يؤوي المخيم الخاضع لسيطرة قوات كردية سورية نحو 62 ألفا من دول مختلفة
يؤوي المخيم الخاضع لسيطرة قوات كردية سورية نحو 62 ألفا من دول مختلفة

لا يضم مخيم الهول، بشمال شرق سوريا بالقرب من الحدود مع العراق، لاجئين عاديين بل مقاتلين سابقين من تنظيم داعش وأسرهم، بينما تفتقر إدارة المخيم لكوادر مدربة على تأمين هذا الكم والنوع من السكان.

ويؤوي المخيم، الخاضع لسيطرة قوات كردية سورية، نحو 62 ألفا من دول مختلفة، بحسب إحصاء للأمم المتحدة، من بينهم زهاء 10 آلاف من أنصار داعش، تم نقلهم من مناطق انتزعت قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بدعم أميركي، السيطرة عليها من داعش في 2019.

وتحدث ينس لايركه المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الجمعة الماضية، عن "ارتفاع مستوى انعدام الأمن" في المخيم، الأمر الذي يؤثر على موظفي الإغاثة وعمليات توصيلهم المساعدات.

ففي النصف الأول من يناير، تلقت الأمم المتحدة تقارير عن مقتل 12 سوريا وعراقيا بداخل المخيم. 

وأثناء كتابة هذا التقرير، شهد المخيم عملية قتل جديدة، راح ضحيتها لاجئ عراقي، استهدفه طلق ناري من مسدس "كاتم للصوت"، بحسب ما نقل المرصد السوري.

لكن انعدام الأمن وعمليات القتل التي يشهدها المخيم مؤخرا لم تكن الأولى من نوعها، فقد تحدثت منظمات إغاثة سابقا عن توتر وغياب الأمن هناك.

والعام الماضي، رصد المرصد السوري 33 "عملية اغتيال" داخل المخيم. وطالت الاغتيالات "21 لاجئا عراقيا، غالبيتهم من المتعاونين مع قوى الأمن الداخلي (الأسايش)، و6 نساء (روسية، وعراقيتان، و3 سوريات) وستة سوريين، بينهم حارس منظمة إغاثية".

ولا تنفي الشرطة الكردية المسؤولة عن الأمن في المخيم وقوع هذه الجرائم، بل تعترف بالعبء الذي تتحمله قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد والمدعومة من الولايات المتحدة.

ويقول هوشنك حسن، الصحفي الكردي السوري، لموقع "الحرة"، إن قوى الأمن الداخلي تحمي المخيم الذي يحمل فوق طاقته، حيث يسكنه حوالي 70 ألف شخصا.

وأضاف "هؤلاء الأشخاص ليسوا عاديين بل عاشوا ضمن مناطق سيطرة داعش، وربما من بينهم متورطون في الجرائم التي ارتكبها التنظيم".

ووفقا لحسن، فإن القوى الأمنية لا تملك الإمكانيات الهائلة للسيطرة على الوضع، مضيفا "قاطنو المخيم غير متعاونين مع الأمن"؛ بحيث تظل الأسلحة بين المتشددين قيد السرية.

وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، فإن 94 في المئة من قاطني المخيم هم من النساء والأطفال.

وفي أكتوبر 2019، نشرت قوات سوريا الديمقراطية تسجيلا مصورا يظهر فيه نحو 20 امرأة منقبة من تنظيم الدولة الإسلامية وهن يهاجمن قوات ومكاتب الأمن بالعصي والحجارة، وأشعلن النيران في الخيام.

94 في المئة من قاطني المخيم هم من النساء والأطفال.

استرجاع الدواعش

وكانت الولايات المتحدة حثت الدول الأجنبية على استرجاع رعاياها الذين انضموا إلى داعش، واتهمت الدول الأوروبية برفض القيام بذلك.

كما قالت الأمم المتحدة إنه يتعين على الدول تحمل مسؤولية مواطنيها ما لم تتم محاكمتهم في سوريا، وفقا للمعايير الدولية.

