الإمارات تقول إنها أرسلت ألفي طن من المساعدات الإنسانية للاجئين السودانيين ـ صورة أرشيفية
الإمارات تقول إنها أرسلت ألفي طن من المساعدات الإنسانية للاجئين السودانيين ـ صورة أرشيفية

سلطت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية الضوء على الدور الذي قالت إن الإمارات تلعبه في الصراع في السودان، موضحة أنها تعمل على توسيع "حملة سرية" لدعم الطرف المتوقع أن يكون المنتصر في الحرب الأهلية في السودان، وتقصد قوات الدعم السريع، كما اتهمتها بالتخفي تحت راية الهلال الأحمر، لتهريب الأسلحة ونشر الطائرات بدون طيار.

لعبة مزدوجة قاتلة

وذكرت الصحيفة أن الإمارات تلعب لعبة مزدوجة مميتة في السودان، البلد الذي مزقته واحدة من أكثر الحروب الأهلية كارثية في العالم.

وأشارت إلى أنها في محاولة لتعزيز دورها كقوة إقليمية، تعمل الإمارات على توسيع حملتها السرية لدعم المنتصر في السودان، حيث تقوم بتوجيه الأموال والأسلحة، والآن، طائرات بدون طيار قوية إلى المقاتلين الذين يندفعون في جميع أنحاء البلاد، وفقًا لمسؤولين ومذكرات دبلوماسية داخلية وصور الأقمار الاصطناعية التي حللتها "نيويورك تايمز".

وفي الوقت نفسه، تقول الصحيفة،  تقدم الإمارات نفسها كبطل للسلام والدبلوماسية والمساعدات الدولية. وتستخدم أحد أشهر رموز الإغاثة في العالم، وهو الهلال الأحمر، نظير الصليب الأحمر، كغطاء لعمليتها السرية لإرسال طائرات بدون طيار إلى السودان وتهريب الأسلحة إلى المقاتلين، كما تظهر صور الأقمار الاصطناعية ويقول المسؤولون الأميركيون للصحيفة.

وترى "نيويورك تايمز" أنه تم تغذية الحرب في السودان، الغنية بالذهب والتي يبلغ طول ساحلها على البحر الأحمر حوالي 500 ميل، من قبل مجموعة كبيرة من الدول الأجنبية، مثل إيران وروسيا، وكذلك الإمارات التي تتولى مهمة إمداد الأطراف المتحاربة بالسلاح، على أمل ترجيح كفة الميزان لصالح الربح أو المكاسب الاستراتيجية الخاصة بها، في حين يقع شعب السودان في مرمى النيران المتبادلة.

لكن المسؤولين يقولون إن الإمارات تلعب الدور الأكبر والأكثر أهمية على الإطلاق، حيث تتعهد علناً بتخفيف معاناة السودان حتى في حين تعمل سراً على تأجيجها، بحسب الصحيفة.

وتقول الإمارات إنها أوضحت "بشكل قاطع" أنها لا تسلح أو تدعم "أياً من الأطراف المتحاربة" في السودان. بل على العكس من ذلك، تقول إنها "منزعجة من الكارثة الإنسانية المتسارعة" وتدفع نحو "وقف فوري لإطلاق النار"، بحسب الصحيفة.

لكن لأكثر من عام، ذكرت الصحيفة أن الإمارات كانت تدعم سراً قوات الدعم السريع، وهي المجموعة شبه العسكرية التي تقاتل الجيش السوداني من أجل السيطرة على ثالث أكبر دولة في أفريقيا.

دلائل على تهريب الأسلحة الإماراتية

ووفقا للصحيفة، أكد محققو الأمم المتحدة، في يناير، تحقيقاً أجرته "نيويورك تايمز"، العام الماضي، يفصل عملية تهريب الأسلحة الإماراتية، عندما استشهدوا بأدلة "موثوقة" على أن الإمارات تنتهك حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على السودان لمدة عقدين من الزمان.

