تنافس روسي - إيراني على تجنيد سوريين. أرشيفية
تنافس روسي - إيراني على تجنيد سوريين. أرشيفية

بعيدا عن الأضواء وبصورة متسارعة ومدروسة تشهد محافظة دير الزور السورية سباقا روسيا- إيرانيا لتجنيد الكم الأكبر من الشبان ضمن الميليشيات التي تدعمها في المنطقة، في تحركات سبق وأن شهدتها مناطق سورية في السنوات الماضية، لكن بزخم مغاير ذي صدى أقل.

فخصوصية المنطقة الشرقية في سوريا تفرض أبعادا وتداعيات لهكذا عمليات تجنيد، ولاسيما في الفترة الحالية، والتي تتجه فيها الأنظار إلى ما ستكون عليه الأوضاع على طول الحدود بين سوريا والعراق، والتي باتت حلبة صراع تتداخل فيها مصالح قوى إقليمية ودولية. 

لا توجد إحصائية رسمية لأعداد الشبان التي تستهدفهم عمليات التجنيد في الشرق السوري، ووفق مصادر محلية تحدث إليها موقع "الحرة" فقد شهدت الأسابيع الماضية نشاطا غير مسبوق للميليشيات التي تدعمها إيران وروسيا لاستقطابهم، وذلك عن طريق "سياسة ناعمة موحدة" ترتكز على تقديم المغريات المالية وأخرى تتعلق بسهولة التحرك الأمني في المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد. 

عمليات التجنيد يمكن حصرها، حسب المصادر بأكثر من 10 ميليشيات تتوزع في ولائها على روسيا وإيران، وأبرزها: "الفيلق الخامس"، "لواء القدس"، "الحرس الثوري"، "حزب الله العراقي"، "القوى العشائرية"، "الدفاع الوطني". 

وتضيف المصادر أن التجنيد يتم بطرق غير مباشرة، عبر شخصيات عشائرية وأخرى ذات حضور كبير في دير الزور، وجميعها على ارتباط بالقوتين الروسية والإيرانية، ويمكن وصفها بـ "شخصيات الخط الوسط والارتباط".

"اليافعون هم الفئة المستهدفة"

الشباب الفئة الأكثر استهدافا للتجنيد في سوريا. أرشيفية

تعتبر عمليات التجنيد في سوريا "قوّة ناعمة" بدأ حلفاء الأسد بالتوجه إليها، منذ قرابة عامين، وذلك بعد انحسار العمليات العسكرية على الأرض وضعف زخمها، في خطوة منهما لتثبيت النفوذ بطرقٍ "رابحة" قد تؤسس للبقاء مستقبلا، في حال طرأت أي مستجدات سياسية أو عسكرية.

من درعا إلى حمص ومن ثم دمشق وريفها خرجت عدة تقارير مؤخرا عن عمليات تجنيد في صفوف الميليشيات الروسية والإيرانية، لكن ما تشهده دير الزور قد يختلف بعدة نقاط، في مقدمتها خصوصية موقعها الجغرافي، وقربها من المناطق الخاضعة لإدارة التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية. 

وتنقسم السيطرة في محافظة دير الزور بين قوات الأسد وحلفائها من جهة و"قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة من التحالف الدولي من جهة أخرى، ويعتبر نهر الفرات الخط الفاصل بين مناطق سيطرة الطرفين. 

عمر أبو ليلى مدير شبكة "دير الزور 24" المحلية يقول إن التجنيد في الجزء الذي تسيطر عليه قوات الأسد من المحافظة يستهدف فئة الشبان "اليافعين"، ويوضح: "الشبان بدير الزور مقسميّن بين معتقلين وضحايا ومهجرين. الفئة التي بقيت هي من اليافعين، والذين كبروا في المرحلة الممتدة بين عام 2011 وحتى الآن حيث أصبحوا شبانا".

ويضيف مدير الشبكة المحلية في تصريحات لموقع "الحرة": "هناك نوع من التسابق بين روسيا وإيران لتجنيد هذه الفئة. التجنيد له عدة جوانب بحكم الواقع الاقتصادي السيء والواقع الأمني وبحكم الحماية على الأرواح أيضا". 

فئة الشبان التي انضمت إلى روسيا اقتنعت بأن الأخيرة ستوفر لها الحماية، والأخرى المنضوية في ميليشيات إيران لها نفس الدافع، ويوضح أبو ليلى: "الانضمام ليس عملية ولائية بقدر البحث عن مصادر حماية لعائلات هؤلاء الشبان في المنطقة".

