الجيش السوداني حقق تقدما واضحا خلال الأشهر الأخيرة في حربه ضد الدعم السريع - رويترز
الجيش السوداني حقق تقدما واضحا خلال الأشهر الأخيرة في حربه ضد الدعم السريع - رويترز

استعاد الجيش السوداني خلال الأيام الماضية مناطق استراتيجية في الخرطوم، كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع، من بينها القصر الجمهوري وسفارات ومقار حكومية وجامعات.

وسيطر الجيش على القصر الجمهوري والبنك المركزي وسط أنباء عن معارك من أجل استعادة مطار الخرطوم.

وطرح هذا التقدم تساؤلات بشأن إمكانية عودة الحياة الطبيعية، ولو بشكل نسبي، للعاصمة التي تعاني من الحرب الدائرة منذ أكثر من عامين.

وتدير الحكومة السودانية شؤونها من مدينة بورتسودان الساحلية، وربما تقرر حال تمكنت قوات الجيش من تأمين العاصمة، الحكم مجددا من الخرطوم.

قال محللون سودانيون للحرة إن خطوة استعادة الجيش لتلك المناطق والمباني الاستراتيجية، تمثل إشارة قوية على إمكانية عودة الحياة مجددا إلى العاصمة، لتصبح الخرطوم العاصمة الفعلية بدلا من بورتسودان.

ما تبعات تقدم الجيش؟

الكاتب والصحفي السوداني، عثمان ميرغني، قال إن تقدم الجيش في الخرطوم له تأثير كبير على الأوضاع العسكرية وعلى إمكانية عودة المواطنين لمنازلهم، بجانب تأثيره الكبير سياسيا ودوليا.

شرح ميرغني لموقع الحرة قائلا إن "استعادة مدينة الخرطوم والمقار الرئيسية مثل القصر الجمهوري. وقدرة الجيش على إكمال تحرير ولاية الخرطوم بما فيها من جيوب قليلة للدعم السريع في جنوب وشرق الخرطوم وأقصى غرب أم درمان، يعني عمليا انتهاء التمرد بصورة كاملة في 3 ولايات هي سنار والجزيرة والخرطوم".

يُذكر أن الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع اندلعت في أبريل 2023، بعد خلافات بشأن عملية الانتقال الديمقراطي.

ورغم توقيع اتفاقيات عدة لوقف إطلاق النار، إلا أن القتال استمر، مما أدى إلى سقوط آلاف القتلى ونزوح الملايين.​

المحلل السوداني، محمد تورشين، أوضح لموقع الحرة، أن الجيش استعاد مقار البعثات الدبلوماسية للدول وللاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي.

بورتسودان المنفذ الوحيد للسودان على البحر الأحمر
وُصفت بـ"العاصمة البديلة".. ما أهمية بورتسودان؟
في 27 أغسطس الماضي، كان الخروج النادر لقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان من العاصمة الخرطوم حيث تشتد المعارك مع قوات الزعم السريع، وحينها ظهر في مدينة بورتسودان المطلة على البحر الأحمر شرقي البلاد.

وبالأمس فقط، شهدت المدينة اشتباكات هي الأولى على أراضيها منذ اندلاع الصراع في منتصف أبريل الماضي، حيث أشارت وكالة "فرانس برس" عن شهود عيان إلى أن الجيش اشتبك مع عناصر ميليشيا قبلية.

وقال: "يعني ذلك أنها بداية لاستكمال السيطرة على الخرطوم في الأيام المقبلة. وسيكون تأثير ذلك بلا شك كبيرا جدا على الحياة العامة باعتبار أن هذا التقدم سوف يسمح بعودة أجهزة الدولة من العاصمة، بعدما عملت الحكومة بشكل مؤقت من بورتسودان".

هل تعود الحياة إلى العاصمة؟

في الأيام العادية، تكتظ الخرطوم ومناطق المال والأعمال والمقار الحكومية التي سيطر عليها الجيش مؤخرا، بالمواطنين الذين يصلون من مناطق في الخرطوم ومن مدن أخرى، للعمل والجامعات.

ويقول ميرغني للحرة إن الجيش استعاد السيطرة على مناطق وسط الخرطوم، حيث توجد عدة جامعات تضم نحو مئتي ألف طالب، مضيفا أن "إعادة الجامعات لوضعها الطبيعي يتطلب إعداد المقار واستعادة طواقم التدريس، ويحتاج ذلك لعدة أشهر".

