صورة أرشيفية لعناصر من مليشيات "لواء فاطميون" الموالي لإيران
إيران تسرع عمليات تجنييد السوريين ضمن لواء "فاطميون" وتقدم لهم مغريات لتغيير الولاء

منذ تسع سنوات مضت من الحرب في سوريا ارتبط اسم "فاطميون" بالميليشيات الأفغانية التي تدعمها إيران للقتال إلى جانب نظام الأسد، لكن هذا المسمى ومع الدخول بالعام العاشر للثورة السورية، يبدو أنه بات يطلق أيضا على فئة من المقاتلين السوريين، والذين ورغم ارتباطهم بقوات الأسد، إلا أن المغريات المالية قد غيّرت من عقيدتهم، وقلبت ولاءهم أيضا. 

ما سبق من تغيير في العقيدة والولاء لفئة من المقاتلين في قوات الأسد، هي استراتيجية بدأت طهران بالعمل عليها في الوقت الحالي، وخاصة في المناطق التي يصعب الانتشار فيها، أو التي يمكن اعتبارها "مناطق محرمة" عليها، لاسيما مناطق شرق الفرات، التي تسيطر عليها قوات كردية مدعومة من التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. 

تقاريرٌ عدة نشرت في الأيام الماضية من جانب "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، وتحدث فيها عن إقدام إيران على تجنيد عشرات الشبان من مدينتي القامشلي والحسكة ضمن صفوف الميليشيا التي تدعمها (فاطميون)، في خطوة هي الأولى من نوعها، وتكمن أهميتها بأنها تستهدف مناطق شرق الفرات، المحسوبة ضمن النفوذ الأميركي.

ووفق المرصد فإن عمليات التجنيد استهدفت 550 شخصا خلال خمسة أسابيع فقط، ويقودها شخص يدعى "الحاج علي" وهو إيراني الجنسية مع قيادي سابق في "الدفاع الوطني" المساند لقوات الأسد. 

"التكيّف مع المرحلة"

منذ عامين تقريبا ومع انحسار العمليات العسكرية على الأرض في سوريا، كان ملاحظا أن الوجود الإيراني انتقل من مرحلة القتال المباشر على الأرض والمشاركة في غالبية المعارك، إلى عمليات التجنيد واستقطاب الكم الأكبر من المقاتلين المتوزعين على الخارطة السورية. 

لم تقتصر عمليات التجنيد في السنوات الماضية على منطقة دون غيرها، بل تم توثيقها في غالبية المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، وأبرزها محافظة دير الزور والتي تعتبر حاليا ذات نفوذ خالص للميليشيات الإيرانية، التي تتصدرها ميليشيا "فاطميون"، نظرا للمهام الواسعة والكبيرة التي كانت مناطة بها، منذ التدخل الأول في سوريا عام 2012. 

الانتقال في الاستراتيجية (من القتال إلى التجنيد) لا يمكن فصله عن الأهداف التي وضعتها طهران في حسبانها للمحافظة على البقاء في سوريا، لكن الأمر اللافت هو توسع قطر دائرة هذه الاستراتيجية، والتي لم تعد تقتصر على غرب الفرات ذو السيطرة الخالصة لقوات الأسد، بل انسحبت إلى شرق الفرات، حيث تنشط القوات الأميركية. تغلغلٌ يستهدف "مناطق الخصوم" بصورة مباشرة. 

تقود إيران عمليات التجنيد ضمن لواء فاطميون لتعزيز سيطرة ميليشياتها في المناطق السورية

"تجنيد طوعي وليس إجباري"

الانتشار الإيراني ومحاولات التغلغل في شرق الفرات، وخاصة في القامشلي والحسكة له طبيعة مختلفة عن باقي المناطق السورية، ومن خلاله تحاول إيران إحداث ثغرات تصب في صالحها، لكن بطرق غير مباشرة أو علنية، حسب ما يقول مصدر إعلامي من مناطق سيطرة النظام في الحسكة.

ويؤكد المصدر في تصريحات لموقع "الحرة" عمليات التجنيد التي بدأتها إيران في المدينتين، مضيفا: "منذ أسابيع قدّم قياديون من ميليشيا فاطميون عروضا طوعية وليست إجبارية للتجنيد، واستهدفوا بها مقاتلي الدفاع الوطني في كل من الحسكة والقامشلي". 

