مسلحون من السويداء
"رجال الكرامة" أحد أبرز التشكيلات المحلية التي تحظى بقاعدة شعبية كبيرة في السويداء | Source: Social Media

شهدت محافظة السويداء السورية جنوبي البلاد، في الساعات الماضية، "انتفاضة مسلحة"، كما يصفها مراقبون ونشطاء، حيث اندلعت مواجهات "هي الأكبر من نوعها"، بين فصائل محلية من جهة ومجموعات تتهم بتبعيتها لـ"شعبة المخابرات العسكرية" التابعة للنظام السوري، من جهة أخرى. 

وأسفرت المواجهات التي استمرت، حتى صباح يوم الأربعاء، عن سيطرة "حركة رجال الكرامة" و"لواء الجبل" على مقرات "مجموعة قوات الفجر"، التي يتزعمها المدعو "راجي الفلحوط"، والمتهم بدوره، من قبل نشطاء في المحافظة وقادة فصائل محلية، بالارتباط بشعبة "المخابرات" المذكورة.

وتعود تبعات القصة إلى يوم السبت الماضي، بعدما أقدمت "مجموعة الفلحوط" على اختطاف أشخاص من بلدة شهبا في الريف الشمالي للسويداء، الأمر الذي قوبل بعمليات مضادة، طالت ضباط في قوات النظام السوري.

وتطورت الأحداث المذكورة إلى قطع الطريق الدولي بين دمشق والسويداء لأيام إلى توصل الطرفان إلى اتفاق بالإفراج عن الأسرى من كلا الجانبين، حسب حديث مدير تحرير "شبكة السويداء 24" المحلية، ريان معروف. 

ويتابع معروف لموقع "الحرة": "لم يدم الاتفاق طويلا، حيث نقضته المجموعة التابعة لشعبة المخابرات العسكرية، يوم الاثنين، الأمر الذي أسفر في نهاية المطاف إلى انتفاضة مسلحة، قادتها بشكل أساسي حركة رجال الكرامة، ومقاتلون محليون من مختلف مناطق المحافظة".

وتعتبر "رجال الكرامة" أحد أبرز التشكيلات المحلية التي تحظى بقاعدة شعبية كبيرة في السويداء ذات الأغلبية الدرزية.

وجاء في تعليق صحفي من المكتب الإعلامي للحركة لموقع "الحرة" أن "رجال الكرامة اقتحمت كل مقرات مجموعة قوات الفجر، وقتلت جميع عناصر راجي فلحوط، بينما أسرت القسم الباقي".

وأضاف المكتب الإعلامي: "قلة قليلة من عناصر المجموعة تمكنوا من الهروب، بينما سلّم قسم آخر نفسه لحركة رجال الكرامة ولواء الجبل". 

واتهمت الحركة "مجموعة قوات الفجر" بالارتباط بـ"شعبة المخابرات العسكرية"، وأورد التعليق الصحفي أن "عناصر المجموعة يحملون بطاقات الأمن العسكري بشكل واضح، ويتبناهم اللواء كفاح ملحم".

كما أورد أيضا أن "المجموعة تمارس الخطف والسلب وعمليات تهريب المخدرات، مع وجود مكابس لصناعة الكبتاغون والمواد الأولية"، حيث تم كشفها بعدما دوهمت مقراتها في قرية عتيل.

ولم يصدر أي تعليق حتى ساعة إعداد هذا التقرير من جانب "قوات الفجر".

وكذلك الأمر بالنسبة للنظام السوري، الذي كان قد أعلن قبل أيام تعيين محافظا جديدا للسويداء، وهو بسام ممدوج بارسيك.

"المخابرات إلى الواجهة"

الحديث عن "فرع الأمن  العسكري" والمجموعات المرتبطة به وتردد ذكرها في السويداء الآن ليس بجديد، بل يعود ذلك إلى الأعوام الأولى من أحداث الثورة السورية، وحينها كان يرأسه العميد وفيق ناصر.

في عام 2019 أوكلت مهام فرع إلى العميد لؤي العلي، وبقي فيه حتى مطلع العام الماضي، بعد التوتر الذي حصل إثر الإهانة اللفظية التي وجهها لرئيس مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز، حكمت الهجري، في أثناء اتصال هاتفي من الأخير طلب فيه الإفراج عن أحد المعتقلين من أبناء السويداء.

ووفق الصحفي السوري، ريان معروف يقود الفرع الأمني في الوقت الحالي العميد أيمن محمد.

