دمشق وموسكو قصفت الشعب السوري بأسلحة كيميائية أكثر من مرة
النظام السوري دمر البنية التحتية وقتل آلاف المدنيين وشرد الملايين فيما تقول الصين إنها مهتمة بإعادة الإعمار ودعم الأسد.

تضع الصين سوريا نصب أعينها هدفا لتحقيق مصالح تسعى بكين لتحقيقها عبر التوسع في العالم، من خلال الاستحوذ على بلدان تعاني من أزمات ويحكمها أنظمة دكتاتورية.

فقبل أيام، استقبل وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، نظيره الصيني، وانغ يي، بأذرع مفتوحة وابتسامة عريضة، لدى وصوله إلى مطار دمشق الدولي، فما الهدف من هذه الزيارة؟

الوزير الصيني الذي التقى زعيم النظام، بشار الأسد، قال إنه في سوريا لدعم "سيادة سوريا" ودعا إلى "التخلي عن وهم تغيير النظام".

لكن في الحقيقة، لم يجر أي مسؤول صيني رفيع المستوى زيارة مماثلة إلى سوريا منذ أكثر من عقد، على الرغم من الدعم الديبلوماسي الهائل الذي قدمته بكين للنظام خلال ثورة الشعب ضده والتي تحولت لحرب طاحنة دمرت جزاء كبيرا من البلاد وشردت ملايين السوريين.

وزير الخارجية السوري فيصل مقداد يستقبل نظيره الصيني في دمشق

ويقول نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون آسيا والمحيط الهادي، بيتر بروكس، إن "الصين لديها سياسة خارجية انتهازية، حيث "تبحث عن أصدقاء في الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية، لتمرير مشاريعها أو عرقلة المشاريع المناوئة لها".

ويضيف بروكس في حديث خاص لموقع "الحرة" أن "الصين بلد لا يهتم كثيرا بسجل حقوق الإنسان" في البلدان التي يتحالف معها.

هذه هي الزيارة الأولى من نوعها منذ عقد تقريبا

أهمية سوريا بالنسبة للصين

ويرى بروكس أن أهمية سوريا بالنسبة للصين تكمن في موقعها، وأيضا في المنظمات الدولية التي تنتمي سوريا لعضويتها، بالإضافة إلى الثروات الطبيعية، مثل النفط الذي تبحث الصين باستمرار عن مصادر دائمة لتوريده.

ويقول بروكس إن الصين متهمة بشكل كبير في "جعل سوريا جزء من مبادرة الحزام والطريق، وتأمين نوع من طرق النقل عبر العراق وإلى سوريا، والذي من شأنه أن يعطي الصين وصولا إلى شرق البحر الأبيض المتوسط".

ويعتقد بروكس أن العلاقة مع دمشق ستمنح بكين "حليفا حينما يتم انتقاد سجلها لحقوق الإنسان" سيقف معها، مضيفا أن "هناك بالطبع رغبة للصين بأن تكون البديل للولايات المتحدة في المحيط الهادئ، وأيضا في الشرق الأوسط".

"موازنة الدور الروسي"

ويعتقد بروكس أن سوريا التي "لا تمتلك الكثير من الأصدقاء" تهتم جدا بالحصول على حليف قوي اقتصاديا وعسكريا إلى جانب روسيا، "لموازنة الدور الروسي" في البلاد، كما أنها تبحث عن مساعدات اقتصادية وعن العون فيما يتعلق بمواجهة فيروس كورونا، وعن المساعدة في ملف إعادة الإعمار.

مع هذا "لم تفعل الصين الكثير حتى الآن"، كما يقول بروكس، مضيفا أن "روسيا ستكون مهتمة بمراقبة العلاقة الناشئة مع الصين" في سوريا للمراحل المقبلة.

سوريا تعيش في أسوأ أزمة اقتصادية

"أخذ مكان أميركا"

ويعتقد بروكس أن الصين تهدف من خلال تعزيز دورها في سوريا إلى محاولة "أخذ مكان الولايات المتحدة". ويشار إلى أن واشنطن منزعجة من سياسات الصين في مناطق عدة حول العالم، خاصة أن بكن تعرقل جهود الولايات المتحدة في إنهاء أزمات دولية، وكبح جماح دول وحكومات دكتاتورية، عبر إفشال قرارات دولية في مجلس الأمن.
ك
ما أن واشنطن حذرت بكين من تجاوزات في مناطق متوترة منها بحر الصين، إلى جانب غضب الإدارة الأميركية من تعامل الصين مع ملف كورونا، وتكتمها على المعلومات منذ أن ظهر الوباء.