ويوضح المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه أن العروض جاءت بصورة استعداد الميليشيا على تقديم رواتب مغرية تفوق تلك التي يتقاضاها مقاتلو "الدفاع الوطني" بأضعاف، مشيرا: "الأمر يشابه التكتيك المتبع في محافظة دير الزور".

مقاتلون من لواء الفاطميون في سوريا

وينتشر مقاتلو "الدفاع الوطني"، وهي تشكيل عسكري مساند لـ "الجيش السوري"، في أحياء يسيطر عليها النظام السوري في الحسكة والقامشلي، وسبق وأن دخل هذا التشكيل بمواجهات عسكرية مع قوات "أسايش"، وهي القوات الأمنية التابعة لـ "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).

آخر المواجهات كانت في يناير الماضي، ونتج عنها إقدام "قسد" على محاصرة الأحياء التي يسيطر عليها النظام في الحسكة والقامشلي، لأكثر من شهر.

 وفي ذلك الوقت ترددت معلومات على لسان بعض المسؤولين في "الإدارة الذاتية" تفيد بوصول قوات إيرانية وأخرى تتبع لـ "حزب الله" إلى مناطق شمال شرق سوريا، وذلك من أجل "إحداث خلخلة أمنية وتنفيذ عمليات استخباراتية".

مقرات داخل مربعين أمنيين

يشير المصدر الذي تحدث إليه موقع "الحرة" إلى أن عمليات التجنيد الإيرانية في الحسكة والقامشلي تستهدف أيضا شبانا من بعض عشائر المنطقة، والذين يعيشون في ظل ظروف اقتصادية صعبة.

ويضيف: "ميليشيا فاطميون وبموازاة التجنيد الذي تنفذه افتتحت مقرات عسكرية لها داخل المربعات الأمنية التابعة للنظام السوري، لكن من دون أن ترفع عليها أية راية كما هو الحال في مناطق دير الزور". 

ورغم السيطرة الخالصة لـ "قسد" على الجزء الشرقي من سوريا منذ سنوات، إلا أن النظام احتفظ بوجود أمني محدود له، ضمن مربعين أمنيين في القامشلي ومركز الحسكة، كما تتبع له بعض المؤسسات مثل: مثل دائرة السجل المدني والقصر العدلي ومديرية المالية بالقرب من الكراج السياحي، إضافة مطار القامشلي الذي تسيطر عليه موسكو بشكل كامل.

وإلى جانب ما سبق لنظام الأسد ثكنات عسكرية في "الفوج 154 قوات خاصة" المعروف بـ "فوج طرطب"، وأيضا في "الفوج 123" المتمركز في جبل كوكب في مدينة الحسكة، والمعروف أيضا بـ "فوج كوكب".

وسبق وأن أشار "المرصد السوري" في 14 من فبراير الحالي إلى عمليات تدريب أجرتها "فاطميون" للمقاتلين المنضوين حديثا ضمن صفوفها في هاتين الثكنتين، لكن المصدر الذي تحدث إليه موقع "الحرة" أكد أن عمليات التجنيد ماتزال فردية، واستهدفت بجزئها الأكبر مقاتلي "الدفاع الوطني"، وخاصةً في حي طي.

"استنساخ التجربة العراقية"

حاول "موقع الحرة" التواصل مع لجنة الدفاع في "الإدارة الذاتية" شمال شرق سوريا، إلا أنه لم يتلق ردا.

في المقابل أكدت مصادر مسؤولة في "حزب الاتحاد الديمقراطي" (pyd) المعلومات المتعلقة بمحاولات التجنيد الإيرانية، مشيرة إلى أنها "ماتزال محدودة ومن الطبيعي فشلها".

يقول، دارا مصطفى، عضو لجنة العلاقات الدبلوماسية في الحزب (pyd): "لا تتجرأ إيران على استهداف الأميركيين والقوات الدولية وقوات سوريا الديمقراطية بشكل مباشر، وهي أصلا لا تملك الحاضنة الشعبية داخل مناطق شمال وشرق سوريا لتنفيذ ذلك، لذلك وقع اختيار إيران على استخدام أدوات النظام السوري التقليدية لمهاجمة المنطقة، وزعزعة أمنها واستقرارها".