ويقول: "فرع الأمن العسكري في السويداء منذ سنوات وتحديدا منذ عام 2015، يستقطب الجماعات المحلية المسلحة، ويعمل على تجنيدها وتسوية أوضاعها ومنح أفرادها السلاح والبطاقات المؤقتة، رغم أن الكثير من هذه الجماعات متورطة بعمليات الخطف والقتل والانتهاكات".

وحسب معروف: "يحاول الفرع تنفيذ أجندته من خلال هذه الجماعات والعصابات، فالنظام يتعامل بنعومة مع محافظة السويداء، منذ بداية الثورة في سوريا، ومع تنامي قوة الفصائل المحلية عام 2015، أصبح النظام بحاجة لجماعات محلية مسلحة تعمل بتوجيهاته، فكان الأمن العسكري له الدور البارز".

في المقابل نادرا ما تخرج تعليقات من جانب النظام السوري حول ما تشهده السويداء من "فلتان أمني" داخلي.

وغاب موقفه أيضا من المظاهرات الشعبية التي شهدتها المحافظة بصورة متفرقة، خلال الفترة الأخيرة، حيث ندد المحتجون بسوء الأوضاع المعيشية، ورفضوا سلطة الميليشيات الأمنية.

ويقول الناشط السياسي حمزة المختار لموقع "الحرة" إن "مجموعة قوات الفجر التي يقودها راجي فلحوط تعلن بشكل رسمي أنها تتبع لشعبة المخابرات العسكرية".

ويضيف المختار: "الصراع الذي يحصل في الوقت الحالي هو ضد مجموعات أمنية بحتة متسلطة على رقاب أهالي السويداء"، حسب تعبيره، وأنها "تحاول شيئا فشيئا رفع السقف للوصول إلى نقطة تطمح إليها، باقتياد شبان المحافظة إلى الخدمة الإلزامية".

"النظام السوري عمل في السنوات الماضية على تقوية راجي فلحوط ومجموعته، من أجل وضع حواجز أمنية في أي منطقة بالسويداء. هذا الشخص احتك بأهالي شهبا والمزرعة وأهالي قرية خازمة، وافتعل معركة ضد حزب اللواء وقوة مكافحة الإرهاب، وحاول فرض سيطرته بشكل أو بآخر".

ويتابع الناشط السياسي: "المعركة كانت انتفاضة على الظلم الذي يعاني منه أهالي السويداء، وبنفس الوقت هناك احتقان شعبي من سوء الوضع المعيشي والوضع الأمني. ما حصل ردة فعل قاسية لأهالي السويداء على الأمن العسكري والمشغلين التابعين له".

ماذا بعد المواجهات؟

وحسب "المرصد السوري لحقوق الإنسان" فإن حصيلة الخسائر البشرية من طرفي المواجهات في السويداء ارتفعت، صباح الخميس إلى 13 قتيل وأكثر من 30 جريح.

والقتلى هم: 9 من مجموعة "راجي الفلحوط"، و4 من المسلحين المحليين المهاجمين في بلدتي سليم وعتيل. وأضاف المرصد أن "عدد القتلى مرشح للارتفاع لوجود جرحى بعضهم بحالات خطرة".

ونشرت شبكات محلية في السويداء تسجيلات مصورة أظهرت "إطلاق نار مكثف وتجمع لمئات المواطنين عند دوار المشنقة، ابتهاجا بتمكن المجموعات المحلية من القضاء على مجموعة قوات الفجر".

وتضاربت الأنباء عن مصير متزعم المجموعة، فيما أشار الصحفي، ريان معروف إلى أن "مصيره مايزال مجهولا حتى اللحظة".

بدوره قال المكتب الإعلامي لـ"حركة رجال الكرامة" في تعليقه لموقع "الحرة" إن "الانتفاضة الشعبية مستمرة لتطهير كامل السويداء من عصابات الخطف التي تتبع للأفرع الأمنية".

وأضاف: "هذه العصابات هي التي شوهت سمعة السويداء، على مدى السنوات الماضية من الأحداث".

وتُحسب السويداء على مناطق سيطرة النظام السوري، لكنها تتميز "بوضع خاص"، قياسا بباقي المحافظات السورية.

وعلى مدى السنوات الماضية كانت قد شهدت سلسلة من الاحتجاجات الشعبية، بينما عاشت في ظروف فلتان أمني، اعتبر نشطاء في المحافظة أنها "متعمّدة".

ويرى الكاتب والناشط السياسي السوري، حافظ قرقوط أن ما حصل في السويداء منذ يوم الثلاثاء هو أن "الأهالي ضاقوا ذرعا من قطع العصابات التي تتبع للأفرع الأمنية للطرق".

