رغم أن النظام السوري يخضع لعقوبات دولية فرضها عليه المجتمع الدولي، إلا أنه استشعر الخطر الحقيقي من قانون قيصر الذي أقرته الولايات المتحدة ليدخل حيز التنفيذ الأربعاء.
فما الذي يجعل هذا القانون استثنائيا ومختلفا عن العقوبات السابقة؟ ولماذا يخيف الأسد ويهدد نظامه بالانهيار؟ خاصة أن القانون سيكبل روسيا وإيران.
قانون قيصر أقره الكونغرس الأميركي في ديسمبر الماضي، أطلق عليه اسم "قيصر سوريا للحماية المدنية"، وقد أخذ اسمه من اسم مستعار لمصور سابق في الشرطة العسكرية السورية انشق عن النظام عام 2013 حاملا معه 55 ألف صورة تظهر الوحشية والانتهاكات في السجون السورية، والتي هزت المجتمع الدولي بأكمله.
قانون العقوبات الجديد سيستمر لسنوات خمس ويتوقع أن تكون عجافا على النظام السوري، حيث يهدف إلى حماية المدنيين من العنف، ويفرض عقوبات اقتصادية ومالية ومصرفية تستهدف قطاعات أساسية يعتمد عليها الأسد، وهي النفط والغاز الطبيعي، والطائرات العسكرية والبناء، والهندسة.
وعلى وقع اقتراب تطبيق القانون وخلاف النظام مع رجل الأعمال ابن خال الأسد رامي مخلوف، شهدت الليرة السورية في الأسابيع الماضية تدهورا تاريخيا مقابل الدولار مع تفاقم التضخم في البلاد الغارقة في الحرب منذ 2011.
ويختلف هذا القانون عن العقوبات السابقة بأن وضع قيودا مالية على سوريا، وعلى الشركات التي تتسابق للتعامل مع دمشق، وغالبيتها شركات روسية وإيرانية، فلا إعادة إعمار من دون معاقبة مرتكبي الأعمال الوحشية واقتيادهم للعدالة.
عقوبات قاسية.. تطال الجميع
العقوبات الجديدة يصفها مراقبون بأنها الأولى من نوعها منذ ثمانينيات القرن الماضي.
فالقانون لا يلاحق الأفراد والكيانات التابعة للنظام السوري بل ويتجاوز ذلك ليشمل الكيانات الاقتصادية التي تعمل معهم، وهو ما سيحبط روسيا وإيران اللتان كانتا تطمحان للاستفادة وتثبيت نفوذها أكثر داخل الأراضي السورية من خلال الشركات التي ستعمل هناك.
هذا القانون يطال الجميع، فإذا انخرط أي شخص أو كيان اقتصادي خاص أو حكومي في معاملات مع النظام السوري أو المؤسسات التابعة له، يحق للرئيس الأميركي فرض عقوبات عليه، حتى وإن كان التعاون فنيا أو تقنيا فقط.
ويشمل القانون التعاملات مع الحكومة السورية والمؤسسات التابعة لها والكيانات التي تعمل مع الجهات العسكرية أو شبه العسكرية داخل سوريا.
ويحظر بيع أو توفير السلع والخدمات أو المعلومات عن علم أو غير علم إذا كان يساعد الحكومة السورية على التوسع في استخراج وتكرير الغاز والمنتجات البترولية، أو توفير قطع الصيانة والمعدات الخاصة بصيانة وتشغيل الطائرات العسكرية.
قيصر.. بماذا يختلف عما سبق؟
هذه العقوبات ليست الأولى بحق سوريا، ومنذ الثمانينيات خضعت لحزمة عقوبات اقتصادية فرضتها واشنطن والاتحاد الأوروبي، ولكن دمشق تغلبت عليها من خلال مواردها الذاتية وحلفائها الذين ساعدوها.
ولكن قانون "قيصر" يكتسب أهمية خاصة وذلك يعود إلى خمس نقاط أساسية، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
- ارتباط قيصر بقانون الدفاع الوطني الأميركي، ما يعني أن واشنطن توجه رسالة للنظام السوري والقوى الدولية والإقليمية "روسيا وإيران" على وجه التحديد، بأن الوضع في سوريا مقرون بالأمن القومي الأميركي.
- القانون الجديد يأتي في وقت تعاني منه سوريا من الانقسام والحرب والتناحر والعجز السياسي والاقتصادي، ناهيك عن أن السوريين في الخارج هم من دفعوا بفرض مثل هذا القانون.
- إن قانون "قيصر" يشمل جميع الداعمين للنظام السوري سواء كانوا أشخاصا حقيقيين أو اعتباريين، وكذلك كل أشكال الدعم حتى لو كانت تحت مسمى إعادة الإعمار في إشارة لدول كالصين والإمارات التي تسعى للاستثمار في ضمن عمليات إعادة الإعمار، في محاولة لسد الثغرات التي شابت العقوبات الأميركية والأوروبية القائمة بالفعل.
- بهذا القانون فإن أميركيا تعود بشكل قوي للسيطرة على الملف السوري وانخراط في مجرياته، وذلك بعدما تصدرت روسيا المشهد من خلال توفيق أوضاعها مع النظام السوري عن طريق عدد من الصفقات عززت من موقفها وسيطرتها على الطرق الدولية للتجارة بسوريا.
- قانون قيصر، سيطوق النظام ويجرد الأسد من داعميه؛ حيث خص القانون بالذكر روسيا وإيران، وسعى لإمساك الولايات المتحدة بكل خيوط اللعبة السياسية في سوريا سواء على صعيد النظام الذي يحاول تخفيف الخناق الاقتصادي عليه أو إنهائه وقد يمتثل بدوره للمطالب الأميركية، أو على صعيد عقد واشنطن صفقاتها مع عدد من الفصائل السورية بهدف إخضاع النظام لما يخدم المصالح الأميركية في المنطقة، أو تجميع القوى المعارضة في مواجهة النظام لتطويعه أو إسقاطه.
ما المطلوب لرفع العقوبات؟
القانون حدد عدة شروط لرفع العقوبات، منها وقف القصف الجوي الذي ينفذه النظام أو القوات الروسية داخل الأراضي السورية، والتزام جميع الأطراف هناك بعدم قصف المنشآت الطبية والمجمعات السكنية والمدارس، ورفع القيود المتعقلة بوصول المساعدات الإنسانية للشعب السوري.
كما يجب أن يتم محاكمة مرتكبي الجرائم في سوريا، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ومنح المنظمات الدولية حق الوصول للسجون، وتأمين العودة الآمنة للسوريين اللاجئين والموزعين في شتى أنحاء العالم.