الجيش السوداني حقق تقدما واضحا خلال الأشهر الأخيرة في حربه ضد الدعم الشريع
الجيش السوداني حقق تقدما واضحا خلال الأشهر الأخيرة في حربه ضد الدعم الشريع

بعد سيطرة الجيش السوداني على القصر الرئاسي في الخرطوم، تبدو الصورة السياسية والعسكرية في البلاد على وشك تغيير جذري.

هذا التحول الكبير، بحسب مراقبين، يطرح تساؤلات بشأن ما سيحدث في الأسابيع القادمة:

هل سينجح الجيش في توطيد سلطته وتحقيق الاستقرار؟

أم أن قوات الرد السريع ستتمكن من استعادة قوتها والعودة إلى الصراع؟

المستقبل القريب في السودان يبدو غامضاً، والعديد من الأسئلة لا تزال بلا إجابات واضحة حول مسار الصراع والشرعية السياسية في البلاد، لكن يؤكد العديد أن ما جرى في الخرطوم سيغير الكثير من الموازين.

إنتهاء "الصفحة الأولى" من المعركة

ياسر يوسف، وزير الإعلام السوداني الأسبق وكاتب وباحث سياسي، قال في حديث خص به قناة الحرة من إسطنبول، إن سيطرة الجيش على القصر الرئاسي تُعتبر "خطوة هامة جداً وفقاً لجميع المعايير، وتشكل تحوّلاً كبيراً في مجريات الحرب".

وأوضح يوسف أن هذه السيطرة تعني "انتهاء الصفحة الأولى" من المعركة، والتي يمكن اعتبارها نهاية الحرب في ولاية الخرطوم.

وأضاف أن هذه الخطوة ستُمكّن الجيش من المضي قدماً في تحرير باقي "الجيوب في شرق العاصمة وغربها".

وأشار إلى أن السيطرة على القصر الرئاسي تحمل أيضاً قيمة سياسية كبيرة، وستكون دافعاً قوياً للجيش لمواصلة عمليات تحرير بقية المناطق.

وفي ذات الوقت، وصف هذه التطورات بأنها "نقطة سلبية" قد تؤثر سلباً على معنويات قوات الدعم السريع.

كما أكد أن الجيش السوداني سيكرس جهوده الآن لاستكمال تحرير باقي أجزاء السودان، بما في ذلك كردفان ودارفور والفاشر.

تغيير في موازين القوى

عادل عبد العاطي، مستشار حملة "سودان المستقبل" ومؤسس الحزب الليبرالي السوداني، قال بدوره للقناة الحرة من وارسو، إن السيطرة على القصر الرئاسي تُعد "خطوة بالغة الأهمية وتغير تماماً موازين القوى".

وأضاف عبد العاطي أن قوات الدعم السريع قد فقدت قدرتها الهجومية منذ نصف عام، وتحولت إلى وضع دفاعي.

وأكد أن السيطرة على القصر الرئاسي هي دليل واضح على أن هذه القوات لم تعد كما كانت في السابق "اليد العليا في التحرك والهجوم والاستيلاء وفقاً لمصالحها".

وأوضح أن السيطرة على الخرطوم والقصر الرئاسي لها رمزية سيادية كبيرة بالنسبة للجيش السوداني، كما أنها تمنح الحكومة السودانية دعماً معنوياً وسياسياً بعد أن اضطرت سابقاً إلى مغادرة العاصمة والانتقال إلى بورتسودان، وهو ما اعتبره بمثابة "هزة للنظام السوداني".

واشنطن مع شرعية الدولة

كاميرون هدسون، الدبلوماسي الأميركي السابق ومدير الشؤون الأفريقية الأسبق في مجلس الأمن القومي، بيّن من جانبه أن إدارة الرئيس دونالد ترامب لم تعلن حتى الآن عن موقفها الرسمي بشأن الأحداث الجارية في السودان، لكنها تراقب التطورات عن كثب.

وأشار هدسون إلى أن وزارة الخارجية الأميركية قد أظهرت موقفاً واضحاً في رفضها لمحاولة قوات الرد السريع تشكيل "حكومة موازية" في نيروبي الشهر الماضي.

وأكد أن الولايات المتحدة لا تقبل بفوز قوات الرد السريع أو منحها أي شرعية. 

وأضاف أن السيطرة على القصر الرئاسي ستعزز شرعية الجيش السوداني، مما سيؤدي إلى توطيد السلطة في الأسابيع القادمة، تمهيداً لتشكيل حكومة مدنية انتقالية تشرف على المناطق التي تحت سيطرة الجيش.

واختتم بالقول إنه يجب الانتظار لمعرفة رد إدارة الرئيس ترامب بشأن الريادة المدنية في السودان، ولكنه أشار إلى أن هذه الإدارة بشكل عام لا تهتم بما يمكن أن تحققه قوات الرد السريع من مكاسب.

وتعمل قوات الدعم السريع على تشكيل حكومة موازية في المناطق التي تسيطر عليها، رغم أن من المتوقع ألا تحظى باعتراف دولي واسع.

وبعد ساعات من إعلان الجيش السوداني، قالت قوات الدعم السريع إنها موجودة في محيط القصر الرئاسي وإنها شنت هجوما أسفر عن مقتل العشرات من جنود الجيش في داخله.

ونقلت وكالة السودان للأنباء عن رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبدالفتاح البرهان قوله إن هذه المعركة ماضية ولن تتوقف، وأضاف "لن نتراجع ولن نتأخر، وسنقف مع المواطن حتى النهاية".

وسيطرت قوات الدعم السريع على القصر الرئاسي وأجزاء كبيرة من الخرطوم، بعد اندلاع الحرب في أبريل 2023 بسبب خلافات حول اندماج القوة شبه العسكرية في الجيش.

وقالت قوات الدعم السريع أمس الخميس إنها انتزعت السيطرة على قاعدة رئيسية من الجيش في شمال دارفور، وهي منطقة تقع بغرب البلاد.

وأدى الصراع إلى ما تصفه الأمم المتحدة بأكبر أزمة إنسانية في العالم، إذ تسبب في مجاعة في عدة مناطق وانتشار أمراض في أنحاء البلاد التي يبلغ عدد سكانها 50 مليون نسمة.

ووجهت اتهامات لكلا الجانبين بارتكاب جرائم حرب، كما وُجهت أيضا اتهامات لقوات الدعم السريع بارتكاب إبادة جماعية.

وينفي الطرفان هذه الاتهامات.

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".