والآن أوضحت الصحيفة أن الإماراتيين يعملون على تضخيم حملتهم السرية، حيث يتم إطلاق طائرات بدون طيار صينية الصنع قوية، وهي الأكبر من نوعها على الإطلاق في حرب السودان، من مطار عبر الحدود في تشاد قامت الإمارات بتوسيعه إلى مطار عسكري مجهز تجهيزاً جيداً.

وتظهر صور الأقمار الاصطناعية أنه تم بناء حظائر للطائرات وتركيب محطة تحكم بالطائرات بدون طيار. وقد توصل تحليل صحيفة "نيويورك تايمز" لبيانات تتبع الرحلات الجوية إلى أن العديد من طائرات الشحن التي هبطت في المطار أثناء الحرب كانت تنقل في السابق أسلحة للإمارات إلى مناطق صراع أخرى، مثل ليبيا، حيث اتُهم الإماراتيون أيضًا بانتهاك حظر الأسلحة.

ويقول المسؤولون الأميركيون إن الإماراتيين يستخدمون المطار الآن لتسيير طائرات عسكرية بدون طيار متقدمة لتزويد قوات الدعم السريع بمعلومات استخباراتية عن ساحة المعركة، ومرافقة شحنات الأسلحة إلى المقاتلين في السودان لمراقبة الكمائن.

ومن خلال تحليل صور الأقمار الاصطناعية، حددت صحيفة "نيويورك تايمز" نوع الطائرة بدون طيار المستخدمة، وتبين أنها "وينغ لونغ 2"، وهو نموذج صيني غالبًا ما يُقارن بطائرة "إم كيو-9 ريبر" التابعة للقوات الجوية الأميركية.

وتُظهر الصور، بحسب الصحيفة، مخبأ ذخيرة واضحًا في المطار ومحطة تحكم أرضية لطائرة "وينغ لونغ" بجانب المدرج، على بعد حوالي 750 ياردة فقط من مستشفى تديره الإمارات والذي عالج مقاتلي قوات الدعم السريع الجرحى.

ووفقا للصحيفة، تستطيع الطائرة "وينغ لونغ" الطيران لمدة 32 ساعة، ويبلغ مداها 1000 ميل ويمكنها حمل ما يصل إلى اثني عشر صاروخًا أو قنبلة. ويقول المسؤولون إنه حتى الآن، لا يبدو أن الطائرات بدون طيار تقوم بغارات جوية خاصة بها في السودان، لكنها توفر المراقبة وتحديد الأهداف في ساحات المعارك الفوضوية.

وهذا يجعلها "مضاعف قوة مهم"، كما قال جيه مايكل دام، زميل بارز في معهد ميتشل للدراسات الجوية ومقره فرجينيا، للصحيفة.

وبعد الإقلاع من القاعدة، قد يتم توجيه الطائرات بدون طيار عن بعد من الأراضي الإماراتية، كما يقول الخبراء والمسؤولون للصحيفة. ومؤخرًا، تم رصدها وهي تقوم بدوريات في السماء فوق مدينة الفاشر السودانية المحاصرة، حيث يتضور الناس جوعًا وتحاصرهم قوات الدعم السريع.

وذكرت الصحيفة أن الفاشر موطن لنحو مليوني شخص، وتتزايد المخاوف من أن الحرب على وشك أن تشهد ارتكاب المزيد من الفظائع.

كان المسؤولون الأميركيون يضغطون على جميع المقاتلين في الحرب لوقف المذبحة، بحسب الصحيفة.

وواجهت نائبة الرئيس، كامالا هاريس، رئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد، بشأن دعم بلاده لقوات الدعم السريع عندما التقيا في ديسمبر، وفقًا لما قاله مسؤولون مطلعون للصحيفة. ودعا الرئيس جو بايدن، الأسبوع الجاري، إلى إنهاء "الحرب التي لا معنى لها"، محذرًا من أن الحصار الوحشي الذي فرضته قوات الدعم السريع على الفاشر لمدة أشهر "أصبح هجومًا كاملاً".