ويضيف مصطفى في تصريحات لـ "موقع الحرة": "من أدوات النظام بعض أبناء العشائر العربية في جنوب الحسكة ودير الزور ممن يعتنقون مبادئ حزب البعث، كفكر قومي متطرف".

ويرى المسؤول في حزب "الاتحاد الديمقراطي" أن إيران "تعمل على ما يبدو محاولة تجنيد الأكثر فقرا وجهلا من أبناء المنطقة لتنفيذ مخططاتها، في محاولة لاستنساخ تجربة غرب العراق والفلوجة، واستخدام أبناء المنطقة لتحقيق سيطرتها على المنطقة، دون تكاليف بشرية، ودون أن تكون في المواجهة المباشرة مع الأمريكيين وغيرهم".

القيادي السابق في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني كان يشرف على عمليات بناء ميليشيات إيران في سوريا ومن ضمنها فاطميون

"عمليات منفردة".. هل تنجح؟

في سياق حديثه أكد المسؤول في الحزب، دارا مصطفى: "رغم بعض العمليات المنفردة هنا وهناك في القرى النائية في جنوب الحسكة ودير الزور، واستهداف بعض حواجز قوات سوريا الديمقراطية المحلية وقياداتها المحلية إلا أن الوضع في الوقت الراهن ما زال تحت السيطرة العسكرية والسياسية بشكل كامل".

ويتابع: "معظم أبناء المنطقة من أبناء العشائر العربية أصبحوا أكثر وعيا وتفهما لمصالحهم ومصالح منطقتهم، ولم ينقادوا إلى مثل هذه المشاريع".

لكن مقابل ما بدأته إيران في الحسكة والقامشلي فإنها، وحسب مراقبين، تمكنت من استقطاب المئات من أبناء العشائر في دير الزور، وخاصة في مدينتي البوكمال والميادين، اللتان تعتبران المحطة الأبرز التي تتوسط الكريدور الإيراني من طهران إلى سواحل المتوسط. 

وتلعب إيران في إنجاح مشاريع تجنيدها على وتر المغريات المالية و"الهبات" التي تمنحها للمقاتلين، بينها وفق ما كشفته سابقا مصادر لموقع "الحرة" السلل الغذائية والتسهيلات الأمنية للتنقل بين المحافظات السورية.

والنقطة الأبرز التي يجب الإشارة إليها هي أن محاولات التجنيد الإيرانية في سوريا تقابلها محاولات تجنيد من جانب روسيا، في كلتا المنطقتين (دير الزور، والحسكة والقامشلي)، لكنها لم تصل إلى الحد الذي وصلت إليه بالنسبة للميليشيات التي تدعمها طهران. 

وحاولت روسيا، في العام الماضي تجنيد شبان من الحسكة والقامشلي ضمن صفوف "الفيلق الخامس"، لكنها لم تنجح بذلك، كما حاولت أيضا سحب بعض شيوخ العشائر إلى جانبها، وهو ما بدا مؤخرا بسلسلة لقاءات وزيارات أجراها مسؤولين روس إلى مناطق شمال شرق سوريا. 

"محاولات ليست جديدة"

ويقول الكاتب والصحفي، باز بكاري إن عمليات التنجيد التي تقوم بها إيران في المنطقة ليست بجديدة، وهي تستهدف البيئة الموالية للنظام خاصة في المربعات الأمنية وفي حي "طي" في مدينة القامشلي.

ويضيف بكاري في تصريحات لموقع "الحرة": "التجنيد يتم عبر شراء ذمم مجموعة من زعماء العشائر العربية، واستغلال الوضع الاقتصادي المزري للناس في المنطقة".

و "لم يعد ما سبق بالأمر الخافي على أحد"، ويستبعد بكاري أن تنجح إيران بتأسيس قاعدة لها في المنطقة (الحسكة، القامشلي)، خاصة أنها وقبل الثورة السورية أيضا كانت لها محاولة، عبر تأسيس وفتح حسينيات لتشييع الناس.