كما أن الولايات المتحدة تنظر بخطورة إلى الدور الصيني في الاقتصاد العالمي، وهو ما فجر نزاعا بين واشنطن وبكين بلغت ذروته في عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب.

الرئيس السوري أدى اليمين الدستورية لفترة رئاسية جديدة في ظل أزمة إنسانية يعاني منها السوريون فيما لا يعترف المجتمع الدولي بنزاهة الانتخابات

"دعم دبلوماسي"

ويقول الخبير والأكاديمي السوري، كرم شعار، إن "الصين استخدمت حق الفيتو 10 مرات بشأن سوريا، من أصل 16 مرة استخدمت فيها هذا الحق طوال تاريخها".

وانضمت الصين إلى العضوية الدائمة لمجلس الأمن الدولي عام 1971، فيما اندلع الصراع السوري عام 2011.

"هذا يدل على أن الصين مهتمة جدا بسوريا" يقول شعار لموقع "الحرة".

ويضيف الخبير السوري أن "الحديث عن دعم اقتصادي لسوريا من الصين ليس حديثا جديدا، لكن الزيارة برأيي هي دعم ديبلوماسي بالدرجة الأولى".

وفي عام 2017، أعلنت الصين أنها ستستثمر ملياري دولار في سوريا، كما أن وزير الخارجية الصيني قال في نفس العام إن المجتمع الدولي يجب أن يدعم إعادة الإعمار في سوريا.

"لكن هذا لم يتحقق على أرض الواقع"، يؤكد شعار، مضيفا أن "المساعدات الصينية لسوريا لا تذكر مقارنة بالمساعدات الغربية، وهذا لأن أهمية النظام السوري لبكين هي "أهمية سياسية أكثر مما هي اقتصادية".

كما أن لسوريا أهمية أمنية أيضا، بحسب شعار الذي يقول أن "عشرات الآلاف من المقاتلين في سوريا هم من آسيا الوسطى وهؤلاء تراهم الصين تهديدا كبيرا بالنسبة لها وهي تريد دعم الأسد لهزيمة هؤلاء الذين يتركزون خصوصا في منطقة أدلب".

مخاطر الاستثمار الصيني

ويحذر الباحث السوري، سقراط العلو، من أن "الاستثمارات الصينية غالبا ما يتم ربطها باستحواذ الصين على موارد الدولة المقترضة، وبالتالي تقع الدولة تحت الهيمنة الصينية".

ويضيف العلو لموقع "الحرة" "أعتقد أن توقيت الزيارة بعد فوز الأسد في الانتخابات، وبالتزامن مع أدائه القسم، يحمل رسالة دعم سياسي صيني للنظام السوري، ويمكن فهمه في إطار التحدي الصيني للسياسة الأميركية التي تفرض على حلفائها مقاطعة النظام السوري".

وبحسب العلو فإن "زيارة وزير الخارجية الصيني قد تكون حاملة لموافقة بلاده على المشاريع التي طرحها الرئيس السوري في العام 2019، والمتعلقة بالبنية التحتية، على الجهات الصينية ضمن مشروع الحزام والطريق".

وتعتبر سوريا، وفقا للعلو، "ممرا هاما" بالنسبة للصين، وهي جزء من ممرات ستة يتألف منها المشروع الذي "يمتلك أهمية خاصة لإيران" التي سترتبط بالصين عبر البر "ويكمل حلفاؤها في العراق وسوريا للوصول إلى البحر المتوسط".

وقال العلو إن "مؤسسات عديدة دولية حذرت من مخاطر القروض الصينية وعدم شفافية شروطها، حيث تتم عبر مفاوضات سرية، ويمكن القول أن الصين تستخدم تلك القروض كأداة للهيمنة السياسية.

