يومٌ مليء بالأحداث عاشته محافظة درعا السورية، الثلاثاء، بدءا من الإعلان عن "اتفاق مفاجئ" لحل ملف أحياء درعا البلد، ووصولا إلى تهجير 8 شبان إلى مناطق الشمال السوري، وما تبع ذلك من مظاهرات شعبية وإطلاق نار وتوتر أفضى مؤخرا إلى عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه في الأيام الماضية.
وبعد تلك الأحداث تدخل درعا في مشهد ضبابي، مع غياب أي تفاصيل عما سيكون عليه الوضع في الأيام المقبلة أو حتى الساعات.
وبينما يقول "التلفزيون السوري" الرسمي إن هناك اتفاقا قائما، على الرغم من نقضه، سيتم استكماله الأربعاء بخروج 100 "مسلح من المتورطين بأعمال إرهابية" إلى الشمال السوري، لم تصدر لجان التفاوض المركزية حتى اللحظة بيانا توضح فيه ما الذي جرى في الساعات الماضية، وإلى أين ستتجه الأمور.
"باصات.. وإطلاق نار"
بعد عصر الثلاثاء دخلت قوات عسكرية روسية، وأخرى تابعة "للواء الثامن" التابع لـ"الفيلق الخامس"، إلى منطقة البحار في أحياء درعا، ونصبت فيها نقاطا عسكرية.
ودون مقدمات، أو تمهيد، تم الإعلان عن اتفاق يقضي بخروج شبان مطلوبين للنظام السوري إلى الشمال السوري، على أن يتم بموازاة ذلك انسحاب قوات "الفرقة الرابعة" من عدة مواقع، لتحل محلها القوات المذكورة سابقا، وعودة النازحين إلى منازلهم، والمقدرة أعدادهم بالآلاف.
وبالفعل دخلت "باصات خضراء" إلى مدخل أحياء درعا البلد عند حاجز السرايا من أجل تهجير الشبان المطلوبين، وفي تلك الأثناء بدأ النازحون من أهالي درعا البلد العودة إلى منازلهم مع ترديدهم شعارات مناهضة لنظام الأسد، عقب تنظيمهم لمظاهرات شعبية.
واستقل الباصات 8 أشخاص من المطلوبين أمنيا وسط أجواء من التوتر، فرضتها شعارات الأهالي أولا ومن ثم عملية إطلاق النار التي تعرضوا لها من قبل مجموعات عسكرية تابعة للنظام السوري، مما أسفر عن إصابات ومقتل شاب من عائلة المصري.
ونشرت شبكات محلية من درعا تسجيلات مصورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي مساء الثلاثاء، ووثقت فيها إطلاق النار بالقرب من حاجز السرايا، مشيرة إلى أن حافلة واحدة من "الباصات الخضر" أكملت طريقها باتجاه الشمال السوري، وتقل فقط ثمانية أشخاص، غالبيتهم من المنشقين عن قوات الأسد.
من جانبها ذكرت وسائل إعلام سورية محلية من العاصمة دمشق أنه "تم تعطيل الاتفاق الذي تم التوصل إليه".
وقالت إذاعة "شام إف إم" التي تبث من وسط دمشق إن سبب التعطيل يعود إلى "إطلاق نار كثيف وهتافات من قبل المسلحين على ممر السرايا، بعد خروج عدد محدود من المسلحين باتجاه الشمال، مما أدى لوقوع إصابات".
روايتان. ما الذي حصل؟
يقول الناطق باسم لجان التفاوض المركزية في درعا الممثلة عن الأهالي، المحامي عدنان المسالمة: "كنا بصدد اتفاق يجنبنا الحصار والحرب ويحفظ كرامتنا وأمننا يقتضي بدخول الفيلق مع الشرطة الروسية إلى محيط درعا، وبهذا يتوقف القصف نهائيا، ثم يتم فتح حاجز السرايا لدخول الناس والخروج منها".
