روسيا ترفض استمرار جلسات لجنة كتابة الدستور السوري في جنيف
روسيا ترفض استمرار جلسات لجنة كتابة الدستور السوري في جنيف

لم يعد عقد الجولة التاسعة من "اللجنة الدستورية السورية" ممكنا في نهاية شهر يوليو الحالي، كما أعلن قبل أيام المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، فيما تحدثت أطراف المعارضة المشاركة في هذا المسار، الذي يعقد في جنيف، عن "عراقيل واشتراطات وضعتها موسكو"، وكانت سببا أساسيا لما حصل.  

وتتلخص فحوى هذه العراقيل بأن روسيا باتت تشترط أن تعقد الجولات بعيدا عن جنيف السويسرية"، بمبرر "عدم حيادها"، وهو الموقف الذي سبق وأن أشار إليه المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتيف، في ختام الجولة الثامنة.  

وقال المسؤول الروسي، حينها، إنه "أصبح من الصعب على الممثلين الروس العمل في جنيف، وهي مكان اجتماعات اللجنة الدستورية السورية"، مضيفا: "موضوع اختيار مكان جديد للاجتماعات يكتسب ليس دلالة تقنية أو لوجستية، بل سياسية أكثر، بالنظر إلى السياسة العدائية لسويسرا". 

وتقترح موسكو، حسب لافرنتيف نقل اجتماعات "الدستورية" إلى أبوظبي أو مسقط والمنامة، وأن الجزائر وجهة ممكنة أيضا، إضافة إلى العاصمة الكازاخية نور سلطان، مرجعا هذه الرؤية إلى "العقوبات التي فرضتها سويسرا على روسيا"، بسبب غزوها لأوكرانيا.  

ويصنف مراقبون وأعضاء معارضون في "الدستورية" في حديث لهم لموقع "الحرة" الخطوة الروسية على أنها "عملية ابتزاز" ومحاولة من موسكو لاستخدام "أوراقها السورية" كرد فعل على الضغوط التي تتعرض لها من الغرب، بسبب حربها ضد أوكرانيا.  

في المقابل تعتبر ميس كريدي وهي عضوة المجتمع المدني في "الدستورية" أن "موسكو لا تستفيد من الورقة السورية". 

وتضيف كريدي المقيمة في دمشق لموقع "الحرة": "نحن نعتبر أنفسنا في صراع واحد وفي جبهة واحدة. نعتبر المعركة مع الغرب وهيمنة أميركا معركتنا أولا قبل موسكو. نحن في بداية الجبهة". 

"قلق وأسف"  

وجاء في بيان لبيدرسون أنه "يأسف لأنه لم يعد من الممكن عقد الجلسة التاسعة للهيئة المصغرة للجنة الدستورية، التي يقودها ويملكها السوريون"، وتساعدهم الأمم المتحدة في جنيف". 

وأضاف البيان: "من المهم أن تحمي جميع الأطراف المشاركة في التسوية السورية هذه العملية، من خلافاتها في أجزاء أخرى من العالم". 

بدورها أكدت الأمم المتحدة حيادية دولة سويسرا التي تحتضن الاجتماعات، وقال نائب الناطق الرسمي باسمها، فرحان حق: "إننا نعيد التأكيد على حيادية سويسرا كمنبر للكثير من العمل الذي تقوم به الأمم المتحدة". 

وردا على سؤال بشأن ما إذا كان المبعوث الأممي الخاص لسوريا، غير بيدرسون، يبحث عن "منبر جديد لإجراء المحادثات"، أوضح حق أن "ليس لديه أي منصة أخرى يعلن عنها في هذه المرحلة". 

وأثارت العرقلة الروسية "قلق" الولايات المتحدة، حسب بيان نشرته سفارتها في دمشق، الأربعاء، معتبرة أن "تعليق النظام السوري لمشاركته لاستيعاب التفضيلات الروسية هو مثال آخر على كيفية إعطاء روسيا والنظام الأولوية لمصالحهم الخاصة على مصالح الشعب السوري". 

