باب الهوى معبر هام للمساعدات الإنسانية للسوريين
باب الهوى معبر هام للمساعدات الإنسانية للسوريين

في كل عام يحبس الناشطون الإغاثيون والإنسانيون في شمال سوريا أنفاسهم قبل موعد التصويت على قرار مجلس الأمن لتجديد مرور المساعدات الإنسانية العابرة للحدود، والمحدد في شهر يوليو. 

تمرير هذا القرار كان قد اصطدم في السنوات الماضية بفيتو مزدوج روسي- صيني.

ومن المتوقع أن تعاد الكرّة بعد ثلاثة أشهر من الآن، في أثناء التصويت على تمرير المساعدات من معبر "باب الهوى" الحدودي، والذي يعتبر الشريان الرئيسي والوحيد المتبقي، بعد تقليص عدد المعابر بشكل تدريجي من خمسة أولا ومن ثم إلى ثلاثة في العام الماضي. 

يقع باب الهوى في الريف الشمالي لإدلب، ويعتبر ممرا إنسانيا بارزا تستخدمه المنظمات الأممية وغير الأممية لتمرير المساعدات من داخل الأراضي التركية إلى سوريا، لتوزيعها على أكثر من 4 ملايين مدني، نصفهم من النازحين.

وفي حال استخدام الفيتو الروسي ضد القرار يقول مسؤولون ونشطاء إغاثيين إن ذلك سيؤدي إلى "كارثة إنسانية غير مسبوقة". 

ويشير المسؤولون والنشطاء في أثناء حديثهم لموقع "الحرة" إلى خطوات تمهيدية بدأت موسكو بالعمل عليها في الأيام الماضية، أولها القصف الذي نفذته على شاحنات تحمل مساعدات إنسانية بالقرب من المعبر، بالإضافة إلى الطرح الذي قدمته لفتح ثلاثة معابر داخلية بين مناطق سيطرة النظام السوري وفصائل المعارضة في الشمال السوري.

"موسكو تريد إقفال المعبر"

نحو 150 ألف طن مساعدات إنسانية مرت في 2019 للسوريين

حسب إحصائية حصل عليها موقع "الحرة" من معبر باب الهوى الحدودي فقد أدخلت الأمم المتحدة في عام 2019 قرابة 6927 شاحنة محملة بـ147 ألف طن من المواد الإغاثية التي يحتاجها المواطنون الأصليون والنازحون في كل من إدلب وريف حلب.

في عام 2020 بلغ عدد الشاحنات المحملة بالمواد الإغاثية 10412 شاحنة، تحوي ما يعادل 228 طنا.

أما في الربع الأول من العام الجاري فقد بلغ عدد الشاحنات التي أدخلتها الأمم المتحدة 2800 شاحنة، محملة بـ54 ألف طن من المواد الإغاثية. 

ومن أبرز المنظمات التي تنفذ مشاريع الإغاثة الأممية: "شفق"، "عطاء"، "تكافل الشام"، "ميرسي usa"، "منظمة الأيادي البيضاء"، إلى جانب كل من منظمات: "مرام، إحسان، iyd".

مازن علوش، مدير المكتب الإعلامي لمعبر "باب الهوى"، يقول في تصريحات لموقع "الحرة" إنهم يتخوفون من إغلاق المعبر في أثناء التصويت الذي سيشهده مجلس الأمن، في يوليو المقبل. 

ويضيف علوش: "هناك تخوف على درجة كبيرة، لأن باب الهوى هو الشريان الرئيسي للمناطق المحررة، سواء لدخول المساعدات الأممية وغير الأممية لمنطقة إدلب وريف حلب الشمالي في منطقتي غضن الزيتون ودرع الفرات".

واعتبر مدير المكتب الإعلامي أن روسيا تريد إقفال المعبر بشكل كامل أمام تمرير المساعدات الإنسانية، مشيرا إلى أنها تحاول نقل هذه العملية من الحدود إلى المعابر الداخلية التي طرحت فتحها، مؤخرا. 

ومنذ أيام كانت وزارة الدفاع الروسية قد أعلنت عن اتفاق ينص على فتح ثلاثة معابر داخلية بين مناطق سيطرة النظام السوري وفصائل المعارضة، على أن تتوزع على معبرين في إدلب وآخر في ريف حلب الغربي. 

لكن هذا الاتفاق لم يصدر عنه أي تعليق رسمي من الجانب التركي، والذي يعتبر طرفا أساسيا للقبول به أو رفضه.

