مخيم الهول لا يزال يضم زوجات وأبناء مقاتلين من تنظيم داعش
مخيم الهول لا يزال يضم زوجات وأبناء مقاتلين من تنظيم داعش

يشهد مخيم الهول حالة من "الفلتان الأمني"، والتي أسفرت عن 41 عملية قتل منذ بداية العام، وفق تقرير للمرصد السوري لحقوق الإنسان.

ورغم أن شهر أبريل الماضي لم يشهد إلا عملية قتل واحدة، إلا أن حالة "الفوضى" و"الانفلات الأمني" التي تسبب بها تنظيم داعش، لا تزال تسيطر على المخيم الذي أصبح "قنبلة موقوتة" يتجاهلها العالم.

ويضم المخيم الذي يقع في محافظة الحسكة، قرب الحدود السورية العراقية، 62 ألف شخص من النازحين السوريين واللاجئين العراقيين بينهم أفراد عائلات مقاتلي التنظيم، إضافة الى بضعة آلاف من عائلات المقاتلين الأجانب يقبعون في قسم خاص قيد حراسة مشددة، بحسب قوات الأمن الداخلي الكردية "الأسايش".

ومنذ إعلان القضاء على داعش في مارس 2019، يطالب الأكراد الدول التي ينتمي لها المحتجزون في المخيم باستعادتهم، أو إنشاء محكمة دولية لهم، حيث اكتفت دول أوروبية باستعادة عدد من الأطفال، فيما قامت دول بإعادة عدد محدود من العائلات.

وفي تقرير وصل للأمم المتحدة فقد تم رصد "حالات تحول نحو التطرف وتدريب وجمع تمويلات وحث على ارتكاب عمليات خارجية"، وأن "بعض المحتجزين يرون أن الهول هو آخر آثار الخلافة"، بحسب تقرير لوكالة فرانس برس.

"دويلة الهول"

مخيم الهول لا يزال يضم زوجات وأبناء مقاتلين من تنظيم داعش

المرصد السوري لحقوق الإنسان، وصف المخيم بـ"دويلة الهول"، خاصة ظل عمليات القتل والاغتيالات التي تنفذها خلايا تنظيم "داعش"، والتي تستهدف فيها لاجئين ومسؤولين داخل المخيم إضافة لعناصر من الأسايش.

وأوضح أن هذا الوضع تسبب بمقتل 42 شخصا، بينهم عنصران من الأسايش، و31 شخصا من اللاجئين العراقيين، بينهم أطفال ونساء، إضافة إلى 11 شخصا من السوريين داخل المخيم بينهم طفل وثلاث نساء.

ويتخوف المرصد من أن يعيد ما يحصل في مخيم الهول "الفوضى إلى المنطقة"، مشيرا إلى أن "انفجار" الأزمة في المخيم قد تؤثر على المنطقة والعالم.

ودعا مجلس الأمن الدولي، والمنظمات الدولية، إلى العمل لـ"وقف الجرائم والانتهاكات المرتكبة.. من قبل تنظيم داعش، وإنشاء محاكم مختصة لمحاكمتهم".

وخلال أبريل الماضي، أعلنت القوات الكردية اعتقال 125 عنصرا من تنظيم داعش داخل المخيم، وذلك بعد ارتفاع وتيرة عمليات القتل.

مقاربة دولية

اعتقال 125 عنصرا من تنظيم داعش في مخيم الهول شمال سوريا على أيدي وحدات حماية الشعب

قائد القيادة المركزية الأميركية، كينيث ماكينزي، قال خلال الأسبوع الماضي في ندوة عبر الإنترنت، إن إيجاد حلول لمشكلة مخيم الهول في سوريا لا يمكن الحديث عنها من دون "اعتماد مقاربة دولية".

وأعرب خلال ندوة بعنوان "أولويات الاستراتيجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط وما تواجهه من عقبات" عن قلقه على " مستقبل اللاجئين والنازحين في منطقة مسؤوليته، مثل مخيم الهول في سوريا، حيث يستقبل هذا المخيم الآلاف من زوجات وأبناء المتورطين مع تنظيم داعش من الأجانب".

