سوريا- تركيا- عودة
يزيد عدد اللاجئين السوريين في مختلف الولايات التركية عن 4 ملايين شخص

عودة وصفت بـ"الطوعية" شهدتها تركيا في الأيام الماضية لمئات الشبان من اللاجئين السوريين، والذين قرروا التوجه إلى مناطق شمال سوريا بعد انعدام الخيارات أمامهم للحصول على فرصة عمل، لاسيما في ظل إجراءات الإغلاق الكاملة التي تشهدها معظم الولايات التركية. 

هؤلاء الشبان دخلوا من ثلاثة معابر حدودية، حسب ما قالت المكاتب الإعلامية لتلك المنافذ في تصريحات لموقع "الحرة"، وهي "باب السلامة"، "باب الهوى"، "معبر تل أبيض".

وأشارت المصادر إلى طرق أخرى اتجه إليها بعض الشبان للدخول إلى سوريا، عبر طرق التهريب بعد دفع مبالغ بمئات الدولارات لمهربين سوريين وأتراك. وهذه الطريقة تضمن لهم الحفاظ على بطاقة "الحماية المؤقتة"، في حال قرروا العودة إلى تركيا بعد فترة من الزمن. 

وفي المقابل فقد تخلت النسبة الأكبر من الشبان في الأسبوعين الماضيين عن تلك البطاقة والمعروفة باسم "الكملك"، وبالتالي لن يتمكنوا من دخول الأراضي التركية إلا بعد خمس سنوات، وهو شرط يوقعون عليه قبل توجههم إلى الطرف السوري من المعابر الثلاث. 

ويزيد عدد اللاجئين السوريين في مختلف الولايات التركية عن 4 ملايين شخص، نسبة كبيرة منهم يعملون في مهن شاقة، سواء في ورشات البناء أو في المصانع، التي تتركز بشكل أساسي في مدينتي إسطنبول وغازي عنتاب. 

وبعد قرار الإغلاق الذي فرضته الحكومة التركية في البلاد توقفت معظم الأعمال، ما دفع مئات السوريين إلى اتخاذ قرار العودة، ليفضلوا بذلك العيش تحت الخطر عن "العيش المر".

"طوعا وقسرا" 

عَبر من معبر تل أبيض، الذي فتحته تركيا منذ قرابة عامين بعد عملية "نبع السلام"، 535 شابا سوريا خلال الأسبوعين الماضيين، وبحسب ما قال أحد المسؤولين في تصريحات لموقع "الحرة" فقد سلم جميع الشبان بطاقات "الحماية المؤقتة"، ووقعوا في الجانب التركي على ورقة تمنعهم من العودة مجددا. 

وإلى الغرب منه وعبر معبر "باب السلامة" الواصل بين تركيا ومناطق ريف حلب الشمالي تم تسجيل عودة 584 سوريا، بينهم 570 اتخذوا قرار "العودة الطوعية"، والباقي رحلوا قسرا من قبل السلطات التركية، بعد سحب بطاقات الحماية. 

ومن هذين المعبرين وصولا إلى "باب الهوى" الواصل بين تركيا ومحافظة إدلب فقد تضاعفت الأرقام، لتصل إلى قرابة 700 سورية عادوا في الأسبوعين الماضيين إلى قراهم وبلداتهم في المنطقة. 

مازن علوش مدير المكتب الإعلامي لمعبر "باب الهوى" قال إن "معظم المرحلين من الأراضي التركية من الراغبين بالعودة بشكل طوعي".

ويضيف علوش في تصريحات لموقع "الحرة" أن أعداد الأشخاص الذين عادوا إلى سوريا من تركيا، في الأشهر الثلاثة الماضية، يفوق أربعة آلاف سوري.

ففي يناير الماضي سجل "باب الهوى" عمليات ترحيل لـ2290 شخصا، وفي فبراير 1549، أما في مارس 1938 شخصا.

ثلاثة أقسام 

وفي سياق حديثه قسّم علوش المرحلين إلى داخل الأراضي السورية إلى عدة أقسام.

القسم الأول ممن يدخلون إلى تركيا عبر التهريب، ويتم إلقاء القبض عليهم من قبل السلطات التركية ليتم ترحيلهم إلى إدلب عبر المعبر، أما القسم الثاني فهم الأشخاص المخالفون في تركيا (لا يمتلكون أوراقا رسمية مثل الكيملك).

في حين ينحصر القسم الثالث بالأشخاص الذين لديهم عمل في سوريا وغير قادرين على تأمين إجازة ما يضطرهم إلى تسليم "الكيملك" (بطاقة الحماية المؤقتة)، في تركيا والمغادرة إلى سوريا.

وكان لافتا منذ منتصف أبريل الماضي قسم رابع، وفيه أشخاص قرروا ترك العيش في تركيا ضمن نطاق "الحماية المؤقتة" والعودة إلى سوريا، ومن بينهم الشاب سمير قدور، والذي وصل في يوم 29 إلى الشمال السوري. 