ويوضح بكاري: "في الحسكة هناك نقطة مهمة تتعلق بأن المنطقة ذات غالبية كردية، والكرد سواء في سوريا أو في تركيا أو العراق أو إيران يعتبرون النظام الإيراني عدو لهم كباقي الأنظمة التي تحكم باقي البلدان".

ويشير بكاري إلى أن ما تعمل عليه طهران في شمال شرق سوريا، وخاصة في شرق الفرات ليس خارج حسابات "قوات سوريا الديمقراطية"، ومعها أيضا قوات التحالف، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. 

وسبق وأن كشف الحرس الثوري الإيراني عن أعداد الميليشيات الإيرانية المقاتلة إلى جانب النظام السوري في سوريا، وخلال مقابلة مع مجلة "سروش" نقلتها وكالة "فارس"، في مارس 2019، قال القائد العام للحرس الثوري، اللواء محمد علي جعفري، إنه "تم تشكيل قوات شعبية في سوريا تضم نحو 100 ألف مقاتل".

وأضاف جعفري: "استطاعت هذه القوات أن تقف بوجه (داعش) و(جبهة النصرة) والمسلحين السوريين"، بحسب تعبيره، كما قال خلال المقابلة إنه تم تشكيل قوات شعبية مماثلة في العراق بقوام 100 ألف مقاتل تحت مسمى "الحشد الشعبي"، مدعومة بخبرات وتنظيم إيرانيين.

مدينة القصير في سوريا (فرانس برس)
مدينة القصير في سوريا (فرانس برس)

قبل 12 عاما.. كسر حزب الله الحدود بين سوريا ولبنان، واختار دعم نظام بشار الأسد ضد مناهضيه من فصائل "الجيش السوري الحر".. وبعدما وضع كل ثقله العسكري هناك، تمكن من إحكام السيطرة على القصير "الاستراتيجية"، وكل القرى والبلدات التابعة لها.

وعقب تلك الفترة، تحولت المدينة التابعة لمحافظة حمص إلى أشبه ما يكون بـ"الحديقة الخلفية" لحزب الله.

ورغم أن هذه الحالة سبق وأن تكرست في عهد الأسد الأب (حافظ)، فإن حدودها توسعت لمستويات أكبر عندما وصل الابن (بشار) إلى السلطة، خاصة بعد عام 2011.

"كانت القصير بمثابة بوابة دخول حزب الله إلى سوريا"، كما يقول الصحفي السوري وابن هذه المدينة، نبيل سلّام، لموقع "الحرة".

ويعتقد أنها ستكون "بوابة لخروجه وأفول نفوذه" في البلاد، بناء على المعطيات القائمة على الحدود، منذ 4 أيام.

هذه المعطيات بدأت بحملة أمنية من جانب قوات حرس الحدود التابعة للإدارة الجديدة في دمشق (الفرقة 103)، والتي لا تزال متواصلة حتى الآن في عدة قرى وبلدات حدودية مع لبنان، لتحقيق هدف معلن هو "ملاحقة عصابات تهريب الأسلحة والمخدرات".

لكن ما هو غير المعلن، والذي يدور الحديث عنه كثيرا في الكواليس، أن هذه الحملة الأمنية تستهدف على وجه التحديد "قطع كل الطرق والممرات الاستراتيجية، التي كان يستخدمها حزب الله في تهريب الأسلحة من وإلى سوريا".

مركبات تابعة لقوات اليونيفيل في مرجعيون بلبنان قرب الحدود مع إسرائيل (رويترز)
أنفاق حزب الله.. تساؤلات عن دور اليونيفيل في لبنان
أنفاق وترسانة عسكرية ضخمة أقامها "حزب الله" دون اكتراث لما يُعرف بـ"العين الساهرة" على تطبيق القرار 1701، أي قوات اليونيفيل، فالحرب الأخيرة بين إسرائيل والحزب كشفت أن الأخير واصل تعزيز قدراته العسكرية وكأن لا رقيب ولا حسيب عليه.

ورغم أن عمليات التهريب كانت تتركز، خلال السنوات الماضية، في عدة بوابات حدودية غير شرعية بين البلدين، فإن قطع تلك الموجودة في القصير ومحيطها يحظى بأهمية قصوى لدى قوات الإدارة الجديدة في دمشق لعدة اعتبارات، كما يوضح مراقبون وأبناء من المنطقة لموقع "الحرة".

