متاعب النظام السوري تضاعفت في ظل انخفاض النقد الأجنبي بسبب العقوبات
متاعب النظام السوري تضاعفت في ظل انخفاض النقد الأجنبي بسبب العقوبات

منذ شهر مضى وحتى الآن اعتاد السوريون القاطنون في المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد النوم على قرارات تصدرها حكومة الأخير ترتبط بواقعهم المعيشي اليومي، وبالحصول على المواد الأساسية التي تعتبر الملاذ الوحيد لهم، في ظل الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه سوريا، والذي بلغت ذروته، في الأشهر الماضية، إلى حدٍ كبير. 

آخر القرارات كانت تلك التي أصدرتها "وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك" في حكومة الأسد، والتي رفعت بموجبها أسعار الخبز إلى الضعف من 50 ليرة إلى 100 ليرة. 

وفي تفاصيل القرار الذي نشرته وكالة "سانا" للأنباء فقد حددت "وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك" سعر بيع كيلوغرام الخبز المدعوم دون كيس للمستهلك بمبلغ 75 ليرة سورية وسعر الربطة 1100 غرام ضمن كيس نايلون بـ 100 ليرة سورية، وذلك عند البيع للمعتمدين والمستهلكين من منفذ البيع بالمخبز.

ووفق البيان، أيضاً حددت الوزارة سعر بيع طن الطحين المدعوم بمبلغ 40 ألف ليرة سوري، مبررة هذه الخطوة بأنها تأتي "نظراً للصعوبات التي تواجهها الدولة، في توفير المادة وارتفاع قيمتها وتكاليف شحنها".

رفع أسعار الخبز، المادة المدعومة في سوريا، كان قد سبقه أزمة حادة في الحصول عليه من قبل المواطنين، وذلك في جميع المحافظات السورية، أبرزها العاصمة دمشق، والتي خرجت منها تسجيلات مصورة وصور أظهرت اصطفاف المئات من السوريين أمام بوابات الأفران، وكان اللافت منها الطوابير أمام فرن "ابن العميد" في حي ركن الدين بدمشق.

وجاء رفع الأسعار إلى الضعف أيضاً بعد أيام من إقدام حكومة الأسد على رفع أسعار المحروقات، من بنزين ومازوت، والتي تعتبر مواد أساسية يحتاجها الفرد بشكل يومي، لتلبية احتياجاته، وكانت تصنف تحت بند "الخطوط الحمراء" التي لطالما كرر مسؤولو النظام السوري الحديث عنها، مؤكدين أن حكومتهم لن تغيّر في أسعارها، كونها مصنفة تحت قائمة "المواد المدعومة من الدولة". 

ليست المرة الأولى

والدعم الحكومي في سوريا لأي سلعة يعتبر من أهم أنواع الدعم والأكثر تأثيراً على مستوى معيشة المواطنين، إذ تقدم الحكومة إمدادات مادية لتخفيض أسعار السلع، إما لصالح صناعة وإما لصالح المواطن، ومن أهم السلع المدعومة: القمح (الطحين) والسكر والحليب والكهرباء والمحروقات.

ويأتي دعم الخبز لأي حكومة في المقدمة كونه مادة أساسية للعيش، لكن في سوريا شهدت أسعار الخبز ارتفاعاً بعد عام 2011، إذ رفعت "وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك" في حكومة النظام، سعر ربطة الخبز من 15 إلى 25 ليرة في يوليو من 2014، وفي يناير 2015 رفعت سعر الربطة من 25 إلى 35 ليرة، لترفع في نوفمبر 2015 سعر الربطة إلى 50 ليرة.

وحتى اليوم تغيب أي مبررات واضحة من جانب حكومة نظام الأسد عن الأسباب التي دفعتها لرفع أسعار المواد المدعومة في سوريا، والتي من شأنها أن تزيد معاناة ملايين المواطنين القاطنين في الداخل السوري.

وبينما يتهم نظام الأسد العقوبات الغربية والأميركية بالوقوف وراء الأزمات الاقتصادية، يرى محللون اقتصاديون أن رفع أسعار الخبز يرتبط بالجانب الروسي وتأخره في إيصال إمدادات الطحين، في الأسابيع الماضية، وهو أمر مشابه للمحروقات التي تتولى إيران إيصالها إلى الموانئ السورية. 

