قنوات اتصال مفتوحة على مدار الساعة بين واشنطن والخرطوم
السفير السوداني في واشنطن محمد عبد الله إدريس

في مقابلة خاصة مع قناة "الحرة"، قال السفير السوداني لدى الولايات المتحدة، محمد عبد الله إدريس، إن العقوبات الأميركية على قائد الجيش السوداني، الجنرال عبد الفتاح البرهان، "لا تستند إلى حقائق أو أدلة موثوقة".

واعتبر السفير السوداني ما جرى خطوة متسرعة وغير مبررة. وأضاف أن "القرار استند إلى سرد معلومات مغلوطة بدلا من حقائق ميدانية أو وثائق رسمية".

 

وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على قائد الجيش السوداني، الجنرال عبد الفتاح البرهان، متهمة قواته بتنفيذ هجمات على المدنيين.

وتأتي هذه الخطوة بعد أيام من فرض عقوبات مماثلة على قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو "حميدتي" ما أثار استياء الحكومة السودانية، التي وصفت القرار بأنه يعكس "التخبط وضعف حس العدالة"، بحسب بيان وزارة الخارجية السودانية.

وفي حديثه لقناة "الحرة" انتقد السفير إدريس توقيت فرض العقوبات، مشيرا إلى أنه جاء قبل ثلاثة أيام فقط من انتهاء ولاية إدارة الرئيس جو بايدن.

واعتبر أن هذا التوقيت "غير مفهوم" ويعكس استعجالا غير مبرر. وأوضح أن الإدارة الأميركية كانت على دراية كاملة بما يجري في السودان منذ بداية النزاع قبل 15 شهرا.

ولفت إدريس إلى أن واشنطن رعت بنفسها جولة مفاوضات في جدة أسفرت عن اتفاق يدعو قوات الدعم السريع للخروج من المناطق السكنية والمؤسسات العامة ووقف الهجمات على المدنيين.

ومع ذلك، أشار السفير إلى أن قوات الدعم السريع لم تلتزم بالاتفاق، بل صعدت من عملياتها العسكرية، وارتكبت انتهاكات جسيمة، بما في ذلك مقتل والي غرب دارفور.

وقال إدريس: "رغم كل هذا، جاءت العقوبات الأميركية لتساوي بين طرفي النزاع، وهو أمر غير منطقي وغير عادل".

وأكد السفير إدريس أن فرض العقوبات على طرفي النزاع يعكس "خطأ في تقدير الأمور"، داعيا إلى ضرورة تحديد الجهة المسؤولة عن الانتهاكات والمجازر ومعاقبتها بشكل محدد.

وأوضح أن الحكومة السودانية ملتزمة بحماية المدنيين بموجب الدستور والقوانين السودانية والدولية.

وتابع قائلا: "لا يمكن للحكومة السودانية أن تقف متفرجة أمام تمرد مسلح يستهدف المؤسسات الرسمية. القانون والشرعية الوطنية والدولية تفرض على الحكومة التعامل مع هذه التهديدات".

العلاقات الثنائية

على صعيد العلاقات المستقبلية بين السودان والولايات المتحدة، أعرب السفير إدريس عن أمله في أن تتخذ الإدارة الأميركية المقبلة، بقيادة الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، نهجا مختلفا في التعامل مع الأزمة السودانية.

وأوضح أن "هناك توقعات بأن ترفع الإدارة المقبلة العقوبات عن البرهان، مما قد يدفع عملية السلام في السودان إلى الأمام".

واتهم السفير إدارة بايدن بمحاولة فرض واقع سياسي على الإدارة المقبلة من خلال استعجال فرض العقوبات.

وأكد أن الحكومة السودانية تعتزم التواصل مع الإدارة الجديدة للعمل على إصلاح ما وصفه بـ"الوضع غير المنصف".

وفي حديثه عن قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، نفى السفير إدريس امتلاك البرهان أي أرصدة مالية في الولايات المتحدة، قائلا: "الرصيد الوحيد الذي يمتلكه البرهان هو في قلوب السودانيين".

وختم السفير حديثه لقناة "الحرة" بالتشديد على أن الحكومة السودانية دعت مرارا المجتمع الدولي لزيارة البلاد والتحقق من الوقائع على الأرض قبل إصدار أي قرارات.

وقال إن "إصدار إدانات قبل التحقق من الحقائق هو أمر مقلوب وغير منطقي. يجب أن تأتي الجهات المعنية لدراسة الوضع والتحدث مع المواطنين قبل إصدار أحكام".

وتعد هذه العقوبات جزءا من جهود واشنطن للضغط على الأطراف السودانية لإنهاء النزاع المستمر منذ أبريل 2023 والذي أدى إلى نزوح الملايين وسقوط آلاف القتلى.

ورغم تبرير واشنطن لهذه الخطوات، يثير قرارها جدلا واسعا داخل السودان، حيث ترى الحكومة أن العقوبات تدعم "من يرتكبون الإبادة الجماعية"، في إشارة إلى قوات الدعم السريع.

وزير الخارجية الاميركي انتوني بلينكن اتهم القوات المسلحة السودانية بارتكاب جرائم حرب عبر استهدافها للمدنيين، وأضاف أن كلا من القوات السودانية وقوات الدعم السريع أعاقا إحرازَ تقدُّمٍ في العمليّةِ السلميّة في السودان.

وقال بلينكن في بيان "إن هذه العقوبات مجتمعة تؤكد وجهة نظر الولايات المتحدة بأن أيًا من الرجلين غير لائق لحكم السودان المستقبلي المسالم".

بينما قالت وزارة الخزانة في بيان إن البرهان ترأس جيشا "ارتكب هجمات مميتة على المدنيين، وإن القوات المسلحة السودانية بقيادة "البرهان"، ارتكبت هَجمات مميتة ضد المدنيين.

وقالت ، إن الخطوات المتخذة تسلّط الضوء على التزام واشنطن بالتوصل إلى وضع حد لهذا النزاع.

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".