ويقول شفان الخابوري، ممثل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا التي يقودها الأكراد، لموقع "الحرة"، إنهم (الأكراد) طالبوا إنشاء محكمة دولية على الأراضي التي يسيطرون عليها، وبدعم دولي، لكنهم لم يجدوا استجابة من أي دولة أو جهة دولية لذلك.

وبسبب الرأي العام الرافض لعودتهم، ظل العديد من الدول مترددا في استرجاع باقي الرعايا.

وقال الصحفي الكردي هوشنك حسن: "قوات سوريا الديمقراطية طالبت لأكثر من مرة الدول باستعادة رعاياها، لكنها دائما تواجه بالرفض، مما يجعل قسد تتحمل وحدها هذا العبء".

وإجمالا يرى حسن أن الفوضى تسيطر على المخيم، محذرا مما وصفه بـ"التوابع الخطيرة" لذلك، خاصة ضمن احتمالية إحياء التنظيم الإرهابي من جديد.

والخميس الماضي، أعلن داعش مسؤوليته عن هجوم في سوق مكتظة في بغداد، حيث قالت السلطات العراقية إن انتحاريين فجرا نفسيهما، مما أودى بحياة 32 على الأقل، في أول هجوم انتحاري ضخم بالعراق منذ ثلاث سنوات.

ووصفت السلطات العراقية الهجوم بأنه إشارة محتملة إلى عودة نشاط التنظيم المتشدد.

ويقول رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، لموقع "الحرة"، إن مخيم الهول "أصبح بمثابة دويلة لداعش، بكل معنى الكلمة (...) يجب أن يحله المجتمع الدولي بطريقة عادلة".

وبالإضافة إلى المخيم تقول قوات سوريا الديمقراطية إن حوالي 12 ألفا من المشتبه في أنهم من مسلحي داعش محتجزون في سبعة سجون في شمال شرق سوريا، ويقدر عدد الأجانب بينهم (من غير السوريين أو العراقيين) بنحو أربعة آلاف شخص.

وضع معقد

وقال شفان الخابوري، ممثل الإدارة الذاتية الكردية في سوريا، إن الوضع في شمال شرق سوريا أصبح معقدا، خاصة بعد الهجمات التركية المتكررة على المنطقة التي وصفها بـ"الانتقامية لإنهاء دور داعش التي كانت مستفيدة منه".

وفي أكتوبر 2019، توغلت القوات التركية في شمالي سوريا عقب قرار الولايات المتحدة الانسحاب من مواضعها هناك، الأمر الذي أثار تساؤلات بشأن مصير الآلاف من المنضمين لداعش والذين احتجزتهم قوات (قسد).

وأشار الخابوري إلى أن الصمت الدولي حيال مستقبل هؤلاء الإرهابيين لدى سجون ومخيمات الإدارة الذاتية زاد من تعقيد الوضع. 

وتابع "حتى الآن لم تتخذ جهة دولية أي خطوة عملية سواء في إقامة سجون نموذجية، أو تدريب كوادر لحماية وإدارة هذه السجون".

وألقى ممثل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا باللوم على ما سماه بـ"التقصير الدولي" الذي نتج عنج جرائم مخيم الهول وعصيان آلاف الإرهابيين من تنظيم داعش في بعض السجون، وحدوث اشتباكات، وفرار مجموعات منهم. 

وفي مارس الماضي، سيطر سجناء من داعش على الطابق الأرضي في سجن كبير في شمال شرق سوريا، يخضع لسيطرة قسد، وتمكن بعضهم من الهرب.

وعما إذا كانت (قسد) تستغل الدواعش الذين تحتجزهم من أجل التفاوض على مطالبها، قال الخابوري: "لم تساوم قوات سوريا الديمقراطية أبدا على السجناء، لكن إبقاء هؤلاء الإرهابيين في سجون الإدارة الذاتية يمثل عبئا كبيرا".