ينوي قدور أخذ "قسط من الراحة" بحسب تعبيره لشهر واحد، على أن يتجه بعدها إلى البحث عن عمل بمهنة "النجارة"، والتي أتقنها في ورشة للأثاث المنزلي في منطقة إسنيورت بمدينة إسطنبول. 

ويقول الشاب العشريني في تصريحات لموقع "الحرة": "لست متفائلا بانطلاقة عملي في الشمال السوري. مع ذلك العيش هنا قد يكون أرحم من العيش في إسطنبول، خاصة عندما يعجز الشخص عن دفع إيجار المنزل وفواتير الغاز والكهرباء والماء". 

وينطبق حال الشاب سمير على معظم الشبان الذين قرروا العودة، ويشير: "لن نعود مجددا إلى تركيا، وفي حال تغيرت الظروف قد نلجأ للدخول تارة أخرى لكن عبر طرق التهريب. بطاقة الحماية المؤقتة الخاصة بنا سُلمت، ووقعنا أيضا على عدم العودة قبل خمس سنوات". 

معظمهم عاطلون عن العمل

قد يكون خيار الشبان بالعودة صائبا في بعض النقاط وخائبا في أخرى، لاسيما في ظل حالة الفلتان الأمني التي تعيشها مناطق شمال سوريا، بالإضافة إلى ضعف الإمكانيات والموارد، والتي من شأنها أن تخلق فرص عمل وأن تحرك العجلة الاقتصادية في المنطقة. 

وفي فبراير العام الحالي رصد فريق "منسقو استجابة سوريا"، في استبيان مستويات البطالة في مناطق شمال غرب سوريا، ذات الكثافة السكانية العالية والتي تعاني من ظروف اقتصادية صعبة، بسبب فرص العمل القليلة وخسارة مساحات واسعة من الأراضي الزراعية التي يعتمد عليها السكان كمصدر دخل رئيسي بعد سيطرة قوات الأسد عليها.

ولفت الفريق، وهو منظمة غير ربحية متخصصة بالإحصاء والتقييم، إلى أن نسبة العاطلين عن العمل ضمن المشاركين في استبيان الفريق "غير مفاجئة في منطقة تعد من أفقر المناطق وتواجه أزمات وتهديدات مستمرة".

وأوضح الفريق أن 11 بالمئة ممن شملهم الاستبيان يعملون، بينما 89 بالمئة هم عاطلون عن العمل.

وقال الفريق في استبيانه إن فرص العمل لا تأتي مبكرة، فالأصغر سنا دون الخامسة والعشرين عاما نسبة البطالة عندهم 85 بالمئة، مقارنة مع من تفوق أعمارهم 35 سنة بنسبة 50 بالمئة.

الشرع والجهاد الإسلامي

بالتزامن مع زيارة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إلى دمشق ولقائه بالرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، تحدثت تقارير عن اعتقال القوات الأمنية السورية قياديين بارزين من حركة الجهاد الإسلامي، في حدث يبدو شديد الدلالة على التحولات الكبيرة التي تشهدها سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر من العام الماضي.

وقالت "سرايا القدس"، وهي الجناح العسكري للجهاد الإسلامي، في بيان الأربعاء إن خالد خالد مسؤول الحركة في سوريا وياسر الزفري مسؤول لجنتها التنظيمية محتجزان لدى السلطات السورية منذ خمسة أيام.

وأضافت أن السلطات ألقت القبض على الرجلين "دون توضيح أسباب الاعتقال وبطريقة لم نكن نتمنى أن نراها من إخوة". ودعت إلى "الإفراج" عنهما. 

وأكد مسؤول في وزارة الداخلية السورية لوكالة رويترز نبأ إلقاء القبض على القياديين في الحركة، لكنه لم يجب عن أسئلة لاحقة حول سبب اعتقالهما.

حركة "الجهاد الإسلامي" هي إحدى أهم الفصائل الفلسطينية المسلحة، وإن كانت أكثرها غموضاً وتعقيداً، من حيث تاريخها وأيديولوجيتها. صنفتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، ونمت لتصبح ثاني أكبر حركة مسلحة في قطاع غزة وثالث أكبر حركة في الضفة الغربية.

وعلى الرغم من أنها أصدرت أول بيان علني لها في 11 ديسمبر عام 1987، كان وجودها واحدا من أكثر أسرار المقاومة الفلسطينية كتمانا. تأسست الحركة في قطاع غزة عام 1981 على يد مجموعة من الطلاب الفلسطينيين الذين لم يسبق لأحدهم أن أمسك بسلاح، لكنها سريعاً تحولت إلى استخدام العنف ضد أهداف إسرائيلية في عام 1984، أي قبل خمس سنوات من ظهور حركة حماس.

واكتسبت الحركة سمعة سيئة بسبب طبيعة هجماتها المثيرة للجدل في عنفها، ومواقفها المتصلبة ضد إسرائيل. وكان الشعار الذي طرحته هو: "الإسلام، الجهاد، وفلسطين": الإسلام كنقطة انطلاق، الجهاد كوسيلة، وتحرير فلسطين كهدف.

