مخاوف من انتشار الجوع في السودان بسبب الحرب
مخاوف من انتشار الجوع في السودان بسبب الحرب

قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن ما وصفه بـ "المزيج القاتل" من الجوع والنزوح وتفشي الأمراض، يخلق ما سماه بعاصفة مثالية لـ "خسارة كارثية" في الأرواح بالسودان.

وأفاد المكتب في آخر تحديث أصدره الخميس، بأن برنامج الأغذية العالمي يعمل على مدار الساعة للوصول إلى 8.4 مليون شخص بحلول نهاية العام للتغلب على الجوع في البلاد، مشيرا إلى أن البرنامج ساعد في عام 2024 وحتى الآن أكثر من 5 ملايين شخص، بمن فيهم 1.2 مليون في منطقة دارفور.

يأتي هذا في الوقت الذي تواصل فيه منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة "يونيسف" نقل إمدادات التغذية المنقذة للحياة لعلاج حوالي 215 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد في السودان. ويقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن "يونيسف" وشركاءها قدموا لحوالي 6.6 مليون طفل في السودان وأسرهم مياه شرب آمنة هذا العام، في وقت تتفاقم فيه حالات تفشي الأمراض، بما في ذلك الكوليرا.

صورة أرشيفية لسيدة مع طفلها بمخيم زمزم للنازحين، بالقرب من الفاشر شمالي دارفور
وسط المعارك والأمراض.. أطفال "يموتون جوعا" في بلدة سودانية
مع استمرار المعارك العنيفة بين قوات الدعم السريع وبين الجيش السوداني، فر عشرات الآلاف من عاصمة شمال دارفور، الفاشر المحاصرة والممزقة بالحرب، نحو بلدة صغيرة على بعد نحو 70 كيلومترا، حيث بدأت معاناة أخرى جراء نقص الطعام وعدم وجود رعاية صحية.

وأوضح مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن الأطفال يشكلون حوالي نصف الأشخاص الذين فروا من ديارهم ويفوق عددهم 10 ملايين، منذ اندلاع الصراع في السودان العام الماضي. في وقت عبر مليونان من هؤلاء النازحين إلى البلدان المجاورة، حيث تقدم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الدعم العاجل لهم.

وأفاد المكتب بأن مفوضية اللاجئين تقدم خدمات الحماية الأساسية وتساعد في نقل الأعداد الهائلة من الوافدين الجدد بعيدا عن المناطق الحدودية إلى أماكن أكثر أمانا في بلدان اللجوء، منبها إلى أن هذه الجهود يعرقلها نقص التمويل والفيضانات وانعدام الأمن.

وتقول الأمم المتحدة إنه تم تمويل خطة هذا العام التي تبلغ 1.5 مليار دولار لدعم الاستجابة الإقليمية للاجئين في سبع دول مجاورة، بأقل من ربع المبلغ، إذ لم يتم جمع سوى 347 مليون دولار فقط. وفي الوقت ذاته، تم تمويل الاستجابة داخل السودان بأقل من النصف، حيث تلقت خطة الاستجابة الإنسانية للسودان لعام 2024 نحو 1.3 مليار دولار فقط من 2.7 مليار دولار لازمة للوصول إلى حوالي 14.7 مليون شخص في البلاد حتى نهاية العام.

وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك في المؤتمر الصحفي اليومي الذي عُقِد في مقر المنظمة في نيويورك الخميس، إن أكثر من 113 شاحنة مساعدات دخلت السودان من تشاد عبر معبر أدري منذ إعادة فتحه من قبل السلطات السودانية الشهر الماضي.

وأضاف أن خمس شاحنات أخرى عبرت المعبر مساء الأربعاء، مضيفا أن الإمدادات عن طريق أدري عبرت إلى أكثر من ربع مليون شخص في السودان، وتشمل هذه الإمدادات الغذاء والتغذية والمأوى والمستلزمات الطبية وغيرها من المواد التي تشتد الحاجة إليها.

وفي تطور منفصل، كشف دوجاريك عن حدث وزاري رفيع المستوى سيعقد في 25 من شهر سبتمبر الحالي، بشأن الأزمة المتصاعدة في السودان والمنطقة. وأوضح أن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يستضيفان هذا الحدث إلى جانب مصر والسعودية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي.

وتقول الأمم المتحدة إن نحو 25 مليون شخص، أي نصف سكان السودان، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، وإن المجاعة تلوح في الأفق، كما نزح نحو 10 ملايين شخص. وانتقل أكثر من 2.2 مليون شخص من هؤلاء إلى بلدان أخرى.

