تحل الذكرى السابعة للتدخل الروسي في سوريا هذا العام بـ"توقيت أوكراني". وعلى الرغم من اختلاف الحسابات بين كل جبهة عن أخرى وعنصر "المباغتة والتمهيد المسبق"، إلا أن ما يجمعها هو عشرات آلاف الضحايا و"نقطة اللانهاية"، التي تسود حولها الكثير من التكهنات، وتختلف بشأنها قراءات المراقبين.
وعلى مدى سبع سنوات مضت رجّحت موسكو الكفة في سوريا لحساب نظام الأسد، وبينما ساعدته على نحو كبير في استعادة أجزاء واسعة من الأراضي التي سيطرت عليها فصائل المعارضة، مكّنته من المناورة على مختلف منصات التفاوض، مستخدمةً بذلك سياسة "الأرض المحروقة"، والتي راح ضحيتها آلاف القتلى من المدنيين.
وفي وقت بقي فيه نظام الأسد قائما، بفعل الدعم الروسي على الخصوص، لا توجد مؤشرات واضحة عما سيكون عليه الوضع في البلاد خلال المرحلة المقبلة، فيما يخيّم غموض بشأن الأهداف التي ترسمها روسيا لسوريا مستقبلا، وما الذي تريده؟ وما تسعى إليه، وعما إذا كانت ستنجح أم لا؟
في أوكرانيا وبعد سبعة أشهر من غزو روسيا، والتي حققت فيه هدفا بالاعتراف باستقلال مقاطعتي زابوروجيا وخيرسون، وبالتالي ضمهما بعد "الاستفتاء الصوري"، إلا أن مسار حربها ضد كييف يشوبه "الغموض" أيضا، ولاسيما في ظل الخسائر الكبيرة التي منيت بها قواتها، خلال الأشهر الماضية، ووسط انخراط أمريكي وغربي كبير في دعم الجيش الأوكراني، أسفر عن حالة "استنزاف"، وفق مراقبين.
وتصف منظمات إنسانية وحقوقية سورية التدخل الروسي في سوريا بأنه "لم يكن مجرد دعم عسكري لحليف، بل كان عدوانا على البلاد وتدميرا لبنيتها التحتية ومحاولة لإجهاض مشروع التغيير فيها"، كما قال "الدفاع المدني السوري" تعليقا على الذكرى السابقة، يوم الجمعة.
وكذلك الأمر بالنسبة للجانب الأوكراني الذي يرى في الحرب الروسية "عدوانا" واحتلالا لمناطق جديدة، وحتى أن الرئيس، فولوديمير زيلسنكي وصفه أيضا بأنه "عدوان على أوروبا كاملة"، في إحدى خطاباته السابقة.
هل القرار واحد؟
وبعد التوغل الأول في شهر فبراير 2022 نُشرت الكثير من التقارير الإعلامية، التي ربطت في معظمها بين الساحتين، أولا من زاوية الحرب التي شنها الروس، وثانيا من حيث الانتهاكات وطبيعة القصف الذي تتعرض لها المدن الأوكرانية، والذي يشابه إلى حد كبير ما عاشته المدن السورية.
في عام 2016، كان الروس قد دمروا حلب في خطوات استباقية للسيطرة عليها (في أولى تجاربهم الدموية بعد التدخل)، وهو سيناريو عاشته عدة مدن في أوكرانيا، كان أبرزها ماريوبول الساحلية وبوتشا وزابوريجيا (جنوبا).
في ريف دمشق وداريا وإدلب ارتكبت الكثير من المجازر وراح ضحيتها الآلاف من المدنيين دون أي رادع للنظام السوري وحلفائه، واليوم يعاد المشهد من جديد بالقرب من أوروبا، كصيغة استكمالية، سبق وأن أشار حقوقيون سوريون لموقع "الحرة" إلى أن سببها "الحصانة الروسية" التي منحت لموسكو في سبتمبر 2015.
