FILE - Residents displaced from a surge of violent attacks squat on blankets and in hastily made tents in the village of…
اندلعت الحرب في الخرطوم ثم امتدت إلى 14 ولاية من أصل 18

أكدت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في السودان، الجمعة، أن طرفي الصراع ارتكبا انتهاكات قد ترقى إلى جرائم حرب، مشددة على أن القوى العالمية إرسال قوات حفظ سلام وتوسيع حظر الأسلحة لحماية المدنيين.

وذكر التقرير الصادر عن البعثة مستندا إلى 182 مقابلة مع ناجين وأسرهم وشهود، أن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية مسؤولان عن هجمات على مدنيين ونفذا عمليات اغتصاب وتعذيب واعتقال قسري، وفق رويترز.

وقال محمد شاندي عثمان، رئيس البعثة، إن خطورة النتائج التي توصل إليها التقرير تؤكد الحاجة لاتخاذ إجراءات ملحة وطارئة لحماية المدنيين.

وأضاف في تصريحات للصحفيين "نظرا لإخفاق أطراف النزاع في تجنيب المدنيين الأذى، من الضروري نشر قوة مستقلة ومحايدة مكلفة بحماية المدنيين في السودان على الفور".

وسبق أن نفى كلا الجانبين اتهامات من الولايات المتحدة وجماعات حقوقية بارتكاب انتهاكات، ويتبادلان الاتهامات بالوقوف وراءها. ولم يرد أي من الجانبين بعد على طلب رويترز للتعليق، الجمعة، أو يصدر بيانا للرد على التقرير.

ودعا عثمان والعضوان الآخران بالبعثة إلى نشر قوة مستقلة دون إبطاء.

وقالت منى رشماوي العضو بالبعثة: "لا يمكننا أن نبقى متفرجين على وفاة الأشخاص أمام أعيننا دون فعل شيء حيال ذلك". وأضافت أن إرسال قوة تابعة للأمم المتحدة لحفظ السلام هو أمر محتمل.

ودعت البعثة إلى توسيع نطاق حظر قائم للأسلحة تفرضه الأمم المتحدة ويسري حاليا فقط على إقليم دارفور غرب البلاد. 

ووردت تقارير عن مقتل الآلاف في الإقليم لدوافع عرقية. 

واندلعت الحرب في الخرطوم في أبريل العام الماضي ثم امتدت إلى 14 ولاية من أصل 18.

مئات البلاغات عن جرائم اغتصاب

ذكرت البعثة أنها وجدت أسبابا معقولة لتعتقد أن قوات الدعم السريع والجماعات المسلحة المتحالفة معها ارتكبت جرائم حرب إضافية منها الاسترقاق الجنسي للنساء وتجنيد أطفال في الصراع.

وقالت جوي نجوزي إيزيلو العضو بالبعثة إن جماعات دعم لم تسمها تلقت بلاغات عن وقوع أكثر من 400 حالة اغتصاب في العام الأول من الحرب، لكن العدد الحقيقي يُحتمل أنه أكبر بكثير.

وأضافت "الوحشية النادرة في هذه الحرب سيكون لها أثر نفسي مدمر وطويل الأمد على الأطفال".

وذكر فريق تقصي الحقائق أنه حاول التواصل مع السلطات السودانية في مرات عديدة لكنه لم يتلق ردا. وأضاف الفريق أن قوات الدعم السريع طلبت التعاون مع البعثة، من دون خوض في مزيد من التفاصيل.

اندلع الصراع حينما تحولت المنافسة بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى حرب مفتوحة. وكان الطرفان يتشاركان السلطة سابقا بعد تنفيذ انقلاب.

وتقول منظمات إغاثة إن المدنيين في السودان يواجهون مجاعة متفاقمة والأمراض والنزوح الجماعي بسبب الحرب المستمرة منذ 17 شهرا.

وقال وسطاء بقيادة الولايات المتحدة الشهر الماضي إنهم حصلوا على ضمانات من كلا الطرفين في محادثات بسويسرا لتحسين آليات توصيل المساعدات الإنسانية، لكن غياب الجيش السوداني عن المناقشات عرقل إحراز تقدم.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير للصحفيين، الجمعة "سنواصل الضغط على جميع الأطراف للتوصل إلى تسوية من خلال التفاوض تسمح للشعب السوداني برسم مستقبله السياسي"، مؤكدة إدانة إدارة الرئيس جو بايدن للعنف.

وهذا هو أول تقرير تصدره البعثة المكونة من ثلاثة أعضاء منذ أن شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في أكتوبر 2023.

وستدعو دول غربية منها بريطانيا إلى تجديد مهمة البعثة خلال اجتماع هذا الشهر، ويتوقع دبلوماسيون معارضة السودان الذي يعد الحرب مسألة داخلية.

الجيش السوداني سيطر على مدينة ود مدني المحورية - رويترز
الجيش السوداني سيطر على مدينة ود مدني المحورية (رويترز)

في مقطع مصور أثار الكثير من الجدل والغضب، يظهر أشخاص بزي عسكري وهم يقيدون شابا سودانيا بالحبال، قبل أن يلقوه من أعلى جسر "حنتوب" فوق نهر النيل الأزرق، الذي يربط بين شرق مدينة ود مدني وغربها في ولاية الجزيرة.

