لاجئ فلسطيني فر من مخيم اليرموك في دمشق
لاجئ فلسطيني فر من مخيم اليرموك في دمشق

جرت الأربعاء مفاوضات لإخراج المقاتلين من مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق، بعدما أدى القصف الجوي والاشتباكات بين أنصار النظام السوري ومعارضيه، إلى نزوح نحو 100 ألف شخص من أصل 150 ألفا.
 
وانتقل اللاجئون بحسب الأمم المتحدة إلى الحدائق العامة في دمشق، في حين توجه الآلاف منهم إلى لبنان، وفق أجهزة الأمن اللبنانية.
 
في غضون ذلك، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن قلقه العميق إزاء محنة اللاجئين الفلسطينيين في سورية، وقال في مؤتمر صحافي عقده في نيويورك إنه ناقش مع الدول المجاورة بما فيها إسرائيل السماح للاجئين بالفرار إليها.
 
قوات فلسطينية محايدة
 
وأفاد مصدر فلسطيني في دمشق وكالة الصحافة الفرنسية بأن "تنظيمات فلسطينية محايدة" تتولى التفاوض بين الجيش السوري الحر والقوات النظامية "لإبعاد النزاع عن المخيم" الواقع في جنوب دمشق، من دون التوصل إلى نتيجة.
 
في الإطار، قال المتحدث باسم مجموعة العمل من اجل فلسطينيي سورية طارق الحمود لـ"راديو سوا" إن الاتفاقية بين الطرفين تتضمن نشر مجموعات مسلحة محايدة  في المخيم للحفاظ على الأمن فيه، محذرا من تردي الأوضاع الإنسانية في مخيمات اللاجئين بسبب الاشتباكات.
 
كذلك، أكد مفوض شؤون اللاجئين الفلسطينيين في حركة فتح سلطان أبو العينين لـ"راديو سوا" أن القيادة الفلسطينية تجري اتصالات حثيثة مع جانبي الصراع في سورية من أجل ضمان عدم إقحام اللاجئين الفلسطينيين في الأزمة، مشيراً إلى أن عدد الذين وصلوا إلى لبنان لم يتعدّ الستة آلاف.
 
محاولة اقتحام المخيم
 
وتأتي المفاوضات بعد تقدم مقاتلين معارضين للأسد بينهم فلسطينيون، في أحياء المخيم حيث اشتبكوا مع مسلحين فلسطينيين ينتمون في غالبيتهم إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة، الموالية للنظام السوري.
 
يشار إلى أن مقاتلات سورية شنت عدة غارات جوية منذ الأحد على المخيم، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، في وقت قالت صحيفة "الوطن" السورية الأربعاء إن النظام "واصل استقدام التعزيزات إلى مشارف مخيم اليرموك استعدادا لدخوله"، وأغلق الطرق المؤدية إليه.
 
وكان ناشط في المخيم عرف عن نفسه باسم "راسم" لوكالة الصحافة الفرنسية عبر سكايب قد قال إن "الجيش النظامي حاول الأربعاء اقتحام المخيم، لكنه لم ينجح في ذلك".
 
وأشار المرصد السوري إلى أن اشتباكات دارت عند أطراف المخيم، ما أدى إلى "مقتل أربعة عناصر من الجبهة الشعبية-القيادة العامة أحدهم ضابط برتبة عقيد مسؤول العمليات في الجبهة".
 
جهود الأونروا
 
ومع استمرار نزوح السكان "في اتجاه المناطق الآمنة وسط مخاوف من عملية عسكرية واسعة" بحسب المرصد، أعلنت مساعدة المسؤول عن العاملين في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" ليسا جيليان من جنيف أن ثلثي اللاجئين البالغ عددهم 150 ألفا فروا من المخيم، مشيرة إلى أن رقم 100 ألف هو مجرد تقدير لأنهم "لا يزالون يفرون بكثافة".
 
ودعت جيليان أطراف النزاع إلى احترام حيادية الفلسطينيين، مطالبة الدول الأخرى باحترام مبدأ "عدم طرد" اللاجئين الفلسطينيين.
 
وفي لبنان، أبلغ مصدر في الأمن العام اللبناني الوكالة أن قرابة 2200 فلسطيني دخلوا من سورية الحدود منذ السبت وحتى صباح الأربعاء، عبر نقطة المصنع الحدودية غالبيتهم نساء وأطفال ومسنون.
 
كما اعتصم العشرات من النازحين من سورية أمام مقر الأونروا في بيروت رافعين لافتات طالبتها بتوفير أماكن لإقامتهم.
 