ويجادل أنطون مارداسوف، وهو محلل روسي وباحث غير مقيم في برنامج سوريا في معهد الشرق الأوسط أنه وبالنسبة للكرملين فقد كان تدخله في الحرب بسوريا "مرتبطا ارتباطا وثيقا بالصراع حول أوكرانيا".
ويقول الباحث لموقع "الحرة": "الحملة السورية بدأت على الفور تقريبا بعد التوصل إلى اتفاقيات مينسك الثانية. وهكذا، حاولت روسيا بشكل منهجي فرض حوار متساوٍ على الغرب وتوسيع منطقة نفوذها، فضلا عن منطقة المواجهة الإقليمية والمحلية المحتملة".
ورغم أن موسكو بدت وكأنها نجحت في إنقاذ نظام الأسد وتحويل مسار المفاوضات السياسية لصالح دمشق، إلا أنها كما في السابق "فشلت في الاستفادة من تدخلها"، وفق مارداسوف.
ويضيف: "قدرات موسكو الاقتصادية المتواضعة تمنعها من التأثير على الأسد، لذلك بالطبع سوف يناور خلف ظهر الكرملين، في محاولة للتفاوض بشأن شرعيته، بما في ذلك على حساب موسكو".
من جهته لا يرى الكاتب والمحلل السياسي، مصطفى فحص واقعية في الربط السابق بين خلفيات التدخل الروسي في سوريا وأوكرانيا.
إذ يوضح أن "التدخل في سوريا جاء في لحظة رفع يد أمريكا. واشنطن والغرب كانوا في لحظة تخلي بمعنى أنهم لا يريدون إسقاط النظام السوري بينما الجانب الإيراني يعجز عن حمايته. لذلك أرادوا هذا التدخل على الخط".
علاوة على ذلك، يقول فحص لموقع "الحرة": الدخول الروسي جاء لملأ فراغ الإيراني، فيما كانت موسكو بحاجة لأن تترجم سياساتها الشرق أوسطية. لم يكن المجال متفوحا إلا في سوريا. كانت بحاجة للقول إنها عادت. المشهد السوري كان مؤهلا لموسكو للقول إنها حاضرة في شرق المتوسط".
وتعتبر معركة سوريا ميدانيا "سهلة"، وقد سمح لموسكو بالتصرف بالطيران كما تشاء، من أجل حسمها، لكنها "نجحت في التكتيك وخسرت في الاستراتيجية".
يضيف فحص: "عندما انتصر الروس على الجميع في سوريا جاؤوا ليبيعوا هذا الانتصار لواشنطن والغرب، لكن لم يحظوا على أي اعتراف. النظام السوري غير مؤهل لمساومة وكذلك سوريا. تُرك لموسكو فقط الشق الثقيل وهو الأمني وحماية النظام السوري أي سوريا السياسية، بينما المفيدة والاقتصادية بيد أمريكا".
ولا يبدو المشهد الأوكراني متصلا، وعندما أقدمت موسكو على حربها ضد كييف باتت "سوريا بلاء عليها"، ويشير المحلل السياسي إلى "المجهود الحربي للناتو في أوكرانيا، بينما في سوريا لم تواجه موسكو أحد وكانت الساحة متروكة لها".
ولذلك حتى تملأ روسيا الميدان الأوكراني كانت مضطرة، خلال الفترة الأخيرة، لترك فراغات في المشهد السوري، حسب فحص.
"للحفاظ على النظام"
في غضون ذلك، لا يعتقد الكاتب والمحلل السياسي السوري، حسن النيفي أن "التدخل الروسي في سوريا ذا صلة لما يجري في أوكرانيا اليوم".
ويوضح حديثه بالقول: "لو تتبعنا صيرورة التدخل نجد أن روسيا ساندت نظام الأسد منذ انطلاقة الثورة، ولكن في أواخر سبتمبر 2015 كان هناك منعطفا حاسما، حتى أن التدخل كان بشكل شبه مباغت".
في 2015 وبعد سقوط إدلب بيد المعارضة في شهر مارس بدأت قوات النظام السوري تنحسر وتنهار، في وقت لم تستطع ميليشيات إيران تقديم الدعم اللازم، رغم الزخم.