من جانبها اعتبرت تركيا على لسان رئيسها رجب طيب إردوغان في ختام مشاركته بـ"قمة طهران"، الثلاثاء، أن "فشل اللجنة الدستورية ينظر إليه على أنه فشل في مسار أستانة"، مشددا على "ضرورة أن تحقق اللجنة نتائج ملموسة بسرعة". 

"خطوة وراء خطوة" 

منذ بداية الحرب الروسية ضد أوكرانيا في الرابع والعشرين، من شهر فبراير الماضي، كان لافتا إقدام النظام السوري على تأييد موقف حليفه خطوة وراء خطوة، أولا على لسان رأسه بشار الأسد، ومن ثم القرارات التي أعلنت عنها خارجيته. 

وبعد أقل من شهرين من بدء هذه الحرب أعلن اعترافه باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين، لتصبح سوريا أول دولة تقدم على ذلك بعد روسيا، التي اعترفت بهما في 21 من فبراير.  

وفي حين استمر بإبداء المواقف وأن ما بدأته موسكو هو لـ"إعادة التوازن في العالم" أعلن، الأربعاء، قطع علاقاته مع أوكرانيا، "بمبدأ التعامل بالمثل". 

وسبق وأن توقع مراقبون ووسائل إعلام غربية هذا الربط بين "الملفين السوري والأوكراني"، فيما حذروا من تحوّل موسكو لاستخدام أوراقها في الملف السوري، كورقة ضغط مضادة. 

ويقول حسن الحريري عضو "الهيئة المصغرة" في اللجنة الدستورية إن "النظام السوري علل اعتذاره عن حضور الدورة التاسعة بموقفه المؤيد لروسيا". 

ويضيف الحريري لموقع "الحرة": "النظام السوري طلب الموافقة على طلبات الروس، كشرط لانعقاد الجولة، وبذلك مكّن الروس من تحويل الملف السوري برمته لورقة يتم المساومة بها، خصوصا أن موسكو متورطة في الحرب ضد أوكرانيا، وبالتالي يهمهم خلق أوراق سياسية يبازرون فيها أوروبا وأميركا". 

لكن عضو قائمة المجتمع المدني، ميس كريدي ترى المشهد مغايرا لما سبق، وتتحدث أن "السوريون يرون أن جنيف خرجت عن الحياة، وأنه لا يمكن الكيل بمكيالين. الأمر أصبح أكثر من مكيال"، حسب تعبيرها. 

وتضيف كريدي: "نحن لا نعتبر أبدا أن موسكو تستفيد من الورقة السورية. هذه تعبيرات سياسية ولا تخطر في الذهن. نحن نعتبر أننا في معركة وجبهة واحدة مع موسكو، من السواحل السورية وصولا إلى أمريكا". 

ما هي الخيارات؟  

وكانت فكرة اللجنة الدستورية لصياغة دستور جديد لسوريا برزت في مؤتمر سوتشي بروسيا، الذي عقد في يناير من العام 2018 برعاية الدول الثلاثة الضامنة روسيا وتركيا وإيران. 

بيد أن العديد من المعارضين والحقوقيين أشاروا إلى أن فكرة تلك اللجنة ومنذ انطلاقها لم تكن موجودة في الوثائق الدولية، ولا في كل قرارات مجلس الأمن، التي هي في الأصل الحاضنة القانونية للحالة السورية. 

ومنذ أكتوبر 2019 عقدت ثماني جولات من هذا المسار، وجميعها لم تخرج بأي نتائج، فيما وصف بيدرسون القسم الأعظم منها على أنها "كانت مخيبة للآمال". 

وفي الوقت الحالي وبينما تعطل عداد جولات "الدستورية" عن الرقم 9 لا توجد مؤشرات عما إذا كانت ستستأنف في الأيام المقبلة أم لا، خاصة وأن موسكو تصر على تلبية "طلبات"، كما أورد بيان نشره الرئيس المشارك للجنة عن وفد المعارضة، هادي البحرة. 