ومن المتوقع أن تظهر الأزمة مرة أخرى عندما يستضيف هو وهاريس الرئيس الإماراتي في البيت الأبيض لأول مرة، الاثنين.

وقال المتحدث باسم البيت الأبيض، جون كيربي، عن الحصار: "يجب أن يتوقف".

وذكرت الصحيفة أنه في الفاشر، اتهمت منظمة أطباء بلا حدود الجيش بقصف مستشفى للأطفال، وقوات الدعم السريع. وتؤكد الإمارات أنها تحاول بكل بساطة وقف الحرب ومساعدة ضحاياها. فقد قدمت 230 مليون دولار كمساعدات، ووزعت 10 آلاف طن من إمدادات الإغاثة، ولعبت دوراً بارزاً في محادثات السلام التي قادتها الولايات المتحدة مؤخراً في سويسرا.

وقالت لانا نسيبة، وزيرة الخارجية الإماراتية، بعد ذلك: "إن الإمارات تظل ملتزمة بدعم شعب السودان في استعادة السلام".

وقال خمسة مسؤولين أميركيين مطلعين على المحادثات للصحيفة إن كبار المسؤولين الأميركيين حاولوا بشكل خاص إقناع الإمارات بالتخلي عن عملياتها السرية، ومواجهتها بصراحة بالمعلومات الاستخباراتية الأميركية حول ما تفعله الدولة الخليجية داخل السودان.

وبعد أن أثارت نائبة الرئيس هاريس اعتراضات أميركية على تهريب الأسلحة مع الشيخ محمد في ديسمبر، عرض رئيس الإمارات ما اعتبره بعض المسؤولين اعترافا ضمنيا.

وبينما لم يعترف الشيخ محمد بن زايد بدعم مباشر لقوات الدعم السريع، قال إنه مدين لزعيم المجموعة شبه العسكرية، الفريق أول محمد حمدان "دقلو"، لإرساله قوات للقتال إلى جانب الإمارات في الحرب في اليمن، وفقا لما قاله مسؤولون أميركيون مطلعون على الأمر للصحيفة.

وقال الشيخ محمد أيضا إنه ينظر إلى قوات الدعم السريع باعتبارها حصناً ضد الحركات السياسية الإسلامية في المنطقة، والتي طالما اعتبرتها العائلة الحاكمة الإماراتية تهديدا لسلطتها، وفقا للمسؤولين.

وذكرت الصحيفة أن الحكومة الإماراتية لم ترد على أسئلتها. وكذلك لم ترد الخارجية الإماراتية على موقع الحرة بعد سؤالها عن هذه الاتهامات عبر البريد الإلكتروني.

وفي حديثه للصحيفة، قال مسؤول أميركي، غير مخول له بالتحدث علنا ​​عن المعلومات الاستخباراتية: "لا يمكنهم الكذب علينا بعد الآن، لأنهم يعرفون أننا نعرف".

منظمات الإغاثة غاضبة

وتشعر منظمات الإغاثة بالغضب بشكل خاص من الإمارات، وتتهمها بإدارة "عملية مساعدة وهمية" لإخفاء دعمها لقوات الدعم السريع، وفقًا لما قاله جيريمي كونينديك، رئيس منظمة اللاجئين الدولية ومسؤول سابق في إدارة أوباما وبايدن، للصحيفة.

وقال عن الإماراتيين: "إنهم يريدون الأمرين معًا. إنهم يريدون .. دعم عميلهم من الميليشيات وغض الطرف عن كل ما يفعلونه بأسلحتهم. ويريدون أن يظهروا وكأنهم عضو بناء وملتزم بالقواعد في النظام الدولي".