ويؤكد العلو إن "الصين دولة لا يعنيها في علاقاتها الخارجية سجل حقوق الإنسان، أو الحريات في البلدان التي تتعامل معها، وهنا مكمن الخطورة في دخول الصين إلى سوريا عبر عملية إعادة الإعمار، فالولايات المتحدة وأوروبا تستخدم ورقة الضغط الاقتصادي على النظام وبدون هذه الورقة وعبر الدعم الصيني سيتم تثبيت نظام الأسد وستتحول سوريا إلى ساحة من ساحات الصراع الغربي مع الصين وبالتالي ستتعقد الأزمة وسيطول عمرها".

الصين لا تبدو مهتمة بسجل حقوق الإنسان في الدول التي تتحالف معها

رسائل إلى الولايات المتحدة

ويقول الخبير الاقتصادي والمستشار، أسامة القاضي، إن "الروس يتطلعون إلى دخول الصين بسبب التمويل الذي تمتلكه"، مضيفا أن "الروس أصبحوا تقريبا الوكلاء الحصريين للثروات السورية لهذا هم يريدون دخول الصين لأن دخولها يساعد الروس في ملفات مثل إعادة الإعمار".

لكن الصين "لا تستطيع الدخول ولا تريد أو ترغب بالدخول في السوق السورية"، بحسب القاضي، "بسبب وجود العقوبات الأميركية التي لا يريد الصينيون أن تطال شركاتهم".

ويقول القاضي لموقع "الحرة" إن "الزيارة الصينية كانت لإرسال رسالة إلى الولايات المتحدة الأميركية أنه بإمكانها دخول السوق والمساومة على الورقة السورية".

ولا يعتقد القاضي أن الصين "جادة" في الاستثمار في الأراضي السورية، إلا إذا كان هناك "حل سياسي حقيقي" للصراع في سوريا، مضيفا أن "الصينيين  أذكى من أن يستثمروا في أرض لا يوجد فيها استقرار"، وأن زيارة وزير الخارجية "لا يوجد لها ترجمة اقتصادية إلا بعد الحل السياسي".

ويقول المحلل السياسي السوري المقيم في دمشق، عمار وقاف، إن "الصين لا تنظر لتحقيق مكاسب اقتصادية في سوريا بقدر ما تراها مكملاً لسياسة بكين في توسيع النفوذ الاقتصادي والسياسي عبر مبادرة الحزام والطريق".

ويضيف وقاف لموقع "الحرة" من وجهة نظر الدولة السورية، ربما كان بإمكان الصين القيام بهذه الخطوة قبل الآن، ولعل القيام بها الآن بعد "تردد طويل" مؤشر لقناعة صينية بعدم "اتجاه الأمور نحو الأسوأ فيما يتعلق باستقرار سوريا السياسي".

القصف السوري والروسي دمر معظم المدن السورية وشرد المدنيين

ويشير وقاف إلى أن "تزامن زيارة الوزير الصيني وطرحه مبادرة للحل في سوريا مع بدء الأسد بولايته الجديدة كان لافتا"، مضيفا أن "الدولة السورية بحاجة للاقتراض بغية تحقيق أهداف تنموية في وقت أسرع، في مقابل الاعتماد على الموارد الذاتية واستغراق العملية وقتاً أطول، وحيث أن نافذة الاقتراض من الدول الغربية مغلقة، ومعها المؤسسات المالية العالمية كصندوق النقد الدولي، فإن دولا صديقة للدولة السورية كالصين وإيران وروسيا هي المنفذ الوحيد".

لكن وقاف يقول إن "نشاط الصين في المنطقة ليس حكرا على سوريا، وقد زار وزير الخارجية الصيني دولا عربية أخرى، وهناك تحضيرات لقمة عربية صينية تعقد في السعودية في العام القادم".

عبدي والشرع

بين تحولات الحرب السورية وتعقيدات المصالح الإقليمية والدولية، تتدرج أحمد الشرع، المعروف باسم "أبو محمد الجولاني"، ومظلوم عبدي، القائد العسكري لقوات سوريا الديمقراطية، من قيادة فصائل مسلحة إلى قائدين يتمتعان بنفوذ واسع وعلاقات عابرة للحدود.

ورغم الاختلافات الجوهرية بينهما، سواء في التوجهات الأيديولوجية أو التحالفات السياسية، فإن الرجلين خاضا مواجهات وتحديات كبرى، أبرزها الحفاظ على التوازنات وسط تضارب المصالح بين القوى الفاعلة في سوريا، من روسيا والولايات المتحدة إلى تركيا وإيران.

