وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف فى الامم المتحدة، أرشيف

حذرت روسيا يوم الاثنين من تكرار السيناريو العراقي في سورية والمتعلق باستخدام ذريعة البحث عن أسلحة دمار شامل في البلد كحجة للإطاحة بالرئيس بشار الأسد.

وشكك وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في الغرض من الدعوة التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون للحكومة السورية لكي تسمح لفريق تابع للمنظمة الدولية بالتحقيق حول استخدام النظام أسلحة كيميائية في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وقال الوزير الروسي الذي تعتبر بلاده أكبر الدول الداعمة لنظام دمشق، إن "هذا الطلب من الأمين العام والمستند إلى حدث دخل عالم النسيان منذ ذلك الوقت، يذكرنا بالمحاولات التي ترمي إلى أن يتكرر في سورية السيناريو الذي حدث في العراق عندما بدأت عمليات البحث عن أسلحة دمار شامل".

واتهم لافروف الذي كان يتحدث أثناء مؤتمر صحافي مع رئيسة مفوضية الاتحاد الافريقي نكوسازانا دلاميني-زوما، بعض الدول وفاعلين خارجيين بالتلويح بتهديد الأسلحة الكيميائية كذريعة للتشديد على ضرورة غزو أجنبي لسورية.

وقال لافروف إن "هناك حكومات وفاعلين خارجيين يعتقدون أن كل الوسائل مناسبة للإطاحة بالنظام السوري".

واستطرد الوزير الروسي قائلا "لكن موضوع استخدام أسلحة دمار شامل خطير للغاية، ينبغي عدم اللعب بذلك".

ورفض النظام السوري السبت الاتهامات الأميركية والبريطانية حول لجوئه إلى استخدام أسلحة كيميائية ضد المعارضين بعد تكثيف الاتهامات بهذا الشأن التي وجهتها المعارضة السورية وأكدتها إسرائيل وواشنطن.

وكانت الذريعة التي استخدمتها الولايات المتحدة بشأن وجود أسلحة دمار شامل في العراق سمحت بتبرير الحرب على هذا البلد في عام 2003 ما أدى إلى الإطاحة بنظام صدام حسين، ثم تبين لاحقا أن هذه الذريعة خاطئة.

الموقف الفرنسي

في الشأن ذاته، أعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس يوم الاثنين أن بلاده "لا تملك تأكيدات" حول استخدام أسلحة كيميائية في سورية.

وقال فابيوس لاذاعة أوروبا 1 "إننا لا نملك تأكيدات بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية لكن هناك مؤشرات قدمها البريطانيون والأميركيون. أما نحن، فإننا بصدد التحقق من ذلك".

وأضاف الوزير الفرنسي أنه "لا توجد أدلة حتى الآن وطلبنا من الأمين العام للأمم المتحدة أن يأمر بإجراء تحقيق في كل أرجاء سورية لنرى ما هي عليه الحال. إلا أن الأمر الذي يحمل دلالات هو أن سورية رفضت السماح لمحققين بالدخول إلى أراضيها".

وقال فابيوس "إننا نطور بوسائلنا الخاصة سلسلة كاملة من التحقيقات، وصحيح، كما أعلن الرئيسان باراك اوباما وفرانسوا هولاند والمسؤولون الروس، فإنه إذا تبين أن هناك استخداما لأسلحة كيميائية في سورية، فإن هذا الأمر سيغير الكثير من الأمور".

وبانتظار رد من النظام السوري على طلب جديد للأمم المتحدة حول دخول محققيها "من دون عراقيل" إلى سورية، بدأ هؤلاء المحققون جمع مؤشرات وعينات وشهادات من خارج سورية.

وردا على سؤال حول احتمال رفع الحظر الأوروبي على الأسلحة الموجهة إلى سورية، اعتبر فابيوس أن "ائتلاف المعارضة ليس موحدا إلى الحد الذي نريد" معربا في الوقت ذاته عن "الأسف لاستقالة معاذ الخطيب من منصبه كرئيس للائتلاف الوطني السوري المعارض".