وإزاء هذا الواقع، طلب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الاربعاء من الأمين العام للأمم المتحدة والمجتمع الدولي "تمكين أبناء شعبنا في سورية من دخول الأرض الفلسطينية"، بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا".
ووفقا للأونروا، يتوزع 486 ألف لاجئ فلسطيني على تسعة مخيمات رسمية وثلاثة غير رسمية في سورية.

عبدي والشرع

بين تحولات الحرب السورية وتعقيدات المصالح الإقليمية والدولية، تتدرج أحمد الشرع، المعروف باسم "أبو محمد الجولاني"، ومظلوم عبدي، القائد العسكري لقوات سوريا الديمقراطية، من قيادة فصائل مسلحة إلى قائدين يتمتعان بنفوذ واسع وعلاقات عابرة للحدود.

ورغم الاختلافات الجوهرية بينهما، سواء في التوجهات الأيديولوجية أو التحالفات السياسية، فإن الرجلين خاضا مواجهات وتحديات كبرى، أبرزها الحفاظ على التوازنات وسط تضارب المصالح بين القوى الفاعلة في سوريا، من روسيا والولايات المتحدة إلى تركيا وإيران.

كما أن نجاحهما في المناورة جعلهما لاعبين أساسيين في مستقبل سوريا، فالشرع، المدرج على لوائح الإرهاب في الولايات المتحدة، أصبح يسيطر اليوم على السلطة في إدلب، بينما يسيطر عبدي، حليف التحالف الدولي لمحاربة داعش، على مساحات واسعة شمال شرق سوريا، وهي مناطق غنية بالنفط والثروات.

تحولات ومحطات مفصلية

وشهدت مسيرة الشرع وعبدي تحولات كبرى عكست تعقيدات المشهد السوري وتبدل موازين القوى، وبينما انطلق الأول من خلفية جهادية، كان الثاني مرتبطاً بتنظيم يساري ذي طابع قومي.

ومع ذلك، تمكّن كلاهما من التكيف البراغماتي مع متغيرات الصراع، مما ساعدهما في البقاء ضمن المعادلة السورية حتى اليوم.

يواجه أحمد الشرع  المعروف بالجولاني معضلة رسم مستقبل سوريا وموقع الجهاديين فيها
هل يستطيع الجولاني ترويض المارد الجهادي في سوريا؟
يتساءل السوريون والمراقبون للشأن السوري عن تحديات المرحلة الانتقالية، بعد سقوط نظام بشار الأسد وإمساك سلطة جديدة بزمام الأمور في دمشق.

إذ تتمحور معظم هذه الأسئلة عن العدالة الانتقالية، وشكل الحكم القادم ووضع الأقليات ومصير الحريات الفردية، ومشكلة السلاح والوجود الأجنبي في البلد، وغيرها.

وانطلق الشرع من خلفية متشددة، حيث كان أحد عناصر تنظيم القاعدة في العراق، قبل أن يعود إلى سوريا مع بدايات الثورة ليؤسس جبهة النصرة التي خاضت مواجهات مع النظام السوري وداعش وفصائل أخرى.

فمع تصاعد نفوذه، انخرط في صراعات مع فصائل معارضة أخرى، قبل أن يعلن أنه فك ارتباطه مع القاعدة ويغير اسم "جبهة النصرة" إلى هيئة تحرير الشام، التي أصبحت القوة المهيمنة في إدلب.

ونجح في إحكام قبضته على إدلب عبر سياسة العصا والجزرة، قبل أن يطيح بعملية عسكرية خاطفة، لا تزال تثير الكثير من الأسئلة، ببشار الأسد وينصب نفسه رئيسًا انتقاليًا لسوريا.

أما عبدي، فينحدر من خلفية كردية ويسارية، وكان منخرطًا في العمل العسكري ضمن حزب العمال الكردستاني، قبل أن يصبح القائد العسكري لقوات سوريا الديمقراطية "قسد".

وبرز اسمه مع مساندته لقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في مواجهة وهزيمة تنظيم داعش، حيث تمكن من ترسيخ نفوذه في شمال وشرق سوريا.

بارزاني استقبل عبدي في أربيل - صورة أرشيفية - رويترز
لقاء عبدي وبارزاني.. مبادرة لتوحيد الكرد في سوريا والمصالحة مع تركيا
لم تكن زيارة القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، إلى أربيل بإقليم كردستان العراق ولقائه زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، زيارة عادية، بل مثلت استجابة لمبادرة بارزاني لتوحيد الكرد في سوريا والمصالحة ما بين (قسد) وتركيا.

