الفئة الأكبر من السوريين ترزح تحت خط الفقر
وثق المرصد السوري تنامي حالات العثور على أطفال مجهولي النسب في الشمال السوري

في ظاهرة جديدة  تنامت مع طول سنوات الحرب في سوريا، ارتفعت وتيرة التخلي عن الأطفال حديثي الولادة في شمال البلاد، حيث يتم العثور على 3-4 أطفال شهريا في منطقة إدلب ومحيطها، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وأظهرت البيانات المتوفرة لدى المرصد أنه منذ مطلع 2020 وحتى الآن، بلغ عدد الأطفال اللذين عثر عليهم قرابة 70 طفلا، حيث تم التخلي عنهم وتركهم على قارعة الطريق، أو على أبواب منازل أو  مساجد وحتى مباني منظمات إنسانية.

ونقل المرصد عن أحد النشطاء في شمال سوريا، أن الفقر الشديد هو السبب الأساسي لهذه الظاهرة، حيث لم يعد لدى الناس قدرة على تحمل أعباء فرد فيها حتى لو أنه كان رضيعا.

وأضاف أن مسألة الفقر الشديد ترتبط بعوامل مختلفة، منها انتشار العلاقات غير الشرعية، والزواج المبكر الذي ينتهي بالإنفصال لأسباب عديدة. 

مصير الأطفال مجهولي النسب

منذ بداية الحرب السورية ولد 6 ملايين طفل

وحول مدصير هؤلاء الأطفال، في بلد مزقته الحرب، قال أحد أهالي بلدة معرة مصرين في إدلب للمرصد، إن بعض الأطفال تتكفل بهم عائلات وتأخذهم لتربيهم مع أطفالهم.

وأضاف أن هذه الظاهرة لم تكن موجودة في البلاد قبل 2011، ولكن الأوضاع الراهنة فرضت واقعا جديدا لدى بعض العائلات، إذ أن الكثير من الشباب يعزفون عن الزواج بسبب سوء الأحوال المادية.

وأبدى مخاوفه من تنامي هذه الظاهرة، والتي قد تعني نشأة جيل جديد لم تقتصر معاناته على الحرب، بل زادت بتخلي والديه عنه.

وقال مرشد نفسي وتربوي فضل عدم ذكر اسمه لـ"المرصد" إن ظاهرة "مجهولي النسب" أصبحت واقعا في البلاد، ولكن ما له ضرورة ملحة حاليا توفير وتقديم الدعم لهؤلاء الأطفال، والعمل على تحسين واقعهم في بيئة تحفظ لهم كرامتهم.

وأشار إلى أن مسألة أسباب هذه الظاهرة تحتاج إلى دراسة والتي سترتبط بشكل وثيق بالحرب السورية والأزمة الاقتصادية.

الحرمان من التعليم

يونيسف تحذر من جيل جديد في سوريا لا يعرف غير الحرب والتهجير

وعلى صعيد متصل، فإن أكثر من نصف الأطفال في سوريا محرومون من التعليم، وبعضهم لم يتلقى أي تعليم منذ 10 أعوام.

ووفق تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" يوجد في سوريا أكثر من 2.4 مليون طفل لم يتلقوا أي تعليم، ونحو 40 في المئة منهم من الفتيات.

وأشارت تقارير المنظمة إلى أن الأطفال في سوريا يواصلون دفع ثمن الأزمة التي ستترك علامة قاتمة بعد مرور عشر سنوات على بدئها، ناهيك عن الإجهاد الذي يعاني منه نظام التعليم في سوريا، ونقص التمويل، والتفكك وعدم القدرة على تقديم خدمات آمنة وعادلة ومستدامة لملايين الأطفال.

ولم تعد واحدة من كل ثلاث مدارس داخل سوريا صالحة للاستخدام لأنها تعرضت للدمار أو للضرر أو لأنها تستخدم لأغراض عسكرية. 