وكانت الحركة ولا تزال ملتزمة بـ"لاءات ثلاث": لا تفاوض، ولا حل الدولتين، ولا اعتراف بإسرائيل.

في كتابه "تاريخ الجهاد الإسلامي الفلسطيني: الإيمان والوعي والثورة في الشرق الأوسط"، يروي الباحث إيريك سكير حكاية جذور تأسيس حركة الجهاد الإسلامي، التي بدأت من رسم وضعه فتحي الشقاقي (مؤسس الحركة/ اغتيل في العام ١٩٩٥) على ورقة في مارس 1979، يمثل مستطيلًا يتقاطع مع دائرة. 

كان هذا الرسم، بحسب سكير، يمثل مشروعهم السياسي الجديد، ويحتوي على ثلاث مساحات متميزة. تمثل المساحة الأولى "الإخوة الذين كانوا أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين فقط". ثم هناك "الإخوة الذين كانوا أعضاء في كل من جماعة الإخوان والمشروع الجديد الذي يشكل نوعاً ما انشقاقاً عن الإخوان. وأخيراً، هناك أولئك الذين انضموا إلى هذا المشروع دون أن يكونوا من الإخوان المسلمين. كانت هذه المنظمة تُعرف بـ "الطلائع الإسلامية"، وهي نواة حركة الجهاد الإسلامي.

والتعقيد في سيرة الجهاد الإسلامي وتموضعها، مرده إلى عوامل عديدة لعبت دوراً في رسم هوية الحركة وتشكيل أفكارها من روافد متنوعة، وقد تبدو أحياناً متناقضة. فهي كما يرى باحثون، بينهم الباحثة الإسرائيلية مائير هاتينا، نشأت من تأثير حاسم للجماعات المصرية المتطرفة في السبعينيات. 

وفي المقابل، تركز الباحثة، بفيرلي ميلتون إدواردز، على صراع الحركة مع جماعة الإخوان المسلمين في أوائل الثمانينيات، بشأن المقاومة المسلحة. وبينهما رأي، يتوقف عنده إيريك سكير في كتابه، يقول بأن "الجهاد الإسلامي" خرجت تأثراً بالثورة الإيرانية عام ١٩٧٩. 

وفي الحالات كلها، تبدو حركة "الجهاد الإسلامي" اليوم في قلب هذه التناقضات، فهي الفصيل الأقرب فلسطينياً إلى إيران تمويلاً وتسليحاً مع إشارات إلى حالات "تشيّع" داخل الحركة. ومع ذلك فإن تنسيقها مع حماس لم يتوقف، حتى مع التباين بين حماس و"الجهاد" حول قضية الثورة السورية، وبقاء الجهاد الإسلامي في "حضن" النظام السوري مستفيدة من الحماية التي وفرها لها، في وقت كانت حماس تبتعد عن النظام بسبب مزاج الثورة القريب من الإخوان المسلمين.

مع ذلك نسقت حماس مع "الجهاد" هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، وتحتفظ بأسرى إسرائيليين.

ومع تولي أحمد الشرع السلطة في سوريا، تزداد الأمور تعقيداً. فالشرع يميل، بحسب معطيات عديدة، إلى الاقتراب أكثر من تسوية مع إسرائيل قد تستكمل باتفاقية سلام، والابتعاد أكثر عن حماس وما تمثله. ولقاؤه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس يصب في هذا السياق.

ولا يحيد اعتقال الأمن السوري القياديين في "الجهاد" عن هذا "النهج"، ويأتي استكمالاً للمزاج السياسي للشرع المبتعد بوضوح، إلى حد القطيعة، عن إيران. إذ قطعت القيادة السورية الجديدة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وتأمل في إعادة بناء الدعم الإقليمي والدولي لسوريا، لا سيما رفع العقوبات وتمويل إعادة الإعمار بعد حرب أهلية مدمرة استمرت 14 عاماً.

لكن قد لا يعني اعتقال القياديين في الجهاد أن الشرع سيفعل الشيء ذاته مع حركة "حماس" في سوريا، على الأقل في الفترة المقبلة، كما يوضح نائب مدير مركز كارنيغي، الباحث مهند الحاج علي، لموقع "الحرة". بل إن الشرع على الغالب سيحافظ على العلاقة التاريخية بحماس لما تمثله من امتداد يرتبط بالإخوان المسلمين. 

وإذا كان الشرع في وارد "بيع" حماس، فإنه بالتأكيد سيطلب ثمناً عالياً لقاء ذلك. ويعتقد الحاج علي أن حماس لن تُحرج الشرع وستلتزم بما يناسبه في سوريا، حتى لو عنى ذلك قطع التواصل مع إيران، وإن كان الباحث في كارنيغي يتوقع أن تلعب حماس أدواراً في المستقبل لتحسين علاقات الشرع بإيران.

وأوردت وكالة رويترز في تقرير الشهر الماضي أن الولايات المتحدة قدمت لسوريا قائمة شروط يتعين الوفاء بها مقابل تخفيف جزئي للعقوبات. وذكرت مصادر لرويترز أن أحد الشروط هو إبعاد الجماعات الفلسطينية المدعومة من إيران.