مواطنون واطنين خرجوا للشوارع للاحتفال بنجاح الجيش السوداني في دخول ود مدني
مواطنون خرجوا للشوارع للاحتفال بنجاح الجيش السوداني بدخول ود مدني

"خطوة مهمة في مسار الحرب، تفتح الطريق أمام مزيد من التطورات العسكرية والسياسية".. هذا ما يحمله دخول الجيش السوداني مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، التي كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع لأكثر من سنة، في تطور رأى مواطنون أنه قد يؤثر بشكل كبير على مجريات الصراع.

وقال الجيش السوداني في بيان، إن قواته دخلت، صباح السبت، المدينة التي تقع على بعد أقل من 200 كيلومتر جنوب العاصمة، وتعمل على تنظيف "جيوب المتمردين".

من جانبه، قال قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو: "اليوم خسرنا جولة لكننا لم نخسر المعركة".

الانتصار "الأكثر أهمية".. ونقطة تحوّل

استعادة ود مدني يعتبر انتصارا مهما للجيش السوداني، ويحد أيضا من تهديدات قوات الدعم السريع، التي اتخذت من هذه المدينة نقطة استراتيجية للتمدد والسيطرة على وسط وجنوبي السودان، بما في ذلك ولاية الجزيرة وسنار.

وتقول صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، إن تمكن الجيش من الاحتفاظ بالمدينة، سيكون "الانتصار الأكثر أهمية" منذ بداية الحرب قبل نحو عامين.

وأضافت أن هذا التطور هو "نقطة تحول في حرب أهلية" مدمرة، أدت إلى مجازر وتهجير جماعي وجوع متزايد في واحدة من أكبر دول أفريقيا، كما أنه "يوجّه التركيز نحو الشمال، باتجاه العاصمة الخرطوم.

مع ذلك، تقول الصحيفة إنه من المبكر القول ما إذا كانت هذه الانتصارات ستغير مسار الصراع بشكل جذري.

بوصلة الجبهة نحو الخرطوم

موقع سودان وور مونيتور، أوضح من جهته أن هذا التطور يمكن أن يسمح لآلاف الأشخاص الذين تشردوا بسبب القتال في ولاية الجزيرة بالعودة إلى ديارهم، رغم أنه يهدد بتهجير جديد في أماكن أخرى مع تحول بؤرة القتال.

يُحَوِّل سقوط ود مدني خط الجبهة نحو الشمال باتجاه ولاية الخرطوم، ليقترب من الوضع الذي كان قائماً قبل أكثر من عام، عندما اجتاحت قوات الدعم السريع ولاية الجزيرة.

وقد تصبح القرى الشمالية لولاية الجزيرة، بالإضافة إلى ضواحي وقرى ولاية الخرطوم جنوب العاصمة، ساحة معركة جديدة، حيث أن الخرطوم الآن أصبحت هدفاً في الحرب.

نهاية "شبه كاملة" لسيطرة الدعم السريع على الجنوب

تعدُّ ود مدني، التي تقع على ضفاف النيل الأزرق، بوابة تمكنت قوات الدعم السريع من خلالها من توسيع سيطرتها على مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والقرى في وسط السودان، بما في ذلك ولايتي الجزيرة وسنار.

وتتمتع منطقة الجزيرة بأهمية، كونها واحدة من أكثر المناطق الزراعية خصوبة في البلاد.

استعادة الجيش السوداني لمدينة ود مدني سينهي أو يحد من تهديد قوات الدعم السريع لولايات السودان الجنوبية، باستثناء ولاية النيل الأبيض.

وفي ظل التطور الأخير، يمكن للجيش السوداني الآن التقدم شمالاً نحو الخرطوم، العاصمة، مما يغير مجرى الصراع باتجاه المركز السياسي للبلاد.

كما فقدت قوات الدعم السريع أراضٍ في أماكن أخرى، بما في ذلك في ساحات المعارك الحضرية الرئيسية، مثل أم درمان والخرطوم بحري.

وإذا استمرت هذه الاتجاهات، فإن سيطرة قوات الدعم السريع في وسط السودان ستستمر في التناقص، رغم أنها تظل مسيطرة على أجزاء كبيرة من غرب السودان.

ولا تزال قوات الدعم السريع تسيطر على مناطق شمال ود مدني على ضفتي النيل، بالإضافة إلى أنها كانت تسيطر على مناطق جنوب ود مدني قبل سقوط المدينة. 

ومن المحتمل أن تقوم قوات الدعم السريع بإخلاء عناصرها من تلك المنطقة، إذا لم تكن قد فعلت ذلك بالفعل، لتجنب الحصار.

"قلب الزراعة" والعاصمة الثقافية

مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأميركي أشار في أبريل الماضي، إلى أن سيطرة قوات الدعم السريع على ود مدني، "العاصمة الثقافية والزراعية"، والأراضي الواقعة على ضفاف النيل، أحدث صدمات في صفوف الجيش السوداني، وبالمثل، ساد الذعر بين المدنيين.

وتعد ود مدني مركزا للزراعة في السودان، خاصة في ولاية الجزيرة التي تشتهر بإنتاج المحاصيل الزراعية مثل القطن والقمح والذرة.

والسيطرة على هذه المدينة، تتيح للجيش السوداني تحكما أكبر في القطاع الزراعي، الذي يُعد من أهم مصادر الدخل في البلاد.

تضيف الدراسة، أنه إذا تمكنت القوات المسلحة السودانية من استعادة السيطرة على العاصمة السودانية الخرطوم، إلى جانب العديد من المدن الاستراتيجية والسياسية المهمة، مثل سلة الغذاء ود مدني ومركز النقل الأبيض، فقد تكون راضية عن إعادة تأكيد سلطتها على جزء من السودان فقط، وترك الأطراف "الأقل رغبة" في دارفور تحت حكم القبائل التابعة لقوات الدعم السريع.

لكن الحرب بعيدة عن الانتهاء، ومن المحتمل أن تزداد سوءًا مع زيادة وتيرة العمليات مرة أخرى وإدخال مقاتلين جدد، وبالتالي تزداد المخاوف بشأن وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين وتفاقم عمليات النزوح.

يذكر أن الحرب في السودان، اندلعت في أبريل 2023، وسط خلاف حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش.

وأسفرت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع عن مقتل الآلاف، وسط تقديرات تتراوح بين 20 ألفا و150 ألف شخص، بالإضافة إلى ما يقدر بنحو 11 مليون نازح.

وتعتبر الأمم المتحدة أن الأزمة الناتجة عن الحرب في السودان، هي إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في التاريخ الحديث.

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".