مشهد حريق ودمار إثر اشتباكات مسلحة بالسودان - AFP
مشهد حريق ودمار إثر اشتباكات مسلحة بالسودان - AFP

دان الأمن العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الهجمات الأخيرة التي شنتها قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة وسط السودان، داعيا إلى وقف إطلاق النار لحماية المدنيين.

وأصدر غوتيريش بيانا، أعرب فيه عن استيائه الشديد بشأن التقارير التي أفادت بأن "أعدادا كبيرة من المدنيين قُتلوا واحتجزوا وشُردوا، وبأن أعمال العنف الجنسي ارتكبت ضد النساء والفتيات، كما نُهبت المنازل والأسواق وأُحرقت المزارع".

وقال البيان الأممي إن مثل هذه الأعمال تمثل "انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان"، مشددا على ضرورة محاسبة مرتكبي مثل هذه الانتهاكات.

وأشار الأمين العام بقلق إلى استمرار تدهور الوضع في السودان، مع انتشار الجوع والأمراض واحتياج نصف السكان إلى المساعدات.

وطلب من جميع أطراف الصراع، تيسير الوصول الإنساني الآمن والعاجل ودون عوائق إلى جميع المدنيين المحتاجين، عبر كل السبل الضرورية، بما يتماثل مع التزاماتها وفق القانون الدولي الإنساني.

وجدد الأمين العام دعوته لوقف إطلاق النار لحماية المدنيين السودانيين.

ومع تولي بريطانيا، الجمعة، رئاسة مجلس الأمن لهذا الشهر، قالت إن المجلس سيعقد اجتماعا بشأن السودان في 12 نوفمبر الجاري، لمناقشة "زيادة تقديم المساعدات وضمان توفير جميع الأطراف حماية أكبر للمدنيين".

وقالت سفيرة بريطانيا لدى الأمم المتحدة، باربرا وودورد، في مؤتمر صحفي: "سنقدم قريبا مشروع قرار لمجلس الأمن.. لدفع التقدم في هذا الشأن".

وأضافت، وفق رويترز، أن مشروع القرار سيركز على "تطوير آلية لقياس امتثال طرفي الصراع بالالتزامات التي تعهدا بها لحماية المدنيين في جدة قبل أكثر من عام، في 2023، وسبل دعم جهود الوساطة لتحقيق وقف إطلاق النار، حتى لو بدأنا وقف إطلاق النار على نطاق محلي قبل الانتقال إلى وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني".

وأدت الحرب الدائرة حاليا إلى اندلاع موجات من العنف العرقي، أُلقي باللوم في معظمها على قوات الدعم السريع.

وقال نشطاء إن قوات الدعم السريع "قتلت ما لا يقل عن 124 شخصا في قرية بولاية الجزيرة الشهر الماضي، في واحدة من أكثر الهجمات إزهاقا للأرواح خلال الصراع".

مشهد حريق ودمار إثر اشتباكات مسلحة بالسودان - AFP
"تحولت لخيمة عزاء".. تفاصيل "أسبوع مرعب" بولاية الجزيرة السودانية
في خضم الحرب التي يعيشها السودان منذ أبريل 2023، كانت قرية "السريحة"، شرقي ولاية الجزيرة وسط البلاد، تحاول أن تحتفظ بقدر من السلام، قبل أن ينقلب الحال وتتحول، وفق شهادات من سكانها لـ"الحرة"، إلى "مسرح للقتل والترويع"، خلال أحداث دامية ليلة الأحد 20 أكتوبر، ضمن هجمات شهدتها قرى بولاية الجزيرة طيلة أيام الأسبوع.

وتهدد واقعة هجمات قرى الجزيرة بتصعيد النزاع المسلح في السودان. فوفقا لما نشرته وكالة الأنباء السودانية، أعلن والي ولاية الجزيرة المكلف، الطاهر إبراهيم الخير، حالة "التعبئة والاستنفار" في كل مدن وقرى وفرقان الولاية، وتوجه بنداء "لكل قادر على حمل السلاح" من أجل "وقف الممارسات التي تنتهجها المليشيات الإرهابية المتمردة"، على حد وصفه.

الدعوة لحمل السلاح وردت أيضا على لسان حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، الذي قال إن "الأحداث المأساوية" التي تشهدها قرى ولاية الجزيرة "تستدعي من السودانيين تجديد الدعوة التي أطلقت سابقا بشأن أحداث مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور"، في إشارة لدعوة حمل السلاح.

الدعوة للتصعيد المسلح كانت قد جاءت أيضا في تصريح لقائد القوات المسلحة السودانية، عبد الفتاح البرهان، خلال زيارته للبطانة شرقي ولاية الجزيرة، الشهر الماضي، والتي اعتبرها حزب الأمة القومي السوداني بـ"التصريح الخطير" وأنه بذلك "تخلى عن واجب احتكار الدولة للسلاح، مورطاً المدنيين في حرب مدمرة".

كما حذر بيان حزب الأمة من تحويل النزاع المسلح في السودان إلى "حرب قبلية وإثنية"، داعيا "جميع السودانيين" إلى "التصدي للفتن الجهوية والقبلية".

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".