وأشار ماكينزي في تصريحات سابقة إلى أنه رغم دحر داعش في المنطقة، إلا أن بعض مقاتليهم لا يزالون في مناطق بين سوريا والعراق.

إنبوب النفط العراقي

رغم حالة الغموض التي تكتنف مسار العلاقات بين العراق وسوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي، يبرز بين حين وآخر حديث عن محاولات لفتح صفحة جديدة من التعاون بين البلدين.

إحدى أهم الخطوات في هذا المجال المساعي لإحياء خط أنابيب النفط العراقي المار عبر سوريا.

وبدأت الحكومة العراقية رسميا، في أبريل الماضي، محادثات مع الجانب السوري لاستئناف تصدير النفط عبر ميناء بانياس السوري المطل على البحر المتوسط. وقد زار وفد عراقي رفيع المستوى دمشق لمناقشة خطط إعادة تأهيل الخط الذي ظل معطلا لعقود بسبب الحروب والإهمال.

وفي 25 أبريل، أعلن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي أن وفدا حكوميا برئاسة حميد الشطري، رئيس جهاز المخابرات، وصل إلى دمشق بتوجيه من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، والتقى بالرئيس السوري أحمد الشرع وعدد من المسؤولين السوريين.

وذكر البيان أن المباحثات شملت قضايا متعددة من بينها مكافحة الإرهاب، تعزيز أمن الحدود، والأهم من ذلك، بحث إمكانية إعادة تشغيل خط أنابيب النفط الواصل بين كركوك وبانياس.

مصالح استراتيجية مشتركة

يقول مظهر محمد صالح، مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون الاقتصادية، لقناة "الحرة" إن بغداد ودمشق تتشاركان الرغبة في استئناف تشغيل الخط، الأمر الذي سيعود بالنفع على البلدين وعلى لبنان أيضا.

"المناقشات بين الحكومتين مستمرة منذ فترة، وقد شهدت مؤخرا تقدما ملموسا على مستوى اللجان الفنية".

ويضيف صالح أن التركيز الحالي منصب على الجوانب اللوجستية والفنية والقانونية، لا سيما إعادة تأهيل البنية التحتية وضمانات الأمان اللازمة لتشغيل الخط بشكل مستدام.

ويؤكد أن إعادة تشغيل الخط ستسهم في تسريع خطة العراق لتنويع مسارات تصدير النفط، خصوصا نحو الأسواق الأوروبية:

"خط كركوك–بانياس يمنح العراق مرونة استراتيجية وتكلفة أقل، خاصة في ظل التحول الإقليمي نحو الاستقرار والتنمية المستدامة".

ويشير صالح إلى أن هذا المشروع يمكن أن يعزز الاستثمار في قطاع النفط العراقي ويساعد البلاد على الوصول إلى هدف إنتاج 6 ملايين برميل يوميا، تماشيا مع الطلب العالمي المتزايد في أوروبا وآسيا وأميركا الشمالية.

خلفية تاريخية

أُنشأ خط أنابيب العراق–سوريا عام 1934، بطول نحو 900 كيلومتر، ويمتد من حقول كركوك شمالي العراق مرورا بالأراضي السورية. وكان ينقسم إلى فرعين: أحدهما ينتهي في بانياس، والآخر في ميناء طرابلس في لبنان.

وقد شكل هذا الخط مسارا حيويا لتصدير النفط خلال القرن العشرين، حتى أوقفه النظام السوري عام 1982 أثناء الحرب العراقية–الإيرانية. ومنذ ذلك الحين، اعتمد العراق على مسارات أخرى مثل خط العراق–تركيا (ITP).

لكن أجزاء كبيرة من خط كركوك–بانياس تعرضت للدمار والسرقة، خاصة في المناطق السورية المتأثرة بالحرب، ولم يضخ العراق أي نفط عبر الأنبوب منذ أكثر من 40 عاما.

تحديات

يرى خبير الطاقة غوفيند شيرواني أن محاولات إحياء خط كركوك–بانياس مدفوعة حاليا باعتبارات سياسية أكثر من كونها اقتصادية أو تقنية.