بين البوكمال والميادين

مقاتلون تابعون لكتيبة فاطميون قرب حلب

تعتبر مدينة البوكمال الحدودية مع العراق في ريف دير الزور القاعدة الأبرز للنفوذ الإيراني في سوريا، وكانت قد شهدت عدة ضربات جوية مؤخرا. القسم الأكبر منها من نفذتها الطائرات الإسرائيلية، والآخر من قبل طائرات التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، آخرها ليلة الجمعة.

وإلى جانب البوكمال تحظى مدينة الميادين باهتمام إيراني كبير على المستوى العسكري والاجتماعي أيضا.

مقاتلون من ميليشيات مختلفة بينهم عناصر من لواء فاطميون في سوريا مع القيادي في الحرس الثوري قاسم سليماني. أرشيفية

وفي هاتين المدينتين وما بينهما من قرى وبلدات كانت الميليشيات الإيرانية قد فتحت باب التطوع للشبان ضمن صفوفها، واتجهت مؤخرا في فبراير الماضي إلى مسار تجنيدي آخر، بتشكيل قوى عشائرية تتبع بالولاء لها، ويعتمد خزانها البشري بشكل أساسي على أبناء هذه المنطقة.

في المقابل اتجهت روسيا عبر ميليشياتها البارزة "الفيلق الخامس" و"لواء القدس" لاستقطاب شبان من البوكمال والميادين أيضا، وكانت آخر المحاولات في أواخر فبراير الماضي، حيث جنّدت ضمن "الفيلق الخامس" أكثر من 100 شاب من أبناء دير الزور، للقتال في منطقة البادية السورية ضد تنظيم "داعش". 

"تزاحم في سوق التجنيد"

روسيا بدأت تدخلها في الحرب السورية منذ 2015

الصحفي، عبد القادر ضويحي، يرى أن هناك "تزاحم كبير للميليشيات في الجزء الخاضع لسيطرة قوات الأسد وحلفائها في دير الزور". 

ويقول ضويحي في تصريحات لموقع "الحرة": "خيارات الشبان في المنطقة واسعة، والعامل الرئيسي في الانضمام إلى ميليشيا في شرق سوريا هو المادي، أي أن من يدفع أكثر ويمنح امتيازات أكبر هو صاحب النفوذ الأكبر في التأثير على الشباب".

ويتابع الصحفي السوري: "فمثلا نلاحظ أن الإيرانيين في بداية سيطرتهم على دير الزور أواخر 2017 نجحوا نسبيا في الاستقطاب، لكن اليوم الروس هم أصحاب النفوذ الأكبر لما يقدموه".

ويضيف: "بالإمكان وصف أن سوق الارتزاق هناك يشهد حركة كبيرة، والخيارات واسعة وكثيرة".

من جانبه يشير مدير شبكة "دير الزور 24" المحلية إلى أن نسب التجنيد في المنطقة يمكن حصرها بالمئات، وتتركز في المناطق الواقعة غربي نهر الفرات، ويوضح: "النسبة هي رقم تقريبي يشمل مدن الميادين والبوكمال والقرى الواصلة بينهما".

وعلى الرغم من تشابه العروض المقدمة من الميليشيات الروسية والإيرانية في "سوق التجنيد"، من حيث الإغراءات المالية التي تتصدر "العنوان العريض"، إلا أن هناك نقاطا فارقة تميّز تحركات كل طرف عن الآخر. 

وبحسب مدير الشبكة المحلية المختصة بتغطية أخبار دير الزور وريفها فإن الفرق يكمن بنوع الخدمة العسكرية ومناطق انتشارها، ويقول: "الخدمة في الميليشيات الإيرانية تنحصر في دير الزور ومحيطها فقط، أما بالنسبة للخدمة ضمن الميليشيات الروسية فتذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، للقتال في جبهات أخرى في سوريا، وأخرى في البلاد البعيدة كليبيا". 

"تكتيك القتال بالأدوات"

القوات الروسية تسعى لاستقطاب شبان سوريين ضمن فصائل تابعة لها

عند الحديث عن محافظة دير الزور بشقيها الخاضع لسيطرة نظام الأسد أو "قوات سوريا الديمقراطية" لا بد من الإشارة إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها السكان، والذين يفتقدون لأبسط مقومات الحياة اليومية، وهي النقطة التي تعزف طهران على وترها ومعها روسيا. 