وخلص المسؤولون إلى أن الإمارات أرسلت مجموعة من الأسلحة أيضًا، بحسب الصحيفة. وكتب سفير الاتحاد الأوروبي في السودان، إيدان أوهارا، في مذكرة سرية حصلت عليها "نيويورك تايمز" في فبراير أن "تسليم الطائرات بدون طيار ومدافع الهاوتزر وقاذفات الصواريخ المتعددة وأنظمة الدفاع الجوي المحمولة لقوات الدعم السريع من قبل الإمارات ساعدها في تحييد التفوق الجوي" للجيش السوداني. 

وتضمنت المذكرة تأكيدات مذهلة أخرى، من بينها أن مرتزقة فاغنر الروسية دربوا قوات الدعم السريع على استخدام الصواريخ المضادة للطائرات التي قدمتها الإمارات.

جزء من دور أوسع في أفريقيا 

وترى الصحيفة أنه يبدو أن الدور الإماراتي جزء من دور أوسع نطاقًا في أفريقيا. وفي العام الماضي، أعلنت الإمارات عن استثمارات بقيمة 45 مليار دولار في مختلف أنحاء القارة، بحسب المحللين، وهو ما يقرب من ضعف ما تستثمره الصين. ومؤخرا، توسعت الإمارات في مجال جديد، وهو الحرب.

وأوضحت الصحيفة أن الإمارات قلبت دفة الحرب الأهلية في إثيوبيا في عام 2021 من خلال تزويد رئيس الوزراء آبي أحمد بطائرات بدون طيار مسلحة في نقطة حاسمة من القتال، ما ساعده في النهاية على الخروج منتصرا. والآن يبدو أنها تحاول تكرار نفس الإنجاز في السودان مع قوات الدعم السريع.

وفي العام الماضي، عندما بدأت طائرات الشحن في الهبوط في مطار أمجراس، على بعد 600 ميل شرق العاصمة التشادية نجامينا، قالت الإمارات إنها جاءت لإنشاء مستشفى ميداني للاجئين السودانيين.

لكن في غضون أشهر، اكتشف المسؤولون الأميركيون أن المستشفى الذي تبلغ تكلفته 20 مليون دولار يعالج سرا مقاتلي قوات الدعم السريع، وأن طائرات الشحن تحمل أيضًا أسلحة تم تهريبها لاحقًا إلى المقاتلين داخل السودان.

وأظهر تحليل "نيويورك تايمز" لصور الأقمار الاصطناعية وسجلات الرحلات الجوية أن الإماراتيين أقاموا نظام الطائرات بدون طيار في نفس الوقت الذي كانوا يروجون فيه لعمليتهم الإنسانية.

ونفت دولة الإمارات مرارا دعم أي من طرفي الصراع في السودان بالسلاح والذخيرة، وأكدت أنها لم تدعم "أي من الأطراف المتحاربة في السودان بالسلاح والذخيرة منذ اندلاع الصراع في أبريل 2023".

دخان يتصاعد إثر اشتباكات بالعاصمة السودانية الخرطوم (رويترز)
دخان يتصاعد إثر اشتباكات بالعاصمة السودانية الخرطوم (رويترز)

إما "حكومة تصريف أعمال" أو "حكومة حرب".. هكذا وصف قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، الحكومة الجديدة التي يعتزم تشكيلها، إلا أن طبيعة هذه الحكومة ومن قد يشاركون فيها لا تزال غير واضحة، خاصة في ظل استمرار القتال الذي أفضى إلى مكاسب عسكرية للجيش خلال الأسابيع الأخيرة.

وقال البرهان إن هذه الحكومة ستضم "كفاءات وطنية مستقلة"، وحدد مهمتين رئيسيتين لها، الأولى تتمثل في "وضع أسس لاستكمال المرحلة الانتقالية والإعداد للانتخابات"، والثانية تتعلق بـ"المساعدة في إنجاز العمليات العسكرية المتبقية وتطهير البلاد من المتمردين"، في إشارة إلى قوات الدعم السريع.

وأكد قائد الجيش في كلمة ألقاها في مدينة بورتسودان، أن تشكيل الحكومة سيسبقه وضع "وثيقة دستورية"، متعهدا بـ"عدم التدخل في صلاحيات رئيس الوزراء المرتقب".

