وقعت قوات الدعم السريع وتحالف من القوى السياسية والمسلحة السودانية "ميثاقا تأسيسي" في العاصمة الكينية نيروبي، يمهد لتشكيل حكومة في المناطق الخاضعة لسيطرة هذه القوات.
ويتضمن الاتفاق رؤية لإنشاء "دولة علمانية ديمقراطية لا مركزية" كما ينص على تأسيس "جيش وطني جديد وموحد ومهني يعكس التنوع السوداني".
وشهدت مراسم التوقيع حضور عبد الرحيم دقلو، نائب قائد قوات الدعم السريع، فيما غاب قائدها وشقيقه، محمد حمدان دقلو.
ومن أبرز الموقعين عبد العزيز الحلو، قائد فصيل من الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال، الذي يسيطر على مناطق واسعة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
وأوضح الهادي إدريس، المسؤول السابق وقائد إحدى الجماعات المسلحة، أن الإعلان عن تشكيل الحكومة "سيتم من داخل السودان، خلال الأيام المقبلة".
وتتضمن مهام "الحكومة" المقترحة، حسب الميثاق، "العمل على إنهاء الحرب، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية، والحفاظ على وحدة البلاد".
يذكر أن خطوة الدعم السريع بالتوقيع على الميثاق، جاءت بعد أسابيع قليلة من إعلان قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، عن نيته تشكيل حكومة انتقالية من "كفاءات وطنية مستقلة"، وذلك في ظل تحقيق قواته مكاسب ميدانية في العاصمة والمناطق الوسطى من البلاد.
وفي كلمة له من مدينة بورتسودان، أكد البرهان، مطلع فبراير الجاري، أن الحكومة الجديدة "ستعمل على وضع أسس لاستكمال المرحلة الانتقالية أو التأسيسية تمهيداً للانتخابات"، مستبعداً إجراء مفاوضات مع قوات الدعم السريع ما لم تنسحب من مواقعها في الخرطوم وغرب كردفان ودارفور.
تباين المواقف
وانقسمت الآراء في الساحة السودانية بشأن "الميثاق التأسيسي" الذي تم توقيعه في نيروبي، بين مرحب به كـ"مدخل لحل الأزمة"، ومحذر من تداعياته على وحدة البلاد واستقرارها.
الباحث المتخصص في الشأن السوداني والقضايا الأفريقية، محمد تورشين، يرى أن الميثاق، الذي يُراد له أن يكون "إطاراً قانونياً لتشكيل حكومة سلام ووحدة"، يظهر من خلال الممارسة والسلوك أنه "غير منطقي وغير قابل لأن يكون مدخلاً للسلام أو الوحدة".
وحذر تورشين في تصريحات لموقع "الحرة"، من أن الاعتراف بقوات الدعم السريع والمجموعات المتحالفة معها، يمثل "محاولة جادة لتقسيم السودان إلى عدد من الدويلات".
ويشير الباحث المقيم في باريس، إلى أن هذا التطور "سيثير المخاوف ويعزز فرضية الانفصال في عدد من المناطق"، موضحا أن المناطق المستهدفة "تشمل أجزاء من إقليمي دارفور وكردفان"، التي تشير تقارير إلى أنها "معرضة للتقسيم منذ فترة طويلة".
في المقابل، يقول المختص في الشؤون الأفريقية والسودانية، أسامة محمود المصطفى، إن الميثاق التأسيسي وقّع عليه "طيف واسع من التيارات السياسية السودانية، بهدف البحث عن استراتيجية لتقريب وجهات النظر بين كافة السودانيين".
وأشار المصطفى في تصريحات لقناة "الحرة"، إلى أن هذا الميثاق الموقع "يمثل تجربة سياسية تستحق الاهتمام والدراسة من زوايا مختلفة".
وشدد الباحث المقيم في الإمارات، على أن المجموعة التي وقعت في نيروبي "لا تسعى لتشكيل حكومة موازية، بل تمثل حكومة جامعة لكل السودانيين وليست لفئة معينة".
ودعا المصطفى "المجموعة التي تدير البلاد في بورتسودان" التي أصبحت المقر الفعلي للحكومة بعد طرد السلطات من العاصمة الخرطوم ـ إلى "النظر إلى الواقع بشكل مختلف، وفتح مساحة للحوار مع الطرف الآخر بدلاً من الحرب"، معتبرا أن هذه الخطوة تعد "أهم مرحلة أو أهم تحرك نحو حل الأزمة السودانية" وليست "مسماراً في نعش الحوار" كما يراها البعض.
وأضاف أن "الحل يكمن في ارتقاء جميع الأطراف بمستوى تفكيرهم وإيجاد مساحة للإنسان السوداني للعيش حياة سليمة".
لكن تورشين يلفت إلى خطورة الوضع في ظل وجود مجموعات أخرى ترفض التوجه الذي ذهبت إليه قوات الدعم السريع، محذراً من احتمال اندلاع مواجهات جديدة بين الطرفين، مما "يشكل خطورة وعدم استقرار ويهدد بالدخول في حرب مفتوحة".
وشدد تورشين على أن القوى المتحالفة مع قوات الدعم السريع تعد "شريكة في كل الجرائم والانتهاكات" التي تُتهم بها هذه القوات، مؤكدا أنه رغم عدم الإشارة إلى ذلك في بعض التقارير الدولية، فإنه "ينبغي محاسبتهم ومساءلتهم عن هذه الجرائم والانتهاكات".