"ذريعة لمنع تمرير القرار"

لم يعد لمناطق شمال وشرق سوريا أي معبر لتمرير المساعدات الإنسانية للمدنيين

قرار مجلس الأمن الذي يتيح تمرير المساعدات إلى سوريا يحمل الرقم "2165"، وكان قد صدر في يوليو من عام 2014.

وبموجبه أُذن لوكالات الأمم المتحدة وشركائها باستخدام الطرق العابرة لخطوط التماس والمعابر الحدودية، كـ"باب السلامة، باب الهوى، اليعربية، الرمثا"، من أجل ضمان وصول المساعدات الإنسانية، بما في ذلك اللوازم الطبية والجراحية إلى الأشخاص المحتاجين في سائر أنحاء البلاد. 

وفي يوليو من العام الماضي وفي أثناء التصويت عليه استخدمت موسكو حق النقض الفيتو في مجلس الأمن، لتمرير المساعدات من ثلاثة معابر (اليعربية، باب السلامة، باب الهوى)، لتقبل مؤخرا باستمرار عملية تمريرها عبر معبر واحد فقط، وهو باب الهوى. 

وبذلك لم يعد لمناطق شمال وشرق سوريا أي معبر لتمرير المساعدات الإنسانية للمدنيين، في حين حرمت مناطق ريف حلب الشمالي أيضا الخاضعة للإدارة التركية من تنفيذ هذه الخطوة. 

الطبيب، مازن كوارة، المدير الإقليمي لمكتب SAMS”" في تركيا يرى أن اتفاق المعابر الداخلية الذي طرحته روسيا يعتبر مقدمة للتحجج بأن الأمم المتحدة بإمكانها تمرير المساعدات الإنسانية عبرها، انطلاقا من مكاتبها في العاصمة دمشق، وبذلك لا حاجة لمعبر باب الهوى.

ويقول كوارة في تصريحات لموقع "الحرة": "الأمم المتحدة لعدد كبير من المرات أعلنت أنه لا يمكن الوصول عبر المعابر الداخلية كبديل، لأن الطاقة عبرها منخفضة، ويوجد صعوبات لوجستية وعقبات تضعها الحكومة السورية". 

ولم يستبعد كوارة الفيتو الروسي ضد القرار خلال التصويت عليه في يوليو المقبل، ويتابع: "هناك تحوف كبير من استخدامه، وهو وراد طبعا".

"الأمر أكبر منا ومن تركيا"

حوالي 2.7 مليون نازح في آخر منطقة تسيطر عليها المعارضة في إدلب

وفق بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) هناك حوالي 2.7 مليون نازح في آخر منطقة تسيطر عليها المعارضة في إدلب وأجزاء أخرى من شمال غرب سوريا، بما في ذلك 1.6 مليون منتشرون في أكثر من 1,300 مخيم وموقع غير رسمي، ولا توجد مرافق صحية أو مدارس أو غيرها من المرافق الضرورية للجميع. 

وفي العام الماضي فقط أشار "أوتشا" إلى أن مليون شخص نزح في هذه المنطقة بسبب القتال، وأنه لا يزال الكثير منهم يعيشون تحت أشجار الزيتون على جنبات الطرق، حيث لا توجد مخيمات كافية لإيواء جميع هؤلاء الأشخاص، موضحا أن "الاستجابة الدولية لم تواكب حجم الأزمة".

وفي الوقت الذي تنعدم فيه تفاصيل الصورة الواضحة لما سيكون عليه ملف المساعدات الإنسانية في شمال سوريا في المرحلة المقبلة يقول مدير المكتب الإعلامي لباب الهوى، مازن علوش، إنهم على تواصل مع الجانب التركي بشأن ذلك. 

لكنه أضاف مستدركا: "قرار تمرير المساعدات يخرج من مجلس الأمن. الأمر أكبر مننا ومن تركيا، ويتعلق بالأمور الدولية".

ويشير علوش إلى أن ملف المساعدات هو أبرز الملفات التي يعمل عليها المعبر الحدودي، ويتابع: "النقاشات مستمرة لكن القرار يتم اتخاذه على مستوى دولي".

هل هناك خطط بديلة؟

إغلاق باب الهوى سيقلص حجم المساعدات الإنسانية للسوريين

أمام ما سبق من مخاوف تتعلق باحتمالية استخدام موسكو للفيتو في مجلس الأمن، تتحسس منظمات إنسانية وإغاثية حجم الكارثة التي قد تنتج عن هذه الخطوة.