 محمد الخطيب، (40 عاماً) يعيش في العاصمة دمشق ويقول في تصريحات لـ"موقع الحرة" إن رفع أسعار الخبز "سيزيد من معاناة المواطنين في الداخل السوري، كونه المادة الوحيدة التي بقيت أسعارها متوازنة، قياساً بالسلع الأخرى".

ويضيف الخطيب: "لم تبقٍ الحكومة السورية لنا أي شيء لنأكله(...) بالأمس المحروقات واليوم الخبز"، مشيراً إلى أنه ومع رفع أسعار الخبز لن يتوفر في الأفران كما في السابق".

والخبز في سوريا ليس بالجودة التي كان عليها سابقاً، يتابع الخطيب: "عند الدخول إلى أي فرن في سوريا هناك حشرات (السوس)، مع غياب مواد التعقيم سواء في الأفران أو في صوامع القمح في سوريا". 

وكان برنامج الأغذية العالمي، التابع للأمم المتحدة، قد حذر، في وقت سابق من ارتفاع عدد من يعانون من انعدام الأمن الغذائي في سوريا إذا لم تتوفر "مساعدة عاجلة".

وقال البرنامج، في 31 من أغسطس الماضي، إن 9.3 مليون شخص في سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ومن دون مساعدة عاجلة، مضيفاً أنه "من الممكن أن ينزلق أكثر من 2.2 مليون إلى حافة الجوع والفقر".

وحسب ما رصد "موقع الحرة" فإن قرار رفع الخبز لاقى غضباً من شخصيات محسوبة على موالي النظام السوري.

عضو مجلس الشعب السوري، نبيل صالح انتقد عبر حسابه في "فيس بوك" قرار رفع الأسعار، وهدد من "ثورة جياع قادمة في سوريا".

وقال: "السلطات خسرت آخر أوراق التوت، وبانت عورتها كما لم يحصل من قبل، فاحذروا غضب الجياع (...) سورية جائعة بكم وبأعدائكم لا فرق بينكم"، في إشارة منه إلى حكومة النظام السوري.

أين يكمن جذر الأزمة؟

الباحث الاقتصادي في معهد الشرق الأوسط، الدكتور كرم شعار يقول إن "جذر الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها النظام السوري تكمن في أن الإيرادات من النقد الأجنبي أقل من الانفاق".

ويضيف في تصريحات لـ"موقع الحرة" أن "شح النقد الأجنبي يشرح معظم أزمات النظام المتكررة مؤخراً، بدءاً من المحروقات وانتهاءً بالخبز، مشيراً إلى أن "أزمة النقد الأجنبي بدأت بالتفاقم مع نهايات عام 2019، وذلك مع تدهور القطاع المصرفي في لبنان، ليتبعها انتشار جائحة كوفيد عالمياً، وأخيراً تزايد وتيرة العقوبات الأميركية في منتصف العام الحالي".

ويوضح الباحث الاقتصادي: "إن صدقت أرقام النظام السوري بخصوص تكلفة استيراد الطن الواحد من القمح، فهي في الواقع أعلى من الأسعار العالمية بحدود 25% بما في ذلك تكاليف الشحن، فيما تتحمل العقوبات الغربية مسؤولية جزئية عن ذلك الفارق في السعر بسبب تخوف بعض الموردين من التعامل مع النظام السوري، حتى في توريد المواد غير الخاضعة للعقوبات".

وعلى الرغم من مضاعفة أسعاره إلا أن الخبز بسعره الحالي لا يزال مدعوماً بشكل كبير من الموازنة، حيث أن الارتفاع الأخير يجعل سعر ربطة الخبز الواحدة بالدولار الأميركي 4 سنت فقط (كانت 2 سنت قبل الزيادة) وهو أقل بكثير من وسطي الأسعار في دول أخرى.