أما فيما يخص التفاوض مع قوات الدعم السريع، فقد اشترط "انسحابها من الخرطوم وغرب كردفان ودارفور، وتجمعها في مراكز محددة قبل أي مفاوضات".

ويشهد السودان منذ أبريل 2023 حربا مدمرة بين البرهان وحليفه السابق محمد حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع، حيث استعاد الجيش مؤخراً مساحات واسعة من العاصمة الخرطوم ومحيطها.

واستعاد الجيش، خلال الأسابيع الأخيرة، مساحات واسعة من العاصمة الخرطوم ومحيطها، سيطرت عليها قوات الدعم السريع لحوالي عامين.

وأثار إعلان البرهان ردود فعل متباينة في الأوساط السودانية، حيث انقسم كثيرون بين "متفائل" بإمكانية إحداث تغيير حقيقي في المشهد السياسي للبلاد التي مزقتها الحرب، و"متشكك" في جدية هذه الخطوة وأهدافها الحقيقية.

المحلل السياسي محمد محي الدين، يرى أن إعلان تشكيل حكومة انتقالية برئاسة مدنية "يأتي في سياق مهم، حيث يواجه السودان ضغوطاً داخلية وخارجية تتعلق بمخاوف من استغلال العسكريين للحرب الحالية للسيطرة على السلطة".

ويوضح في تصريح لموقع "الحرة"، أن إعلان اختيار رئيس وزراء مدني من التكنوقراط يمثل "مؤشراً إيجابياً يؤكد التزام القوات المسلحة بمسار الانتقال نحو الديمقراطية، وذلك من خلال تفويض إدارة الشأن العام لحكومة مدنية".

ويشير المحلل إلى أن أهمية هذه الخطوة تكمن في "نفي الجيش أي شبهات حول استغلال الحرب لتمكين طرف معين أو تعزيز سيطرة العسكريين على السلطة"، معتبرا أن هذا "يصب في اتجاه تحقيق تطلعات الشعب السوداني نحو تحول ديمقراطي يفضي إلى انتخابات عامة، بعد انتهاء الفترة الانتقالية".

وقال البرهان إنه ستكون هناك "تعديلات على الدستور المؤقت للبلاد"، مضيفا أنه "بعد إجازة الوثيقة الدستورية سيتم اختيار رئيس وزراء ليقوم بمهامه في إدارة الجهاز التنفيذي للدولة دون أي تدخل".

ودعا البرهان أعضاء تحالف (تقدم) المدني، إلى "الابتعاد عن قوات الدعم السريع"، موضحا أنهم سيكونون "محل ترحيب مرة أخرى إذا فعلوا ذلك".

عضوة الهيئة القيادية بتنسيقية "تقدم"، عبلة كرار، تقول إن المبادرة السياسية المطروحة "تغفل واقع الحرب الدائرة في السودان، والتي لم تنته بعد"، حيث لا تزال العديد من المناطق تقع تحت وطأتها.

وتؤكد كرار في تصريح للحرة، أنه "لا يمكن في ظل هذه الظروف الحديث عن تشكيل حكومات أو استقرار"، معتبرة أن "الأجدى أن يذهب طرفا الصراع أولا نحو التفاوض لإنهاء النزاع، ثم يتم إطلاق عملية سياسية تشمل الجميع، دون أي إقصاء".

وبعد تراجع الجيش لفترة طويلة في الحرب أمام قوات الدعم السريع، تمكّن في الأسابيع القليلة الماضية من إحراز تقدم في العاصمة الخرطوم على عدة محاور، واقترب من القصر الرئاسي ذي الدلالة الرمزية المهمة والواقع على ضفة النيل.

وتراجعت قوات الدعم السريع، التي قالت إنها "ستدعم تشكيل إدارة مدنية"، بعد أن تفوّق عليها الجيش بقدراته الجوية الواسعة وقواته البرية المدعومة بمسلحين متحالفين معه.

