نائب قائد حركة حماس في غزة، خليل الحية التقى الأسد في دمشق

بعد قطيعة استمرت لسنوات طرقت حركة "حماس" أبواب النظام السوري، معلنةً على لسان أحد مسؤوليها ومن دمشق "طي صفحة الماضي مع الأسد، وأي فعل فردي لم تقره القيادة"، في إشارة إلى الموقف الذي اتخذته في المراحل الأولى لانطلاقة الثورة السورية، وتقلبت عليه على مدى سنوات.

ووصل إلى العاصمة السورية، صباح الأربعاء، نائب قائد الحركة في قطاع غزة، خليل الحية على رأس وفد من بين وفود فلسطينية أخرى، وعقب لقائه مع رأس النظام السوري، بشار الأسد خرج في مؤتمر صحفي، قائلا: "اللقاء مع الأسد كان دافئاً، وقد أبدى تصميمه على تقديم كل الدعم من سوريا للشعب الفلسطيني ومقاومته".

وأضاف الحية أن قيادة "حماس" طوت صفحة الماضي، وأن الاجتماع مع الأسد "فاتحة خير وصفحة جديدة من العلاقات مع دمشق، والتي طال انتظارها"، حسب تعبيره.

ورغم أن هذه الخطوة من جانب الحركة الإسلامية الفلسطينية لم تكن مفاجئة، بل تم التمهيد لها إعلاميا ورسميا على مدى الأشهر الماضية، إلا أن السياق العام الذي جاءت فيه أثار تساؤلات من جهة، فيما حمل مؤشرات "إهانة" و"صك بأثر رجعي"، حسب ما يرى مراقبون.

وكان النظام السوري قد أحجم عن التعليق بشأن الزيارة الأولى من نوعها، بعدما انتشرت الأخبار الخاصة بها، لكن وفي المقابل استخدمت وسائل إعلام مقربة منه خطا تحريريا، وجه انتقادات لاذعة لـ"حماس"، وأن "الخطوة التي اتخذتها الآن جاءت بدفع من الجناج المقاوم وليس الإخواني".

وهذه العبارة لطالما كررتها صحيفة "الوطن" شبه الرسمية، خلال الأيام الماضية، إذ قالت قبل يومين إن "الفصائل الفلسطينية في سورية تلقت دعوات من القيادة السورية لمشاركة ممثلين عنها في اللقاء، وسيكون ضمن وفد الفصائل، ممثلون عن حركة المقاومة الفلسطينية حماس، وتحديداً من الجناح المقاوم وليس الإخواني".

"مصلحة إيرانية"

وتعتبر زيارة خليل الحية القيادي في "حماس" إلى دمشق الأولى من نوعها، منذ عام 2012، وإلى جانب إعلانه "طي صفحة الماضي" اعتبر أن خطوة القيادة "تعطي قوة لمحور المقاومة ولكل المؤمنين بالمقاومة"، فيما وجه عدة كلمات "معسولة" للأسد.

وهذا الموقف يأتي منقلبا على نحو كبير عن ذاك الذي ساد من جانب الحركة قبل عشر سنوات. 

في ذلك الوقت (الثامن من ديسمبر 2012) وقف رئيس المكتب السياسي السابق لـ"حماس"، خالد مشعل، ورئيس المكتب الحالي، إسماعيل هنية، أمام حشد من المئات ورفعا علم الثورة السورية، ليكون إعلانا واضحا بقطع العلاقات مع النظام السوري والوقوف إلى جانب المتظاهرين السلميين.

ويرى باحثون ومحللون سياسيون في حديثهم لموقع "الحرة" أن خطوة "حماس" الحالية ترتبط بجزء كبير منها بدور إيراني وآخر يتعلق بـ"حزب الله" اللبناني"، وهو ما ترجمه الجو الذي ساد مؤخرا.

وتحدثت الكاتبة السياسية السورية، عالية منصور عن عدة أسباب تقف وراء عودة العلاقات"، "ليس من ضمنها القضية الفلسطينية"، فيما استبعدت أي "ضغوط مورست على الحركة، بل واساطات قام بعا حزب الله وإيران، لإعادة ترتيب العلاقة بين الطرفين ".

"في النهاية رغم قطيعتهما ظلا ينتميان لنفس المحور وهو المحور الإيراني".

وتشرح منصور أولى أسباب العودة، بقولها لموقع "الحرة" إنه ذو شقين: "الأول إيراني، في مسعى من طهران لإعادة ترتيب صفوف حلفائها، حيث بدأت وساطتها أثناء اجتماعات فيينا".

وتوضح: "من المعروف أن إيران تمسك بجميع هذه الملفات وتفاوض عليها وتستخدمها كأوراق ضغط في مفاوضاتها مع الغرب ومع الدول الإقليمية".

في المقابل يذهب السبب الآخر لخطوة الحركة الإسلامية إلى أن "حماس تتحضر لمرحلة ما بعد محمود عباس فلسطينيا، وترصد الانقسامات داخل السلطة وتتحين اللحظة المناسبة للانقضاض على مؤسسات السلطة".

ومن أجل ذلك "تعيد ترتيب علاقاتها لا مع النظام في دمشق فحسب، بل مع دول عدة. هنا لا يمكن أن ننسى كيف تعاملت الحركة ببراغماتية مع التصعيد الذي حصل بين الجهاد الإسلامي واسرائيل". "هو تقاطع مصالح بين إيران وحماس لفرض النفوذ على مناطق جديدة"، حسب تعبير منصور. 