ويتابع الباحث: "بسبب خضوع معظم موارد سوريا من القمح والمحروقات اللازمين لإنتاج رغيف الخبز لسيطرة الإدارة الذاتية شرق سوريا، تضطر حكومة دمشق إلى استيراد معظم احتياجاتها بالأسعار العالمية، لذلك فإنه من الطبيعي أن يكون سعر الخبز أقرب للأسعار العالمية من السلع التي يتم توريد معظمها محليا كالخضار والفواكه مثلاً".

إيلي كوهين

في عام 2019، عرضت شبكة نتفليكس مسلسلا مثيرا من 6 حلقات بعنوان "الجاسوس ... قصة حياة إيلي كوهين". لاقى المسلسل رواجا كبيرا، خصوصا وأن الممثل البريطاني الذي قام بدور إيلي هو ساشا بارون كوهين، وكانا يشتركان، إضافة إلى اسم العائلة، بشبه كبير. 

وإيلي كوهين هو أشهر جاسوس إسرائيلي على مر التاريخ من دون منازع، وكانت قصته مثيرة للاهتمام بشكل كبير في الأوساط العربية والدولية.

فقط تخيل أن رجلا يأتي إلى مدينة غريبة، وينجح في التقرب من جميع الشخصيات السياسية والعسكرية المرموقة فيها، وينقل منها معلومات استخبارية دقيقة إلى تل أبيب عبر جهاز تسجيل صغير كان يحتفظ به في شقته. هذا الرجل هو إيلي كوهين.

كان يُعرف باسم كامل أمين ثابت، وقد دخل إلى سوريا مطلع السيتينات كرجل أعمال سوري عائد من الأرجنتين، وهناك انخرط في المجتمع السوري والعربي واستطاع إقامة علاقات وصداقات. وبعد أربع سنوات على وجوده في دمشق كُشف أمره وألقي القبض عليه "بالجرم المشهود" وهو يرسل معلومات في شقته، ونُفذ فيه حكم الإعدام في 18 مايو 1965.

في الذكرى الستين لإعدامه، برز ملف كوهين إلى الواجهة مرة أخرى، بالتزامن مع إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من الرياض رفع العقوبات عن سوريا.

في 18 مايو، قالت إسرائيل إنها تمكنت بـ"عملية سرية معقدة"، وفق تعبير مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من إحضار الأرشيف السوري الرسمي الخاص بإيلي كوهين إلى إسرائيل. 

لكن ثلاثة مصادر، قالت لرويترز في 19 مايو، إن "القيادة السورية وافقت على تسليم وثائق ومتعلقات الجاسوس إيلي كوهين لإسرائيل في محاولة لتخفيف حدة التوتر وإظهار حسن النوايا للرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعد إعلانه رفع  العقوبات عن سوريا.

ونقلت الوكالة عن مصدر أمني سوري، ومستشار للرئيس السوري أحمد الشرع، وشخص مطلع على المحادثات السرية بين البلدين، إن أرشيف المواد عرض على إسرائيل في مبادرة غير مباشرة من الشرع في إطار سعيه لتهدئة التوتر وبناء الثقة لدى ترامب.

وتضمن الإرشيف السوري الخاص بكوهين نحو 2500 وثيقة وصورة ومقتنيات شخصية، وفقا لمكتب نتانياهو.

وشملت المواد التي قالت إسرائيل إنها استعادتها من سوريا، وصية أصلية كتبها كوهين بخط يده قبل ساعات من إعدامه وسط دمشق، وتسجيلات صوتية وملفات من استجوابه واستجواب من كانوا على اتصال به، ورسائل كتبها لعائلته في إسرائيل وصورا من مهمته في سوريا.

وتتضمن أيضا مقتنيات شخصية نُقلت من منزله بعد اعتقاله، منها جوازات سفر مزورة وصور له مع مسؤولين عسكريين وحكوميين سوريين رفيعي المستوى، إضافة إلى دفاتر لتدوين الملاحظات ويوميات تسرد مهام الموساد.

