تصاعد التوتر في محافظة السويداء السورية خلال الساعات الماضية، ووصل إلى محاصرة فرع "الأمن العسكري" التابع للنظام السوري، من قبل مقاتلي "حركة رجال الكرامة"، وبحسب ما يقول مصدر محلي من المنطقة لموقع "الحرة" فإن ذلك يرتبط بالتطورات التي حصلت قبل يومين.
وتعتبر "رجال الكرامة" أحد أبرز التشكيلات المحلية التي تحظى بقاعدة شعبية كبيرة في السويداء ذات الأغلبية الدرزية، ويعود سبب محاصرتها للفرع الأمني إلى "انتهاكٍ" تعرض له أحد مقاتليها على حاجز نصبته مجموعة مسلحة متهمة بتبعيتها لـ"الأمن العسكري" في الريف الشمالي.
ومنذ ساعات مساء الثلاثاء انتشر مقاتلو الحركة بشكل مكثف في شوارع مدينة السويداء، ونصبوا حواجز أمنية في محيط الفرع الأمني، مطالبين "برفع الغطاء عن المسلحين وأفراد العصابات المنتسبين للأفرع الأمنية داخل المحافظة".
ويوضح مدير تحرير شبكة "السويداء 24" الإخبارية، ريان معروف في حديث لموقع "الحرة" أن التوتر ما يزال قائما حتى اللحظة، حيث يستمر مقاتلو الحركة بمحاصرة الفرع الأمني، ويطالبون بتسليم "راجي فلحوط" متزعم المجموعة المتهمة بالتبعية لـ"الأمن العسكري".
وفي الوقت الذي لم يصدر فيه أي تعليق من جانب النظام السوري، يتابع معروف: "كان هناك زيارة مقررة لوفد وزارة من حكومة النظام إلى مدينة السويداء اليوم، لكنها ألغيت بسبب الأحداث المذكورة".
"خيارين لا ثالث لهما"
من جهته، يوضح المكتب الإعلامي لـ"رجال الكرامة" أسباب التوتر الحاصل في المحافظة، بقوله إن "هناك عصابة امتهنت القتل والخطف والسرقة بتغطية أمنية، واحتمت بالمدنيين، ما أدى إلى تحرك الحركة في المحافظة. هذه الأسباب العامة".
ويضيف المكتب الإعلامي لموقع "الحرة": "الأسباب الخاصة تعود لسرقة السلاح الفردي لأحد شباب الحركة من قبل مقاتلي راجي فلحوط. ذلك أدى إلى نزولنا للشارع. قطعنا الطرقات عن فرع الأمن العسكري، الذي يعتبر المسؤول عن تلك المجموعة".
وعما إذا كان هناك تحركات لتهدئة الأوضاع المتوترة، يتابع المكتب الإعلامي: "الحل إما بتسليم راجي فلحوط لنا أو ترحيله من منطقة عتيل بالريف الشمالي. لا يوجد حل ثالث".
والشخص الذي تحدثت عنه "رجال الكرامة" وتضعه مسببا للتوتر الحاصل كان قد دخل في مواجهات مسلحة قبل يومين مع "قوى مكافحة الإرهاب" التي تم الإعلان عن تشكيلها مؤخرا في محافظة السويداء.
وجاءت الاشتباكات بعد عمليات خطف متبادلة بين الطرفين، وأسفرت أيضا عن مقتل شاب وإصابة آخرين.
ورغم أن السويداء قد شهدت مواجهات مسلحة داخلية في الأشهر الماضية، إلا أن ما يحدث الآن "مختلف"، بحسب المصادر التي تحدث إليها موقع "الحرة"، وسط مخاوف من تحول الصدام الحاصل إلى اقتتال عائلي ومناطقي.
"الرئاسة الروحية" تعلّق
المخاوف المذكورة سابقا وما يرافقها من توتر على الأرض دفع "الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين" إلى إصدار بيان الأربعاء حذّرت فيه من التداعيات الحاصلة.
وقالت الرئاسة الروحية التي يتزعمها الشيخ حكمت الهجري في البيان: "يأسانا أن نشهد دماء بعضنا تستباح ونحن نرى محركها الخارجي الفاسد المفسد. يؤسفنا أن نرى أبناءنا الواعين معصوبة أعينهم عما يفعلون".
وجاء في البيان: " نبّهنا إلى خطورة ما يحصل ودعونا سابقا إلى الوحدة والتوحيد. كيف تستبيحون دماء بعضكم الآن بينكم؟ فهذا الأخ الذي دافعت عنه البارحة تبيح دمه وتقتله اليوم؟ لأجل من؟ ألا ترون أن وحدتكم أرهبت الكثيرين من الحاسدين الفاسدين فجيّشوكم على بعضكم، وأشعلوا بينكم نيران الفتنة دون أسس ولا صحة ولا أصول".