ويقول النيفي لموقع "الحرة": "ذلك استدعى قاسم سليماني للطلب من بوتين بالتدخل رسميا. جاء التدخل للحفاظ على النظام السوري، وليس فقط لتقديم الدعم والمؤازرة".
ويعتبر المحلل السياسي أن "ما وفر الدعم للتدخل الروسي في سوريا هو الموقف الأمريكي والأوروبي"، وأن "الجانبين وجدا فرصة للتنصل من المسؤوليات الأخلاقية والإنسانية اتجاه الشعب السوري، بينما تعززت هذه القناعة مع رفع بوتين شعار محاربة الإرهاب في سوريا".
وقد استطاعت روسيا من خلال البوابة السورية "كسر العزلة الدولية التي تعرضت لها بعد عام 2014 بسبب الأزمة في أوكرانيا و ضمها شبه جزيرة القرم".
وبعد تدخلها العسكري المباشر في البلاد بات معظم زعماء العالم ولاسيما من الشرق الاوسط يقصدون الكرملين في زيارات متكررة، وفق باسل الحاج جاسم وهو باحث في الشؤون الروسية وآسيا الوسطى. ويضيف: "حققت موسكو من ذلك العديد من الأهداف الاستراتيجية، و فشلت كذلك في تحقيق بعض أهدافها".
وفي يومنا هذا ماتزال سوريا "أهمية استراتيجية لروسيا على المتوسط، بعد توسيع سيطرتها على شواطئ البحر الأسود، وجعلها بحر آزوف بحيرة روسية مغلقة".
أما بخصوص أوكرانيا يقول الحاج جاسم لموقع "الحرة": "هي دولة سوفياتية سابقة، ويشكل الروس نسبة من تركيبها الديموغرافي. تاريخيا دائما هناك قلق وهاجس أمني روسي تاريخي منذ روسيا القيصرية وحقبة الاتحاد السوفياتي من حدودها الغربية، وأوكرانيا و بيلاروسيا اليوم، ومعظم من هاجموا روسيا كان عبر هذه المناطق".
ويتحدث الباحث عن نظرة بأن "أمن روسيا لا يبدأ عند حدودها إنما عند حدود الدول السوفياتية السابقة - أوكرانيا بيلاروسيا في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى وجنوب القوقاز عند حدود روسيا الجنوبية".
كما تختلف وجهة نظره مع فكرة الربط بين ظروف التدخل في سوريا وأوكرانيا، مضيفا أنه "لو تم تطبيق اتفاقيات مينسك لكان ذلك لصالح موسكو، ولما لجأت للخيار العسكري".
"لا يباع ولا يشترى"
ووسط تعقيدات المشهد في سوريا بعد 11 عاما من الحرب لا تبدو أي ملامح حل سياسي أو عسكري تلوح في الأفق، وذلك ما يطرح تساؤلات بخصوص ما تهدف إليه موسكو وتحاول فرضه لصالحها.
وكذلك الأمر بالنسبة لأوكرانيا، والتي لا يرى فيها مراقبون أي بادرة لانتهاء الحرب فيها على المدى المنظور.
يقول الكاتب والمحلل السياسي، مصطفى فحص: "نظام الأسد في سوريا في أضعف أوضاعه. لم يسقط لكنه لا يستطيع أن يقدم شيء. هو بضاعة لا تباع ولا تشترى. أصبح عالة على الإيراني والروسي، بينما تواجه موسكو حربا تهدد أمنها في الوقت الحالي".
ويضيف: "روسيا عملت كل شيء وأخذت البضاعة من أمريكا (نظام الأسد). لكنها غير قابلة للبيع!. لا قيمة للنظام عند واشنطن".
وبينما حاولت موسكو أيضا الترويج لفكرة "التوازن العربي" المرتبط بإيران، اكتشف العرب أيضا بأنه "لا جدوى من الأسد لأنه إيراني. الموقف الأمريكي والسعودي حاسم فلا عودة له"، وفق ذات المتحدث.
