عناصر من المعارضة السورية خلال معركة في إدلب-أرشيف
عناصر من المعارضة السورية خلال معركة في إدلب-أرشيف


شهدت العديد من المدن السورية الجمعة مظاهرات فيما سمي بـ"جمعة اقتربت الساعة وآن النصر"، كما أعلنت لجان التنسيق المحلية أن قصفا عنيفا براجمات الصواريخ والهاون استهدف مدينتي حمورية وعربين قرب العاصمة دمشق.

وقد أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى ارتفاع عدد قتلى الجمعة إلى نحو 30 قتيلا، وقال مديره رامي عبد الرحمن في حديث لـ"راديو سوا " "الموضوع ليس قضية المظاهرات التي خرجت في عدة مناطق سورية، القضية هي قضية القصف والاشتباكات المستمرة في غالبية المناطق السورية وانفجارات السيارات المفخخة إذ أننا لاحظنا في محافظة دير الزور منذ صباح اليوم اشتباكات وقصفا، كما توفيت فتاة في ريفها متأثرة بجراحها وهناك اشتباكات متقطعة في مدينة رأس العين على الحدود السورية -التركية".

وأوضح مدير المرصد أن اشتباكات عنيفة أخرى تجري في محيط كتيبة الدفاع الجوي في ريف حلب الغربي بين المعارضة المسلحة والقوات النظامية.

وأضاف قائلا "أيضا هناك في ريف إدلب قصف من قبل القوات النظامية على هذه القرى، ترافق مع انفجار سيارة مفخخة استهدفت حاجزا للقوات النظامية في مدينة إدلب مما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن ثلاثة من القوات النظامية وجرج آخرين بعضهم بجراح خطيرة".
 
تشكيل قوة عسكرية كردية

وقد اتفقت المجموعتان الكرديتان الرئيسيتان في سورية على تشكيل قوة عسكرية موحدة لمواجهة مسلحي المعارضة في شمال شرق سورية، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية الجمعة.

ونقلت الوكالة عن ناشطين أكراد في مدينة أربيل العراقية، قولهم إن قوى كردية سورية بحثت منذ ثلاثة أيام في أربيل سبلَ حماية المناطق الكردية، من خلال تشكيل قوة عسكرية كردية مؤلفة من قوات حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي والمنشقين في إقليم كردستان.

وكان مسلحون من "جبهة النصرة" و"تجمع غرباء الشام" قد اشتبكوا الخميس مع مقاتلين أكراد من لجان الحماية الشعبية في مدينة رأس العين في محافظة الحسكة السورية. وأدت تلك المواجهات إلى مقتل تسعة أشخاص أحدهم ينتمي إلى اللجان الكردية بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

عدد اللاجئين يتضاعف

على الصعيد الإنساني، أعلن المتحدث باسم المفوضية العليا أدريان إدواردز تضاعف عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى المفوضية منذ مطلع سبتمبر/أيلول الماضي حيث زاد عن 440 ألفا، مشيرا إلى أن هناك مئات آلاف آخرين غير مسجلين.

ومن أصل أكثر من 440 ألف لاجئ أحصت المفوضية 127420 في لبنان و125670 في الأردن و123747 في تركيا و55685 في العراق و9734 في دول أخرى في شمال إفريقيا.

وتتولى المفوضية توزيع المساعدات على 500 ألف شخص داخل سورية، كما تقول الأمم المتحدة إن نحو 2.5 مليون سوري يحتاجون إلى مساعدة داخل البلاد لكنها تؤكد أن هذه التقديرات تقريبية فقط لأن 95 في المئة من النازحين لجأوا إلى أسر.

وأوقع النزاع في سورية أكثر من 40 ألف قتيل خلال 20 شهرا بحسب منظمة سورية غير حكومية.

الشرع والجهاد الإسلامي

بالتزامن مع زيارة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إلى دمشق ولقائه بالرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، تحدثت تقارير عن اعتقال القوات الأمنية السورية قياديين بارزين من حركة الجهاد الإسلامي، في حدث يبدو شديد الدلالة على التحولات الكبيرة التي تشهدها سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر من العام الماضي.

وقالت "سرايا القدس"، وهي الجناح العسكري للجهاد الإسلامي، في بيان الأربعاء إن خالد خالد مسؤول الحركة في سوريا وياسر الزفري مسؤول لجنتها التنظيمية محتجزان لدى السلطات السورية منذ خمسة أيام.

وأضافت أن السلطات ألقت القبض على الرجلين "دون توضيح أسباب الاعتقال وبطريقة لم نكن نتمنى أن نراها من إخوة". ودعت إلى "الإفراج" عنهما. 

وأكد مسؤول في وزارة الداخلية السورية لوكالة رويترز نبأ إلقاء القبض على القياديين في الحركة، لكنه لم يجب عن أسئلة لاحقة حول سبب اعتقالهما.

حركة "الجهاد الإسلامي" هي إحدى أهم الفصائل الفلسطينية المسلحة، وإن كانت أكثرها غموضاً وتعقيداً، من حيث تاريخها وأيديولوجيتها. صنفتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، ونمت لتصبح ثاني أكبر حركة مسلحة في قطاع غزة وثالث أكبر حركة في الضفة الغربية.

وعلى الرغم من أنها أصدرت أول بيان علني لها في 11 ديسمبر عام 1987، كان وجودها واحدا من أكثر أسرار المقاومة الفلسطينية كتمانا. تأسست الحركة في قطاع غزة عام 1981 على يد مجموعة من الطلاب الفلسطينيين الذين لم يسبق لأحدهم أن أمسك بسلاح، لكنها سريعاً تحولت إلى استخدام العنف ضد أهداف إسرائيلية في عام 1984، أي قبل خمس سنوات من ظهور حركة حماس.