وأظهر قدرة على تبني نهج براغماتي، إذ تحالف مع الولايات المتحدة في الحرب ضد داعش، في الوقت الذي حافظ فيه على خطوط مفتوحة مع روسيا والنظام السوري لضمان بقاء قواته في المشهد.

ولكنه لا يزال يواجه تحديات مستمرة بسبب الضغوط التركية، التي تعتبر قواته امتداداً لحزب العمال الكردستاني، مما يجعله في وضع معقد بين المصالح الدولية المتشابكة.

"سياسيون بارعون"

الباحث في الشأن العسكري، عامر فرهود، قال لموقع "الحرة" إن خلفية الشرع وعبدي العقائدية والتنظيمية ساعدتهما في بدء مسيرتهما بطرح فكري متماسك وقوي وواضح، قادر على تشكيل قاعدة بشرية مرتبطة ارتباطًا قويًا بقيادتهما، وهذا ما ساعدهما على تجاوز العديد من التحديات، وكذلك النجاح في كثير من المعارك الداخلية، خاصة مع أشباههما من التيارات الفكرية.

وأشار فرهود إلى أن التحولات التي قام بها كل من الشرع وعبدي ارتبطت بتغيير الرافعات السياسية التي اعتمدا عليها للتوسع داخليًا وخارجيًا.

وقال إن "التغيير لم يكن نتيجة ضغط خارجي فقط، وإنما قرار داخلي استطاع استقراء الضغط الخارجي وتفاديه بالتغيير الداخلي على مستوى الخطاب والأداء".

وأكد فرهود وجود عاملين رئيسيين ساعدا الشرع وعبدي في إدارة علاقاتهما الدولية:

الأول، "هو قدرتهما على فهم المنظومة الدولية واحتياجاتها والتناغم معها بناءً على القوة التنظيمية لكل منهما".

أما العامل الثاني، فيتمثل في "وجود قاعدة بشرية عريضة ذات هوية فكرية واحدة متجانسة وذات خبرة عسكرية جيدة، بعكس باقي التنظيمات التي تتكون من هويات فكرية متنوعة وغير متجانسة ومبنية على قاعدة مناطقية".

وقال المحلل السياسي الكردي، شيروان ملا إبراهيم، لموقع "الحرة"، إن الشرع وعبدي تحولا إلى سياسيين بارعين، حيث قاما بتحويل التنظيمات العسكرية التي قاداها إلى كيانات إدارية وسياسية، "ولو أن الصبغة العسكرية لا تزال طاغية في كثير من الأحيان".

وأشار شيروان إلى أن التحولات التي مر بها الشرع وعبدي منذ بداية الصراع في سوريا تتعلق بالمصالح الدولية، التي أرادت فرض بعض التغييرات على بعض التنظيمات في سوريا.

وأضاف أن الرجلين، وبسبب التحديات العسكرية التي واجهاها في السنوات الماضية، اقتنعا بضرورة التعامل مع القوى الأكبر منهما، حتى لو اضطرا إلى تقديم بعض التنازلات عن بعض المواقف وليس المبادئ.

القدرة على المناورة الدولية

ووسط لعبة المصالح الدولية التي تعيد تشكيل المشهد السوري، يواجه الرجلان تحدياتٍ مصيرية للحفاظ على نفوذهما، على ضوء تحولاتٍ سياسية وأمنية معقدة.

وهذه التحولات تثير تساؤلاتٍ حول مستقبلهما، ومدى قدرتهما على المناورة في ظل تغيّر موازين القوى.

وقال الباحث عامر فرهود إن أحد أهم القواسم المشتركة بين عبدي والشرع هو "معرفة نقاط القوة والضعف الداخلية، ونقاط القوة والضعف عند الخصم، والقدرة على المبادرة في اختبار نقاط قوة الخصم ونقاط ضعفه".

وأردف قائلًا: "إن الاثنين استطاعا فهم المنظومة الدولية وسياقاتها العامة، والقدرة على مخاطبتها بثقة، لامتلاكهما أوراقًا تمكنهما من فرض نفسيهما كشريكين للمنظومة الدولية في سوريا، وعلى رأس هذه الأوراق الورقة الأمنية".

وأكد شيروان ملا إبراهيم أن الشرع ينحدر من تنظيم القاعدة الذي قتل الآلاف من الأميركيين سابقًا، بينما لم يقم عبدي بعملياتٍ مباشرة ضد المعسكر الغربي، بل كان رأس حربة في قتال داعش.

لذلك، يرى ملا إبراهيم أن خطوةً واحدة للشرع للتقرّب من هذا المعسكر تعادل عشر خطوات يخطوها عبدي.

وأضاف أن "كلاهما استطاع الاندماج في المشهد السياسي الدولي بذكاء، مستفيدين من الحاجة الغربية إلى شريك فاعل على الأرض".

