خلال شهري أكتوبر ونوفمبر الماضيين، ظهرت أسماء الأسد إعلاميا أكثر من سبع مرات
خلال شهري أكتوبر ونوفمبر الماضيين، ظهرت أسماء الأسد إعلاميا أكثر من سبع مرات

في ظل الضغط الاقتصادي المتوالي، يلجأ النظام السوري للسيطرة على أموال رجال أعمال لتغطية عجزه المالي خاصة بعد العقوبات الأميركية والأوروبية المتلاحقة، فيما يرى خبراء أن عائلة الأسد ترتب أوراقها لجمع ثروة في أماكن آمنة استعدادا لتغيرات سياسية قادمة. 

آخر أهداف النظام السوري من رجال الأعمال هو، هاني عزوز، الذي صدر قرار بالحجز الاحتياطي على أمواله المنقولة وغير المنقولة، رغم أنه كان من المقربين لبشار الأسد نفسه.

وأفادت وسائل إعلام سورية بأن وزارة المالية التابعة للنظام أصدرت قرارا بتغريم عزوز نحو 565 مليون ليرة سورية (350 ألف دولار)، بسبب قضايا استيراد وتهريب بضائع بلغت قيمتها 186 مليون ليرة سورية. 

"طلب روسي"

ويرى مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، في حديث مع "موقع الحرة"، أن هذا الإجراء تم بطلب روسي من أجل تججيم رجال الأعمال الذين استفادوا  من الحرب في سوريا، رغم أنهم كانوا يقفون مع النظام وضد الثورة أو المعارضة".  

وبعد عقد من الحرب ، أصبح الأسد في أمس الحاجة إلى السيولة لدرجة أن البنك المركزي استدعى في سبتمبر 2019 كبار رجال الأعمال السوريين إلى اجتماع وأمرهم بتسليم بعض ثرواتهم، بحسب تقرير لرويترز في أغسطس الماضي. 

صراع روسي إيراني

يشير عبد الرحمن إلى أن انقلاب النظام السوري ضد رجال الأعمال الذين كانوا مقربين منه، يقع في خلفيته صراع روسي إيراني على السيطرة على مفاصل الدولة والنظام. 

ويضيف أن "بعض رجال الأعمال خاصة الذين كانوا يتاجرون في النفط الإيراني انتهى دورهم، خاصة أن روسيا هي اللي تحرك النظام العاجز اقتصاديا بخصوص هذا الأمر، فالوضع المالي متدهور بشكل كبير خاصة بسبب العقوبات الأميركية التي أثرت عليه بشكل رهيب". 

ويوضح الأكاديمي والباحث السياسي السوري محمود الحمزة في حديثه مع "موقع الحرة" أن "هناك شركات في سوريا تعمل لصالح روسيا وشركات أخرى تعمل لصالح إيران فضلا عن الميليشيات، فمثلا ماهر الأسد تابع لإيران فقامت روسيا بشن حملة ضده باسم "مكافحة الفساد". 

وبينما دعمت روسيا الأسد عسكريا وبإمدادات غذائية، فإن تدخلها ليس بالمجان، حيث يتعين على سوريا أن تدفع مقابل الكثير من القمح الروسي الذي تستورده وكذلك لشراء الأسلحة.

وتفرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية مشددة على دمشق، كان آخرها حزمة فرضتها واشنطن بموجب قانون قيصر منذ يونيو وتعد الأكثر شدة بحق سوريا.

وفي يوليو، أعلنت واشنطن لائحة جديدة تضم 14 كيانا وشخصا إضافيين، بينهم حافظ (18 عاما)، الابن الأكبر للرئيس السوري.

ويأتي تحرك النظام ضد رجال الأعمال في وقت تشهد فيه قيمة الليرة السورية تدهورا بشكل غير مسبوق، إذ تراجعت حتى 3000 ليرة سورية مقابل الدولار الأميركي، مما استدعى تدخلا من مؤسسات أمنية أجبرت رجال أعمال وكبار تجار سوريين على رفد الخزينة العامة دعما لليرة السورية التي فقدت حوالي 80 في المئة من قيمتها منذ شهر أبريل الفائت، ما أدى إلى ارتفاع جنوني في أسعار المواد الأساسية مثل الأرز والسكر والزيت. 