وحسب عضو "الهيئة المصغرة"، حسن الحريري فإن خيار "انسحاب وفد المعارضة غير مفيد في هذه الحالات". 

ويوضح حديثه بالقول: "لأن الانسحاب في الوقت الحالي يجعل الأطراف متساوية، من حيث رفض مشروع اللجنة الدستورية، ومن المتسبب بإفشاله". 

وهناك "خيارات أفضل"، مثل اللجوء إلى مجلس الأمن، لإيجاد آلية لتنفيذ القرارات الدولية، أو اللجوء للجمعية العامة، وكذلك موضوع المحاسبة والملف الحقوقي، وفق الحريري. 

بدوره اعتبر رامي الشاعر وهو محلل سياسي مقرب من الخارجية الروسية أنه "لا شيء يهدد عمل استمرار اللجنة الدستورية، سوى السوريين أنفسهم". 

وقال لموقع "الحرة": "لو كان هناك نية جدية لدى النظام والمعارضة كان ممكنا أن تنعقد الدستورية بواسطة تقنيات وسائل الاتصال الحديثة، أو كما تسمى أون لاين بل أكثر من ذلك". 

وبالنسبة لما أٌعلن عن موقف روسيا على لسان لافرنتيف والاعتذار عن الجولة التاسعة "لأن جنيف لم تعد محايدة"، يضيف الشاعر: "هذا صحيح". 

وزاد: "سويسرا تشارك بالعقوبات ضد روسيا، وجمدت الكثير من الودائع لشركات وشخصيات روس. طالما أنها لم تتراجع عن هذه الإجراءات فروسيا ستقاطع أي نشاطات دولية تقوم على أراضيها حتى لو كانت النشاطات ضمن إطار الأمم المتحدة في جنيف". 

"ثغرة لتسجيل نقاط" 

ولا يمكن عزل القضية السورية عن "التناقضات والمواجهات الدولية"، وهذه "باتت سمة تدار بأزمات القوى الفاعلة"، حسب حديث الدبلوماسي السوري السابق، بشار الحاج علي.  

ويقول الدبلوماسي لموقع "الحرة": "أيضا لا يمكن عزل القضية عن المواجهة الغربية مع روسيا، وهذا ما تجلى بسويسرا واتخاذها موقف ضد الغزو الروسي. الأمر أصبح ذريعة بيد الروس لإيجاد أي ثغرة، ولتسجيل نقطة على سويسرا وعلى الاتحاد الغربي". 

و"من الطبيعي أن تحاول روسيا بصفتها دولة في مجلس الأمن أو متدخلة أن تضغط باتجاه آخر"، فيما "لا يرغب النظام السوري بمسار اللجنة الدستورية، كونه يتبنى موقف المنتصر". 

ويضيف الحاج علي: "المعارضة السورية لا تملك القرار الكامل، لأنها ضمن تحالفات وهناك قوى تدعما. لا يمكن الجزم بالخيارات المتاحة، ولكن يمكن القبول بنقل الاجتماعات من جنيف إلى فيينا مثلا، في خطوة لإبعاد المسار عن ذرائع الروس". 

القبور الجماعية في سوريا شاهد على جرائم الأسد. أرشيفية
القبور الجماعية في سوريا شاهد على جرائم الأسد. أرشيفية

رغم هروب بشار الأسد من سوريا، تعيش عائلات الضحايا على أمل عدم إفلاته ومسؤوليه، من المحاسبة على إرث الفظائع الشنيعة التي ارتكبها النظام وأعوانه منذ موجة الاحتاجات في مارس 2011.

المحاسبة والوصول إلى "العدالة الانتقالية"، لا يمكن القيام بها من دون رصد حقيقي لجرائم الحرب في سوريا، فكيف يمكن توثيقها؟

أستاذ القانون الدولي، البروفيسور أيمن سلامة وضع شرطين حتى يمكن للسوريين معاقبة المسؤولين على جرائم الحرب وضمان عدم إفلاتهم من العقاب.