الجيش السوداني سيطر على مدينة ود مدني المحورية - رويترز
الجيش السوداني سيطر على مدينة ود مدني المحورية - رويترز

"سنقاتلهم 21 عاما".. هكذا توعد قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الجيش السوداني، بعد اعترافه بخسارة مدينة ود مدني الاستراتيجية في ولاية الجزيرة.

لكن هذه الكلمات "لا تعبر سوى عن حجم الهزائم التي تتلقاها قوات دقلو خلال الأسابيع الأخيرة أمام الجيش"، وخصوصا في ولاية الجزيرة وسط البلاد، وفي الخرطوم أيضًا.. هذا ما يراه محللون تحدث معهم موقع "الحرة".

وكان الجيش السوداني قد أعلن، السبت، السيطرة على ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، بعد نحو عام من إحكام قوات الدعم السريع قبضتها عليها.

وتأكيدا على حديث دقلو الذي جاء في تسجيل صوتي بثته وسائل إعلام محلية، كتب مستشار قائد الدعم السريع، الباشا طبيق، في تغريدة على منصة إكس: "انسحاب قوات الدعم السريع من مدني لا يعني الهزيمة ولا خسارة المعركة.. مسيرة النضال مستمرة ولو استمرت الحرب لمدة ألف عام".

ومنذ أبريل 2023 تدور حرب بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق دقلو. وأدى القتال إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح أكثر من 12 مليون سوداني.

ماذا يعني تصريح دقلو؟

قال المحلل السياسي السوداني، محمد تورشين، في تصريحات لموقع "الحرة"، إن حديث قائد قوات الدعم السريع "تتكرر بعد الهزائم المتكررة، وتعكس حجم الانهيار والتراجع في قواته".

ويتقدم الجيش السوداني في مناطق مختلفة، حيث أعلن في بيان، الأحد، أن قواته تستعد لدخول العاصمة الخرطوم، "في أية لحظة".

وسيطر الجيش في وقت سابق الأحد، على مجمع الرواد السكني، جنوبي العاصمة، كما سيطر على مدينة تمبول شرق ولاية الجزيرة.

وقال تورشين للحرة، إن ود مدني "لها أهميتها الجيوستراتيجية، فالجيش أعاد السيطرة على منطقة تعد حلقة وصل بين شرقي وجنوبي وغربي السودان. هذا إنجاز مهم".

الباحث المختص بشؤون حل النزاعات، بابكر فيصل، أوضح من جانبه للحرة، أن السيطرة على ود مدني "يمثل تحوّلا كبيرا لصالح الجيش، وكان واضحا أنه منذ مفاوضات جنيف كان يعمل على تعديل موازين القوى على الأرض، قبل الدخول في أي مفاوضات".

وتابع: "كان يركز على مدني والخرطوم".

وكانت مباحثات قد أجريت في سويسرا بأغسطس الماضي، دعت إليها الولايات المتحدة، سعيا لوقف إطلاق النار بين الجيش وقوات الدعم السريع. 

وحضر ممثلو قوات الدعم السريع المفاوضات في جنيف، في حين غاب عنها ممثلو الجيش.

ورغم عدم مشاركة الجيش بشكل في المفاوضات في جنيف، فإن المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، توم بيرييلو، حينها رأى أن المحادثات "حققت بعض النجاح، من خلال التركيز الدولي على السودان، في وقت كان فيه العالم يحوّل انتباهه بعيدا".

وتعدُّ ود مدني، الواقعة على ضفاف النيل الأزرق، بوابة تمكنت قوات الدعم السريع من خلالها من توسيع سيطرتها على مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والقرى في وسط السودان، بما في ذلك ولايتي الجزيرة وسنار.

وتتمتع منطقة الجزيرة بأهمية، كونها واحدة من أكثر المناطق الزراعية خصوبة في البلاد.

سنوات أخرى من القتال؟

الحرب المأساوية في البلاد، تسببت في حاجة نحو 30 مليون شخص في السودان، أكثر من نصفهم أطفال، إلى المساعدة، وفق بيان للأمم المتحدة، الأسبوع الماضي.

وأسفرت الحرب عن مقتل الآلاف، وسط تقديرات تتراوح بين 20 ألفا و150 ألف شخص، بالإضافة إلى ما يقدر بنحو 11 مليون نازح.

وتعتبر الأمم المتحدة أن الأزمة الناتجة عن الحرب في السودان، هي إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في التاريخ الحديث.