من جهتها، نشرت "قوى مكافحة الإرهاب" التي تتبع لـ"حزب اللواء السوري" المشكّل حديثا بيانا عبر "فيسبوك" الأربعاء أعلنت فيه مساندتها لقوات "حركة رجال الكرامة"، واعتبرت أن تحركاتها هي "مطلب حق".
وأضافت القوى أنها أصدرت "أوامر" لكافة كتائبها وعناصرها "برفع الجاهزية للتدخل إلى جانب حركة رجال الكرامة ضد أي تصعيد قد تقوم به الأجهزة الأمنية ومن يعمل معها".
"تشكيلات محلية منقسمة"
وتنقسم القوى العسكرية في محافظة السويداء ما بين فصائل وتشكيلات محلية، البعض منها ذات نفس "معارض خالص" والآخر حيادي، بينما القسم الثالث فله ولاءٌ قطعي لنظام الأسد، والأفرع الأمنية التابعة له.
جميع هذه التشكيلات تتداخل مناطق النفوذ فيما بينها، وفي السنوات الماضية كانت قد اصطدمت مع بعضها البعض أحيانا، بينما توحدت في بعض الأحيان على جبهة واحدة، بشكل أساسي ضد تهديدات تنظيم "داعش" من الشرق، ومؤخرا تهديدات "الفيلق الخامس" من جهة بصرى الشام بريف درعا.
الكاتب والناشط السياسي، حافظ قرقوط اعتبر في حديث سابق لموقع "الحرة" أن "السويداء تمر بمرحلة صعبة وفارقة جدا، على الرغم من صعوبة السنوات العشر الماضية على مختلف المقاييس".
وقال: "في السابق كان المجتمع أكثر تماسكا بسبب صيغته وتركيبته. النظام استطاع التغلغل داخل النفوس الداخلية الضعيفة وبعض ولائها"، وتابع: "حاول الدخول إلى قلب السويداء من الخارج، والآن من الداخل بشكل بحت".
بدوره يقول الناشط السياسي، وسيم حسان إن "الاستقطاب الحاصل في الجبل هو عمليا بسبب عمليات الخطف والاعتداءات المتصاعدة التي مارستها عدة تشكيلات محلية ظهرت على الساحة مؤخرا".
ويضيف حسان لموقع "الحرة": "المشهد في الجبل تحت تسالي النظام السوري وقدرته على أن يترك الأهالي يقتلون بعضهم البعض. هنا يأخذ دور المتفرج أو الحكم".
"الأمن العسكري في الواجهة"
الحديث عن فرع "الأمن العسكري" وتردد ذكره في السويداء الآن ليس بجديد، بل يعود ذلك إلى الأعوام الأولى من أحداث الثورة السورية، وحينها كان يرأسه العميد وفيق ناصر.
في عام 2019 أوكلت مهام الفرع الأمني إلى العميد لؤي العلي، وبقي فيه حتى مطلع العام الحالي، بعد التوتر الذي حصل إثر الإهانة اللفظية التي وجهها لرئيس مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز، حكمت الهجري، في أثناء اتصال هاتفي من الأخير طلب فيه الإفراج عن أحد المعتقلين من أبناء السويداء.
ووفق الصحفي السوري، ريان معروف يقود الفرع الأمني في الوقت الحالي العميد أيمن محمد.
ويقول: "فرع الأمن العسكري في السويداء منذ سنوات وتحديدا منذ عام 2015، يستقطب الجماعات المحلية المسلحة ويعمل على تجنيدها وتسوية أوضاعها ومنح أفرادها السلاح والبطاقات المؤقتة، رغم أن الكثير من هذه الجماعات متورطة بعمليات الخطف والقتل والانتهاكات".
وبوجهة نظر معروف: "يحاول الفرع تنفيذ أجندته من خلال هذه الجماعات والعصابات، فالنظام يتعامل بنعومة مع محافظة السويداء، منذ بداية الثورة في سوريا، ومع تنامي قوة الفصائل المحلية عام 2015، أصبح النظام بحاجة لجماعات محلية مسلحة تعمل بتوجيهاته، فكان الأمن العسكري له الدور البارز".
في المقابل نادرا ما تخرج تعليقات من جانب النظام السوري حول ما تشهده السويداء من "فلتان أمني" داخلي.
وغاب موقفه أيضا من المظاهرات الشعبية التي شهدتها المحافظة بصورة متفرقة، خلال الأشهر الماضية، حيث ندد المحتجون بسوء الأوضاع المعيشية، ورفضوا سلطة الميليشيات الأمنية.