وقال في حديث لموقع "الحرة" إن الشرط الأول، هو التوثيق القانوني الصحيح للأدلة، والثاني، انضمام سوريا رسميا للمحكمة الجنائية الدولية.

وأضاف أن الإدارة السورية المؤقتة، عليها فتح الباب لآلية الأمم المتحدة من أجل المباشرة في التوثيق القانوني، اعتمادا على الأدلة والقرائن، التي تربط بين النظام السابق للأسد، وجرائم الحرب التي ارتكبت منذ 2011.

اللجان الأممية

مطالب بتوثيق جرائم الحرب في سوريا . أرشيفية

وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة تأسيس "الآلية الدولية المحايدة والمستقلة" في ديسمبر 2016، وهي مكلفة بالمساعدة في التحقيق وملاحقة الأفراد المسؤولين عن ارتكاب أخطر الجرائم الدولية في سوريا منذ مارس 2011، بما في ذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.

وتتيح هذه الآلية جمع الأدلة والشهادات، وهي تضم خبراء عسكريين وقانونيين، ولديهم قاعدة بيانات تمكنهم من تحديد الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، بحسب سلامة.

وقبل إنشاء هذه الآلية، تم تأسيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا في أغسطس من 2011 من قبل مجلس حقوق الإنسان، حيث تتمثل مهمتها في التحقيق بشأن كل الانتهاكات المزعومة لقانون حقوق الإنسان المرتكبة، وتحديد الجناة.

وتجمع لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا أدلة على الجرائم المرتكبة في هذا البلد منذ اندلاع النزاع، ووضعت قوائم بـ 4000 شخص يشتبه بارتكابهم هذه الجرائم.

وفي أواخر ديسمبر دعت مجموعة من خبراء حقوق الإنسان المستقلين للحفاظ على أدلة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والجرائم الدولية المرتكبة خلال سنوات الصراع والاستبداد التي شهدتها سوريا، بحسب بيان للأمم المتحدة.

ودعوا إلى رسم خرائط شاملة وجمع وتسجيل وحفظ الأدلة والشهادات، بالتزامن مع ضمان الأمن وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا وأقاربهم والشهود والمشاركين في التحقيقات.

مطالبة أممية لسوريا بحماية أدلة الانتهاكات الحقوقية لتحقيق العدالة
أعلنت الأمم المتحدة الأربعاء أنها طالبت السلطات المؤقتة في سوريا بحماية الأدلة التي ستساعد الشعب في تحقيق العدالة والمساءلة بعد مشاهد انتظار الآلاف من ذوي المفقودين أمام سجن صيدنايا ومراكز اعتقال أو احتجاز أخرى عقب سقوط نظام بشار الأسد الذي كان معروفا بانتهاكاته لحقوق الإنسان والتعذيب والموت والاختفاء والاغتصاب.

وقالوا إنه "مع ظهور معلومات جديدة حول مصير ضحايا الجرائم المروعة وأماكن وجودهم، تصبح حماية مواقع الاحتجاز، بما في ذلك سجن صيدنايا سيئ السمعة، ومواقع الدفن، وجمع وحفظ الأدلة والشهادات أولوية".

وأشاروا إلى ضرورة التحقيق في هذه الانتهاكات، التي ترقى في كثير من الحالات إلى جرائم دولية، وملاحقة مرتكبيها ومعاقبتهم لكشف الحقيقة للضحايا والمجتمع ككل وتحقيق العدالة وتعزيز المصالحة والانطلاق على طريق نحو السلام المستدام".

وحث الخبراء السلطات المؤقتة على إنشاء نظام للحفاظ على المقابر الجماعية، ووضع بروتوكولات لاستخراج الجثث من مواقع القبور، وتحديد أولويات استخراج الجثث من مواقع القبور الجماعية والإشراف على تنفيذها، بما يوازن بين احتياجات الأسر لتحديد هوية الضحايا ومتطلبات الأدلة للإجراءات الجنائية.