أبرز هذه الاعتبارات، أن الحدود السورية اللبنانية (من جهة القصير) كان حزب الله اللبناني قد كرّس من أجلها الكثير خلال السنوات الماضية، على صعيد البنى التحتية (من أنفاق وممرات وغير ذلك) من جهة، وعلى صعيد "البيئة" التي رسم توازناتها من جهة أخرى.

"اللعب على التداخل"

تقع القصير في الريف الغربي لمحافظة حمص السورية وسط البلاد، ويتبع لها أكثر من 80 قرية وبلدة. وهي مدينة متعددة الطوائف، وتضم سكانا من الشيعة، والسنة، والعلويين، والمسيحيين.

من بين هذه البلدات "حاويك"، التي تسلطت الأضواء عليها كثيرا قبل أيام، بعدما دخلتها قوات إدارة دمشق وخاضت مواجهات مسلحة مع عصابات تتبع للعشائر، قالت إنها "تقف وراء عمليات تهريب الأسلحة والمخدرات".

وتقيم في هذه البلدة منذ عقود، عائلات سورية وأخرى تحمل الجنسية اللبنانية. وتنسحب هذه الحالة على عدة قرى وبلدات حدودية تقع في غالبيتها غرب القصير، مثل حوش السيد علي، وجوسية الخراب، وزيتا، ومطربا، وبلوزة.

ويقول سلّام إن قرى "أكروم وجوسية الخراب عليها نزاع حدودي يعود إلى عقود للوراء، أي أن هناك أوراقا لها في دائرة السجل العقاري في سوريا، وفي دائرة السجل العقاري بالهرمل بالدولة اللبنانية".

ويضيف أنها "تضم مواطنين يحملون الجنسية اللبنانية، كانوا استقروا فيها بعد عام 1970 عندما امتلكوا أراضٍ بموجب قانون الإصلاح الزراعي الذي طبق في عهد حافظ الأسد، بما يخالف القانون السوري"، على حد تعبيره.

"نظام الأسد في سوريا مع حزب الله.. وحتى اندلاع الثورة السورية جعل هذه القرى والبلدات الحدودية من جهة القصير سائبة، في مسعى من جانب الاثنين للتحرك على صعيد تهريب عمليات السلاح"، حسب الصحفي السوري.

ويتابع أن هذه السياسة "مكّنت حزب الله من العمل بأريحية خلال حرب عام 2006 مع إسرائيل، وفي أعقاب دخوله إلى سوريا لدعم نظام الأسد بعد اندلاع الثورة الشعبية، مستفيدا بذلك من الحواضن الاجتماعية التي أسسها هناك تدريجيا".

وتتمثل هذه الحواضن بـ"العائلات اللبنانية والعشائر الشيعية التي تدين بغالبيتها بالولاء لحزب الله"، كما يشير الصحفي السوري المقيم في القصير، محمد رعد.

ويوضح رعد لموقع "الحرة": "الحدود السورية اللبنانية من جهة القصير متداخلة".

ويقول إن القرى والبلدات التي يدور فيها مسرح عمليات الحملة الأمنية الآن، "تضم عائلات لبنانية طالما اعتمد عليها حزب الله في عمليات التهريب، وكواجهة لتمرير أجندته هناك".

ماذا تعني القصير لحزب الله؟

كانت الحدود السورية اللبنانية في عهد نظام الأسد، قد تحولت إلى أرض "مشاع" استخدمها "حزب الله" لتهريب الأسلحة والذخائر وحبوب "الكبتاغون".

ولم يكن أن يتم ذلك خلال السنوات الماضية، إلا بموجب سياسة "هادئة" يعتبر خبراء ومراقبون أنها لا تزال مستمرة حتى الآن.

تستند هذه السياسة على "المعابر غير الشرعية من جهة.. ومن جهة أخرى تقوم على عمل العصابات وعائلات وعشائر مقيمة هناك، استخدمها حزب الله كواجهات لتمرير أعماله المتعلقة بالتهريب، ولتثبيت أسس الاقتصاد الموازي المرتبط به".

ويقول سلّام إن "غالبية وسائل الإعلام تركز الآن على أن الحملة تستهدف خطوط التهريب. القضية ليست ذلك فحسب، بل خطوط إمداد حزب الله بالسلاح".