من جانبه يرى الباحث الروسي، أنتون مارداسوف أن "الصراعات المجمدة تتصاعد على طول الحدود الروسية مرة بعد مرة منذ فبراير، حيث تفقد موسكو مكانتها كلاعب قوي على خلفية الحرب الأوكرانية".
ولذلك لا يستبعد مارداسوف "احتمال حدوث تفاقم مماثل في سوريا، وسيكون من الصعب جدا على روسيا التعامل معه".
من جانب آخر يضيف الباحث أنه "لا جدوى الآن من تقييم المحللين لنتائج سبع سنوات من الحملة الروسية في سوريا، لأنه بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا وما تلاها، صعّد نظام السلطة رأسا على عقب. الآن لا يمكن الاستمرار في ما كان منطقيا".
"ليس من المنطقي تقييم الكيفية التي ستبسط بها روسيا قوتها في شرق البحر الأبيض المتوسط في مواجهة - على سبيل المثال - الخسائر الفادحة من العقوبات والتكاليف التي ستكون مطلوبة لإعادة بناء المعدات الأرضية. وهو أساس دفاع الحدود البرية لروسيا بسبب قوتها".
ويتابع مارداسوف: "ستبقى روسيا في سوريا نظرا لموقعها الجغرافي، وستواصل محاولة العمل في دورها السابق. لكن قلة ستأخذ هذا الدور على محمل الجد الآن".
"أولويات وهدفين"
وفي ظل وجود تجميد شبه كامل على الجبهات السورية "من الصعب وضع تقييم حول حقيقة ما يشاع عن تراجع الحضور العسكري الروسي هناك"، وفق الباحث باسل الحاج جاسم.
لكنه تحدث أن "أولويات موسكو ما تزال قائمة، إن كان ما يخص فتح طريق m4، و هذه فيها مصلحة ليست فقط روسية وإنما لشركاء موسكو في مسار أستانة كذلك وتركيا على وجه الخصوص، مع ضرورة إزالة المنظمات المصنفة على قوائم الإرهاب سواء الدولية، أو لدى الدول الضامنة الثلاث لمسار أستانة السوري".
وهناك أولويات "جديدة-قديمة" أيضا تتشارك فيها اليوم روسيا و تركيا، وهي "انسحاب القوات الأميركية من الأراضي السورية"، وفق الباحث.
من جهته اعتبر المحلل السياسي، حسن النيفي أن التدخل الروسي في سوريا "حقق منجزا كبيرا على مستويين"، الأول "عسكري"، وهو تمكين النظام السوري من استعادة معظم المناطق التي فقد السيطرة عليها.
أما المسار الثاني "سياسي"، من خلال تأسيس مسار أستانة في 2017، إذ استطاعت موسكو من خلاله الالتفاف على القرارات الأممية، واختزال الحل السياسي بلجنة دستورية مجهولة المصير.
ويؤكد النيفي على فكرة أنه "لا علاقة على الإطلاق بالتدخل الروسي في سوريا بأوكرانيا"، وأن موقف موسكو آنذاك كان يتطلع إلى مسألتين "ليس فقط إنقاذ الأسد، بل استعادة الدور الاستراتيجية في المنطقة. روسيا رأت أن المنطق الأمثل هو سوريا".
ووثّق تقرير نشرته "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، وهي منظمة حقوقية مقتل 6943 مدنيا بينهم 2044 طفلا و1243 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية على يد القوات الروسية، منذ سبتمبر 2015.
وطبقا للتقرير فقد ارتكبت القوات الروسية منذ تدخلها العسكري حتى 30 يوليو من عام 2022 ما لا يقل عن 1243 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنيَّة، بينها 223 مدرسة، و207 منشأة طبية، و60 سوق.
كما سجل التقرير ما لا يقل عن 237 هجوما بذخائر عنقودية، إضافة إلى ما لا يقل عن 125 هجوما بأسلحة حارقة، شنَّتها القوات الروسية منذ تدخلها العسكري في سوريا في 30 سبتمبر 2015.