واكتسبت الحركة سمعة سيئة بسبب طبيعة هجماتها المثيرة للجدل في عنفها، ومواقفها المتصلبة ضد إسرائيل. وكان الشعار الذي طرحته هو: "الإسلام، الجهاد، وفلسطين": الإسلام كنقطة انطلاق، الجهاد كوسيلة، وتحرير فلسطين كهدف.

وكانت الحركة ولا تزال ملتزمة بـ"لاءات ثلاث": لا تفاوض، ولا حل الدولتين، ولا اعتراف بإسرائيل.

في كتابه "تاريخ الجهاد الإسلامي الفلسطيني: الإيمان والوعي والثورة في الشرق الأوسط"، يروي الباحث إيريك سكير حكاية جذور تأسيس حركة الجهاد الإسلامي، التي بدأت من رسم وضعه فتحي الشقاقي (مؤسس الحركة/ اغتيل في العام ١٩٩٥) على ورقة في مارس 1979، يمثل مستطيلًا يتقاطع مع دائرة. 

كان هذا الرسم، بحسب سكير، يمثل مشروعهم السياسي الجديد، ويحتوي على ثلاث مساحات متميزة. تمثل المساحة الأولى "الإخوة الذين كانوا أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين فقط". ثم هناك "الإخوة الذين كانوا أعضاء في كل من جماعة الإخوان والمشروع الجديد الذي يشكل نوعاً ما انشقاقاً عن الإخوان. وأخيراً، هناك أولئك الذين انضموا إلى هذا المشروع دون أن يكونوا من الإخوان المسلمين. كانت هذه المنظمة تُعرف بـ "الطلائع الإسلامية"، وهي نواة حركة الجهاد الإسلامي.

والتعقيد في سيرة الجهاد الإسلامي وتموضعها، مرده إلى عوامل عديدة لعبت دوراً في رسم هوية الحركة وتشكيل أفكارها من روافد متنوعة، وقد تبدو أحياناً متناقضة. فهي كما يرى باحثون، بينهم الباحثة الإسرائيلية مائير هاتينا، نشأت من تأثير حاسم للجماعات المصرية المتطرفة في السبعينيات. 

وفي المقابل، تركز الباحثة، بفيرلي ميلتون إدواردز، على صراع الحركة مع جماعة الإخوان المسلمين في أوائل الثمانينيات، بشأن المقاومة المسلحة. وبينهما رأي، يتوقف عنده إيريك سكير في كتابه، يقول بأن "الجهاد الإسلامي" خرجت تأثراً بالثورة الإيرانية عام ١٩٧٩. 

وفي الحالات كلها، تبدو حركة "الجهاد الإسلامي" اليوم في قلب هذه التناقضات، فهي الفصيل الأقرب فلسطينياً إلى إيران تمويلاً وتسليحاً مع إشارات إلى حالات "تشيّع" داخل الحركة. ومع ذلك فإن تنسيقها مع حماس لم يتوقف، حتى مع التباين بين حماس و"الجهاد" حول قضية الثورة السورية، وبقاء الجهاد الإسلامي في "حضن" النظام السوري مستفيدة من الحماية التي وفرها لها، في وقت كانت حماس تبتعد عن النظام بسبب مزاج الثورة القريب من الإخوان المسلمين.

مع ذلك نسقت حماس مع "الجهاد" هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، وتحتفظ بأسرى إسرائيليين.

ومع تولي أحمد الشرع السلطة في سوريا، تزداد الأمور تعقيداً. فالشرع يميل، بحسب معطيات عديدة، إلى الاقتراب أكثر من تسوية مع إسرائيل قد تستكمل باتفاقية سلام، والابتعاد أكثر عن حماس وما تمثله. ولقاؤه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس يصب في هذا السياق.

ولا يحيد اعتقال الأمن السوري القياديين في "الجهاد" عن هذا "النهج"، ويأتي استكمالاً للمزاج السياسي للشرع المبتعد بوضوح، إلى حد القطيعة، عن إيران. إذ قطعت القيادة السورية الجديدة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وتأمل في إعادة بناء الدعم الإقليمي والدولي لسوريا، لا سيما رفع العقوبات وتمويل إعادة الإعمار بعد حرب أهلية مدمرة استمرت 14 عاماً.

لكن قد لا يعني اعتقال القياديين في الجهاد أن الشرع سيفعل الشيء ذاته مع حركة "حماس" في سوريا، على الأقل في الفترة المقبلة، كما يوضح نائب مدير مركز كارنيغي، الباحث مهند الحاج علي، لموقع "الحرة". بل إن الشرع على الغالب سيحافظ على العلاقة التاريخية بحماس لما تمثله من امتداد يرتبط بالإخوان المسلمين. 

وإذا كان الشرع في وارد "بيع" حماس، فإنه بالتأكيد سيطلب ثمناً عالياً لقاء ذلك. ويعتقد الحاج علي أن حماس لن تُحرج الشرع وستلتزم بما يناسبه في سوريا، حتى لو عنى ذلك قطع التواصل مع إيران، وإن كان الباحث في كارنيغي يتوقع أن تلعب حماس أدواراً في المستقبل لتحسين علاقات الشرع بإيران.

وأوردت وكالة رويترز في تقرير الشهر الماضي أن الولايات المتحدة قدمت لسوريا قائمة شروط يتعين الوفاء بها مقابل تخفيف جزئي للعقوبات. وذكرت مصادر لرويترز أن أحد الشروط هو إبعاد الجماعات الفلسطينية المدعومة من إيران.