لذلك يعمد الطرفان على تقديم مغريات مالية وأخرى ترتبط بمقومات العيش، من أجل استقطاب هؤلاء الشبان، وفي ذات الوقت تتجه لإغرائهم بسهولة التحرك الأمني، وهي ميزة قلما يحصل عليها الشبان في المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد.

المحلل والخبير العسكري العميد، أحمد رحال، وصف ما تعمل عليه موسكو وطهران في شرق سوريا بـ "تكتيك القتال بالأدوات".

ويقول رحال في تصريحات لموقع "الحرة": "التكتيك المذكور يعني التهرب من الملاحقة البرلمانية للشعوب والملاحقة القانونية في المستقبل، وبالتالي ضمن هذا الإطار تحصل عمليات التجنيد".

وهناك نوعان من الصراع في مناطق شرق سوريا، حسب رحال، الأول هو محاولة روسيا وإيران ضم شبان المنطقة، في خطوات لتشكيل قوة من شأنها أن تواجه نفوذ "قوات سوريا الديمقراطية" والولايات المتحدة.

أما النوع الثاني من الصراع، "فهو صراع بين الروس والإيرانيين"، يضيف رحال:

ويتابع: "روسيا تدرك أن حاجتها لإيران هي بسبب غياب القدرات البشرية، بينما تدرك إيران أنه وفي حال صدر قرار من مجلس الأمن ووافقت عليه روسيا بخروج الغرباء ستضطر لفتح حرب أو الخروج من سوريا بشكل كامل. بالتالي عندما تخرج ستترك مسمار جحا وهو الشبان الذين تجندهم".

الشرع والجهاد الإسلامي

بالتزامن مع زيارة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إلى دمشق ولقائه بالرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، تحدثت تقارير عن اعتقال القوات الأمنية السورية قياديين بارزين من حركة الجهاد الإسلامي، في حدث يبدو شديد الدلالة على التحولات الكبيرة التي تشهدها سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر من العام الماضي.

وقالت "سرايا القدس"، وهي الجناح العسكري للجهاد الإسلامي، في بيان الأربعاء إن خالد خالد مسؤول الحركة في سوريا وياسر الزفري مسؤول لجنتها التنظيمية محتجزان لدى السلطات السورية منذ خمسة أيام.

وأضافت أن السلطات ألقت القبض على الرجلين "دون توضيح أسباب الاعتقال وبطريقة لم نكن نتمنى أن نراها من إخوة". ودعت إلى "الإفراج" عنهما. 

وأكد مسؤول في وزارة الداخلية السورية لوكالة رويترز نبأ إلقاء القبض على القياديين في الحركة، لكنه لم يجب عن أسئلة لاحقة حول سبب اعتقالهما.

حركة "الجهاد الإسلامي" هي إحدى أهم الفصائل الفلسطينية المسلحة، وإن كانت أكثرها غموضاً وتعقيداً، من حيث تاريخها وأيديولوجيتها. صنفتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، ونمت لتصبح ثاني أكبر حركة مسلحة في قطاع غزة وثالث أكبر حركة في الضفة الغربية.

وعلى الرغم من أنها أصدرت أول بيان علني لها في 11 ديسمبر عام 1987، كان وجودها واحدا من أكثر أسرار المقاومة الفلسطينية كتمانا. تأسست الحركة في قطاع غزة عام 1981 على يد مجموعة من الطلاب الفلسطينيين الذين لم يسبق لأحدهم أن أمسك بسلاح، لكنها سريعاً تحولت إلى استخدام العنف ضد أهداف إسرائيلية في عام 1984، أي قبل خمس سنوات من ظهور حركة حماس.

واكتسبت الحركة سمعة سيئة بسبب طبيعة هجماتها المثيرة للجدل في عنفها، ومواقفها المتصلبة ضد إسرائيل. وكان الشعار الذي طرحته هو: "الإسلام، الجهاد، وفلسطين": الإسلام كنقطة انطلاق، الجهاد كوسيلة، وتحرير فلسطين كهدف.

وكانت الحركة ولا تزال ملتزمة بـ"لاءات ثلاث": لا تفاوض، ولا حل الدولتين، ولا اعتراف بإسرائيل.

في كتابه "تاريخ الجهاد الإسلامي الفلسطيني: الإيمان والوعي والثورة في الشرق الأوسط"، يروي الباحث إيريك سكير حكاية جذور تأسيس حركة الجهاد الإسلامي، التي بدأت من رسم وضعه فتحي الشقاقي (مؤسس الحركة/ اغتيل في العام ١٩٩٥) على ورقة في مارس 1979، يمثل مستطيلًا يتقاطع مع دائرة. 