وولد منذ بداية الحرب نحو 6 ملايين طفل سوري، ولا يعرف هؤلاء الأطفال سوى الحرب والنزوح، بينما يتعرض للقتل في سوريا ما معدله طفل كل 10 ساعات بسبب العنف.

وأسفر النزاع السوري منذ اندلاعه في العام 2011، عن أكثر من 387 الف قتيل، وأحصت الأمم المتحدة نزوح 6.7 ملايين سوري داخل البلاد، فيما شرد 5.5 ملايين خارجها.

الشرع والجهاد الإسلامي

بالتزامن مع زيارة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إلى دمشق ولقائه بالرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، تحدثت تقارير عن اعتقال القوات الأمنية السورية قياديين بارزين من حركة الجهاد الإسلامي، في حدث يبدو شديد الدلالة على التحولات الكبيرة التي تشهدها سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر من العام الماضي.

وقالت "سرايا القدس"، وهي الجناح العسكري للجهاد الإسلامي، في بيان الأربعاء إن خالد خالد مسؤول الحركة في سوريا وياسر الزفري مسؤول لجنتها التنظيمية محتجزان لدى السلطات السورية منذ خمسة أيام.

وأضافت أن السلطات ألقت القبض على الرجلين "دون توضيح أسباب الاعتقال وبطريقة لم نكن نتمنى أن نراها من إخوة". ودعت إلى "الإفراج" عنهما. 

وأكد مسؤول في وزارة الداخلية السورية لوكالة رويترز نبأ إلقاء القبض على القياديين في الحركة، لكنه لم يجب عن أسئلة لاحقة حول سبب اعتقالهما.

حركة "الجهاد الإسلامي" هي إحدى أهم الفصائل الفلسطينية المسلحة، وإن كانت أكثرها غموضاً وتعقيداً، من حيث تاريخها وأيديولوجيتها. صنفتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، ونمت لتصبح ثاني أكبر حركة مسلحة في قطاع غزة وثالث أكبر حركة في الضفة الغربية.

وعلى الرغم من أنها أصدرت أول بيان علني لها في 11 ديسمبر عام 1987، كان وجودها واحدا من أكثر أسرار المقاومة الفلسطينية كتمانا. تأسست الحركة في قطاع غزة عام 1981 على يد مجموعة من الطلاب الفلسطينيين الذين لم يسبق لأحدهم أن أمسك بسلاح، لكنها سريعاً تحولت إلى استخدام العنف ضد أهداف إسرائيلية في عام 1984، أي قبل خمس سنوات من ظهور حركة حماس.

واكتسبت الحركة سمعة سيئة بسبب طبيعة هجماتها المثيرة للجدل في عنفها، ومواقفها المتصلبة ضد إسرائيل. وكان الشعار الذي طرحته هو: "الإسلام، الجهاد، وفلسطين": الإسلام كنقطة انطلاق، الجهاد كوسيلة، وتحرير فلسطين كهدف.

وكانت الحركة ولا تزال ملتزمة بـ"لاءات ثلاث": لا تفاوض، ولا حل الدولتين، ولا اعتراف بإسرائيل.

في كتابه "تاريخ الجهاد الإسلامي الفلسطيني: الإيمان والوعي والثورة في الشرق الأوسط"، يروي الباحث إيريك سكير حكاية جذور تأسيس حركة الجهاد الإسلامي، التي بدأت من رسم وضعه فتحي الشقاقي (مؤسس الحركة/ اغتيل في العام ١٩٩٥) على ورقة في مارس 1979، يمثل مستطيلًا يتقاطع مع دائرة. 

كان هذا الرسم، بحسب سكير، يمثل مشروعهم السياسي الجديد، ويحتوي على ثلاث مساحات متميزة. تمثل المساحة الأولى "الإخوة الذين كانوا أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين فقط". ثم هناك "الإخوة الذين كانوا أعضاء في كل من جماعة الإخوان والمشروع الجديد الذي يشكل نوعاً ما انشقاقاً عن الإخوان. وأخيراً، هناك أولئك الذين انضموا إلى هذا المشروع دون أن يكونوا من الإخوان المسلمين. كانت هذه المنظمة تُعرف بـ "الطلائع الإسلامية"، وهي نواة حركة الجهاد الإسلامي.