الطبيب، مازن كوارة، الذي يقيم في غازي عنتاب التركية يوضح أنه وفي حال التصويت ضد قرار تمرير المساعدات في مجلس الأمن سيؤدي ذلك إلى إيقاف برامج الأمم المتحدة المنطلقة من تركيا باتجاه شمال غرب سوريا.

ويتابع: "بالتالي ستكون الأمم المتحدة غير قادرة على الاتفاق مع الشركاء في شمال سوريا لتقديم أي نوع من المساعدات، ولا يمكنها أيضا أن ترسل الإمدادات عبر الحدود سواء الغذائية أو الطبية والخيم وما إلى ذلك".

سيؤدي إغلاق باب الهوى أمام المساعدات أيضا إلى نقص حجم الإمدادات الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة.

ويشير كوارة إلى خطة بديلة في حال استخدام الفيتو الروسي، وتتمثل بـ"زيادة دور المؤسسات الإنسانية غير الربحية الدولية لتلقي التمويل من المانحين الذي يذهب إلى الأمم المتحدة، إلى جانب العمل مع الشركاء والمنظمات المحلية في تركيا وسوريا لاستمرار إرسال المساعدات".

ويقول كوارة إن "المنظمات المرخصة في تركيا ستستمر بعملية تمرير المساعدات، لكنها لن تتمكن من سد الثغرة التي كانت تغطيها الأمم المتحدة بشكل مباشر".

الشرع والجهاد الإسلامي

بالتزامن مع زيارة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إلى دمشق ولقائه بالرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، تحدثت تقارير عن اعتقال القوات الأمنية السورية قياديين بارزين من حركة الجهاد الإسلامي، في حدث يبدو شديد الدلالة على التحولات الكبيرة التي تشهدها سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر من العام الماضي.

وقالت "سرايا القدس"، وهي الجناح العسكري للجهاد الإسلامي، في بيان الأربعاء إن خالد خالد مسؤول الحركة في سوريا وياسر الزفري مسؤول لجنتها التنظيمية محتجزان لدى السلطات السورية منذ خمسة أيام.

وأضافت أن السلطات ألقت القبض على الرجلين "دون توضيح أسباب الاعتقال وبطريقة لم نكن نتمنى أن نراها من إخوة". ودعت إلى "الإفراج" عنهما. 

وأكد مسؤول في وزارة الداخلية السورية لوكالة رويترز نبأ إلقاء القبض على القياديين في الحركة، لكنه لم يجب عن أسئلة لاحقة حول سبب اعتقالهما.

حركة "الجهاد الإسلامي" هي إحدى أهم الفصائل الفلسطينية المسلحة، وإن كانت أكثرها غموضاً وتعقيداً، من حيث تاريخها وأيديولوجيتها. صنفتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، ونمت لتصبح ثاني أكبر حركة مسلحة في قطاع غزة وثالث أكبر حركة في الضفة الغربية.

وعلى الرغم من أنها أصدرت أول بيان علني لها في 11 ديسمبر عام 1987، كان وجودها واحدا من أكثر أسرار المقاومة الفلسطينية كتمانا. تأسست الحركة في قطاع غزة عام 1981 على يد مجموعة من الطلاب الفلسطينيين الذين لم يسبق لأحدهم أن أمسك بسلاح، لكنها سريعاً تحولت إلى استخدام العنف ضد أهداف إسرائيلية في عام 1984، أي قبل خمس سنوات من ظهور حركة حماس.

واكتسبت الحركة سمعة سيئة بسبب طبيعة هجماتها المثيرة للجدل في عنفها، ومواقفها المتصلبة ضد إسرائيل. وكان الشعار الذي طرحته هو: "الإسلام، الجهاد، وفلسطين": الإسلام كنقطة انطلاق، الجهاد كوسيلة، وتحرير فلسطين كهدف.

وكانت الحركة ولا تزال ملتزمة بـ"لاءات ثلاث": لا تفاوض، ولا حل الدولتين، ولا اعتراف بإسرائيل.

في كتابه "تاريخ الجهاد الإسلامي الفلسطيني: الإيمان والوعي والثورة في الشرق الأوسط"، يروي الباحث إيريك سكير حكاية جذور تأسيس حركة الجهاد الإسلامي، التي بدأت من رسم وضعه فتحي الشقاقي (مؤسس الحركة/ اغتيل في العام ١٩٩٥) على ورقة في مارس 1979، يمثل مستطيلًا يتقاطع مع دائرة. 