ويقول لموقع "الحرة": "النظام السوري يدرك كيف يخنق المحافظة. هذه العصابات أصبحت تتحكم بيوميات الناس، لذلك فإن ما حصل هو انتفاضة شعبية، خاصة أن من شارك في الهجوم ليس فقط الفصائل المحلية بل كان هناك ما يعرف محليا بالفزعات".

"اقتحام مقرات مجموعة قوات الفجر ليس فقط رسالة لنظام الأسد بل للحرس الثوري الإيراني، الذي يضخ أموال عبر حزب الله لعملاء في الجنوب، من أجل تفتيت المجتمع".

واعتبر قرقوط أن هناك ارتباط بين المجموعة التي تمت مهاجمتها مع إيران وحلفائها في الجنوب السوري، مشيرا: "الانتفاضة ستحد من الخطف والخطف المضاد ومن انتشار المخدرات أيضا، إلى أن يبحث النظام السوري على عصابات أخرى".

وتنقسم القوى العسكرية في محافظة السويداء ما بين فصائل وتشكيلات محلية، البعض منها ذات نفس "معارض خالص" والآخر حيادي، بينما القسم الثالث فله ولاءٌ قطعي لنظام الأسد، والأفرع الأمنية التابعة له.

وجميع هذه التشكيلات تتداخل مناطق النفوذ فيما بينها، وفي السنوات الماضية كانت قد اصطدمت مع بعضها البعض أحيانا، بينما توحدت في بعض الأحيان على جبهة واحدة، وبشكل أساسي ضد تهديدات تنظيم "داعش" من الجبهة الشرقية.

الشرع والجهاد الإسلامي

بالتزامن مع زيارة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إلى دمشق ولقائه بالرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، تحدثت تقارير عن اعتقال القوات الأمنية السورية قياديين بارزين من حركة الجهاد الإسلامي، في حدث يبدو شديد الدلالة على التحولات الكبيرة التي تشهدها سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر من العام الماضي.

وقالت "سرايا القدس"، وهي الجناح العسكري للجهاد الإسلامي، في بيان الأربعاء إن خالد خالد مسؤول الحركة في سوريا وياسر الزفري مسؤول لجنتها التنظيمية محتجزان لدى السلطات السورية منذ خمسة أيام.

وأضافت أن السلطات ألقت القبض على الرجلين "دون توضيح أسباب الاعتقال وبطريقة لم نكن نتمنى أن نراها من إخوة". ودعت إلى "الإفراج" عنهما. 

وأكد مسؤول في وزارة الداخلية السورية لوكالة رويترز نبأ إلقاء القبض على القياديين في الحركة، لكنه لم يجب عن أسئلة لاحقة حول سبب اعتقالهما.

حركة "الجهاد الإسلامي" هي إحدى أهم الفصائل الفلسطينية المسلحة، وإن كانت أكثرها غموضاً وتعقيداً، من حيث تاريخها وأيديولوجيتها. صنفتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، ونمت لتصبح ثاني أكبر حركة مسلحة في قطاع غزة وثالث أكبر حركة في الضفة الغربية.

وعلى الرغم من أنها أصدرت أول بيان علني لها في 11 ديسمبر عام 1987، كان وجودها واحدا من أكثر أسرار المقاومة الفلسطينية كتمانا. تأسست الحركة في قطاع غزة عام 1981 على يد مجموعة من الطلاب الفلسطينيين الذين لم يسبق لأحدهم أن أمسك بسلاح، لكنها سريعاً تحولت إلى استخدام العنف ضد أهداف إسرائيلية في عام 1984، أي قبل خمس سنوات من ظهور حركة حماس.

واكتسبت الحركة سمعة سيئة بسبب طبيعة هجماتها المثيرة للجدل في عنفها، ومواقفها المتصلبة ضد إسرائيل. وكان الشعار الذي طرحته هو: "الإسلام، الجهاد، وفلسطين": الإسلام كنقطة انطلاق، الجهاد كوسيلة، وتحرير فلسطين كهدف.

وكانت الحركة ولا تزال ملتزمة بـ"لاءات ثلاث": لا تفاوض، ولا حل الدولتين، ولا اعتراف بإسرائيل.

في كتابه "تاريخ الجهاد الإسلامي الفلسطيني: الإيمان والوعي والثورة في الشرق الأوسط"، يروي الباحث إيريك سكير حكاية جذور تأسيس حركة الجهاد الإسلامي، التي بدأت من رسم وضعه فتحي الشقاقي (مؤسس الحركة/ اغتيل في العام ١٩٩٥) على ورقة في مارس 1979، يمثل مستطيلًا يتقاطع مع دائرة. 

