أصبحت الناشطة السورية، وفا مصطفى، أيقونة للمدافعين والمطالبين بإطلاق سراح المعتقلين والمغيبين قسريا، سواء في سجون النظام، أو في معتقلات الأطراف الأخرى المشاركة في النزاع الدامي، مثل هيئة تحرير الشام "جبهة النصرة سابقا".
وذكرت صحيفة "الغارديان" في تقرير خاص بها أن علي مصطفى، والد وفا، يعد أحد هؤلاء الذين اختفوا في سجون النظام دون معرفة مصيرهم حتى الآن، وقد تعرض للاعتقال في أواسط 2013.
الناشطة السورية وفا مصطفى تضع صورا لضحايا النظام السوري أمام المحكمة الإقليمية بمدينة كوبلينتس في ألمانيا، وهو المكان الذي تجري فيه المحاكمة الأولى عن جرائم التعذيب بسوريا، لتطالب بالإفراج عن المعتقلين والمغيبين من قبل نظام الأسد. pic.twitter.com/0SO389dSWD
— قناة الحرة (@alhurranews) June 4, 2020
وأوضحت وفا التي تعود جذورها إلى مدينة مصياف ذات التنوع الطائفي إن والدها كان من مؤيدي "الثورة السورية" التي انطلقت في البلاد للمطالبة بإسقاط النظام القمعي وإقامة دولة مدنية ديمقراطية تساوي بين جميع مواطنيها بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية والطائفية.
وأشارت وفا التي اعتقلت أيضا في سبتمبر من العام 2011 أنها اضطرت مع عائلتها إلى مغادرة سوريا خوفا على حياتهم بعد القبض على والدها، موضحة إنها توجهت إلى تركيا مع والدتها وشقيقتها، حيث قضت هناك ثلاثة أعوام تصفهم بأنهم الأصعب في حياتها، حيث عانت من مشاعر الاكتئاب والقلق والخوف على مصير أبيها.
مأساة جماعية
وعن أوضاع المعتقلين تقول وفا في حديثها إلى الصحيفة البريطانية، "ما نمر به في سوريا هو قصة مأساة جماعية.. وأكاد أجزم أنه لا توجد عائلة واحدة لم تتعرض لاعتقال أو اختطاف أحد أحبائها أو اختفائه قسريا، وسواء كان الذين اعتقلوا مع الثورة أو ضدها، فأنا بصفهم كلهم، لأنني أنشد الحرية للجميع".
وتعتقد وفا أن الذين اختطفوا والدها كانوا ينفذون أوامر النظام السوري لأن أبيها كما تؤكد كان منتقدا صريحا للأوضاع ومؤيدا قويا للثورة في بلادها قبل أن يغيب عن الأنظار في 2013.
وتتابع حديثها : "كان والدي يعيش في حي بدمشق يطبق عليها النظام بشدة، ولكن مع ذلك كان الكثير من أبناء تلك المنطقة يدعمون الاحتجاجات الشعبية بكل قوة وعزم، مما جعلهم فريسة لعمليات اعتقال وتغييب قسري، ووالدي اقتيد مع صديقه المقرب والذي تواترت معلومات عنه (صديق أبيها) بأنه قد قضى تحت التعذيب في أحد المعتقلات الحكومية".
وعن ذكرياتها مع والدها، المناضل العلماني الذي ينتمي إلى أقلية دينية: "كانت المرة الوحيدة التي أرى فيها أبي يبكي عندما أعلن الرئيس المصري الراحل، حسني مبارك، تنحيه عن السلطة".
وتابعت: "لقد كان الأمر بالنسبة له لحظة تاريخية أسعدت قلبه وهو الذي كان يجعلنا نتسمر أمام شاشة التلفاز على شكل مناوبات طوال اليوم والليل لمتابعة أخبار الثورة المصرية حتى لا يفوتنا شيء".
من تركيا إلى برلين
وكتب على وفا، كما تقول، أن تعيش مأساة جديدة تمثلت في افتراقها عن عائلتها، فهي حصلت على حق اللجوء في ألمانيا، بينما ذهبت والدتها وشقيقتها إلى كندا، في حين حصلت الأخت الثلاثة على اللجوء في الولايات المتحدة.
وتؤكد وفا، البالغة من العمر 31 عاما، على وجود ما لا يقل عن 150 ألف معتقل ومغيب قسري في سجون النظام السوري بالإضافة إلى آلاف المدنيين الآخرين المعتقلين في سجون النصرة وفصائل المعارضة ومناطق الإدارة الذاتية الكردية.
ومن الأكثر اللحظات إلهاما، لوفاء، هي التي ألقت فيها كلمة أمام مجلس الأمن الدولي للحديث عن مأساة المعتقلين في بلادها بحضور مندوب النظام السوري.
وقد حظيت كلمة وفا مصطفى، أمام مجلس الأمن الدولي، في يوليو من العام الماضي بإشادة واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي وبين أوساط المنظمات الحقوقية.
ودعت في كلمتها للضغط على النظام السوري من أجل الكشف عن مصير آلاف المعتقلين والمغيبين في سجونه، وحذرت من كارثة إنسانية بحقهم بسبب تفشي فيروس كورونا في البلاد.
وأضافت: "يجب التوقف فوراً عن ممارسة التعذيب وإساءة المعاملة والسماح لكافة المعتقلين والمعتقلات بالتواصل مع عائلاتهم بشكل روتيني، وفي حالات الوفاة، يجب إعلام العائلات بأسباب الوفاة الحقيقية وإعطائها الحق في معرفة أماكن الدفن والوصول إليها".
وحذرت الناشطة الحقوقية من "وجود خطر إضافي وملحٍ بسبب جائحة كورونا"، مطالبة مجلس الأمن "بدعم موحد لعملية إطلاق سراح شاملة لكل المعتقلين والمعتقلات في السجون وفي مراكز الاعتقال غير الرسمية، حيث يُحتجزون في ظروف قاسية ويتعرضون للتعذيب والحرمان من الطعام والماء والنظافة والعناية الطبية".
وتستذكر، وفا، تلك اللحظات التي مضى عليها نحو عام بقولها: "لقد كانت تجربة سريالية لأنه في نفس الاجتماع كان مندوب الأسد موجودا في الأمم المتحدة، وكنت مجبرة على الجلوس والاستماع إلى حديثه وأنا أرتجف، ولكن عندما حانت لحظة كلامي قلت لنفسي ما دمت تجاوزت هذا الأمر فهذا يعني أني قوية عزيمة وصلبة الإرادة".