دور أسماء الأسد

يكشف عبد الرحمن موقع "الحرة"  أن حملة تصفية رجال الأعمال المعارضين لروسيا، تقودها  أسماء الأسد زوجة رئيس النظام بشار. 

وقال إن "أسماء الأسد هي التي تقود حملة تصفية رجال الأعمال المعارضين لروسيا، لأنهم قد يكونون مقربين من إيران بصورة أو بأخرى، وهي تحاول أن تأخذ دورا أساسيا في سوريا".  

لكن الحمزة يرى أن دور أسماء الأسد "الخطير حاليا" في الحملة على رجال الأعمال ليس له علاقة بروسيا أو إيران، 

ويوضح أن "أسماء الأسد تستحوذ على أملاك وشركات بعض رجال الأعمال لأنها هي التي تقوم بترتيب أمور عائلة بشار الأسد المالية حاليا حصرا وتستعد للمستقبل بعد موت خال بشار الأسد محمد مخلوف الذي كان يدير شؤون العائلة ماليا من موسكو". 

ويضيف أن "أركان النظام السوري يتخوفون من احتمال تغيرات سياسية قادمة ستفرض عليهم فرضا، ويريد أن يرتب أوراقه ويجمع ثوة في أماكن آمنة"، مشيرا إلى أنه يعتقد أن "البنوك البريطانية ستلعب دورا كبير في هذا الأمر لأن أسماء الأسد معها الجنسية الإنكليزية وكثير من عائلتها يعيشون هناك". 

ويعتبر عزوز من أبرز الشخصيات الاقتصادية في حلب، و أحد المساهمين في تأسيس شركة شام القابضة، التي كان يرأسها رامي مخلوف ابن خال رئيس النظام بشار الأسد. 

وفي صيف 2019، بدأ النظام السوري يخوض حربا مع مخلوف (51 عاما)، ابن خال بشار الأسد، بعدما طالبه بتسديد من 180 مليون دولار كجزء من مستحقات للخزينة. 

وفي ديسمبر الماضي، أصدرت الحكومة سلسلة قرارات بالحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة لعدد من كبار رجال الأعمال، بينهم مخلوف وزوجته وشركائه. 

واتُهم هؤلاء بالتهرّب الضريبي والحصول على أرباح غير قانونية خلال الحرب المستمرة منذ 2011.

ويقول الحمزة " إن هاني عزوز لن يكون آخر ضحية للنظام السوري. ما يحدث ليس مستغربا لأنه استمرار للمشهد والصراع الدائر في السلطة حول الثروة".  

امرأة نازحة تحمل رضيعا داخل مخيم الكرامة للاجئين على الحدود السورية التركية في ريف إدلب الشمالي. إرشيفية من رويترز
امرأة نازحة تحمل رضيعا داخل مخيم الكرامة للاجئين على الحدود السورية التركية في ريف إدلب الشمالي. إرشيفية من رويترز

أعلن البنك الدولي، الجمعة، أنه سوى ديون سوريا البالغة 15.5 مليون دولار بعد تلقيه أموالا من السعودية وقطر، مما يؤهل دمشق للحصول على منح بملايين الدولارات لإعادة الإعمار ودعم الميزانية.

وأعلنت السعودية وقطر في أبريل أنهما ستتسددان متأخرات سوريا لدى المؤسسة المالية الدولية مما يجعلها مؤهلة للحصول على برامج منح جديدة، وفق سياسات البنك التشغيلية.

وأعلن البنك الدولي أنه حتى 12 مايو، لم يكن لدى سوريا أي أرصدة متبقية في اعتمادات المؤسسة الدولية للتنمية، وهي ذراع البنك لمساعدة أشد البلدان فقرا.