كان هذا الرسم، بحسب سكير، يمثل مشروعهم السياسي الجديد، ويحتوي على ثلاث مساحات متميزة. تمثل المساحة الأولى "الإخوة الذين كانوا أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين فقط". ثم هناك "الإخوة الذين كانوا أعضاء في كل من جماعة الإخوان والمشروع الجديد الذي يشكل نوعاً ما انشقاقاً عن الإخوان. وأخيراً، هناك أولئك الذين انضموا إلى هذا المشروع دون أن يكونوا من الإخوان المسلمين. كانت هذه المنظمة تُعرف بـ "الطلائع الإسلامية"، وهي نواة حركة الجهاد الإسلامي.

والتعقيد في سيرة الجهاد الإسلامي وتموضعها، مرده إلى عوامل عديدة لعبت دوراً في رسم هوية الحركة وتشكيل أفكارها من روافد متنوعة، وقد تبدو أحياناً متناقضة. فهي كما يرى باحثون، بينهم الباحثة الإسرائيلية مائير هاتينا، نشأت من تأثير حاسم للجماعات المصرية المتطرفة في السبعينيات. 

وفي المقابل، تركز الباحثة، بفيرلي ميلتون إدواردز، على صراع الحركة مع جماعة الإخوان المسلمين في أوائل الثمانينيات، بشأن المقاومة المسلحة. وبينهما رأي، يتوقف عنده إيريك سكير في كتابه، يقول بأن "الجهاد الإسلامي" خرجت تأثراً بالثورة الإيرانية عام ١٩٧٩. 

وفي الحالات كلها، تبدو حركة "الجهاد الإسلامي" اليوم في قلب هذه التناقضات، فهي الفصيل الأقرب فلسطينياً إلى إيران تمويلاً وتسليحاً مع إشارات إلى حالات "تشيّع" داخل الحركة. ومع ذلك فإن تنسيقها مع حماس لم يتوقف، حتى مع التباين بين حماس و"الجهاد" حول قضية الثورة السورية، وبقاء الجهاد الإسلامي في "حضن" النظام السوري مستفيدة من الحماية التي وفرها لها، في وقت كانت حماس تبتعد عن النظام بسبب مزاج الثورة القريب من الإخوان المسلمين.

مع ذلك نسقت حماس مع "الجهاد" هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، وتحتفظ بأسرى إسرائيليين.

ومع تولي أحمد الشرع السلطة في سوريا، تزداد الأمور تعقيداً. فالشرع يميل، بحسب معطيات عديدة، إلى الاقتراب أكثر من تسوية مع إسرائيل قد تستكمل باتفاقية سلام، والابتعاد أكثر عن حماس وما تمثله. ولقاؤه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس يصب في هذا السياق.

ولا يحيد اعتقال الأمن السوري القياديين في "الجهاد" عن هذا "النهج"، ويأتي استكمالاً للمزاج السياسي للشرع المبتعد بوضوح، إلى حد القطيعة، عن إيران. إذ قطعت القيادة السورية الجديدة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وتأمل في إعادة بناء الدعم الإقليمي والدولي لسوريا، لا سيما رفع العقوبات وتمويل إعادة الإعمار بعد حرب أهلية مدمرة استمرت 14 عاماً.

لكن قد لا يعني اعتقال القياديين في الجهاد أن الشرع سيفعل الشيء ذاته مع حركة "حماس" في سوريا، على الأقل في الفترة المقبلة، كما يوضح نائب مدير مركز كارنيغي، الباحث مهند الحاج علي، لموقع "الحرة". بل إن الشرع على الغالب سيحافظ على العلاقة التاريخية بحماس لما تمثله من امتداد يرتبط بالإخوان المسلمين. 

وإذا كان الشرع في وارد "بيع" حماس، فإنه بالتأكيد سيطلب ثمناً عالياً لقاء ذلك. ويعتقد الحاج علي أن حماس لن تُحرج الشرع وستلتزم بما يناسبه في سوريا، حتى لو عنى ذلك قطع التواصل مع إيران، وإن كان الباحث في كارنيغي يتوقع أن تلعب حماس أدواراً في المستقبل لتحسين علاقات الشرع بإيران.

وأوردت وكالة رويترز في تقرير الشهر الماضي أن الولايات المتحدة قدمت لسوريا قائمة شروط يتعين الوفاء بها مقابل تخفيف جزئي للعقوبات. وذكرت مصادر لرويترز أن أحد الشروط هو إبعاد الجماعات الفلسطينية المدعومة من إيران.