وزار رئيس الآلية الدولية المحايدة، روبرت بيتي، دمشق في أواخر ديسمبر الماضي وقال إن "سقوط حكم الأسد يمثل فرصة مهمة" للوفاء بولاية الآلية على الأرض.

وأشار إلى أنه حتى في أحد المرافق، "تكشف جبال الوثائق الحكومية عن الكفاءة المروعة لتوثيق جرائم النظام الفظيعة".

وسلط بيتي الضوء على الحاجة الملحة إلى الحفاظ على الأدلة قبل أن تضيع إلى الأبد، وأضاف: "الوقت ينفد. هناك فرصة صغيرة لتأمين هذه المواقع والمواد التي تحتوي عليها. وفي كل يوم نفشل فيه في القيام بذلك، نخاطر بفقدان فرصة المساءلة الشاملة".

"العدالة الانتقالية"

جدران السجون تكشف جرائم الأسد. أرشيفية

ومنذ بداية سقوط نظام الأسد، يتداول بكثرة مصطلح "العدالة الانتقالية" والتي دعا إليها مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك.

وبحسب المركز الدولي للعدالة الانتقالية، يشير هذا المصطلح إلى كيفية استجابة المجتمعات لإرث الانتهاكات الجسيمة والصارخة لحقوق الإنسان، وهي تعنى بتحقيق حقوق الضحايا قبل أي اعتبار.

وأشار سلامة إلى أن تحقيق "العدالة الانتقالية" يتطلب شفافية في التحقيقات ويعزز من المصالحة الوطنية على مستوى عموم سوريا، بمحاسبة المتورطين ضمن أطر قانونية وليس انتقامية.

ودعا مفوض الأمم المتحدة تورك إلى تحقيق "العدالة الانتقالية" في سوريا، معتبرا أن الأمر "بالغ الأهمية" بعد تسلم إدارة جديدة السلطة في البلاد.

عددهم ربما يفوق 100 ألف.. اتهامات للشرع بإهمال ملف المعتقلين
تكريس لحالة "الفوقية البيضاء" حيث قيمة حياة الرجل "الأبيض أعلى بكثير من حياة المواطن" السوري، بهذه الكلمات عبرت الناشطة السورية وفاء مصطفى عن "غضبها وحزنها" من واقع تعامل الإدارة السورية الجديدة مع ملف المعتقلين السوريين.

وقال تورك خلال مؤتمر صحفي في منتصف يناير من دمشق إن "العدالة الانتقالية أمر بالغ الأهمية مع تقدم سوريا نحو المستقبل ... الانتقام والثأر ليسا أبدا الحل".

وأضاف تورك "يجب التحقيق بشكل كامل في حالات الإخفاء القسري، والتعذيب، واستخدام الأسلحة الكيميائية، وغيرها من الجرائم. وبعد ذلك، يجب تحقيق العدالة بشكل عادل وحيادي".

ووفقا للقانون الإنساني الدولي، والمادة الثامنة من نظام "روما" المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، جرائم الحرب هي تلك "الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب وأعرافها المطبقة في النزاعات المسلحة".

وفي تعريف موسع شمل نظام روما الأفعال التي تؤسس لجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب، والتي تشمل: القتل العمد، والتعذيب، والمعاملة اللاإنسانية، وإجراء تجارب بيولوجية، أو إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها، دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة.

كما تشمل تلك الجرائم تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين، أو مهاجمة، أو قصف المدن، أو القرى، أو المساكن، أو المباني العزلاء التي لا تكون أهدافا عسكرية، بأية وسيلة كانت.

اختصاص القضاء العالمي

مطالب بتحقيق العدالة الانتقالية في سوريا. أرشيفية

وذكر سلامة أن الطريق مفتوحة أمام سوريا لطرق أبواب المحكمة الجنائية الدولية بطلب رسمي لملاحقة المسؤولين والسياسيين والعسكريين السوريين المتورطين في جرائم الحرب.