كان هذا الرسم، بحسب سكير، يمثل مشروعهم السياسي الجديد، ويحتوي على ثلاث مساحات متميزة. تمثل المساحة الأولى "الإخوة الذين كانوا أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين فقط". ثم هناك "الإخوة الذين كانوا أعضاء في كل من جماعة الإخوان والمشروع الجديد الذي يشكل نوعاً ما انشقاقاً عن الإخوان. وأخيراً، هناك أولئك الذين انضموا إلى هذا المشروع دون أن يكونوا من الإخوان المسلمين. كانت هذه المنظمة تُعرف بـ "الطلائع الإسلامية"، وهي نواة حركة الجهاد الإسلامي.

والتعقيد في سيرة الجهاد الإسلامي وتموضعها، مرده إلى عوامل عديدة لعبت دوراً في رسم هوية الحركة وتشكيل أفكارها من روافد متنوعة، وقد تبدو أحياناً متناقضة. فهي كما يرى باحثون، بينهم الباحثة الإسرائيلية مائير هاتينا، نشأت من تأثير حاسم للجماعات المصرية المتطرفة في السبعينيات. 

وفي المقابل، تركز الباحثة، بفيرلي ميلتون إدواردز، على صراع الحركة مع جماعة الإخوان المسلمين في أوائل الثمانينيات، بشأن المقاومة المسلحة. وبينهما رأي، يتوقف عنده إيريك سكير في كتابه، يقول بأن "الجهاد الإسلامي" خرجت تأثراً بالثورة الإيرانية عام ١٩٧٩. 

وفي الحالات كلها، تبدو حركة "الجهاد الإسلامي" اليوم في قلب هذه التناقضات، فهي الفصيل الأقرب فلسطينياً إلى إيران تمويلاً وتسليحاً مع إشارات إلى حالات "تشيّع" داخل الحركة. ومع ذلك فإن تنسيقها مع حماس لم يتوقف، حتى مع التباين بين حماس و"الجهاد" حول قضية الثورة السورية، وبقاء الجهاد الإسلامي في "حضن" النظام السوري مستفيدة من الحماية التي وفرها لها، في وقت كانت حماس تبتعد عن النظام بسبب مزاج الثورة القريب من الإخوان المسلمين.

مع ذلك نسقت حماس مع "الجهاد" هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، وتحتفظ بأسرى إسرائيليين.

ومع تولي أحمد الشرع السلطة في سوريا، تزداد الأمور تعقيداً. فالشرع يميل، بحسب معطيات عديدة، إلى الاقتراب أكثر من تسوية مع إسرائيل قد تستكمل باتفاقية سلام، والابتعاد أكثر عن حماس وما تمثله. ولقاؤه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس يصب في هذا السياق.

ولا يحيد اعتقال الأمن السوري القياديين في "الجهاد" عن هذا "النهج"، ويأتي استكمالاً للمزاج السياسي للشرع المبتعد بوضوح، إلى حد القطيعة، عن إيران. إذ قطعت القيادة السورية الجديدة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وتأمل في إعادة بناء الدعم الإقليمي والدولي لسوريا، لا سيما رفع العقوبات وتمويل إعادة الإعمار بعد حرب أهلية مدمرة استمرت 14 عاماً.

لكن قد لا يعني اعتقال القياديين في الجهاد أن الشرع سيفعل الشيء ذاته مع حركة "حماس" في سوريا، على الأقل في الفترة المقبلة، كما يوضح نائب مدير مركز كارنيغي، الباحث مهند الحاج علي، لموقع "الحرة". بل إن الشرع على الغالب سيحافظ على العلاقة التاريخية بحماس لما تمثله من امتداد يرتبط بالإخوان المسلمين. 

وإذا كان الشرع في وارد "بيع" حماس، فإنه بالتأكيد سيطلب ثمناً عالياً لقاء ذلك. ويعتقد الحاج علي أن حماس لن تُحرج الشرع وستلتزم بما يناسبه في سوريا، حتى لو عنى ذلك قطع التواصل مع إيران، وإن كان الباحث في كارنيغي يتوقع أن تلعب حماس أدواراً في المستقبل لتحسين علاقات الشرع بإيران.

وأوردت وكالة رويترز في تقرير الشهر الماضي أن الولايات المتحدة قدمت لسوريا قائمة شروط يتعين الوفاء بها مقابل تخفيف جزئي للعقوبات. وذكرت مصادر لرويترز أن أحد الشروط هو إبعاد الجماعات الفلسطينية المدعومة من إيران.