بوتين يجتمع بالجنود الروس بحضور بشار الأسد
"تفرغ" روسيا لحربها على أوكرانيا قد يحدث فراغا في سوريا لا يخدم نظام الأسد | Source: Courtesy Photo

في تحليله لموقف الرئيس السوري من الحرب الجارية في أوكرانيا، قال تقرير لموقع "جيوبوليتيكل مونيتور"  إن بشار الأسد يراهن على "نجاح" حرب حليفه الروسي، فلاديمير بوتين، حتى يضمن بقاءه في السلطة، بينما تشهد الساحة الدولية تطورات ربما تهدد بقاءه على رأس النظام.

وفي 29 يونيو، اعترفت سوريا رسميا بالدول الانفصالية التي أعلنتها روسيا، والمعروفة باسم جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوهانسك الشعبية كدولتين ذواتي سيادة، لتصبح بذلك ثاني دولة تفعل ذلك، بعد روسيا. 

وأثار القرار إدانة دولية سريعة وشرخا في العلاقات الدبلوماسية بين سوريا وأوكرانيا، بينما "أصبح الأسد أكثر حاكم يحس بالأمان بين الذين يحميهم الكرملين".

والأربعاء، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إنهاء العلاقات الدبلوماسية مع سوريا.

وقال زيلينسكي في فيديو عبر تطبيق تلغرام "انتهت العلاقات بين أوكرانيا وسوريا"، مضيفا أن "ضغوط العقوبات" على دمشق الحليفة لموسكو "ستزداد شدّة".

وهذه ليست المرة الأولى التي تنضم فيها دمشق إلى حليفتها روسيا، إذ اعترفت الحكومة السورية في مايو 2018 بمنطقتي أبخازيا وأوسيتيا الانفصاليتين في جورجيا الواقعتين تحت النفوذ الروسي.

وتربط سوريا وروسيا علاقات اقتصادية كذلك، إذ وقعت موسكو خلال السنوات الماضية اتفاقات ثنائية مع دمشق وعقوداً طويلة المدى في مجالات عدة أبرزها الطاقة والبناء والنفط والزراعة. 

وبينما سارع الأسد لمماهاة موقف حليفه في الحرب على أوكرانيا، طلبا للاستقرار في منصبه، "يمكن أن تأتي مواقفه بنتائج عكسية على حكومته في سوريا" يقول التقرير.

العلاقات العميقة التي أقامها النظام السوري مع روسيا، ليست سرية، وهي علاقة زرعت منذ أوائل السبعينيات في ذروة الحرب الباردة، وسوريا الآن هي المعقل الوحيد في الشرق الأوسط المتبقي لروسيا، وريثة الاتحاد السابق. 

وخلال ما يعرف برياح "الربيع العربي" عندما بدا أن حكومة الأسد كانت في حالة انهيار، تحت حصار داعش وسلسلة انتصارات المعارضة السورية المسلحة، تدخلت روسيا رسميًا نيابة عن الأسد، لتغير مسار الحرب بشكل حاسم، مما ضمن في نهاية المطاف بقاءه ونظامه في السلطة.

لكن هذا التدخل أثار تنديدا دوليا إثر ورود تقارير عديدة عن انتهاكات إنسانية، شملت حملات قصف روسي عشوائي ضد المدنيين، وهو ما يواصل الكرملين إنكاره.

ومع استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي يمكن القول إنه العمل العسكري الأكثر إدانة دوليًا منذ الحروب اليوغوسلافية، كان الكرملين في أمس الحاجة إلى حلفاء، وهو ما سارع الأسد إلى فعله. 

الأسد كان ملاذ موسكو الوحيد بعد اتخاذ الصين موقفًا محايدًا علنا، لكنه مؤيد لروسيا ضمنيا، وحياد الهند، وتحفظ كل من كازاخستان وقيرغيزستان استجابة للقانون الدولي.

ولم تتلق روسيا أي دعم إلا من الدول ذات الأنظمة الاستبدادية، مثل إريتريا ونيكاراغوا وكوريا الشمالية وبيلاروسيا وسوريا وإيران وكوبا.

وكانت نفس هذه الدول، هي الدول الأعضاء الوحيدة في الأمم المتحدة التي صوتت بـ "لا" في تصويت الأمم المتحدة لإدانة العدوان العسكري الروسي في أوكرانيا.

وفي حين أن استراتيجية الأسد هي الاستمرار في إرضاء الكرملين من أجل البقاء، إلا أن التوقعات بنجاح خطته "تزداد قتامة" على حد تعبير التقرير. 

وفي أبريل، عيّن بوتين الجنرال الذي قاد الحملات العسكرية الروسية في سوريا، ألكسندر دفورنيكوف، لقيادة القوات العسكرية الروسية في منطقة دونباس. 

