الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".

الصليب الأحمر حذر من زيادة انتهاكات حقوق الإنسان في السودان
الصليب الأحمر حذر من زيادة انتهاكات حقوق الإنسان في السودان

أبدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الخميس قلقها من تزايد استخدام طرفي الحرب في السودان لطائرات مسيرة لشن هجمات على مستشفيات وبنية تحتية للكهرباء والمياه في البلاد.

وقالت اللجنة إن ذلك يساهم في زيادة انتهاكات حقوق الإنسان المنتشرة على نطاق واسع.

وأضافت اللجنة أن العمل توقف في ما يتراوح بين 70 إلى 80 بالمئة من مستشفيات السودان وأن هناك مخاوف من ارتفاع حالات الإصابة بالكوليرا بسبب أضرار ألحقتها الحرب بالبنية التحتية للمياه.

وقال باتريك يوسف المدير الإقليمي للصليب الأحمر في أفريقيا في تقرير جديد "أدى هجوم بطائرات مسيرة مؤخرا إلى انقطاع التيار الكهربائي عن منطقة قريبة من الخرطوم، مما يعني أن أضرارا تلحق بالبنية التحتية الحيوية".

وأضاف "هناك زيادة واضحة في استخدام تلك التقنيات، الطائرات المسيرة، لتكون في أيدي الجميع.. مما يزيد من تبعاتها على السكان ويزيد من الهجمات".

"تأكدت حالة المجاعة".. الأمم المتحدة تحذر من تفاقم الأزمة الإنسانية في دارفور
حذرت الأمم المتحدة من تداعيات خطيرة لاستمرار الأعمال العدائية في إقليم دارفور غربي السودان، في وقت تتصاعد فيه موجات النزوح وتتدهور الأوضاع الإنسانية بشكل مقلق، وسط عجز متزايد في الاستجابة الإغاثية نتيجة نقص التمويل والعقبات اللوجستية.

وبعد نحو عامين من القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، يعود بعض السكان إلى الخرطوم بعد أن أجبروا على النزوح منها مع اندلاع الحرب في 15 أبريل نيسان 2023.

وتسبب الصراع في نزوح نحو 12 مليونا منذ 2023.

وقال يوسف "شهدنا مخالفات للقانون على جميع الأصعدة" وحث طرفي الحرب على السماح للصليب الأحمر بالوصول للمناطق المتضررة لتقديم الدعم الإنساني وتوثيق ما ارتكب من فظائع.

وقالت وكالات إغاثة لرويترز في مارس إن قوات الدعم السريع فرضت قيودا جديدة على إيصال المساعدات إلى مناطق تسعى فيها إلى ترسيخ سيطرتها.

كما اتهمت وكالات إغاثة الجيش السوداني أيضا بمنع أو عرقلة الوصول إلى المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع. وينفي الطرفان عرقلة وصول المساعدات.

اللجنة الدولية للصليب الأحمر أصدرت الخميس أيضا تقريرها عن "الوضع الإنساني الكارثي في السودان" تزامنا مع مرور عامين على النزاع المسلح الذي دمر البلاد.

وقالت اللجنة إن التجاهل الصارخ لمبادئ القانون الدولي الإنساني أسهم في تعميق الأزمة، وأن الانخفاض الحاد في تمويل المساعدات الإنسانية يُنذر بتفاقمها أكثر فأكثر، حسب تعبيرها.

ويُبرز التقرير بعض الاتجاهات "المُقلقة" التي رصدتها اللجنة خلال العامين الماضيين، مثل عرقلة الرعاية الصحية العاجلة وأنماط الهجمات على المستشفيات وغيرها من البنى التحتية المدنية الأساسية.

وأوضح التقرير أن انتشار العنف الجنسي، وزيادة عدد الأشخاص الذين يبحثون عن أحبائهم المفقودين بنسبة 66%، يضيف إلى الصورة القاتمة للمِحن التي يعانيها المدنيون السودانيون.

وأعلنت أطراف النزاع التزامها باحترام القانون الدولي الإنساني من خلال التوقيع على إعلان جدة في مايو 2023، ودعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى الالتزام بهذه المعايير.

وأشارت اللجنة إلى أن حماية المدنيين ووصول المساعدات الإنسانية دون عوائق أمران لا يقبلان التفاوض؛ "فهما التزامان قانونيان وهما السبيل الوحيد لتجنب تفاقم الكارثة" وفق قولها.