وأضاف "قوات قسد والأسايش والأمن العام تبذل كامل جهودها للحفاظ على أمن السجون، لكن بسبب الهجمات والتهديدات التركية المستمرة تضطر القوات للانتشار على الحدود بشكل أكبر، ويستغل معتقلو داعش تخفيف عدد الحراس لممارسة الفوضى والاعتصام ومن ثم الفرار".

ويعتقد ممثل الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا إن مخيم الهول يحمل مصيرا "خطيرا جدا على عموم العالم إذا استمر  الإهمال الدولي"، مضيفا "هو بمثابة قنبلة موقوتة إذا ما استطاع هؤلاء الإرهابيين الفرار وتنظيم أنفسهم من جديد".

الرئيس السوري أحمد الشرع ـ الصورة لرويترز
الرئيس السوري أحمد الشرع ـ الصورة لرويترز

قالت عدة مصادر مطلعة إن بناء برج ترامب في دمشق وتهدئة التوتر مع إسرائيل ومنح الولايات المتحدة حق الوصول إلى النفط والغاز السوري تندرج جميعها في خطة استراتيجية يتبناها الرئيس السوري، أحمد الشرع، في محاولة للقاء نظيره الأميركي دونالد ترامب خلال زيارته إلى الشرق الأوسط.

ويحاول جوناثان باس، وهو ناشط أميركي مؤيد لترامب، التقى مع الشرع في 30 أبريل لمدة أربع ساعات في دمشق، إلى جانب ناشطين سوريين ودول خليجية، ترتيب لقاء تاريخي، وإن كان مستبعدا للغاية، بين الرئيسين هذا الأسبوع على هامش زيارة ترامب إلى السعودية وقطر والإمارات.

وتكافح سوريا لتنفيذ الشروط التي وضعتها واشنطن لتخفيف العقوبات الأميركية، والتي تبقي البلاد في عزلة عن النظام المالي العالمي وتجعل التعافي الاقتصادي صعبا للغاية بعد حرب طاحنة دامت 14 عاما.

ويأمل باس أن يساعد اجتماع ترامب مع الشرع في تخفيف موقف الرئيس الجمهوري وإدارته تجاه دمشق وتهدئة التوتر المتصاعد بين سوريا وإسرائيل. ولا تزال الولايات المتحدة تضع الشرع على قائمة الإرهاب بسبب صلاته السابقة بتنظيم القاعدة.

ويرتكز جزء من هذه الرهانات على سجل ترامب في كسر المحظورات التقليدية للسياسة الخارجية الأميركية، مثل لقائه بزعيم كوريا الشمالية، كيم جونج أون، في المنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين عام 2019.

وقال باس "الشرع يريد صفقة تجارية لمستقبل بلاده"، مشيرا إلى أن هذه الصفقة قد تشمل استغلال الطاقة والتعاون في مواجهة إيران والتعامل مع إسرائيل.

وأضاف "لقد أخبرني (الشرع) بأنه يريد بناء برج ترامب في دمشق. يريد السلام مع جيرانه. ما قاله لي جيد للمنطقة ولإسرائيل".

وأشار باس إلى أن الشرع تحدث أيضا عما يراه رابطا شخصيا بينه وبين ترامب: كلاهما تعرّض لمحاولة اغتيال ونجا منها بأعجوبة.

ولم يرد مسؤولون سوريون ولا مسؤول إعلامي في الرئاسة على طلب للتعليق.

وذكرت الرئاسة السورية أن الشرع تحدث إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الأحد.

وقال مصدر مقرب من الشرع إن لقاء ترامب والشرع لا يزال ممكنا في السعودية، لكنه لم يؤكد ما إذا كان الشرع تلقى دعوة.

وأضاف المصدر "لن نعرف ما إذا كان هذا الاجتماع سيعقد أم لا حتى اللحظة الأخيرة".

جهود لترتيب لقاء

من الواضح أن عقد لقاء بين ترامب والشرع خلال زيارة الرئيس الأميركي للمنطقة أمر غير مرجح على نطاق واسع، نظرا لجدول أعمال ترامب المزدحم وأولوياته والافتقار إلى التوافق داخل فريق ترامب حول كيفية التعامل مع سوريا.