كما أعادت مجموعة فاغنر، سيئة السمعة، نشر مرتزقتها من سوريا وأجزاء أخرى من إفريقيا.

وفي مايو، استدعت روسيا أيضا عددا من القوات من سوريا إلى أوكرانيا، مما يشير إلى نقص كبير في القوى التي تساند الأسد. 

هذا الوضع، ترك فراغًا في القوى العسكرية المساندة للسلطة في سوريا، حيث يمكن للقوى المناوئة لحكومة الأسد، مثل تركيا أو إسرائيل أو فصائل المعارضة السورية أو حتى تنظيم داعش، استغلالها، وفق التقرير.

وفي الآونة الأخيرة، أعلن الرئيس رجب طيب إردوغان عن خطط للتوسع أكثر في سوريا من أجل إنشاء منطقة عازلة على طول الحدود المشتركة. 

وأدى ذلك إلى زيادة التوترات مع حكومة الأسد، كما أدى إلى نشر وحدات عسكرية سورية إلى جانب القوات الكردية في الشمال. 

ومع الإشادات الأخيرة لإردوغان من قبل الرئيس الأميركي، جو بايدن، لرفعه حق النقض ضد عضوية فنلندا والسويد في الناتو، أصبحت سوريا في موقف سيئ للغاية!

التقرير ختم بالقول إن الصعوبات التي تواجهها روسيا في أوكرانيا، تجعل الدعم العسكري للأسد ضعيفا، وذلك في غمرة وضع جيوسياسي يبدو أنه يتجدد في منحى مضاد لهما (روسيا وسوريا) "وهذه المرة، يمكن لهذه المعطيات أن تؤدي إلى نهاية نظامه".

الشرع والجهاد الإسلامي

بالتزامن مع زيارة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إلى دمشق ولقائه بالرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، تحدثت تقارير عن اعتقال القوات الأمنية السورية قياديين بارزين من حركة الجهاد الإسلامي، في حدث يبدو شديد الدلالة على التحولات الكبيرة التي تشهدها سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر من العام الماضي.

وقالت "سرايا القدس"، وهي الجناح العسكري للجهاد الإسلامي، في بيان الأربعاء إن خالد خالد مسؤول الحركة في سوريا وياسر الزفري مسؤول لجنتها التنظيمية محتجزان لدى السلطات السورية منذ خمسة أيام.

وأضافت أن السلطات ألقت القبض على الرجلين "دون توضيح أسباب الاعتقال وبطريقة لم نكن نتمنى أن نراها من إخوة". ودعت إلى "الإفراج" عنهما. 

وأكد مسؤول في وزارة الداخلية السورية لوكالة رويترز نبأ إلقاء القبض على القياديين في الحركة، لكنه لم يجب عن أسئلة لاحقة حول سبب اعتقالهما.

حركة "الجهاد الإسلامي" هي إحدى أهم الفصائل الفلسطينية المسلحة، وإن كانت أكثرها غموضاً وتعقيداً، من حيث تاريخها وأيديولوجيتها. صنفتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، ونمت لتصبح ثاني أكبر حركة مسلحة في قطاع غزة وثالث أكبر حركة في الضفة الغربية.

وعلى الرغم من أنها أصدرت أول بيان علني لها في 11 ديسمبر عام 1987، كان وجودها واحدا من أكثر أسرار المقاومة الفلسطينية كتمانا. تأسست الحركة في قطاع غزة عام 1981 على يد مجموعة من الطلاب الفلسطينيين الذين لم يسبق لأحدهم أن أمسك بسلاح، لكنها سريعاً تحولت إلى استخدام العنف ضد أهداف إسرائيلية في عام 1984، أي قبل خمس سنوات من ظهور حركة حماس.

واكتسبت الحركة سمعة سيئة بسبب طبيعة هجماتها المثيرة للجدل في عنفها، ومواقفها المتصلبة ضد إسرائيل. وكان الشعار الذي طرحته هو: "الإسلام، الجهاد، وفلسطين": الإسلام كنقطة انطلاق، الجهاد كوسيلة، وتحرير فلسطين كهدف.

وكانت الحركة ولا تزال ملتزمة بـ"لاءات ثلاث": لا تفاوض، ولا حل الدولتين، ولا اعتراف بإسرائيل.

في كتابه "تاريخ الجهاد الإسلامي الفلسطيني: الإيمان والوعي والثورة في الشرق الأوسط"، يروي الباحث إيريك سكير حكاية جذور تأسيس حركة الجهاد الإسلامي، التي بدأت من رسم وضعه فتحي الشقاقي (مؤسس الحركة/ اغتيل في العام ١٩٩٥) على ورقة في مارس 1979، يمثل مستطيلًا يتقاطع مع دائرة. 

