالفعل، اشتركت الأسرة مع عائلات سودانية أخرى لتأجير منزل بثلاث غرف، حوت كل واحدة، سبعة أشخاص.

قالت البكر: "أفضل من أن نبيت في الشارع ويتم اعتقالنا من جديد".

حاول زوجها البحث عن عمل دائم، لكنه لم يفلح. السبب في ذلك، عدم وجود جوازات سفر معهم.

لم يطل بقاؤهم في المنزل المستأجر أكثر من شهر، حتى جاءت قوات الأمن واعتقلتهم من جديد.

تم الاعتقال بناء على شكوى من الجيران الذين قالوا إن "المنزل فيه عدد كبير من السودانيين".

كانت هذه المرة أسوأ من الأولى، حيث أجبرتها قوات الأمن على خلع ملابسها رغم أنها كانت في فترة الحيض.

لم تفلح محاولات التوسل إليهم لإثنائهم عن هذه الإجراءات المهينة، التي تصاحبها تحرشات جنسية، على حد قولها.

داخل الحجز، لم يكن هناك طعام تقريبا. كان الأطفال يمرضون دون أي رعاية طبية.

بعد ستة أيام اتصلت السفارة السودانية وتوسطت لإخراجهم من السجن.

لا تستطيع البكر وأسرتها العودة إلى الفاشر التي تستمر فيها الحرب، حتى أن والدها قتل هناك بقصف قوات الدعم السريع قبل أربعة أشهر. 

صعوبات هائلة

وبينما تشير التقديرات إلى وصول أكثر من 210 ألف سوداني إلى ليبيا منذ بداية الحرب، تتوقع مفوضية اللاجئين أن يصل العدد إلى نحو 450 ألفا مع نهاية العام الجاري.

في أواخر ديسمبر الماضي، قالت عسير المضاعين، رئيسة بعثة مفوضية اللاجئين في ليبيا: "لقد تحمل اللاجئون في ليبيا صعوبات هائلة في رحلتهم إلى هنا. ومع دخولنا عاما جديدا، يجب أن نتحرك بسرعة لمنع المزيد من المعاناة وحماية الأرواح".

أصدرت هيئة مكافحة الهجرة غير الشرعية في ليبيا الشهر الماضي، إنذارا نهائيا للشركات في جميع أنحاء البلاد، وطالبتها بتسوية الوضع الوظيفي لعمالها المغتربين.

"استغلال"

طارق لملوم، وهو باحث في الهجرة غير الشرعية، قال خلال مقابلة مع موقع "الحرة" إن " ليبيا تعيش حالة من الفوضى في ما يتعلق بمعاملة المهاجرين غير النظاميين".

"هناك إعلانات كثيرة عن ضرورة تسوية أوضاعهم، لكن على أرض الواقع، يتورط الكثير من المسؤولين في استغلالهم بشكل غير قانوني"، قال لملوم.

قال أيضا إن "كل من يقوم بأعمال الصيانة والنظافة، حتى في السجون، هم مهاجرون غير نظاميين. حتى في الوزارات، هؤلاء العمال هم من يشغلون الوظائف، لكنهم ليسوا مسجلين بشكل قانوني".

وأشار لملوم إلى أن "هؤلاء المهاجرين، غالبا ما يجدون أنفسهم ضحايا للمتاجرة بالبشر، ويعيشون في ظروف قاسية داخل مراكز الاحتجاز، حيث يتم استغلالهم ماليا من قبل السلطات والمجموعات المسلحة".

في السجون، يتعرض المهاجرون للاحتجاز التعسفي، مع تهديدات مستمرة بأنهم سيظلون رهن الاعتقال إلى أن يدفعوا مبالغ مالية مقابل إطلاق سراحهم، بحسب لملوم.

بعضهم لا يتمكن من الخروج إلا بعد دفع مبالغ تصل إلى 1500 دولار أميركي، وهو ما يزيد من معاناتهم، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور في ليبيا.

تضاف إلى هذه المأساة، قلة الخيارات الإنسانية المتاحة لتخفيف معاناتهم، ما يعكس بشكل واضح ضعف الدولة الليبية في معالجة أزمة الهجرة بشكل قانوني وإنساني.

وبينما تخشى البكر مغادرة المنزل الذي يبيتون فيه خوفا مما يمكن أن يحدث، جاءت حملة أمنية السبت (2 فبراير) واعتقلت زوجها ومجموعة سودانيين كانوا يقفون في ساحة يتجمع فيها العمال بحثا عن عمل.

لم تعد ترى أي مخرج من هذا الكابوس الذي يزداد تعقيدا مع مرور الوقت، خاصة، أنها ترى أطفالها يكبرون أمامها دون أن يلتحقوا بالمدارس.

أصبحت البكر تحلم باليوم الذي تنتهي فيه هذه الرحلة القاسية، والعودة إلى وطن آمن، حيث لا تُعامل كالغريبة، وحيث يستطيع أطفالها أن يناموا دون خوف.