ويأمل فيصل في أن يكون تقدم الجيش "توجها نحو التفاوض ولا يقود إلى استمرار الحرب لفترة طوية"، مضيفا في حديثه للحرة: "تجاربنا في السودان تقول إن الحروب تنتهي عبر التفاوض، واستمرار الحرب سيقود إلى تفكيك وتفتيت البلاد".

لكن في الوقت نفسه، أعرب عن اعتقاده بأن "المعارك ستحتدم خلال الفترة المقبلة في الخرطوم ومناطق أخرى، في محاولة من الجيش للتمدد، وسعي الدعم السريع للتمسك بالأرض قبل أي مفاوضات".

من جانبه، قال تورشين إنه لا يعتقد بأن التقدم العسكري سيقود إلى مفاوضات، حيث يرى أن "أي حل سياسي سيتطلب دمج الفصائل المسلحة في الجيش، وتقديم من ارتكبوا جرائم إلى العدالة"، مضيفا: "لا أعتقد أن دقلو أو الجهات الداعمة له ستقبل بمثل هذه الأمور".

وتابع: "قوات الدعم السريع لا يمكنها تقديم تنازلات أو تفاهمات من شأنها إيقاف الحرب وتوحيد المؤسسة العسكرية، لأن ذلك يعني نهاية آل دقلو والمجموعة المتحكمة في الدعم السريع".

وعاد توشين وأشار إلى تصريح دقلو بأنه سيحارب "21 عاما"، منوها بتوعده السودانيين بالقتال لفترة طويلة.

دور للعقوبات؟

قالت الولايات المتحدة إن عناصر القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، ارتكبوا "جرائم ضد الإنسانية وتطهيرا عرقيا".

وزير الخارجية أنتوني بلينكن، قال أيضا في بيان، الثلاثاء، إنه "بناءً على هذه المعلومات، توصّلتُ الآن إلى أن أفراد قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها، ارتكبوا عمليات إبادة جماعية في السودان".

وفرضت واشنطن، الأسبوع الماضي، عقوبات على دقلو، بالإضافة إلى 7 شركات وفرد واحد مرتبطين بهذه القوات.

ويرى فيصل أنه "لابد من ملاحقة مرتكبي الجرائم وعدم إفلاتهم من العقاب، لكن عبر لجان تقصي حقائق وآلية دولية مستقلة للتحققيق والمحاكمة".

وأشار إلى أن الولايات المتحدة ودول أوروبية أصدرت عقوبات سابقة على قيادات لدى طرفي الصراع في السودان، بسبب اتهامهم بارتكاب جرائم حرب، "لكن العقوبات الأخيرة شملت الإبادة الجماعية".

خاص- مئات جرائم الاغتصاب في السودان وفيديوهات توثق "الفخر القبيح"
مع بداية الحرب في السودان، ترصد وحدة مكافحة العنف ضد المرأة الانتهاكات التي تمارس ضد النساء، وبشكل خاص من طرف قوات الدعم السريع.

ومع قرار الولايات المتحدة، الثلاثاء، فرض عقوبات على قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، لارتكاب جرائم من بينها اغتصاب النساء، قالت رئيسة الوحدة، سليمة إسحق، إن عدد حالات الاغتصاب التي تم رصدها تجاوزت 550 حالة.

وقال: "نتمنى أن يمثل ذلك ضغطا على الأطراف لوقف القتال، والتوجه إلى التفاوض والحوار".

وأفاد تقرير أممي في ديسمبر، بأن المجاعة تتفشى "في 5 مناطق على الأقل" في السودان، وتطال على وجه الخصوص مخيمات اللاجئين والنازحين من الحرب التي تشهدها البلاد.

وتوقع تقرير لجنة مراجعة المجاعة بالتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، أن تعاني 5 مناطق إضافية من المجاعة بين الشهر الجاري ومايو 2025.

تورشين قال عن العقوبات إنها "لن توقف دعم دول بعينها مثل الإمارات لقوات الدعم السريع"، وأضاف أن "الإسلاميين هم الدافع الأساسي لتدخل الإمارات، فهي بحاجة إلى تطمينات، وعدا ذلك أعتقد بأنها ستواصل دعمها لقوات الدعم السريع".

يذكر أن الجيش السوداني اتهم الإمارات مرارا بدعم قوات الدعم السريع، وهو ما تنفيه الدولة الخليجية تماما.

أما فيصل فرأى أن العقوبات وحدها "لن تكون السبيل للوصول إلى الحقائق على الأرض"، معتبرا أنه "يمكن حدوث ذلك عبر آلية مستقلة دولية تقدم فيها كل البلدان المعلومات التي لديها، لملاحقة الجناة ومرتكبي الجرائم".