كما أن نجاحهما في المناورة جعلهما لاعبين أساسيين في مستقبل سوريا، فالشرع، المدرج على لوائح الإرهاب في الولايات المتحدة، أصبح يسيطر اليوم على السلطة في إدلب، بينما يسيطر عبدي، حليف التحالف الدولي لمحاربة داعش، على مساحات واسعة شمال شرق سوريا، وهي مناطق غنية بالنفط والثروات.

تحولات ومحطات مفصلية

وشهدت مسيرة الشرع وعبدي تحولات كبرى عكست تعقيدات المشهد السوري وتبدل موازين القوى، وبينما انطلق الأول من خلفية جهادية، كان الثاني مرتبطاً بتنظيم يساري ذي طابع قومي.

ومع ذلك، تمكّن كلاهما من التكيف البراغماتي مع متغيرات الصراع، مما ساعدهما في البقاء ضمن المعادلة السورية حتى اليوم.

يواجه أحمد الشرع  المعروف بالجولاني معضلة رسم مستقبل سوريا وموقع الجهاديين فيها
هل يستطيع الجولاني ترويض المارد الجهادي في سوريا؟
يتساءل السوريون والمراقبون للشأن السوري عن تحديات المرحلة الانتقالية، بعد سقوط نظام بشار الأسد وإمساك سلطة جديدة بزمام الأمور في دمشق.

إذ تتمحور معظم هذه الأسئلة عن العدالة الانتقالية، وشكل الحكم القادم ووضع الأقليات ومصير الحريات الفردية، ومشكلة السلاح والوجود الأجنبي في البلد، وغيرها.

وانطلق الشرع من خلفية متشددة، حيث كان أحد عناصر تنظيم القاعدة في العراق، قبل أن يعود إلى سوريا مع بدايات الثورة ليؤسس جبهة النصرة التي خاضت مواجهات مع النظام السوري وداعش وفصائل أخرى.

فمع تصاعد نفوذه، انخرط في صراعات مع فصائل معارضة أخرى، قبل أن يعلن أنه فك ارتباطه مع القاعدة ويغير اسم "جبهة النصرة" إلى هيئة تحرير الشام، التي أصبحت القوة المهيمنة في إدلب.

ونجح في إحكام قبضته على إدلب عبر سياسة العصا والجزرة، قبل أن يطيح بعملية عسكرية خاطفة، لا تزال تثير الكثير من الأسئلة، ببشار الأسد وينصب نفسه رئيسًا انتقاليًا لسوريا.

أما عبدي، فينحدر من خلفية كردية ويسارية، وكان منخرطًا في العمل العسكري ضمن حزب العمال الكردستاني، قبل أن يصبح القائد العسكري لقوات سوريا الديمقراطية "قسد".

وبرز اسمه مع مساندته لقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في مواجهة وهزيمة تنظيم داعش، حيث تمكن من ترسيخ نفوذه في شمال وشرق سوريا.

بارزاني استقبل عبدي في أربيل - صورة أرشيفية - رويترز
لقاء عبدي وبارزاني.. مبادرة لتوحيد الكرد في سوريا والمصالحة مع تركيا
لم تكن زيارة القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، إلى أربيل بإقليم كردستان العراق ولقائه زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، زيارة عادية، بل مثلت استجابة لمبادرة بارزاني لتوحيد الكرد في سوريا والمصالحة ما بين (قسد) وتركيا.

وأظهر قدرة على تبني نهج براغماتي، إذ تحالف مع الولايات المتحدة في الحرب ضد داعش، في الوقت الذي حافظ فيه على خطوط مفتوحة مع روسيا والنظام السوري لضمان بقاء قواته في المشهد.

ولكنه لا يزال يواجه تحديات مستمرة بسبب الضغوط التركية، التي تعتبر قواته امتداداً لحزب العمال الكردستاني، مما يجعله في وضع معقد بين المصالح الدولية المتشابكة.

"سياسيون بارعون"

الباحث في الشأن العسكري، عامر فرهود، قال لموقع "الحرة" إن خلفية الشرع وعبدي العقائدية والتنظيمية ساعدتهما في بدء مسيرتهما بطرح فكري متماسك وقوي وواضح، قادر على تشكيل قاعدة بشرية مرتبطة ارتباطًا قويًا بقيادتهما، وهذا ما ساعدهما على تجاوز العديد من التحديات، وكذلك النجاح في كثير من المعارك الداخلية، خاصة مع أشباههما من التيارات الفكرية.