وبشأن اختصاص القضاء السوري في المحاسبة، قال البروفيسور سلامة وهو أستاذ فخري بالمعهد الدولي لحقوق الإنسان في الولايات المتحدة، إنه في حال إيجاد آليات لملاحقة المسؤولين السوريين يمكن تنفيذ مبدأ "اختصاص القضاء العالمي" ليصبح القضاء الوطني الأجنبي لكل دولة قادرا على محاسبة المتورطين في جرائم حرب في سوريا أينما كانوا.

وفي التفاصيل لقواعد التقاضي أشار إلى أن المحاكم الجنائية السورية تبقى هي "حجر الزاوية بالنسبة للمحاكمة على الجرائم الدولية"، ولكن قد يكون كادرها القضائي والفني غير قادر على إنفاذ قواعد التقاضي ضد مرتكبي جرائم الحرب، وهو ما يعني الحاجة إلى الاستعانة بالخبرات الدولية.

وقال إنه في حال محاكمة بشار الأسد، لا يمكنه الدفع بصفته الرسمية كرئيس للدولة، ما يبيح له ارتكاب الجرائم من دون تحميله المسؤولية، حيث يتضمن الدستور السوري نصا بأن الرئيس لا يكون مسؤولا عن الأعمال التي يقوم بها في مباشرة أعماله إلا في حالة الخيانة العظمى.

كما ينص الدستور على أن رئيس الدولة هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهذا يعني أن تسيير العمليات الحربية والقرارات العسكرية الاستراتيجية كانت بيد الأسد، ولهذا فإن أي رئيس يأمر بارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية لا يستطيع أن يفلت من المسؤولية الجنائية الدولية، وفقا لسلامة.

Fighters of Hayat Tahrir al-Sham (HTS) search for pro-Assad fighters and weapons in Homs
لقطات توثق ومنظمات تحذر.. ماذا يحدث لفلول الأسد داخل سوريا؟
فلولوتجري منذ الخميس الماضي، حملة أمنية لفرض الاستقرار والسلم الأهلي، عبر ملاحقة واعتقال "فلول ميليشيات الأسد".
والحملة التي بدأت من طرطوس، امتدت لتشمل مدن حمص وحماة ودرعا، نجم عنها اعتقال المئات من فلول النظام، ومصادرة كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر.

ويقول موقع منظمة الشرطة الجنائية الدولية "الإنتربول" إن جرائم الإبادة الجماعية والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية وجرائم الحرب هي أخطر أنواع الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي.

وأضاف أن هذه الجرائم "تترك أثرا يدوم ويلحق الضرر بسلامة وأمن المجتمعات والمناطق والبلدان بعد عقود من ارتكابها".

ومن بين الاتفاقيات الموقعة عليها العديد من الدول المتعلقة بجرائم الحرب، فلا عدم تقادم لهذا النوع من الجرائم، أو الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية.

لجنة التحقيق الأممية بشأن سوريا، دعت في أواخر العام الماضي إلى "حماية جميع الأدلة ومسارح الجريمة، بما في ذلك مواقع المقابر الجماعية، من أجل التوثيق والتحليل الجنائي".

وطالبت حكومة تصريف الأعمال بضمان "حماية جميع ملفات الاعتقال والاحتجاز وحفظها في المواقع التي عثر عليها فيها بطريقة تضمن فائدتها في عمليات المساءلة في المستقبل".

واقترحت إنشاء الإدارة السورية الجديدة لوحدة قيادة وتنسيق لحماية مواقع المقابر الجماعية والوثائق والأدلة، إلى أن يحين الوقت الذي يمكن فيه للخبراء السوريين والدوليين فحصها لحماية حق العائلات في معرفة الحقيقة.

السوريون الموجود في بلادهم أو في المنفى ينظرون إلى سوريا "كمسرح جريمة" تكلفته البشرية كانت مرتفعة جدا، إذ قد يحتاجون عدة أجيال لينسوا ما حصل لهم ولأحبائهم.

ولا يطالبون سوى "بالمساءلة" و"العدالة" لضحاياهم من جرائم الأسد ومسؤوليه.