الفيديو  أشعل موجة غضب لدى العديد من الأوساط السياسية والحقوقية في السودان، حيث توجهت أصابع الاتهام إلى مجموعات مسلحة مرتبطة بالجيش السوداني، بارتكاب عمليات تصفية على أساس عرقي في ود مدني وضواحيها.

وحسب وكالة رويترز فإن أحد الرجال الذين ظهروا في المقطع المصور كان يرتدي سترة عليها شعار كتيبة البراء بن مالك، وهي جماعة مسلحة متحالفة مع الجيش. 

وذكرت الوكالة أنها لم تتمكن من التأكد من تاريخ حدوث تلك الواقعة.

ويثار جدل واسع بشأن كتيبة "البراء بن مالك" التي يقودها المصباح أبو زيد، إذ يربط سياسيون وناشطون بينها وبين الحركة الإسلامية، التي تعد المرجعية الدينية لنظام الرئيس المخلوع عمر البشير.

مقتل أطفال ونساء

وفي نفس السياق، قال صحفي وإعلامي سوداني لموقع "الحرة"، مفضلا عدم الكشف عن هويته لأسباب تتعلق بسلامته، إن مشاهد الفوضى والقتل سادت ود مدني منذ الساعات الأولى من دخول الجيش والقوات المقاتلة معه، السبت.

وأكد ذلك الإعلامي أنه "وفقا لمقاطع فيديو يتم تداولها بشكل واسع، وبيانات متتالية من عدد من المنظمات الحقوقية والمجموعات السياسية، فإن ود مدني ومناطق الكنابي المحيطة بها، التي يقطنها عمال زراعيون ينتمون لإثنيات دارفورية،  تشهد عمليات قتل واسعة تنفذها مجموعات تابعة للجيش".

وأشار إلى وجود "تقارير أولية" بأن حصيلة العنف بلغت منذ السبت وحتى وقت إعداد هذا التقرير، "نحو 146 مدنيا، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء وكبار السن". 

وقد أججت الأحداث الاخيرة المخاوف المستمرة من عمليات الانتقام الواسعة على أساس الانتماء السياسي والعرقي، التي ظلت تحدث ضد المدنيين العزل في العديد من مناطق السودان، منذ اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023. 

ووفقا للإعلامي ذاته، فإنه يعتقد على نطاق واسع، أن "جزءا كبيرا من المستهدفين بعمليات التصفية الحالية، هم من إثنيات تنتمي لذات المجموعة القبلية التي ينحدر منها قائدا حركتي تحرير السودان، مني اركي مناوي، والعدل المساواة جبريل إبراهيم، المتحالفان مع الجيش". 

ونقل عن مصادر خاصة به، أن "عددا من عناصر الحركتين في الخارج هددوا بالانشقاق في حال عدم اتخاذ موقف قوي"، متهمين قياداتهم بـ"الانحناء للامتيازات الكبيرة التي يحصلون عليها من الحكومة القائمة في بورتسودان". 

وفي الجانب الآخر، أصدرت مجموعات حقوقية، مثل هيئة "محامو الطوارئ"، و"المرصد السوداني لحقوق الإنسان"، إضافة إلى كيانات سياسية، من بينها تنسيقية "تقدم" التي تضم أكثر من 100 حزب وكيان سياسي ومدني، أصدرت بيانات إدانة مطالبة بتحقيق دولي عاجل في عمليات التصفية الجارية. 

واتهمت تلك المجموعات الجيش والميليشات المساندة له، بـ"تنفيذ مجزرة" طالت قطاعا واسعا من المواطنين في ولاية الجزيرة.

وقال المرصد السوداني لحقوق الإنسان، إن "الانتهاكات الجسيمة المرتكبة تعتبر جرائم ضد الإنسانية".

وعزت المجموعات الحقوقية والسياسية سبب تلك الجرائم، إلى "انتشار خطاب الكراهية". 

"حوادث فردية"

وفي معرض تعليقه على تصاعد تلك الانتهاكات في ولاية الجزيرة، أصدر الجيش السوداني بياناً قال فيه إن عمليات القتل التي وقعت كانت تصرفات فردية قام بها أفراد دون توجيهات من القيادة العليا.

وأكد الناطق باسم الجيش، نبيل عبد الله، أن القوات المسلحة ملتزمة بالقانون الدولي في حربها على قوات الدعم السريع.

من جانبها، قالت الخارجية السودانية، الأربعاء، في بيان رسمي، إن حادثة الاعتداء وقتل عدد من المدنيين في منطقة "كمبو طيبة" بولاية الجزيرة عقب استعادة الجيش لمدينة ود مدني "ستخضع للتحقيق الدقيق، وسينال المسؤولون عن ذلك جزاءهم العادل". 