وأشار فرهود إلى أن التحولات التي قام بها كل من الشرع وعبدي ارتبطت بتغيير الرافعات السياسية التي اعتمدا عليها للتوسع داخليًا وخارجيًا.

وقال إن "التغيير لم يكن نتيجة ضغط خارجي فقط، وإنما قرار داخلي استطاع استقراء الضغط الخارجي وتفاديه بالتغيير الداخلي على مستوى الخطاب والأداء".

وأكد فرهود وجود عاملين رئيسيين ساعدا الشرع وعبدي في إدارة علاقاتهما الدولية:

الأول، "هو قدرتهما على فهم المنظومة الدولية واحتياجاتها والتناغم معها بناءً على القوة التنظيمية لكل منهما".

أما العامل الثاني، فيتمثل في "وجود قاعدة بشرية عريضة ذات هوية فكرية واحدة متجانسة وذات خبرة عسكرية جيدة، بعكس باقي التنظيمات التي تتكون من هويات فكرية متنوعة وغير متجانسة ومبنية على قاعدة مناطقية".

وقال المحلل السياسي الكردي، شيروان ملا إبراهيم، لموقع "الحرة"، إن الشرع وعبدي تحولا إلى سياسيين بارعين، حيث قاما بتحويل التنظيمات العسكرية التي قاداها إلى كيانات إدارية وسياسية، "ولو أن الصبغة العسكرية لا تزال طاغية في كثير من الأحيان".

وأشار شيروان إلى أن التحولات التي مر بها الشرع وعبدي منذ بداية الصراع في سوريا تتعلق بالمصالح الدولية، التي أرادت فرض بعض التغييرات على بعض التنظيمات في سوريا.

وأضاف أن الرجلين، وبسبب التحديات العسكرية التي واجهاها في السنوات الماضية، اقتنعا بضرورة التعامل مع القوى الأكبر منهما، حتى لو اضطرا إلى تقديم بعض التنازلات عن بعض المواقف وليس المبادئ.

القدرة على المناورة الدولية

ووسط لعبة المصالح الدولية التي تعيد تشكيل المشهد السوري، يواجه الرجلان تحدياتٍ مصيرية للحفاظ على نفوذهما، على ضوء تحولاتٍ سياسية وأمنية معقدة.

وهذه التحولات تثير تساؤلاتٍ حول مستقبلهما، ومدى قدرتهما على المناورة في ظل تغيّر موازين القوى.

وقال الباحث عامر فرهود إن أحد أهم القواسم المشتركة بين عبدي والشرع هو "معرفة نقاط القوة والضعف الداخلية، ونقاط القوة والضعف عند الخصم، والقدرة على المبادرة في اختبار نقاط قوة الخصم ونقاط ضعفه".

وأردف قائلًا: "إن الاثنين استطاعا فهم المنظومة الدولية وسياقاتها العامة، والقدرة على مخاطبتها بثقة، لامتلاكهما أوراقًا تمكنهما من فرض نفسيهما كشريكين للمنظومة الدولية في سوريا، وعلى رأس هذه الأوراق الورقة الأمنية".

وأكد شيروان ملا إبراهيم أن الشرع ينحدر من تنظيم القاعدة الذي قتل الآلاف من الأميركيين سابقًا، بينما لم يقم عبدي بعملياتٍ مباشرة ضد المعسكر الغربي، بل كان رأس حربة في قتال داعش.

لذلك، يرى ملا إبراهيم أن خطوةً واحدة للشرع للتقرّب من هذا المعسكر تعادل عشر خطوات يخطوها عبدي.

وأضاف أن "كلاهما استطاع الاندماج في المشهد السياسي الدولي بذكاء، مستفيدين من الحاجة الغربية إلى شريك فاعل على الأرض".

وأشار إلى أن الإسلاميين، وكذلك التيارات التي كانت تُعرف بأنها مقربة من المعسكر الاشتراكي سابقًا، سقط أغلبها، لذلك تقتضي العبرة بالتعامل البراغماتي مع التحولات الإقليمية والدولية.