كان هذا الرسم، بحسب سكير، يمثل مشروعهم السياسي الجديد، ويحتوي على ثلاث مساحات متميزة. تمثل المساحة الأولى "الإخوة الذين كانوا أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين فقط". ثم هناك "الإخوة الذين كانوا أعضاء في كل من جماعة الإخوان والمشروع الجديد الذي يشكل نوعاً ما انشقاقاً عن الإخوان. وأخيراً، هناك أولئك الذين انضموا إلى هذا المشروع دون أن يكونوا من الإخوان المسلمين. كانت هذه المنظمة تُعرف بـ "الطلائع الإسلامية"، وهي نواة حركة الجهاد الإسلامي.

والتعقيد في سيرة الجهاد الإسلامي وتموضعها، مرده إلى عوامل عديدة لعبت دوراً في رسم هوية الحركة وتشكيل أفكارها من روافد متنوعة، وقد تبدو أحياناً متناقضة. فهي كما يرى باحثون، بينهم الباحثة الإسرائيلية مائير هاتينا، نشأت من تأثير حاسم للجماعات المصرية المتطرفة في السبعينيات. 

وفي المقابل، تركز الباحثة، بفيرلي ميلتون إدواردز، على صراع الحركة مع جماعة الإخوان المسلمين في أوائل الثمانينيات، بشأن المقاومة المسلحة. وبينهما رأي، يتوقف عنده إيريك سكير في كتابه، يقول بأن "الجهاد الإسلامي" خرجت تأثراً بالثورة الإيرانية عام ١٩٧٩. 

وفي الحالات كلها، تبدو حركة "الجهاد الإسلامي" اليوم في قلب هذه التناقضات، فهي الفصيل الأقرب فلسطينياً إلى إيران تمويلاً وتسليحاً مع إشارات إلى حالات "تشيّع" داخل الحركة. ومع ذلك فإن تنسيقها مع حماس لم يتوقف، حتى مع التباين بين حماس و"الجهاد" حول قضية الثورة السورية، وبقاء الجهاد الإسلامي في "حضن" النظام السوري مستفيدة من الحماية التي وفرها لها، في وقت كانت حماس تبتعد عن النظام بسبب مزاج الثورة القريب من الإخوان المسلمين.

مع ذلك نسقت حماس مع "الجهاد" هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، وتحتفظ بأسرى إسرائيليين.

ومع تولي أحمد الشرع السلطة في سوريا، تزداد الأمور تعقيداً. فالشرع يميل، بحسب معطيات عديدة، إلى الاقتراب أكثر من تسوية مع إسرائيل قد تستكمل باتفاقية سلام، والابتعاد أكثر عن حماس وما تمثله. ولقاؤه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس يصب في هذا السياق.

ولا يحيد اعتقال الأمن السوري القياديين في "الجهاد" عن هذا "النهج"، ويأتي استكمالاً للمزاج السياسي للشرع المبتعد بوضوح، إلى حد القطيعة، عن إيران. إذ قطعت القيادة السورية الجديدة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وتأمل في إعادة بناء الدعم الإقليمي والدولي لسوريا، لا سيما رفع العقوبات وتمويل إعادة الإعمار بعد حرب أهلية مدمرة استمرت 14 عاماً.

لكن قد لا يعني اعتقال القياديين في الجهاد أن الشرع سيفعل الشيء ذاته مع حركة "حماس" في سوريا، على الأقل في الفترة المقبلة، كما يوضح نائب مدير مركز كارنيغي، الباحث مهند الحاج علي، لموقع "الحرة". بل إن الشرع على الغالب سيحافظ على العلاقة التاريخية بحماس لما تمثله من امتداد يرتبط بالإخوان المسلمين. 

وإذا كان الشرع في وارد "بيع" حماس، فإنه بالتأكيد سيطلب ثمناً عالياً لقاء ذلك. ويعتقد الحاج علي أن حماس لن تُحرج الشرع وستلتزم بما يناسبه في سوريا، حتى لو عنى ذلك قطع التواصل مع إيران، وإن كان الباحث في كارنيغي يتوقع أن تلعب حماس أدواراً في المستقبل لتحسين علاقات الشرع بإيران.

وأوردت وكالة رويترز في تقرير الشهر الماضي أن الولايات المتحدة قدمت لسوريا قائمة شروط يتعين الوفاء بها مقابل تخفيف جزئي للعقوبات. وذكرت مصادر لرويترز أن أحد الشروط هو إبعاد الجماعات الفلسطينية المدعومة من إيران.