وأشار إلى أن الإسلاميين، وكذلك التيارات التي كانت تُعرف بأنها مقربة من المعسكر الاشتراكي سابقًا، سقط أغلبها، لذلك تقتضي العبرة بالتعامل البراغماتي مع التحولات الإقليمية والدولية.

وأردف ملا إبراهيم قائلًا إن على عبدي والشرع أن يقتنعا بضرورة التعاون، تفاديًا لأي مواجهة عسكرية قد تكون نتائجها كارثية على الطرفين.

من الأنجح في توسيع علاقاته؟

في مقارنةٍ بين الرجلين، رأى عامر فرهود أن الأقرب ليكون الأنجح في توسيع شبكة علاقاته هو الشرع، لأنه قام بنقلاتٍ كبيرة جدًا عبر مسيرته منذ عام 2011، خاصة مع التنظيم الأم الذي انبثق منه.

في المقابل، يرى فرهود أن مظلوم عبدي لا يزال يواجه صعوبة في التحرر من جذوره التنظيمية.

ويشير إلى أن إمكانية اللقاء بينهما ممكنة، لكن من هو مضطر للمبادرة، بحسب رأيه، "هو عبدي وليس الشرع، لأن شرعية عبدي تتناقص لصالح شرعية الشرع، خاصة مع الرغبة الإقليمية والدولية في التفاهم مع الشرع وإنهاء حالة التقسيم في سوريا".

من يحكم سوريا.. الشرع أم الجولاني؟
لم يكن مشهد مديرة مدرسة عمر بن الخطاب وهي تعبر بارتباك عن فرحتها بضيفها قائد معركة "ردع العدوان" أحمد الشرع -المعروف سابقاً بأبي محمد الجولاني- أمراً عادياً. فبعد أن أصرّت عليه أن يأخذ ما تبقى من حلوى "الملبس" الشهيرة والتي تُوزَّع في احتفالات المولد النبوي الشريف في دمشق، طلب منها التقاط صورة تذكارية خرجت للعلن في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2024 لتثير موجة عارمة في الشارع السوري.

في المقابل، يرى إبراهيم أن أكثر طرفين يحتاجان إلى بعضهما اليوم في سوريا هما سلطة دمشق و"قسد"، أي الشرع وعبدي.

وأضاف أن "الشرع حاليًا يحتاج إلى شمال شرق سوريا أكثر من غيرها على الخريطة السورية، كونها تحتوي على سلة الثروات، وتسيطر عليها قسد وقوامها حوالي 120 ألف مقاتل"، لذلك فإن التوصل إلى تسوية مع قسد أمر مهم للشرع في حال أراد إبرام "اتفاقيات تتيح له 70 أو 50 بالمئة من تلك الثروات لتثبيت حكمه ونظامه وسلطته".

وفي المقابل، اعتبر أن "قسد" اليوم أمام فرصةٍ كبيرة للاعتراف السياسي بها من سلطةٍ جيدة ومقبولة من دول الإقليم، بعد أن كانت سابقًا تتمنى من هيئة التفاوض السورية والائتلاف السوري وحتى من نظام الأسد الاعتراف بها مقابل تقديم تنازلات وامتيازات.

الصراع أم التفاهم؟

على الرغم من التصريحات الحادة بين الطرفين بعد سقوط نظام الأسد، فضلًا عن اختلافاتهما الفكرية والأيديولوجية، فإن الشرع وعبدي يشتركان في قدرتهما على التكيف مع تحولات الصراع، وهو ما قد يؤثر على شكل المواجهة أو التفاهم بينهما في المستقبل.

ولا يعتقد المحلل السياسي شيروان ملا إبراهيم حدوث صراعٍ عسكري مباشر بينهما، موضحًا: "هما من أكثر الشخصيات التي أدركت اللعبة السياسية الدولية في سوريا واندماجًا فيها بإتقان، بدليل أنهما يتلقيان الدعم اليوم من دول كانت ولا تزال تصنف تنظيماتهما الأم ضمن قوائم الإرهاب، وهذا بحد ذاته نجاح لكليهما".

وأكد أن "الوضع حاليًا لا يوحي بصراعٍ وشيك".

ويبقى احتمال المواجهة أو التفاهم بين الشرع وعبدي مرهونًا بمعادلات السياسة الدولية وتوازنات القوى الإقليمية. ورغم إدراكهما العميق للعبة المصالح الكبرى، فإن استمرارهما في المشهد مرتبطٌ بقدرتهما على الحفاظ على تحالفاتهما الخارجية وإدارة تعقيدات الداخل.