وأردف ملا إبراهيم قائلًا إن على عبدي والشرع أن يقتنعا بضرورة التعاون، تفاديًا لأي مواجهة عسكرية قد تكون نتائجها كارثية على الطرفين.

من الأنجح في توسيع علاقاته؟

في مقارنةٍ بين الرجلين، رأى عامر فرهود أن الأقرب ليكون الأنجح في توسيع شبكة علاقاته هو الشرع، لأنه قام بنقلاتٍ كبيرة جدًا عبر مسيرته منذ عام 2011، خاصة مع التنظيم الأم الذي انبثق منه.

في المقابل، يرى فرهود أن مظلوم عبدي لا يزال يواجه صعوبة في التحرر من جذوره التنظيمية.

ويشير إلى أن إمكانية اللقاء بينهما ممكنة، لكن من هو مضطر للمبادرة، بحسب رأيه، "هو عبدي وليس الشرع، لأن شرعية عبدي تتناقص لصالح شرعية الشرع، خاصة مع الرغبة الإقليمية والدولية في التفاهم مع الشرع وإنهاء حالة التقسيم في سوريا".

من يحكم سوريا.. الشرع أم الجولاني؟
لم يكن مشهد مديرة مدرسة عمر بن الخطاب وهي تعبر بارتباك عن فرحتها بضيفها قائد معركة "ردع العدوان" أحمد الشرع -المعروف سابقاً بأبي محمد الجولاني- أمراً عادياً. فبعد أن أصرّت عليه أن يأخذ ما تبقى من حلوى "الملبس" الشهيرة والتي تُوزَّع في احتفالات المولد النبوي الشريف في دمشق، طلب منها التقاط صورة تذكارية خرجت للعلن في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2024 لتثير موجة عارمة في الشارع السوري.

في المقابل، يرى إبراهيم أن أكثر طرفين يحتاجان إلى بعضهما اليوم في سوريا هما سلطة دمشق و"قسد"، أي الشرع وعبدي.

وأضاف أن "الشرع حاليًا يحتاج إلى شمال شرق سوريا أكثر من غيرها على الخريطة السورية، كونها تحتوي على سلة الثروات، وتسيطر عليها قسد وقوامها حوالي 120 ألف مقاتل"، لذلك فإن التوصل إلى تسوية مع قسد أمر مهم للشرع في حال أراد إبرام "اتفاقيات تتيح له 70 أو 50 بالمئة من تلك الثروات لتثبيت حكمه ونظامه وسلطته".

وفي المقابل، اعتبر أن "قسد" اليوم أمام فرصةٍ كبيرة للاعتراف السياسي بها من سلطةٍ جيدة ومقبولة من دول الإقليم، بعد أن كانت سابقًا تتمنى من هيئة التفاوض السورية والائتلاف السوري وحتى من نظام الأسد الاعتراف بها مقابل تقديم تنازلات وامتيازات.

الصراع أم التفاهم؟

على الرغم من التصريحات الحادة بين الطرفين بعد سقوط نظام الأسد، فضلًا عن اختلافاتهما الفكرية والأيديولوجية، فإن الشرع وعبدي يشتركان في قدرتهما على التكيف مع تحولات الصراع، وهو ما قد يؤثر على شكل المواجهة أو التفاهم بينهما في المستقبل.

ولا يعتقد المحلل السياسي شيروان ملا إبراهيم حدوث صراعٍ عسكري مباشر بينهما، موضحًا: "هما من أكثر الشخصيات التي أدركت اللعبة السياسية الدولية في سوريا واندماجًا فيها بإتقان، بدليل أنهما يتلقيان الدعم اليوم من دول كانت ولا تزال تصنف تنظيماتهما الأم ضمن قوائم الإرهاب، وهذا بحد ذاته نجاح لكليهما".

وأكد أن "الوضع حاليًا لا يوحي بصراعٍ وشيك".

ويبقى احتمال المواجهة أو التفاهم بين الشرع وعبدي مرهونًا بمعادلات السياسة الدولية وتوازنات القوى الإقليمية. ورغم إدراكهما العميق للعبة المصالح الكبرى، فإن استمرارهما في المشهد مرتبطٌ بقدرتهما على الحفاظ على تحالفاتهما الخارجية وإدارة تعقيدات الداخل.