والتعقيد في سيرة الجهاد الإسلامي وتموضعها، مرده إلى عوامل عديدة لعبت دوراً في رسم هوية الحركة وتشكيل أفكارها من روافد متنوعة، وقد تبدو أحياناً متناقضة. فهي كما يرى باحثون، بينهم الباحثة الإسرائيلية مائير هاتينا، نشأت من تأثير حاسم للجماعات المصرية المتطرفة في السبعينيات. 

وفي المقابل، تركز الباحثة، بفيرلي ميلتون إدواردز، على صراع الحركة مع جماعة الإخوان المسلمين في أوائل الثمانينيات، بشأن المقاومة المسلحة. وبينهما رأي، يتوقف عنده إيريك سكير في كتابه، يقول بأن "الجهاد الإسلامي" خرجت تأثراً بالثورة الإيرانية عام ١٩٧٩. 

وفي الحالات كلها، تبدو حركة "الجهاد الإسلامي" اليوم في قلب هذه التناقضات، فهي الفصيل الأقرب فلسطينياً إلى إيران تمويلاً وتسليحاً مع إشارات إلى حالات "تشيّع" داخل الحركة. ومع ذلك فإن تنسيقها مع حماس لم يتوقف، حتى مع التباين بين حماس و"الجهاد" حول قضية الثورة السورية، وبقاء الجهاد الإسلامي في "حضن" النظام السوري مستفيدة من الحماية التي وفرها لها، في وقت كانت حماس تبتعد عن النظام بسبب مزاج الثورة القريب من الإخوان المسلمين.

مع ذلك نسقت حماس مع "الجهاد" هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، وتحتفظ بأسرى إسرائيليين.

ومع تولي أحمد الشرع السلطة في سوريا، تزداد الأمور تعقيداً. فالشرع يميل، بحسب معطيات عديدة، إلى الاقتراب أكثر من تسوية مع إسرائيل قد تستكمل باتفاقية سلام، والابتعاد أكثر عن حماس وما تمثله. ولقاؤه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس يصب في هذا السياق.

ولا يحيد اعتقال الأمن السوري القياديين في "الجهاد" عن هذا "النهج"، ويأتي استكمالاً للمزاج السياسي للشرع المبتعد بوضوح، إلى حد القطيعة، عن إيران. إذ قطعت القيادة السورية الجديدة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وتأمل في إعادة بناء الدعم الإقليمي والدولي لسوريا، لا سيما رفع العقوبات وتمويل إعادة الإعمار بعد حرب أهلية مدمرة استمرت 14 عاماً.

لكن قد لا يعني اعتقال القياديين في الجهاد أن الشرع سيفعل الشيء ذاته مع حركة "حماس" في سوريا، على الأقل في الفترة المقبلة، كما يوضح نائب مدير مركز كارنيغي، الباحث مهند الحاج علي، لموقع "الحرة". بل إن الشرع على الغالب سيحافظ على العلاقة التاريخية بحماس لما تمثله من امتداد يرتبط بالإخوان المسلمين. 

وإذا كان الشرع في وارد "بيع" حماس، فإنه بالتأكيد سيطلب ثمناً عالياً لقاء ذلك. ويعتقد الحاج علي أن حماس لن تُحرج الشرع وستلتزم بما يناسبه في سوريا، حتى لو عنى ذلك قطع التواصل مع إيران، وإن كان الباحث في كارنيغي يتوقع أن تلعب حماس أدواراً في المستقبل لتحسين علاقات الشرع بإيران.

وأوردت وكالة رويترز في تقرير الشهر الماضي أن الولايات المتحدة قدمت لسوريا قائمة شروط يتعين الوفاء بها مقابل تخفيف جزئي للعقوبات. وذكرت مصادر لرويترز أن أحد الشروط هو إبعاد الجماعات الفلسطينية المدعومة من إيران.