الشرع والجهاد الإسلامي

بالتزامن مع زيارة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إلى دمشق ولقائه بالرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، تحدثت تقارير عن اعتقال القوات الأمنية السورية قياديين بارزين من حركة الجهاد الإسلامي، في حدث يبدو شديد الدلالة على التحولات الكبيرة التي تشهدها سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر من العام الماضي.

وقالت "سرايا القدس"، وهي الجناح العسكري للجهاد الإسلامي، في بيان الأربعاء إن خالد خالد مسؤول الحركة في سوريا وياسر الزفري مسؤول لجنتها التنظيمية محتجزان لدى السلطات السورية منذ خمسة أيام.

وأضافت أن السلطات ألقت القبض على الرجلين "دون توضيح أسباب الاعتقال وبطريقة لم نكن نتمنى أن نراها من إخوة". ودعت إلى "الإفراج" عنهما. 

وأكد مسؤول في وزارة الداخلية السورية لوكالة رويترز نبأ إلقاء القبض على القياديين في الحركة، لكنه لم يجب عن أسئلة لاحقة حول سبب اعتقالهما.

حركة "الجهاد الإسلامي" هي إحدى أهم الفصائل الفلسطينية المسلحة، وإن كانت أكثرها غموضاً وتعقيداً، من حيث تاريخها وأيديولوجيتها. صنفتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، ونمت لتصبح ثاني أكبر حركة مسلحة في قطاع غزة وثالث أكبر حركة في الضفة الغربية.

وعلى الرغم من أنها أصدرت أول بيان علني لها في 11 ديسمبر عام 1987، كان وجودها واحدا من أكثر أسرار المقاومة الفلسطينية كتمانا. تأسست الحركة في قطاع غزة عام 1981 على يد مجموعة من الطلاب الفلسطينيين الذين لم يسبق لأحدهم أن أمسك بسلاح، لكنها سريعاً تحولت إلى استخدام العنف ضد أهداف إسرائيلية في عام 1984، أي قبل خمس سنوات من ظهور حركة حماس.

واكتسبت الحركة سمعة سيئة بسبب طبيعة هجماتها المثيرة للجدل في عنفها، ومواقفها المتصلبة ضد إسرائيل. وكان الشعار الذي طرحته هو: "الإسلام، الجهاد، وفلسطين": الإسلام كنقطة انطلاق، الجهاد كوسيلة، وتحرير فلسطين كهدف.

وكانت الحركة ولا تزال ملتزمة بـ"لاءات ثلاث": لا تفاوض، ولا حل الدولتين، ولا اعتراف بإسرائيل.

في كتابه "تاريخ الجهاد الإسلامي الفلسطيني: الإيمان والوعي والثورة في الشرق الأوسط"، يروي الباحث إيريك سكير حكاية جذور تأسيس حركة الجهاد الإسلامي، التي بدأت من رسم وضعه فتحي الشقاقي (مؤسس الحركة/ اغتيل في العام ١٩٩٥) على ورقة في مارس 1979، يمثل مستطيلًا يتقاطع مع دائرة. 

كان هذا الرسم، بحسب سكير، يمثل مشروعهم السياسي الجديد، ويحتوي على ثلاث مساحات متميزة. تمثل المساحة الأولى "الإخوة الذين كانوا أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين فقط". ثم هناك "الإخوة الذين كانوا أعضاء في كل من جماعة الإخوان والمشروع الجديد الذي يشكل نوعاً ما انشقاقاً عن الإخوان. وأخيراً، هناك أولئك الذين انضموا إلى هذا المشروع دون أن يكونوا من الإخوان المسلمين. كانت هذه المنظمة تُعرف بـ "الطلائع الإسلامية"، وهي نواة حركة الجهاد الإسلامي.