وأعلنت  الخارجية في بيانها، أن هناك "توجيهات عليا صارمة، صدرت لأجهزة حفظ الأمن باتخاذ كل ما يلزم لضمان عدم تكرار مثل هذه الحادثة، والتعامل الحاسم مع أي بوادر من هذا القبيل للقضاء عليها في مهدها".

وكان وزير الإعلام، الناطق باسم الحكومة في بورتسودان، خالد الأعيسر، قد قال في تصريحات إعلامية سابقة، إن الدولة "لا تعاقب المواطنين استناداً إلى الأقاويل والشبهات، أو من دون محاكمات عادلة".

"إعدام أمام الأطفال"

والأسبوع الماضي، أظهر مقطع فيديو تداوله ناشطون على وسائط التواصل، عملية "إعدام رميا بالرصاص" لشخص بملابس مدنية نفذها أفراد قال نشطاء حقوقيون، حسب الإعلامي الذي تحدث إلى موقع "الحرة"، إنهم يتبعون "الجيش السوداني، وذلك بعد الإمساك بالرجل في أحد أحياء مدينة أم درمان"، شمال غرب العاصمة الخرطوم.

وجرت عملية إعدام الرجل، حسب الفيديو المتداول والذي لم يتسن التأكد من صحته من مصادر مستقلة،  أمام اطفاله رغم أنه كان ينفي لجنود كانوا يمسكون به صلته بأي مجموعة مقاتلة.

لكن الجنود لم يستجيبوا لما يقوله وطلب أحدهم من زملائه تصفيته، وأطلقوا عليه بعدها عدة طلقات. 

ورصدت منظمات حقوقية خلال الفترة الأخيرة عددا من الوقائع المشابهة التي راح ضحيتها العشرات من المدنيين.

ووفقا لتقرير نشرته منظمة "أسليد" المتخصصة في رصد مواقع وبيانات الصراعات المسلحة، فقد ارتفعت معدلات العنف ضد المدنيين في السودان بنسبة 89 في المئة خلال الفترة الاخيرة.

وكشف رصد تجريه عضوة مجموعة محامو الطوارئ، رحاب مبارك، عن أكثر من ألف انتهاك ارتكب في حق مدنيين منذ اندلاع الحرب.

وشملت تلك الانتهاكات عمليات اعتقال وقتل خارج إطار القانون، إضافة لعمليات القصف الجوي والمدفعي التي تطال الأحياء المدنية، والتي يعتقد أنها السبب في مقتل أكثر من 80 في المئة من ضحايا الحرب المدنيين المقدر عددهم بعشرات الآلاف. 

المعارك تحتدم في السودان.. ماذا بعد حديث "القتال 21 عاما"؟
"سنقاتلهم 21 عاما".. هكذا توعد قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي) الجيش السوداني، بعد اعترافه بخسارة مدينة ود مدني الاستراتيجية في ولاية الجزيرة.

رأي محللون أن هذه الكلمات لا تعبر سوى عن حجم الهزائم التي تتلقاها قوات دقلو خلال الأسابيع الأخيرة أمام الجيش، وخصوصا في ولاية الجزيرة وسط البلاد، وفي الخرطوم أيضًا.

وبرزت خلال الفترة الماضية العديد من الأحداث الخطيرة التي تشير إلى تحول كبير في طبيعة الحرب الحالية.

ففي يونيو الماضي، قامت مجموعة ترتدي زي الجيش بتصفية مجموعة من المدنيين في منطقة القضارف بشرق البلاد بإطلاق وابل من الأعيرة النارية على عشرات الشباب، وهم مُكبلين وملقى بهم على الأرض، وسط تهليل وصياح هستيري للقتلة في مشهد فوضوي.

وفي نوفمبر أعدم مقاتلون نحو 15 شخصا في منطقة الحلفايا بعد ساعات من دخول قوات الجيش لها، وذلك بتهمة انتمائهم لقوات الدعم السريع، لكن مجموعات شبابية في المنطقة قالت إن معظم من أعدموا كانوا مدنيين عالقين في مناطق القتال. 

وجاءت الواقعتان بعد قتل 11 شخصا في دارفور بغرب البلاد، بتهمة اصطفاف قبيلتهم إلى أحد طرفي القتال؛ وسبق تلك الحادثة قطع رؤوس 3 شبان مدنيين في مدينة الأبيض بولاية كردفان، أيضا بتهمة موالاة قوات الدعم السريع. 

كما شهدت العديد من مناطق العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة ونهر النيل والشمالية، عمليات قتل طالت عشرات الأشخاص، والتي يعتقد أنها جرت على أساس الانتماء.

من جانبه، شكك مستشار قائد قوات الدعم السريع، أيوب نهار، في الاتهامات التي تطال قواته بشكل مستمر، بالتورط في عمليات إعدام وقتل للأسرى والمحتجزين وتمثيل بالجثث.

وقال نهار، في حديث سابق لموقع "الحرة"، إن ظهور أشخاص يرتدون ملابس قوات الدعم السريع، في مقاطع فيديو توثق لانتهاكات وإعدامات، "لا يعني بالضرورة أنهم ينتمون فعلا إلى الدعم السريع".