وتسيطر قوات الدعم السريع على معظم غربي السودان، وتكثف حملتها لتعزيز سيطرتها على دارفور بالاستيلاء على مدينة الفاشر. واستبعد البرهان في كلمته، وقف إطلاق النار، خلال شهر رمضان، ما لم توقف قوات الدعم السريع حملتها.

في هذا السياق تقول كرار، إن شكل العملية السياسية المعلن عنها "لم يتشكل على الطرق الصحيحة، بأن يكون نتاج مشاورات بين مختلف الأطراف وأيضا وفقا لتراتبية".

وقالت إن  المبادرة جاءت في "الوقت الخطأ"، إذ أن المساعي في التوقيت الراهن يجب أن "تُوجه نحو إسكات صوت البنادق ووقف إطلاق النار".

واندلعت الحرب في أبريل 2023 بسبب خلافات حول الدمج بين الجيش وقوات الدعم السريع، بعد التعاون معا في الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير.

وبشأن ما إن كانت فكرة توحيد المؤسسة العسكرية لا تزال مطروحة في الوقت الراهن، ترى كرار أن الأمر "ضروري وحيوي من أجل ضمان وحدة السودان وأمن السودانيين".

وتوضح أنه رغم التقدم العسكري لقوات الجيش، فإن "المواطنين لا يزالون غير قادرين على العودة بأمان" نحو مناطقهم التي تسمى بـ"المحررة"، في ظل "غياب كل مقومات الحياة وغياب الأمن، مما يستدعي التوافق حول آليات سلمية تنهي الحرب قبل الانتقال نحو إجراءات تشكيل حكومة واقتراح مسار سياسي معين".

على صعيد آخر، يقول الكاتب والصحفي السوداني، عثمان ميرغني، إن تشكيل الحكومة الجديدة كان محل انتظار من القوى السياسية والمجتمعية لسنوات، حيث ظل البرهان يكرر وعوده بتشكيل حكومة وتعيين رئيس للوزراء.

ويضيف في تصريح لموقع "الحرة"، أنه "منذ بداية العام الحالي، تم توجيه دعوة رسمية لطيف واسع من القوى السياسية والمجتمعية المؤيدة للبرهان، للمشاركة في مشاورات بمدينة بورتسودان، والتي أفضت إلى توافق حول وثيقة لإدارة مرحلتين: تأسيسية ثم انتقالية بعد انتهاء الحرب".

ويشير  المتحدث ذاته، إلى أن تسلم البرهان للوثيقة "أثار ضجة كبيرة، خاصة عندما بدأ في كلمته ما يشبه الهجوم على حزب المؤتمر الوطني، ومهادنة بعض المجموعات الأخرى".

ويتوقع ميرغني أن "يستخدم البرهان ورقة تشكيل الحكومة لتحقيق هدفين: كسب المزيد من الوقت، وضمان ولاءات سياسية ومجتمعية جديدة في محاولة لتعزيز قبضته على السلطة".

"خارطة طريق" من 5 محاور

في أعقاب خطاب البرهان في بورتسودان، أصدرت وزارة الخارجية السودانية، الإثنين، بياناً طرحت فيه "خارطة طريق" للخروج من الأزمة الراهنة في البلاد.

وأعلنت الوزارة، أن هذه "الخارطة" جاءت "بعد مشاورات واسعة مع القوى الوطنية والمجتمعية"، وعقب النجاحات التي حققتها القوات المسلحة والقوات المشتركة والمساندة في مختلف المناطق.

وتضمنت خارطة الطريق 5 محاور رئيسية؛ في مقدمتها "اشتراط وضع السلاح وإخلاء الأعيان المدنية كشرط مسبق لأي محادثات مع المتمردين، مع رفض أي دعوة لوقف إطلاق النار قبل رفع الحصار عن الفاشر".

وأكدت الخارطة على "إطلاق حوار وطني شامل لكل القوى السياسية والمجتمعية"، مع الترحيب بـ"كل من يتخذ موقفاً وطنيا وينأى بنفسه عن المعتدين".