ويتابع في حديث لموقع "الحرة": "تم الاتفاق أيضا على أن يدخل بعد ذلك مخفر الشرطة كما كان سابقا وننتهي من الحالة التي كنا فيها على أن يخرج شخصين متهمين من قبل النظام بأنهما يشكلان مجموعة غير منضبطة".
وبعد وساطة وجهاء عشائر لدى هذين الشخصين وأخذ موافقتهما على "الرحيل الطوعي" إلا أنهما رفضا الخروج، بحسب المسالمة الذي أضاف "مما أدى إلى انهيار الاتفاق".
والشخصان هما محمد المسالمة الملقب بـ"الهفو"، إلى جانب مؤيد حرفوش.
أما الأشخاص الثمانية الذين وصلوا إلى ريف حلب الشمالي صباح الأربعاء هم: نادر محمد المسالمة، خالد بلال الصباغ، طلال محمد ياسر الحموي، جوهر آغا الجبل، أحمد آغا الجبل، علي ممدوح الأحمد، ضاحي عماد المسالمة، يوسف عيسى المسالمة. معظمهم ليس من محافظة درعا، بل من محافظة حمص ومناطق ريف دمشق.
من جانبه قال "التلفزيون السوري" الرسمي الأربعاء إن "الجهات الحكومية قدمت لائحة بأسماء 100 مسلح من المتورطين بأعمال إجرامية في درعا وطلبت تسليمهم أو ترحيلهم".
وأضاف أن "الاتفاق ينص على خروج الدفعة الثانية من الإرهابيين اليوم، وينص أيضا على خروج الإرهابيين محمد المسالمة الملقب (الهفو) ومؤيد الحرفوش الملقب (أبو طعجة). لكنهما رفضا الخروج".
وبحسب التلفزيون الرسمي، فإنه "وفي حال لم يتم الالتزام بهذا البند تكون المجموعات الإرهابية في درعا البلد قد عطلت الاتفاق".
ولم يتطرق تلفزيون النظام السوري إلى التفاصيل الأخرى من الاتفاق، التي تقضي بخروج قوات "الفرقة الرابعة" من عدة مواقع، وإحلال بدلا عنها قوات من الشرطة العسكرية الروسية وقوات "الفيلق الخامس".
بينما لم يخرج أي تعليق من الطرف الروسي، الذي كان قد عقد جولات تفاوض عدة خلال الأسابيع الماضية، لم تسفر عن أي نتائج.
"جولة تفاوض سابقة"
الاتفاق المفاجئ الذي أعلن عنه الثلاثاء كانت قد سبقته جولة تفاوض قبل ثلاثة أيام، حضرها ممثل عن "الفيلق الخامس" يدعى علي باش ومسؤولين أمنيين في النظام السوري، بالإضافة إلى ضباط من الشرطة العسكرية الروسية.
الصحفي السوري، باسل الغزاوي يقول لموقع "الحرة": "تم الاتفاق على بنود واضحة لكن لم يتم تنفيذها حتى الآن. بينها تهجير لمجموعات مسلحة من درعا البلد، وعناصر منشقين".
ويضيف الصحفي السوري أن هناك نقطة مهمة في الاتفاق تتعلق باسمي الشخصين اللذين يصر النظام السوري على تهجيرهما إلى الشمال السوري، بعيدا عن أي عملية تسوية لأوضاعهم الأمنية.
ويوضح الغزاوي أن محمد المسالمة الملقب بـ"الهفو"، ومؤيد حرفوش، كانا قد اجتمعا مع وجهاء محافظة درعا في الأيام الماضية، وتعهدا بالخروج إلى الشمال السوري وعدم إطلاق النار على قوات "الفيلق الخامس" والقوات الروسية في أثناء تثبيتها للنقاط العسكرية.
لكن الشخصين المذكورين رفضا الركوب بالباصات الخضراء، بعد أن وصلتهم معلومات تتعلق بنية مجموعات من النظام السوري الإقدام على اغتيالهما، وبسبب عدم انسحاب "الفرقة الرابعة" من المنطقة، بموجب ما اتفق عليه.