كان هذا الرسم، بحسب سكير، يمثل مشروعهم السياسي الجديد، ويحتوي على ثلاث مساحات متميزة. تمثل المساحة الأولى "الإخوة الذين كانوا أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين فقط". ثم هناك "الإخوة الذين كانوا أعضاء في كل من جماعة الإخوان والمشروع الجديد الذي يشكل نوعاً ما انشقاقاً عن الإخوان. وأخيراً، هناك أولئك الذين انضموا إلى هذا المشروع دون أن يكونوا من الإخوان المسلمين. كانت هذه المنظمة تُعرف بـ "الطلائع الإسلامية"، وهي نواة حركة الجهاد الإسلامي.

والتعقيد في سيرة الجهاد الإسلامي وتموضعها، مرده إلى عوامل عديدة لعبت دوراً في رسم هوية الحركة وتشكيل أفكارها من روافد متنوعة، وقد تبدو أحياناً متناقضة. فهي كما يرى باحثون، بينهم الباحثة الإسرائيلية مائير هاتينا، نشأت من تأثير حاسم للجماعات المصرية المتطرفة في السبعينيات. 

وفي المقابل، تركز الباحثة، بفيرلي ميلتون إدواردز، على صراع الحركة مع جماعة الإخوان المسلمين في أوائل الثمانينيات، بشأن المقاومة المسلحة. وبينهما رأي، يتوقف عنده إيريك سكير في كتابه، يقول بأن "الجهاد الإسلامي" خرجت تأثراً بالثورة الإيرانية عام ١٩٧٩. 

وفي الحالات كلها، تبدو حركة "الجهاد الإسلامي" اليوم في قلب هذه التناقضات، فهي الفصيل الأقرب فلسطينياً إلى إيران تمويلاً وتسليحاً مع إشارات إلى حالات "تشيّع" داخل الحركة. ومع ذلك فإن تنسيقها مع حماس لم يتوقف، حتى مع التباين بين حماس و"الجهاد" حول قضية الثورة السورية، وبقاء الجهاد الإسلامي في "حضن" النظام السوري مستفيدة من الحماية التي وفرها لها، في وقت كانت حماس تبتعد عن النظام بسبب مزاج الثورة القريب من الإخوان المسلمين.

مع ذلك نسقت حماس مع "الجهاد" هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، وتحتفظ بأسرى إسرائيليين.

ومع تولي أحمد الشرع السلطة في سوريا، تزداد الأمور تعقيداً. فالشرع يميل، بحسب معطيات عديدة، إلى الاقتراب أكثر من تسوية مع إسرائيل قد تستكمل باتفاقية سلام، والابتعاد أكثر عن حماس وما تمثله. ولقاؤه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس يصب في هذا السياق.

ولا يحيد اعتقال الأمن السوري القياديين في "الجهاد" عن هذا "النهج"، ويأتي استكمالاً للمزاج السياسي للشرع المبتعد بوضوح، إلى حد القطيعة، عن إيران. إذ قطعت القيادة السورية الجديدة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وتأمل في إعادة بناء الدعم الإقليمي والدولي لسوريا، لا سيما رفع العقوبات وتمويل إعادة الإعمار بعد حرب أهلية مدمرة استمرت 14 عاماً.

لكن قد لا يعني اعتقال القياديين في الجهاد أن الشرع سيفعل الشيء ذاته مع حركة "حماس" في سوريا، على الأقل في الفترة المقبلة، كما يوضح نائب مدير مركز كارنيغي، الباحث مهند الحاج علي، لموقع "الحرة". بل إن الشرع على الغالب سيحافظ على العلاقة التاريخية بحماس لما تمثله من امتداد يرتبط بالإخوان المسلمين. 

وإذا كان الشرع في وارد "بيع" حماس، فإنه بالتأكيد سيطلب ثمناً عالياً لقاء ذلك. ويعتقد الحاج علي أن حماس لن تُحرج الشرع وستلتزم بما يناسبه في سوريا، حتى لو عنى ذلك قطع التواصل مع إيران، وإن كان الباحث في كارنيغي يتوقع أن تلعب حماس أدواراً في المستقبل لتحسين علاقات الشرع بإيران.

وأوردت وكالة رويترز في تقرير الشهر الماضي أن الولايات المتحدة قدمت لسوريا قائمة شروط يتعين الوفاء بها مقابل تخفيف جزئي للعقوبات. وذكرت مصادر لرويترز أن أحد الشروط هو إبعاد الجماعات الفلسطينية المدعومة من إيران.