وقد وزعت الوكالات نسخة عن وصية كوهين، جاء فيها: 

"إلى زوجتي نادية وعائلتي الحبيبة، أكتب إليكم هذه الكلمات الأخيرة وأطلب منكم أن تكونوا على صلة دائمة مع بعضكم، وأرجوكي أن تسامحيني يا ناديا، وأن تهتمي بنفسك وبالأولاد وتحافظى عليهم، وتثقفيهم تثقيفا كاملا، وألا تحرمي نفسك أو تحرميهم من شي، وكوني على صلة دائمة مع أهلي.. ويمكنك الزواج من غيري حتى لا يكبر الأولاد بدون أب، ولكي كامل الحرية في ذلك، وأرجوكي ألا تضيعوا وقتكم بالبكاء على الماضي، انظروا دائما إلى المستقبل...".

وسلم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومدير الموساد ديفيد برنياع المواد إلى أرملة كوهين، نادية كوهين، خلال حفل أقيم في المناسبة.

وطالبت زوجة كوهين باستعادة "جثمانه،" وجاء رد نتانياهو أن الحكومة الإسرائيلية تعمل على ذلك خصوصاً أن "إيلي أسطورة إسرائيلية، إنه أعظم عميل في تاريخ المخابرات الإسرائيلية".

ونقلت رويترز عن مصدر أمني أن مقاتلي المعارضة السورية بقيادة الشرع عثروا على ملف كوهين في مبنى تابع لأمن الدولة في ديسمبر غداة سيطرتهم على دمشق. 

وذكر المصدر الأمني أن الشرع أدرك أن وثائق كوهين ومقتنياته مهمة للإسرائيليين وأن إعادتها قد تمثل بادرة دبلوماسية بارزة.

ومع التزام إسرائيل الصمت، حتى الآن، بشأن الرواية السورية، يقول الباحث السياسي سمير التقي في تصريح لـ"الحرة" إن المسألة في العلاقات الإسرائيلية السورية أوسع وأعمق من تزويد إسرائيل بوثائق كوهين، ويضع ما حدث ضمن إطار مبادرة حسن نية من سلطة أحمد الشرع.

ويضيف التقي أن هناك اجتماعات مباشرة تجري بين القيادتين الإسرائيلية والسورية بمشاركة تركية، وما سيحدث في المرحلة المقبلة سيكون أشمل من مجرد إعطاء وثائق أرشيفية، وسيكون حتما ضمن مناقشة الشروط من أجل وضع حد للقصف الإسرائيلي على سوريا مقابل تفاهمات حول الفصائل الراديكالية المحيطة بهيئة تحرير الشام والفصائل الفلسطينية والأخوان المسلمين.

ولد إيلي كوهين في الإسكندرية بمصر عام 1924، وعندما بلغ العشرين من العمر، انضم إلى "منظمة الشباب اليهودي الصهيوني" في مصر. وبعد حرب 1948، أخذ يدعو مع غيره من أعضاء المنظمة لهجرة اليهود المصريين إلى فلسطين، ثم خرج من مصر‏ في عام 1956‏.

عمل إيلي كوهين مترجما ومحللا لدى الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وحاول الالتحاق بجهاز "الموساد" ثم فشل، ما دفعه للاستقالة من المخابرات العسكرية والعمل محاسبا لدى بعض الشركات الخاصة في تل أبيب.

مصدر مطلع ذكر لرويترز أن سوريا وافقت في المحادثات على إجراءات من بينها إعادة رفات كوهين وثلاثة جنود إسرائيليين لقوا حتفهم خلال قتال مع القوات السورية في لبنان في أوائل الثمانينيات. وذكرت إسرائيل الأسبوع الماضي أنها استعادت رفات أحد هؤلاء الجنود، وهو تسفي فيلدمان.

وعلى هذا الصعيد يشير التقي في حديثه مع "الحرة" إلى استبعاد قدرة السلطة السورية الجديدة على الوصول إلى معلومات حول رفات كوهين. ويؤكد أن المعلومات اللازمة لمعرفة مكان دفنه مرتبطة برفعت الأسد والفرق العسكرية التي كانت تابعة له.

 ويستبعد التقي فكرة وجود تقارير تبين هذا المكان إلا في حالة اعتقال بعض العسكريين التابعين لرفعت الأسد على أيدي السلطة الشرعية السورية الجديدة.