هذه الخطوط، وفق الصحفي، "تنبع من منطقة زيتا ومناطق أخرى، وتصل إلى داخل الأراضي اللبنانية المقابلة".

ويضيف: "تضم زيتا التابعة للقصير مستودعات استراتيجية وأنفاق تنبع من سوريا، وتصل إلى قرية القصر بمسافة 3 إلى 3 كيلومترات ونصف".

"هي عبارة عن 4 أنفاق، كان حزب الله يخزن فيها أسلحته الصاروخية والمتعلقة بالمسيرات"، وفقا لذات المتحدث.

ورغم أن إسرائيل سبق أن أعلنت عدة مرات قبل سقوط نظام الأسد، أنها استهدفت خطوط الإمداد هذه، خاصة المارة من القصير باتجاه لبنان، فإن التهريب فوق الأرض "ما زال مستمرا، ولو بوتيرة هادئة"، حسب رعد.

وفي هذا الصدد، يشير إلى "القصير وريفها تعد ملاذا آمنا لحزب الله وميليشياته. وهذه الحالة لم تنته". كما يتوقع أن "تتواصل المواجهات المسلحة على الحدود في المرحلة المقبلة".

ويستطرد: "حزب الله يلعب على وتر التداخل العائلي هناك بين القرى والبلدات على جانبي الحدود السورية اللبنانية.. ويريد إبقاء عمل العصابات التابعة له".

"التغيير تاريخي"

التغيير الأمني والعسكري الذي طرأ على حدود سوريا ولبنان بعد سقوط نظام الأسد يعتبر "تاريخيا" لعدة أسباب، كما يعتبر من تحدث إليهم موقع "الحرة".

أول هذه الأسباب، أنه "لم يسبق منذ عقود، أن سيطرت قوات مناهضة لحزب الله وانتشرت بكثرة على المنطقة الحدودية، خاصة من جهة القصير".

علاوة على ذلك، "من شأن الحملة الأمنية القائمة الآن أن تنهي نفوذ حزب الله بالكامل، ليس على مستوى خطوط الإمداد التي فتحها بالتدريج طيلة السنوات الماضية فقط، بل أيضا على مستوى الحواضن والبيئة".

وتستخدم القوات التابعة لدمشق، أسلحة مختلفة في حملتها القائمة على الحدود.

هذا ما حدث في القصير.. إعلان للجيش الإسرائيلي بعد التطورات في سوريا
أعلن الجيش الإسرائيلي، الأحد، أن مناطق قريبة من الحدود مع سوريا في هضبة الجولان أصبحت مناطق عسكرية مغلقة ويمنع الوصول إليها، كما تم تقييد حركة المزارعين وأقيمت أيضا حواجز على الطرقات القريبة من خط وقف إطلاق النار في الجولان.

وأظهرت تسجيلات مصورة انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، استقدامها عدة مدرعات ودبابات إلى قرى وبلدات في القصير. وغالبيتها تقع على الحدود مع لبنان.

وعلى الجانب اللبناني، أعلن الجيش، قبل أيام، أنه "رد على مصادر إطلاق النيران من الجانب السوري"، دون أن يقدم أي تفاصيل أخرى على صعيد الحملة القائمة والموقف الذي يتخذه من انتشار حزب الله هناك.

ويقول الصحفي سلّام إن "القرى المقابلة للقصير من جانب لبنان، تعتبر معاقل رئيسية لحزب الله (في بعلبك والهرمل)".

ويضيف: "هي شريان حزب الله"، لافتا إلى أنها "تختلف عن بقية المناطق الحدودية، التي تنتشر فيها طوائف أخرى لا تدين بالولاء للجماعة اللبنانية"، المصنفة إرهابية في أميركا ودول أخرى.

ويعتبر الصحفي رعد منطقة القصير بمثابة "قلب سوريا من جهة لبنان".

ويقول إن "حزب الله لن يتخلى عنها بسهولة، وفي حين يريدها ممرا للحصول على الأسلحة والمخدرات، قد لا تنجح مساعيه بناء على الأهداف التي تضعها قوات إدارة دمشق لحملتها الأمنية القائمة".