تحذير من "التشظي"
واندلعت الحرب في السودان في أبريل 2023 بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوّات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو الملقب "حميدتي".
وأسفر النزاع عن مقتل عشرات الآلاف ونزوح أكثر من 12 مليون شخص، وتسبب بأزمة انسانية من الأسوأ في العالم، فيما الملايين على حافة المجاعة.
وفيما يسيطر الجيش على شرقي وشمالي البلاد، تسيطر قوات الدعم السريع على كل إقليم دارفور تقريبا ومساحات من الجنوب.
وفي الأسابيع الأخيرة، قاد الجيش هجوما في وسط السودان، واستعاد المدن الرئيسية وكامل الخرطوم تقريبا.
وتسعى قوات الدعم السريع إلى تعزيز قبضتها على دارفور، مما قد يؤدي عمليا إلى تقسيم السودان.
وعبّرت الأمم المتحدة عن قلقها "البالغ" من تداعيات الإعلان المرتقب عن تشكيل حكومة من قبل قوات الدعم السريع، محذرة من أن هذه الخطوة "ستزيد من انقسام السودان وتفاقم أزمته".
وأكد المتحدث باسم الأمين العام ستيفان دوجاريك، أن "الحفاظ على وحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه، يمثل عنصراً أساسياً للتوصل إلى حل دائم للنزاع وضمان استقرار البلاد والمنطقة".
وزير شؤون مجلس الوزراء السابق، نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني، خالد عمر يوسف، يؤكد أيضا أن السودان اليوم أمام "خطر التفتيت والتشظي".
ويوضح يوسف، في منشور على منصة إكس، أن كل التطورات الراهنة تدفع باتجاه "تفتيت" البلاد، مشيراً إلى "سعي بورتسودان لفرض سلطة أمر واقع لا شرعية لها، وطرح ميثاق نيروبي لتكوين حكومة تزيد تعقيد الأوضاع بدلاً من حلها".
ويحذر من أن هذا الوضع يجعل من السهل على أي قوة خارجية تريد تفتيت البلاد لتحقيق غاياتها، "بأيدي أهل السودان أنفسهم".
وشدد على أن استمرار الحرب يمثل البيئة الحاضنة لـ"المشروع التفتيتي"، موضحاً أن طول أمدها يؤدي إلى "زيادة الاستقطاب السياسي والاجتماعي والعسكري، وتكاثر الجرائم والانتهاكات"، مما يقود إلى تعالي أصوات "الداعين إلى التقسيم واليائسين من العيش المشترك بين السودانيين".
عقب توقيع اتفاق نيفاشا، كنا حينها في مقتبل العمر. أذكر أنني دخلت في نقاش مع أحد كبار قيادات القوى السياسية حول احتمالية أن يؤدي هذا الاتفاق إلى تقسيم السودان، رغم سعادتنا بجوانب كثيرة فيه وإنجازه الرئيسي بوقف حرب دامت لأكثر من 22 عامًا. أجابني حينها قائلاً: “يا خالد يا ابني،…
— Khalid Omer Yousif (@KHOYousif) February 23, 2025
وأكد يوسف أن وقف الحرب "لا يعني العفو عن المجرمين أو الحفاظ على الأوضاع المشوهة التي أدت إليها"، داعياً إلى مشروع وطني يؤسس لجيش وطني واحد، مهني وقومي، يتبع للدولة لا لأفراد أو جهات أو أحزاب، وينأى كلياً عن السياسة والاقتصاد".
كما شدد على ضرورة بناء دولة تمتنع عن "استغلال الدين أو العرق أو الجهة للتمييز بين المواطنين، وتتبنى عدالة انتقالية حقيقية تنصف الضحايا، وتجبر الضرر، وتداوي الجراح".
وأكد المتحدث ذاته، على إمكانية تحقيق هذه الأهداف عبر الحوار والطرق السلمية، "دون إراقة قطرة دم واحدة أو تشريد إنسان من منزله".
تبعات خارجية
تداعيات اجتماع قوات الدعم السريع في كينيا لم تقتصر على الساحة الداخلية، إذ أثار غضب السلطات السودانية التي نددت باستضافة هذه اللقاءات، معتبرة أن "هذا تشجيع على تقسيم الدول الأفريقية وانتهاك سيادتها والتدخل في شؤونها".
وفي بيان، وصف السودان خطوة كينيا باستضافة الاجتماع الذي عُقد، بأنها "بمثابة عمل عدائي"، خاصة أنها سبقت الإعلان المخطط لإنشاء حكومة موازية من جانب قوات الدعم السريع.
من جانبها، قالت وزارة الخارجية الكينية، الأربعاء، إنها "مستعدة لدعم جهود السلام" في السودان، مضيفة أنها تستضيف العديد من اللاجئين السودانيين ولديها تاريخ في تسهيل الحوار "دون أي دوافع خفية".
وعن اختيار نيروبي مكاناً للتوقيع والإعلان عن الميثاق، أوضح المصطفى أن كينيا "تعد أقرب دولة للسودان في المرحلة الحالية"، مشيرا إلى ما وصفها بـ"التوترات بين المجموعة الحاكمة وعدد من دول الجوار، مثل تشاد وأوغندا".