كما نصت على تشكيل "حكومة من الكفاءات الوطنية المستقلة لاستئناف مهام الفترة الانتقالية، إلى جانب إجراء التعديلات اللازمة في الوثيقة الدستورية وتعيين رئيس وزراء مدني لإدارة الجهاز التنفيذي دون تدخل".

وشددت الخارطة على "ضمان حرية الرأي والعمل السياسي دون المساس بالثوابت الوطنية، مع التأكيد على حق كل مواطن في الحصول على جواز السفر".

حرب السودان: المرتزقة واللاجئون وضحايا الغارات
حرب السودان: المرتزقة واللاجئون وضحايا الغارات
ناقشت هذه الحلقة تقرير صحيفة “وول ستريت جورنال” الذي كشف عن وجود مرتزقة من كولومبيا يقاتلون في صفوف قوات الدعم السريع. كما تناولت الأوضاع الإنسانية والاخبار التي تتحدث عن غارات تستهدف معسكرات النازحين والمناطق المدنية في دارفور.

واختتمت الوزارة بيانها، بدعوة المجتمع الدولي، وخاصة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، لـ"دعم خارطة الطريق باعتبارها تمثل توافقاً وطنياً لإرساء السلام والاستقرار في البلاد واستكمال مهام الانتقال".

في هذا السياق، يقول ميرغني إن بيان خارطة الطريق "لا يحمل جديداً، حيث سبق طرح محاورها في مؤتمرات وخطابات سابقة"، مشيراً إلى أنها تحتوي على "بنود عامة تفتقر إلى التفاصيل".

غير أنه يشير إلى أن "الجزء الأهم والمتعلق بتشكيل الحكومة، يظل محل خلاف كبير بين القوى السياسية التي لم تشارك في مشاورات بورتسودان".

من جانبه، يرى محي الدين أن الخارطة "امتداد للخطط السابقة وتتوافق مع مخرجات منبر جدة، خاصة فيما يتعلق بانسحاب القوات من المناطق المدنية".

وفيما يتعلق بتوقيت الإعلان عن هذه الخطوة المزدوجة بكلمة البرهان عن الحكومة الجديدة وإصدار الخارجية لخارطة الطريق، يرى محي الدين أنه "يعكس استشعار الحكومة لقرب انتهاء العمليات العسكرية والقضاء على الميليشيات، مما دفعها للتمهيد لمرحلة ما بعد الحرب، عبر إرسال رسائل سياسية واضحة لكافة الأطراف".

ويلفت إلى أن هذا التطور "يتزامن مع نشاط سياسي ملحوظ، حيث قامت بعض القوى والأحزاب السياسية والمكونات المجتمعية بعقد اجتماعات وتقديم رؤيتها حول عملية الانتقال، في نفس يوم خطاب رئيس مجلس السيادة".

ويعتبر المحلل أن هذا التزامن "يؤكد إدراك القيادة العسكرية لطبيعة تحديات المرحلة الانتقالية، وحرصها على العمل مع القوى السياسية الداعمة لها لتحقيق هدفين رئيسيين: القضاء على الميليشيات والشروع في عملية سياسية انتقالية تمهد للتحول المدني الديمقراطي".

وتتهم جماعات حقوقية، الجيش والميليشيات المتحالفة معه، بارتكاب عمليات قتل خارج نطاق القانون وخطف وتعذيب جسدي ونفسي، لا سيما استهداف المجتمعات المشتبه في وجود صلات لها بقوات الدعم السريع.

كما وردت تقارير عن استهداف مدنيين على أساس عرقهم في المناطق التي يسيطر عليها الجيش.

ووردت اتهامات متكررة أيضا ضد قوات الدعم السريع، تتعلق بارتكاب انتهاكات بينها جنسية وأخرى متعلقة بالعنف العرقي، مما دفع الولايات المتحدة إلى اتهامهم رسميا في 7 يناير بارتكاب "إبادة".