تورشين أشار إلى وجود مقار جامعات مثل النيلين والخرطوم توقفت منذ أكثر من عامين بسبب الحرب.

وقال إن سيطرة الجيش على تلك المناطق يعني أن الحرب مع قوات الدعم السريع "ستنتقل إلى أطراف العاصمة ثم أطراف السودان بشكل عام".

وداعا بورتسودان؟

الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين، ألحقت أضرارا جسيمة بالبنية التحتية وأجبرت أكثر من 12 مليون شخص على النزوح سواء داخل البلاد أو خارجها، بجانب إعلان خبراء في أغسطس 2024 وقوع المجاعة في منطقة واحدة من إقليم دارفور وزاد العدد في ديسمبر إلى 5 مناطق، مع توقعات بتفشيها في مزيد من المناطق.

الجيش السوداني حقق تقدما واضحا خلال الأشهر الأخيرة في حربه ضد الدعم السريع - رويترز
السودان.. مقتل طاقم تلفزيوني خلال "معارك القصر الرئاسي"
أكدت مصادر رسمية في مقتل ثلاثة من أفراد طاقم تلفزيون السودان الحكومي، إضافة إلى نقيب في الإعلام العسكري، جراء قصف نفذته طائرة مسيّرة تابعة لقوات الدعم السريع صباح اليوم الجمعة، استهدف محيط القصر الجمهوري في العاصمة الخرطوم.

وقُتل عشرات الآلاف على الرغم من أن تقديرات القتلى غير مؤكدة.

وفر مئات الألوف إلى مصر وتشاد وجنوب السودان، وعبرت أعداد أقل إلى إثيوبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى.

"عودة المواطنين إلى منازلهم أحد أهم ما يدور بذهن النازحين الذين يعانون في مناطق داخل أو خارج السودان. يستعجلون العودة سريعا بمجرد سماع أنباء عن استعادة الجيش للخرطوم"، وفق حديث ميرغني للحرة.

ويوضح الكاتب السوداني أن فكرة "وجود عاصمة بديلة يؤثر بشكل كبير على الصورة الذهنية للدولة في الخارج وعلى قدرتها على التعاطي دبلوماسيا، ومع مغادرة أغلب السفارات إلى دول الجوار وبقاء القليل جدا في بورتسودان، تعني عودة الخرطوم عودة تلك السفارات واستعادة المسار الدبلوماسي الطبيعي".

وكان قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي) توعد قبل أيام من توسيع الجيش سيطرته في الخرطوم، باستمرار القتال في العاصمة والقصر الجمهوري، لكن الخبير في الشؤون الأمنية والعلاقات الدولية، إبراهيم مطر، قال لقناة الحرة إن خطاب "حميدتي كان لرفع معنويات جنوده لا أكثر".

الحرب.. إلى أين؟

قوات الدعم السريع تمركزت خلال الأيام الأولى من الحرب في أحياء بأنحاء العاصمة، وأحرزت تقدما سريعا بحلول نهاية عام 2023 لتحكم قبضتها على دارفور وتسيطر على ولاية الجزيرة جنوبي الخرطوم، وهي منطقة زراعية مهمة.

بحلول مارس الجاري، استعاد الجيش بعض السيطرة بتقدمه في أم درمان، إحدى المدن الثلاث التي تشكل العاصمة الكبرى، لكن قوات الدعم السريع تقدمت مرة أخرى لاحقا في ولايات سنار والنيل الأبيض والقضارف.

واندلعت معارك ضارية حول مدينة الفاشر، معقل الجيش في شمال دارفور.

وقال ميرغني للحرة إن الولايات مثل كردفان ودارفور التي يسيطر عليها الدعم السريع حاليا "أمرها أسهل كثيرا جدا من ولايات الوسط التي استعادها الجيش".

فيما قال مطر أيضًا إن المسار في دارفور "أسهل مما واجهه الجيش في ولايات الوسط مع وجود سكان ومباني عالية، هناك قوات مدربة حاربت الدعم السريع من قبل".

ولفت إلى أن تلك القوات التابعة للجيش تحركت بالفعل وأغلقت نحو "90 بالمئة من خطوط الإمداد من ليبيا وتشاد أمام الدعم السريع، وبذلك تم تطويق قواته".

وأضاف أنه في معركة مثل دارفور "سيبتعد الجيش عن استخدام الطيران، إلا نادرا، ستكون عمليات مشاة ومسيرات ولديه القوات والتقنية في معركة لن تأخذ كثيرا من الوقت، ولكن لن تكون سهلة".

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".