"رواية الطرف الثالث"
في غضون ذلك حصل موقع "الحرة" على تسجيل صوتي لمحمد المسالمة الملقب بـ"الهفو"، عبر تطبيق "واتساب"، واستعرض فيه ما حصل الثلاثاء، بعد الإعلان عن الاتفاق المفاجئ.
ووضع المسالمة شرطا للخروج إلى الشمال السوري، يتعلق بانسحاب قوات "الفرقة الرابعة" بالكامل من مناطق النخلة والشياح والزمل، ويقول: "بعد اجتماعي مع الوجهاء اتفقنا على دخول الفيلق الخامس كبديل عن الفرقة الرابعة. فور الانسحاب سأكون جاهز للخروج بالباصات.
وأضاف: "الرابعة لم تنسحب من أي نقطة. هناك شبان خرجوا بالباصات وصبرنا عدة ساعات حينها لكن لم يحصل أي شيء. بعد ذلك أطلق عناصر أمن النظام النار على المدنيين، مما أدى إلى مقتل شاب".
وتابع متسائلا: "على أي أساس سأخرج إلى الشمال السوري؟ ما الضمانات في انسحاب الفرقة الرابعة. لا يوجد أي ضمانة. أنا وغيري لا يمكن أن نسمح بتمرير أي اتفاق فيه ذل وعار".
لكن أبو علي المحاميد وهو أحد وجهاء محافظة درعا يحمّل المسالمة مسؤولية فشل الاتفاق الذي تم التوصل إليه، ويقول في حديث لموقع "الحرة": "نحاول إجبار الشخصين اليوم على الخروج لاستكمال الاتفاق".
ويضيف: "الاتفاق يقضي بدخول نقاط روسية كقوات فصل بين أحياء درعا البلد والجيش، على أن يتم تهجير المطلوبين أمنيا، والانتقال بعد ذلك إلى فتح حاجز السرايا ذهابا وإيابا، وإنشاء مركز تسوية لبقية الشبان. كان جيدا ومثل ما نريد وأفضل".
ما المتوقع؟
تتهم "الفرقة الرابعة" بالارتباط المباشر بإيران، ويقود عملياتها في الجنوب العقيد غياث دلا، الذي برز اسمه كأحد القادة العسكريين البارزين في سوريا، وباعتبار أنه يوازي بقوته العميد سهيل الحسن قائد "الفرقة 25" التابعة لـ"الفيلق الخامس" المدعوم روسيا.
بينما تعتبر محافظة درعا في الجنوب السوري إحدى مناطق "خفض التصعيد"، ويحكمها اتفاق دولي منذ عام 2018، قضى حينها بإبعاد المقاتلين المعارضين إلى الشمال السوري، مع إعادة بسط نفوذ قوات الأسد وروسيا من جديد.
الناشط السوري المعارض، عمر الحريري يقول في تصريحات لموقع "الحرة" إن النظام السوري مصر على تهجير من 100 إلى 150 شخصا إلى الشمال السوري.
ويضيف الحريري: "وجهاء درعا يطالبون الشخصيّن المطلوبيّن بتقديم التنازل، لكنهم يشترطون حتى الآن خروج الفرقة الرابعة من محيط درعا البلد".
ويستبعد الناشط السوري انسحاب "الفرقة الرابعة"، مشيرا: "اليوم يتضح كل شيء".
من جانبه يرى الصحفي، باسل الغزاوي أن هدف النظام السوري الحالي هو "تحييد درعا البلد والريف الشرقي وطريق السد والمخيم عن المشهد الكامل للجنوب، من أجل (الاستفراد) ببقية المناطق".
ويضيف الغزاوي: "يبدو أن وجهة العمليات العسكرية المقبلة ستكون في الريف الغربي لدرعا في طفس واليادوة والمزيريب".