كشف المبعوث الدولي والعربي لسورية الأخضر الإبراهيمي الأحد عن أن لديه مقترحا للخروج من الأزمة السورية يمكن أن يتبناه المجتمع الدولي، مؤكدا أن الوضع في سورية "سئ جدا جدا ويتفاقم كل يوم".
وقال الإبراهيمي في مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي إن المقترح يستند إلى خطة السلام التي تم الاتفاق عليها في جنيف في يونيو/حزيران الماضي، مشيرا إلى أنه قد أجرى محادثات بشأن هذا المقترح في سورية ومع وزيري خارجية روسيا سيرغي لافروف والولايات المتحدة هيلاري كلينتون.
وحذر الإبراهيمي من تفاقم الأوضاع في سورية، قائلا "إما الحل السياسي أو الجحيم، إذا كان 50 ألفا قتلوا خلال ما يقرب من عامين فإن الأزمة إذا استمرت لا قدر الله سنة أخرى سيقتل 100 ألف".
مقتل أكثر من 20 طفلا
ميدانيا، قتل أكثر من عشرين طفلا في قصف مصدره القوات النظامية على منطقتي دمشق وحلب أمس السبت، كما قال المرصد السوري لحقوق الإنسان اليوم الأحد.
وأضاف المرصد أن "32 مواطنا بينهم 11 طفلا وثلاث سيدات استشهدوا جراء قصف من القوات النظامية على مدن وبلدات المنصورة ودوما والمعضمية وعربين والنشابية وداريا والمليحة والمعضمية وحوش الفارة ومخيم الحسينية ويلدا" في ريف دمشق.
وأشار إلى أن ثلاثة مواطنين احدهم طفل قد قتلوا أيضا برصاص قناص في حيي القابون وبرزة في العاصمة فيما قتل طفل آخر إثر سقوط قذيفة على مخيم اليرموك في جنوب دمشق.
وفي محافظة حلب أفاد المرصد، الذي يقول إنه يعتمد للحصول على معلوماته على شبكة واسعة من المندوبين والمصادر الطبية في كل أنحاء سورية، بمقتل 24 مواطنا بينهم ثمانية أطفال وخمس سيدات جراء قصف بالطيران الحربي تعرضت له بلدات تل رفعت واعزاز والمنصورة في ريف حلب.
كما قتل طفل جراء القصف على بلدة السفيرة، وآخر في الحادية عشرة من عمره في اشتباكات مع القوات النظامية في مدينة حلب، كما قال المرصد.
وأضاف المرصد أنه قد تم العثور على عشرات القتلى مساء السبت في حي دير بعلبة بمدينة حمص الذي كانت اقتحمته القوات النظامية فجرا.
وفيما أفاد ناشطون عن "مجزرة" ذهب ضحيتها أكثر من مئتي شخص قتلوا "ذبحا أو حرقا"، رفض المرصد تأكيد ذلك نتيجة عدم قدرته على "توثيق القتلى إلى الآن بسبب انقطاع الاتصالات عن الحي".
وبحسب المرصد فقد شهد أمس السبت مقتل 180 شخصا في مناطق مختلفة من البلاد من بينهم 91 مدنيا و54 عنصرا من قوات النظام و35 مقاتلا معارضا.
شحنة أسلحة على الحدود
وفي شأن أخر، قال مصدر امني لبناني إن "الجيش اللبناني صادر شحنة عسكرية تشمل قذائف هاون ورشاشات وذخائر في قرية حدودية في منطقة وادي خالد".
وأشار المصدر، الذي رفض الكشف عن هويته، إلى انه تم العثور على الأسلحة داخل سيارة وحافلة صغيرة، وتم اعتقال سائقي الآليتين وهما لبنانيان من وادي خالد.
وأضاف المصدر انه لم يتضح ما إذا كانت الأسلحة متجهة إلى سورية.
وشهدت منطقة وادي خالد الواقعة على بعد 185 كيلومترا من بيروت عمليات تهريب متعددة خلال الفترة الماضية.
وحذرت الأمم المتحدة لبنان الأربعاء من انجراره في النزاع بعد المعارك التي شهدها شمال البلاد مؤخرا بين مؤيدي النظام السوري ومعارضيه.
ينقسم اللبنانيون منذ بدء حركة الاحتجاجات في سورية ضد نظام الرئيس بشار الأسد، قبل 21 شهرا، بين مؤيد للمعارضة ومدافع عن النظام. وفي وقت تحتفظ فيه دمشق بنفوذ في بيروت من خلال حلفائها الذين يشكلون اليوم اكثرية وزارية ونيابية ، يتنامى الدعم للمعارضين السوريين بشكل مضطرد لدى الأقلية النيابية المعارضة.