والتعقيد في سيرة الجهاد الإسلامي وتموضعها، مرده إلى عوامل عديدة لعبت دوراً في رسم هوية الحركة وتشكيل أفكارها من روافد متنوعة، وقد تبدو أحياناً متناقضة. فهي كما يرى باحثون، بينهم الباحثة الإسرائيلية مائير هاتينا، نشأت من تأثير حاسم للجماعات المصرية المتطرفة في السبعينيات. 

وفي المقابل، تركز الباحثة، بفيرلي ميلتون إدواردز، على صراع الحركة مع جماعة الإخوان المسلمين في أوائل الثمانينيات، بشأن المقاومة المسلحة. وبينهما رأي، يتوقف عنده إيريك سكير في كتابه، يقول بأن "الجهاد الإسلامي" خرجت تأثراً بالثورة الإيرانية عام ١٩٧٩. 

وفي الحالات كلها، تبدو حركة "الجهاد الإسلامي" اليوم في قلب هذه التناقضات، فهي الفصيل الأقرب فلسطينياً إلى إيران تمويلاً وتسليحاً مع إشارات إلى حالات "تشيّع" داخل الحركة. ومع ذلك فإن تنسيقها مع حماس لم يتوقف، حتى مع التباين بين حماس و"الجهاد" حول قضية الثورة السورية، وبقاء الجهاد الإسلامي في "حضن" النظام السوري مستفيدة من الحماية التي وفرها لها، في وقت كانت حماس تبتعد عن النظام بسبب مزاج الثورة القريب من الإخوان المسلمين.

مع ذلك نسقت حماس مع "الجهاد" هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، وتحتفظ بأسرى إسرائيليين.

ومع تولي أحمد الشرع السلطة في سوريا، تزداد الأمور تعقيداً. فالشرع يميل، بحسب معطيات عديدة، إلى الاقتراب أكثر من تسوية مع إسرائيل قد تستكمل باتفاقية سلام، والابتعاد أكثر عن حماس وما تمثله. ولقاؤه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس يصب في هذا السياق.

ولا يحيد اعتقال الأمن السوري القياديين في "الجهاد" عن هذا "النهج"، ويأتي استكمالاً للمزاج السياسي للشرع المبتعد بوضوح، إلى حد القطيعة، عن إيران. إذ قطعت القيادة السورية الجديدة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وتأمل في إعادة بناء الدعم الإقليمي والدولي لسوريا، لا سيما رفع العقوبات وتمويل إعادة الإعمار بعد حرب أهلية مدمرة استمرت 14 عاماً.

لكن قد لا يعني اعتقال القياديين في الجهاد أن الشرع سيفعل الشيء ذاته مع حركة "حماس" في سوريا، على الأقل في الفترة المقبلة، كما يوضح نائب مدير مركز كارنيغي، الباحث مهند الحاج علي، لموقع "الحرة". بل إن الشرع على الغالب سيحافظ على العلاقة التاريخية بحماس لما تمثله من امتداد يرتبط بالإخوان المسلمين. 

وإذا كان الشرع في وارد "بيع" حماس، فإنه بالتأكيد سيطلب ثمناً عالياً لقاء ذلك. ويعتقد الحاج علي أن حماس لن تُحرج الشرع وستلتزم بما يناسبه في سوريا، حتى لو عنى ذلك قطع التواصل مع إيران، وإن كان الباحث في كارنيغي يتوقع أن تلعب حماس أدواراً في المستقبل لتحسين علاقات الشرع بإيران.

وأوردت وكالة رويترز في تقرير الشهر الماضي أن الولايات المتحدة قدمت لسوريا قائمة شروط يتعين الوفاء بها مقابل تخفيف جزئي للعقوبات. وذكرت مصادر لرويترز أن أحد الشروط هو إبعاد الجماعات الفلسطينية المدعومة من إيران.