السودان
يشهد السودان منذ أبريل 2023 نزاعا داميا بين الجيش وقوات الدعم السريع

"100نفر اندفنوا هنا".

بهذه الجملة، لخصت سيدة سودانية الصورة التي أعقبت، ما قيل إنه اعتداء للجيش السوداني على مدنيين خلال عمليات استعادة مناطق وسط البلاد قبل نحو أسبوعين.

تداول ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو صادمة، تظهر عمليات اعتداء على مدنيين نفذها أشخاص يرتدون زي الجيش السوداني.

لكن جمال الشهيد، الضابط السابق في الجيش السوداني، نفى أن يكون جيش بلاده قد ارتكب مثل تلك "الفظائع".

قال خلال مقابلة مع موقع "الحرة" إن "الشهادات التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، مجرد اتهامات".

وأشار إلى أن "المدعين لم يقدموا أدلة دامغة".

وبشأن وجود ضحايا مدنيين من جنوب السودان، قال الشهيد: "لدينا دلائل كثيرة على وجود جنوبيين في هذه المعركة، لدعم وإسناد الرد السريع".

كان الضابط السابق في الجيش السوداني، يشير إلى أن الذين قتلوا، لم يكونوا مدنيين، بل مسلحين يقاتلون مع القوات التي يقودها الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي).

وقعت هذه الأحداث في مناطق متفرقة من ولاية الجزيرة، وسط السودان، التي تمكن الجيش والفصائل المسلحة المتحالفة معه من استعادتها مؤخرا.

واستعاد الجيش السيطرة على مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، طاردا قوات الدعم السريع التي سيطرت عليها في ديسمبر 2023.

ويُتهم الجيش والقوات المتحالفة معه بارتكاب فظائع ضد مدنيين، بما في ذلك مواطنين من جنوب السودان، لا سيما في مدينة ود مدني.

 

@mohamed.eshag11 ام ل7 أطفال صحت من نومها وجدت أطفالها في ذمة الله 😭😭😭 #freefire #fypp #fyp ♬ الصوت الأصلي - @محمد إسحق

 

الانتهاكات بحسب شهادات من المنطقة، شملت عمليات قتل وإعدامات ميدانية، لكن الجيش نفى أن يكون وراء ذلك، وشكل لجنة للتحقيق بالأحداث.

ونص القرار على أن تكون مهام اللجنة جمع الأدلة والتحقيق في الأحداث التي وقعت بكمبو بولاية الجزيرة، والحصول على الشهادات والأقوال واستدعاء الأشخاص المعنيين بالأحداث والشهود.

وتشهد السودان منذ أبريل 2023، نزاعا داميا بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو الملقب "حميدتي".

وأظهرت مقاطع الفيديو المتداولة، التي لم يتمكن موقع الحرة التحقق من صحتها أو تاريخ التقاطها، مشاهد مروعة للانتهاكات المزعومة.

 إثر انتشار تلك الفيديوهات، أصدرت جنوب السودان، أمرا لمزودي خدمة الإنترنت في البلاد، يقضي بحجب منصات التواصل الاجتماعي بما فيها فيسبوك وتيك توك.

وتحولت الاحتجاجات إلى أعمال نهب للمحلات التجارية التي يملكها مواطنون من السودان المجاور، وانتشر العنف في أنحاء البلاد في اليوم التالي، حيث قتل 16 سودانيا.

قال المحلل السياسي السوداني الطيب الزين، إن "الجرائم التي تم توثيقها على نطاق واسع، فعلا ارتكبها الجيش المختطف من قبل فلول النظام السابق".

وخلال مقابلة مع موقع "الحرة" قال إن "عقيدة أغلبية الميليشيات المرتبطة بجيش البرهان، تقوم على قتل المخالف لها".

وأشار الزين إلى أن "الأحداث التي شهدتها منطقة ود مدني في الجزيرة، يجب أن توصف كما هي. إبادة جماعية".

يذكر أن الجيش السوداني، ندد بما وصفها "انتهاكات فردية" وقعت في ولاية الجزيرة.

وأدى النزاع في السودان، منذ بدايته، إلى كارثة إنسانية هائلة، مع مقتل عشرات الآلاف ونزوح أكثر من 12 مليون شخص، بينما الملايين على شفا المجاعة.

وحذر مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، الجمعة الماضي، من أن النزاع في السودان يأخذ منعطفا أكثر خطورة على المدنيين.