وفي دراسة أجراها مركز كارنغي للشرق الأوسط عن "تداعيات ومخاطر الأزمة السورية على الداخل اللبناني" والتي أشارت إلى أن عام 2012 بالنسبة إلى لبنان كان عام الأزمات المؤجلة، أكد الباحث بول سالم أن لبنان هو البلد الأكثر عرضة للتأثر بتداعيات الأزمة السورية من بين الدول المجاورة .
الحكومة اللبنانية تدعي بأنها نائية بالنفس
أحمد فتفت
وأشار سالم في الدراسة إلى أن بنية الدولة في لبنان "ضعيفة والتوترات الطائفية على أشدّها والتحالفات السياسية الرئيسية اختارت اصطفافاتها، فإما أيّدت نظام بشار الأسد وإما عارضته صراحة"، لافتا إلى تأثر لبنان "بالمناوشات الطائفية، والاشتباكات الحدودية، والاغتيالات، وعمليات الخطف، وتدفق اللاجئين إليه بأعداد كبيرة".
ومع أن لبنان تفادى الانهيار حتى الآن، غير أنه، حسب سالم، يواجه مخاطر على الأمد البعيد، داعيا إلى اتخاذ خطوات طارئة لتعزيز الاستقرار فيه.
سياسة النأي بالنفس
ورغم سعي الحكومة اللبنانية إلى التأكيد على سياستها بعدم التدخل في الصراع السوري، صاحبت عملية الاصطفاف المحلية في لبنان فترات من التوتر أو الشلل السياسي. كما اندلعت جولات من الاشتباكات المسلحة في مناطق مختلفة من لبنان، ووقعت عمليات اغتيال استهدفت شخصيات مناهضة للنظام السوري.
شعار النأي بالنفس يتداعى إزاء تورط أكثر من طرف لبناني بشكل أو بآخر في النزاع في سورية
وائل أبو فاعور
ورغم إعلان رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي التزام بلاده باتباع سياسة النأي بالنفس المعلنة تجاه الأزمة السورية منذ اندلاعها،غير أن حكومته تواجه انتقادات حادة من المعارضة التي تطالبها بالاستقالة وتشكيل حكومة إنقاذ للتعامل مع الأزمة في سورية. كما تمتنع المعارضة عن حضور جلسات البرلمان بحجة اعتراضها على الحكومة.
"الخطر على لبنان حقيقي"
ويبدو المشهد السياسي اللبناني متشنجا، فيما يتفق الأطراف من الأكثرية الحاكمة والأقلية المعارضة على أن طبول الحرب تقرع في الداخل اللبناني.
فقد، حذر وزير الشؤون الاجتماعية اللبنانية وائل أبو فاعور (من الأكثرية النيابية) من أن "شعار النأي بالنفس يتداعى إزاء تورط أكثر من طرف لبناني بشكل أو بآخر في النزاع في سورية"، داعيا القوى السياسية إلى "إبقاء المواقف مما يحصل في سورية في إطار الدعم السياسي والإعلامي".
وبدوره، قال النائب اللبناني عن تيار المستقبل أحمد فتفت (من الأقلية النيابية) إن الحكومة اللبنانية "تدعي بأنها نائية بالنفس"، متهما وزير الخارجية اللبنانية بدعمه للسفير السوري في لبنان. وقال فتفت لـ"راديو سوا" "في سورية اليوم نظامان معترف بهما، النظام القائم والائتلاف المعترف به من قبل أكثرية بلدان العالم، وبالتالي لو كانت الحكومة تريد أن تنأى بنفسها، لكانت على الأقل أبعدت السفير السوري لتبتعد عن الازمة".
لا يوجد إرادة عند أي فريق لبناني أن يذهب باتجاه حرب أهلية... اعتقد أننا حتى الآن محيدين
ألان عون
كذلك، أكد النائب عن التيار الوطني الحر ألان عون (من الأكثرية النيابية) وجود خطر بأن تمتد الحرب في سورية إلى لبنان، مشيرا إلى أن لبنان هو على "صورة المنطقة وعلى صورة سورية من ناحية تكوينه".
وقال لـ"راديو سوا" إن "الاصطفاف السياسي والمذهبي في لبنان يشبه الاصطفاف السياسي والمذهبي في سورية"، مردفا بالقول "الآن لا يوجد إرادة عند أي فريق أن يذهب باتجاه حرب أهلية. اعتقد أننا حتى الآن محيدين ولكن في لحظة معينة قد يفلت زمام الامور من أيدي الجميع وندخل في دوامة عنف وخراب".
تبادل الاتهامات بين اللبنانيين
وفي ظل هذا الانقسام، تنامت الاتهامات المتبادلة بين اللبنانيين.
وقالت الأمم المتحدة مرارا إنه من المحتمل أن يزعزع الصراع في سورية ، استقرار لبنان الذي ما يزال يتعافى من حربه الأهلية التي استمرت 15 عاما حتى انتهت عام 1990.