وقال البنك في بيان "يسرنا أن سداد ديون سوريا سيسمح لمجموعة البنك الدولي بإعادة التواصل مع البلاد وتلبية الاحتياجات التنموية للشعب السوري".

وأضاف "بعد سنوات من الصراع، تسير سوريا على طريق التعافي والتنمية".

وأوضح البنك الدولي أنه سيعمل مع دول أخرى للمساعدة في حشد التمويل العام والخاص لبرامج تمكن الشعب السوري من بناء حياة أفضل لتحقيق الاستقرار في البلاد والمنطقة.

وذكر أن مشروعه الأول مع سوريا سيركز على توفير الكهرباء، ما سيدعم تحقيق تقدم اقتصادي ويساعد في توفير الخدمات الأساسية من الصحة والتعليم إلى المياه وسبل العيش.

وقال البنك الدولي "المشروع المقترح هو الخطوة الأولى في خطة موضوعة لزيادة دعم مجموعة البنك الدولي والذي يستهدف تلبية الاحتياجات الملحة لسوريا والاستثمار في التنمية طويلة الأجل".

البنية التحتية المالية

قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أمس الخميس إن الرئيس دونالد ترامب يعتزم إصدار إعفاءات من "قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا"، الذي فرضت واشنطن من خلاله عقوبات صارمة على حكومة الرئيس السابق بشار الأسد وعقوبات ثانوية على شركات أو حكومات خارجية التي كانت تجمعها معاملات معها.

ويمهد رفع العقوبات الأميركية، والتي فرض بعضها على حكومة الأسد وبعضها الآخر قائم منذ عقود، إلى جانب تسوية متأخرات سوريا للبنك الدولي، الطريق لإعادة دمجها في النظام المالي العالمي.

واستضاف صندوق النقد والبنك الدوليان والسعودية اجتماعا رفيع المستوى مع مسؤولين سوريين في واشنطن في أبريل. وأصدروا بعد ذلك بيانا مشتركا أقروا فيه بالتحديات الملحة التي تواجه الاقتصاد السوري وعبروا عن التزامهم بدعم جهود التعافي في البلاد.

وعين صندوق النقد الدولي أول رئيس لبعثته إلى سوريا منذ 14 عاما، وهو رون فان رودن، وهو مسؤول مخضرم في صندوق النقد الدولي سبق أن ترأس جهود الصندوق في أوكرانيا.

وأصدر صندوق النقد الدولي آخر تقرير مراجعة معمق للاقتصاد السوري في عام 2009.

وقال مارتن موليسن زميل المجلس الأطلسي والرئيس السابق لإدارة الاستراتيجية في صندوق النقد الدولي، إن المهمة العاجلة الأولى للصندوق تتمثل في تقديم المساعدة الفنية للسلطات السورية لمساعدتها على إعادة بناء البنية التحتية المالية للبلاد وهيئات صنع السياسات وجمع البيانات اللازمة.

وأضاف موليسن أن هذه الجهود يمكن تمويلها من المانحين والمنح العينية ويمكن إطلاقها في غضون أشهر، بينما يمكن للبنك الدولي المساعدة على مستوى إقليمي أوسع لضمان الحوكمة الرشيدة وفعالية الوزارات.

وقال جوناثان شانزر وهو مسؤول كبير سابق في وزارة الخزانة ويرأس حاليا مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إن المسؤولين السوريين أبلغوه بأن الاحتياجات ضخمة، لكنه حث الولايات المتحدة رغم ذلك على تخفيف العقوبات تدريجيا بحذر.

وأوضح "لم يتمكنوا حتى من الحصول على تراخيص مايكروسوفت أوفيس. ببساطة، لم يكن بإمكانهم تنزيل البرامج على أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بهم".

وذكر مصدر جمهوري أن إعادة بناء قدرة سوريا على الوصول إلى التكنولوجيا سيكون ضروريا لإعادتها إلى نظام سويفت لمعالجة المعاملات المصرفية، لكن العملية قد تستغرق شهورا، إن لم يكن سنوات.