وتتناقض السرديات على المنصات الاجتماعية بشأن الصراع في السودان، كتأكيد على انعكاس الانقسامات الموجودة على أرض الواقع، كذلك الدعم أو المعارضة لطرف معين، سواء كان الجيش أو قوات الدعم السريع.

فبينما ينشر مؤيدو الدعم السريع مقاطع تؤكد وفقهم ما يقولون إنها "جرائم ارتكبها الجيش"، يسرد آخرون وقائع أخرى تتهم الدعم السريع باستهداف مدنيين بمعية ميليشيات مسلحة من أفريقيا.

 وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية في 17 يناير الحالي، فرض عقوبات على قائد الجيش السوداني الجنرال عبد الفتاح البرهان، واتهمت قواته بتنفيذ هجمات على مدارس وأسواق ومستشفيات واستخدام التجويع، كسلاح حرب.

قبل أسبوع من ذلك، فرضت الولايات المتحدة، عقوبات على قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، واتهمت مجموعته بارتكاب إبادة جماعية.

السودان يواجه أزمة إنسانية هائلة - رويترز
السودان يواجه أزمة إنسانية هائلة - رويترز

أعلنت الخارجية السودانية، الأحد، ما وصفتها بـ"خارطة طريق" لمرحلة ما بعد الحرب، تزامنت مع تحقيق الجيش مكاسب كبيرة ضد قوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم، والأجزاء الوسطى من البلاد التي مزقتها الحرب.

وتضمنت خارطة الطريق، بحسب الخارجية، اشتراط وضع السلاح وإخلاء الأعيان المدنية لأي محادثات. وعدم القبول بالدعوة لوقف إطلاق نار ما لم يرفع الحصار عن الفاشر، على ان يتبع وقف أطلاق النار الانسحاب من الخرطوم وغرب كردفان وولايات دارفور.

كما تحدثت عن إطلاق حوار وطني شامل لكل القوي السياسية والمجتمعية وتشكيل حكومة من الكفاءات الوطنية المستقلة لاستئناف مهام الفترة الانتقالية، وإعانة الدولة على تجاوز تبعات الحرب.

ونصت على "إجراء التعديلات اللازمة في الوثيقة الدستورية، وإجازتها من القوي الوطنية والمجتمعية ومن ثم اختيار رئيس وزراء مدني لإدارة الجهاز التنفيذي للدولة دون تدخل".

وأكدت على حرية الرأي والعمل السياسي "دون هدم للوطن أو المساس بالثوابت الوطنية"، وعدم حرمان أي مواطن من حقه في الحصول على جواز السفر.

ودعت وزارة الخارجية المجتمع الدولي، خاصة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، لدعم خارطة الطريق.

والسبت، أعلن قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، اعتزامه تشكيل حكومة انتقالية قريبا.

وقال البرهان في كلمة ألقاها في مدينة بورتسودان إن الحكومة الجديدة، التي وصفها إما بأنها "حكومة تصريف أعمال" وإما "حكومة حرب"، ستتألف من "كفاءات وطنية مستقلة".

وأضاف أن الحكومة ستكلف "وضع أسس بحيث نستكمل الانتقال إذا كان من خلال فترة انتقالية أو فترة تأسيسية تعد للانتخابات".

وتابع البرهان أن من أهدافها أيضا أن "تعيننا في أن ننجز ما تبقى من الأعمال العسكرية الواجب إنجازها وتطهير كل السودان من هؤلاء المتمردين"، في إشارة إلى قوات الدعم السريع.

كما أعلن أنه سيتم وضع "وثيقة دستورية" قبل تعيين رئيس للوزراء، متعهدا "عدم التدخل في مهامه ولا واجباته".

ويشهد السودان منذ أبريل 2023 حربا مدمرة بين البرهان وحليفه السابق محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي"، قائد قوات الدعم السريع.

واستعاد الجيش خلال الأسابيع الأخيرة مساحات واسعة من العاصمة الخرطوم ومحيطها، سيطرت عليها قوات الدعم السريع لحوالي عامين.

وأدى النزاع إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح أكثر من 12 مليون سوداني ودخول البلاد في "أكبر أزمة إنسانية تم تسجيلها على الإطلاق"، وفق منظمة "لجنة الإنقاذ الدولية" غير الحكومية.