واتهمت الأكثرية اللبنانية الموالية لحكومة الأسد المعارضين له بإرسال مقاتلين لدعم الجيش السوري الحر. وتضم الأكثرية العديد من الأحزاب والشخصيات اللبنانية أبرزها إضافة إلى ميقاتي، حزب الله وتيار الوطني الحر الذي يترأسه النائب ميشال عون، وجبهة النضال الوطني التي يترأسها النائب وليد جنبلاط.
انقسامات لبنان تجعل من الصعوبة بمكان تفادي الصراعات التي تعكسها الأزمة السورية على الداخل اللبناني
إدمون غريب
كما اتهمت صحيفة الأخبار اللبنانية، المقربة من الأكثرية، زعيم تيار المستقبل سعد الحريري والنائب اللبناني عقاب صقر المقرب منه بدعم المعارضة السورية بالسلاح. وأصدر القضاء السوري مذكرة اعتقال بحق الحريري وصقر بتهمة تسليح الجيش السوري الحر.
وفي المقابل، اتهمت الأقلية اللبنانية حزب الله بإرسال مقاتلين إلى سورية لدعم النظام. وتضم الأقلية تيار المستقبل إضافة إلى العديد من الشخصيات والأحزاب السياسية المعارضة.
غير أن أستاذ العلوم السياسية في معهد إليوت للعلاقات الدولية في جامعة جورج واشنطن إدمون غريب، قال لـ"راديو سوا" "إن الاستقطاب الطائفي والمذهبي والسياسي ليس بجديد على الساحة اللبنانية"، مشيرا إلى أن لبنان "يعاني من انقسامات تتعلق بموضوع الانتماء والهوية والولاءات من قومية ومذهبية ووطنية. وكل مجموعة تتأثر برؤيتها لدورها ولعلاقتها بالأطراف الأخرى".
وقال غريب إن هذا الوضع يجعل من الصعوبة بمكان تفادي المواجهات والصراعات التي تعكسها الأزمة السورية على الداخل اللبناني.
في المقابل، قالت باحثة السياسات العامة في مركز ويلسون، ومديرة تحرير موقع "Now Lebanon" حنين غدار في دراسة لها بعنوان "الشياطين تحاصر لبنان" إنه بعد اغتيال مدير فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني، اللواء وسام الحسن، في 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، "أصبح من الواضح أنه طالما استمر نظام الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة، وطالما لم يتحمل حلفاءه في لبنان المسؤولية عن التدهور الأخير للأمن والاقتصاد، فإن لبنان يتجه إلى السقوط في الهاوية أعمق وأعمق".
الحل لتجنب الانزلاق
ورغم أن لبنان نجا حتى الآن من "العاصفة". لكنه، حسب الباحث بول سالم، أشبه بزورق عائم تتقاذفه الأمواج وهو معرض "للغرق في أي وقت".
طالما استمر نظام الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة فإن لبنان يتجه إلى السقوط في الهاوية أعمق وأعمق
حنين غدار
وعول الوزير أبو فاعور، على القوى السياسية اللبنانية "لاسيما الأساسية منها" في تحكيم المصلحة العامة، وقال "هي من يقرر إذا كانت تريد أن تستورد الأزمة السورية إلى لبنان. حتى اللحظة استطاع لبنان أن يعبر المرحلة الصعبة، نتمنى أن يستمر ذلك في المستقبل".
ومن ناحيته، أكد النائب عون عدم وجود "إرادة لدى أي فريق في أن يذهب باتجاه حرب اهلية"، مشيرا إلى أن "الأحداث التي حصلت على خلفية الصراع السوري لم تفجر الوضع"، لافتا إلى أن اللبنانيين الذين هم اليوم بموقع الأكثرية يعملون على إبعاد شبح الفتنة والاصطدام في الداخل اللبناني قدر المستطاع".
ومن جانبه، دعا النائب أحمد فتفت الحكومة اللبنانية إلى اتخاذ خطوات عملية على الأرض لتلافي اتساع نطاق الخلافات في البلاد، كنشر الجيش اللبناني على كامل الحدود مع سورية.
"أما إذا كانت إمكانات الجيش غير كافية"، والحديث لفتفت، فإن القرار الدولي 1701 يسمح للحكومة بالاستعانة بقوات الأمم المتحدة العاملة في لبنان (يونيفل) لإغلاق الحدود، فيقتصر العبور من وإلى لبنان على القوافل الإنسانية واللاجئين، ويمنع مرور السلاح بكل الاتجاهات.
وبانتظار أن يكون هناك حوار حقيقي بين القوى السياسية، قال إدمون غريب إن الخاسر من تورط لبنان في أحداث سورية لاسيما إذا حطت الحرب الأهلية رحالها على أرضه، هو الشعب اللبناني.
وأردف قائلا "الكثيرون كانوا قد اعتقدوا أن اللبنانيين تعلموا دروس الحرب الأهلية السابقة، ولكن طبعا لا تزال هناك أسئلة حول ذلك".