وفي حديثه لـ"الحرة"، يحدد شيرواني ثلاثة عوائق رئيسية:

أولها الأمن، إذ يمر الخط عبر مناطق لا تزال خارج سيطرة الحكومة السورية، حيث تنشط خلايا داعش وجماعات مسلحة أخرى".

ويحذر شيرواني من أن ضمان الأمن الكامل على طول المسار شرط أساسي لأي تقدم.

العائق الثاني يتجسد في الحالة الفنية. ويشير خبير الطاقة إلى أن الخط الحالي "قديم، متآكل، وتعرض للتلف في عدة مناطق بشكل لا يمكن إصلاحه". هناك حاجة لإنشاء خط جديد كليا أو تعديل المسار بناء على الوضع الميداني.

وأخيرة العائق المالي، فبناء خط جديد بطول 800 كيلومتر سيستغرق من سنتين إلى ثلاث سنوات، وسيتطلب ميزانية تتراوح من 4 إلى 5 مليارات دولار، تشمل الأنابيب ومحطات الضخ ومراكز المراقبة والأمن.

خيارات بديلة

تزامنت عودة الاهتمام العراقي بالمسار السوري مع استمرار المفاوضات بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان والشركات الدولية لاستئناف صادرات النفط عبر تركيا، والتي توقفت منذ أكثر من عامين بقرار من محكمة التحكيم الدولية في باريس لصالح العراق في نزاعه مع تركيا بشأن صادرات نفط الإقليم.

وأوضح شيرواني أن مقارنة خطي بانياس وجيهان التركي أمر طبيعي، لكنه أضاف: "خط جيهان جاهز من الناحية الفنية، والعوائق أمامه محدودة تقنيا وماليا، أما خط بانياس فهو مشروع جديد تماما ويتطلب دراسة جدوى اقتصادية كاملة".

ومع ذلك، يرى شيرواني أن كلا المسارين مهمان ويتوافقان مع سياسة العراق الرامية إلى تنويع منافذ التصدير وتقليل الاعتماد على الممرات المهددة في منطقة الخليج، خاصة مع التوترات المستمرة بين إيران والولايات المتحدة وحلفائهما الإقليميين.

وبحسب خبراء اقتصاديين تحدثوا إلى "الحرة"، فإن إعادة تشغيل خط كركوك–بانياس قد تحقق عوائد مالية كبيرة لسوريا، من خلال خلق آلاف من فرص العمل، والمساهمة في إعادة إعمار ما دمرته الحرب، إضافة إلى دعم سوق الوقود المحلي عبر تكرير النفط العراقي بأسعار مخفضة في مصفاة بانياس.

العقبة الإيرانية

يؤكد المستشار الاقتصادي السوري، أسامة القاضي، أن المشروع اقتصادي في جوهره، لكنه معقد سياسيا وأمنيا، خاصة بسبب النفوذ الإيراني في العراق.

يقو القاضي إن المشكلة لا تتعلق بالبنية التحتية فقط، بل بوجود فصائل داخل العراق تعارض الحكومة السورية الجديدة، وتعتبرها دمشق أدوات إيرانية.

"طالما بقيت هذه الأطراف نشطة، لا أعتقد أن المشروع سيمضي قدما، حتى وإن تم توقيع الاتفاق".

ويرى القاضي أن على بغداد اتخاذ موقف واضح ضد التدخلات الخارجية. ويلفت إلى أن التوترات الطائفية ما زالت تعيق التعاون الإقليمي.

تفاؤل حذر

رغم أن إعادة إحياء خط كركوك–بانياس يمثل فرصة استراتيجية واقتصادية وجيوسياسية لكلا البلدين، لا تزال العقبات أمام تحقيقه كبيرة. ويعتمد التقدم في هذا المشروع على حلول هندسية واستثمارات مالية، إلى جانب تحسين الوضع الأمني وتسوية النزاعات السياسية العالقة.

في الوقت الراهن، يُعد المشروع اختبارا لإمكانية الاندماج الاقتصادي الإقليمي، وقدرة الدول الخارجة من النزاعات على التحول نحو تعاون مستدام.