وقال مصدر مطلع على الجهود الجارية إن اجتماعا سوريا أميركيا رفيع المستوى من المقرر أن يعقد في المنطقة خلال الأسبوع الذي سيزورها فيه ترامب، لكنه لن يكون بين ترامب والشرع.

وقال تشارلز ليستر، رئيس مبادرة سوريا في معهد الشرق الأوسط "هناك بالتأكيد مساع جارية".

وأضاف "الفكرة هي أن الوصول إلى ترامب بشكل مباشر هو أفضل طريق لأن هناك الكثير من أصحاب الأيدولوجيات داخل الإدارة لدرجة يصعب تجاوزهم".

وقالت ثلاثة مصادر، أحدهم مسؤول أميركي مطلع على عملية صنع السياسات، إن واشنطن لم تتمكن بعد من صياغة وتوضيح سياسة متماسكة تجاه سوريا، لكن الإدارة تنظر بشكل متزايد إلى العلاقات مع دمشق من منظور مكافحة الإرهاب.

وذكر اثنان من المصادر أن هذا النهج اتضح خلال تشكيل الوفد الأميركي في اجتماع عقد الشهر الماضي بين واشنطن ووزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في نيويورك، والذي ضم مسؤولا كبيرا لمكافحة الإرهاب من وزارة الخارجية.

ووفقا للمصادر، قال مسؤولون أميركيون لشيباني إن واشنطن وجدت أن الخطوات التي اتخذتها دمشق غير كافية، وخاصة في ما يتعلق بالمطلب الأميركي باستبعاد المقاتلين الأجانب من المناصب العليا في الجيش وطرد أكبر عدد ممكن منهم.

وقال أحد المصادر إن وزارة الخزانة الأميركية نقلت منذ ذلك الحين مطالبها إلى الحكومة السورية، مما رفع عدد الشروط إلى أكثر من اثني عشر.

ورفضت وزارة الخارجية الأميركية الكشف عن هوية من حضر الاجتماع من الجانب الأميركي، وقالت إنها لا تعلق على المناقشات الدبلوماسية الخاصة.

وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جيمس هيويت، إن تصرفات السلطات المؤقتة في سوريا سوف تحدد الدعم الأميركي المستقبلي أو تخفيف العقوبات المحتمل.

غصن الزيتون

أحد الأهداف الرئيسية لمبادرات سوريا تجاه واشنطن هو توصيل رسالة مفادها أنها لا تشكل أي تهديد لإسرائيل، التي صعدت من هجماتها الجوية في سوريا منذ أن أطاحت قوات المعارضة التي أصبحت تحكم البلاد الآن بالرئيس السابق بشار الأسد في نهاية العام الماضي.

واحتلت قوات برية إسرائيلية أراضي في جنوب غرب سوريا بينما ضغطت الحكومة على الولايات المتحدة لإبقاء سوريا لامركزية ومعزولة.

وقالت إسرائيل إنها تهدف إلى حماية الأقليات السورية، في حين رفضت سوريا الضربات ووصفتها بأنها تصعيدية.

وأكد الشرع الأسبوع الماضي وجود مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل بهدف تهدئة التوترات، بعد أن ذكرت رويترز أن مثل هذه المحادثات جرت عبر الإمارات.

وفي مسعى منفصل، قال باس إن الشرع طلب منه نقل رسائل بين سوريا وإسرائيل ربما أدت إلى لقاء مباشر بين مسؤولين إسرائيليين وسوريين.

لكن إسرائيل استأنفت الضربات سريعا، بما في ذلك ضربة بالقرب من القصر الرئاسي، والتي اعتبرتها رسالة إلى حكام سوريا لحماية الأقلية الدرزية في البلاد وسط اشتباكات مع المسلحين السنة.

وأضاف باس أن "الشرع أرسل غصن زيتون للإسرائيليين، وأرسلت إسرائيل الصواريخ".

وقال "نريد من ترامب المساعدة في ترتيب هذه العلاقة".