"أثر رجعي"

في غضون ذلك اعتبر الباحث والمحلل السياسي، الدكتور ماجد عزام أن"حماس أو القيادة المتمثلة بها تم إجبارها أو حتى ابتزازها بشكل صريح من إيران وحزب الله، بشرط إعادتها إلى محور المقاومة المزعوم، وأن تعيد العلاقة مع الأسد".

يقول عزام لموقع "الحرة": "القيادة المتنفذة في حماس فاوضت بقصر نظر ودون رؤية ولم تفهم أنها المقاومة وأن إيران والحزب بحاجة إليها أكثر من حاجتها إليهم".

"لا يمكن تبييض صفحة المقاومة وإيران بأثر رجعي، والقول إن كل ممارساتهم الدموية في سوريا وإيران والعراق واليمن من أجل فلسطين. قيادة حماس تعطيهم هذا الأمر".

ويضيف الباحث: "ما سبق كان شرطا أساسيا على المدى الطويل لإعادة الدعم والعلاقة من إيران لحماس".

في المقابل يعتقد المحلل السياسي المقيم في دمشق، علاء الأصفري أن "هناك إعادة تقييم للوضع داخل حماس وبشكل كامل. لقد أساء لها كثيرا انتماء الكثير من قيادتها للإخوان، على حساب قضايا المقاومة".

ويقول الأصفري في حديث لموقع "الحرة": "اليوم هناك وصول بطاقات شابة إلى مراكز حماس، وتؤكد الرجوع إلى حضن دمشق. العاصمة تشكل العمود الفقري لمحور المقاومة"، حسب تعبيره.

واعتبر المحلل السياسي أن ما حصل "خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح، وأنها تدخل في نطاق لم الشمل المقاوم، بعد المؤامرة الكونية التي تعرضت لها سوريا".

"لا فائدة وشرعنة"

و كانت "حماس"، المصنفة على قوائم الإرهاب في الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، قد أصدرت بيانا، الشهر الماضي، دون مقدمات، دعت فيه للمصالحة و"بناء وتطوير العلاقات" مع نظام الأسد.

وجاء في البيان أن "حماس تؤكد على مُضيّها في بناء وتطوير علاقات راسخة مع الجمهورية العربية السورية، في إطار قرارها باستئناف علاقتها مع سوريا الشقيقة".

وبررت ذلك بأنه "خدمة لأمتنا وقضاياها العادلة، وفي القلب منها قضية فلسطين، لا سيما في ظل التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة التي تحيط بقضيتنا وأمتنا".

لكن ما سبق تراه الكاتبة السورية، عالية منصور مغايرا للواقع، إذ تقول إن "عودة علاقات حماس مع النظام السوري مصلحة إيرانية أولا".

ومن جانب آخر هي "محاولة لشرعنة نظام الأسد على حساب القضية الفلسطينية مقابل شرعنة ما قد تقوم به الحركة داخل فلسطين في مرحلة ما بعد عباس"، وفق منصور.

بدوره يوضح الباحث والمحلل السياسي، ماجد عزام أنه لا يرى أي فائدة لـ"حماس" من عودة علاقاتها مع النظام في دمشق، مشيرا بالقول: "البيئة لم تعد آمنة في العاصمة، وحتى لو وافق النظام على فتح مكتب لها لن تستطيع التحرك في ظل الاختراق الكبير من إسرائيل وعدم الثقة المرتبطة بروسيا".

ويتابع عزام: "حركة الجهاد الإسلامي تقول إن روسيا متورطة في نقل المعلومات عن قياداتها في الغارات التي استهدفت أكرم العجوري وأدت إلى مقتل ابنه مع أعضاء الحركة. بذلك لن يكون هناك حرية حركة وأمن".

ويضيف الباحث: "النظام يحاول إهانة حماس الآن، وأن التيار المقاوم هو من يأتي بعيدا عن حماس الدوحة وحماس الإخوان. هي إهانة لتيارات واسعة من الحركة. النظام لم يفاوض على عودتها، ويحاول أن يظهر أنه الموافق وهو الذي يتحكم".

"ليس هناك مصلحة من حماس وهي تعطي الفرصة للنظام من ذلك"، وتحدث عزام عن "خلافات كبيرة وتباين واسع داخل حماس بشأن العلاقة مع الأسد، وعلى افتراض أنه حتى العلاقات مع إيران تمر على مضض أيضا".

"حماس دون أجنحة"

وعلى مدى السنوات العشر الماضية، وبعدما اتخذ قياديون في "حماس" موقفا داعما للثورة السورية هاجم النظام السوري في عدة مناسبات الحركة، وجاء الأبرز منها على لسان بشار الأسد.

وقال الأسد في لقاء مع صحيفة "اكسبرسن" السويدية في أبريل 2015، إن "الأحداث أثبتت أن جزءا من حماس، التي كانت بدورها جزءا من الإخوان المسلمين، يدعم جبهة النصرة داخل مخيم اليرموك".

كما قال في مقابلة مع صحيفة "الوطن" شبه الرسمية، في ديسمبر 2016: "كنا ندعم حماس ليس لأنهم إخوان، كنا ندعمهم على اعتبار أنهم مقاومة، وثبت في المحصلة أن الإخونجي هو إخونجي في أي مكان يضع نفسه فيه (…) يبقى من الداخل إخونجيا إرهابيا ومنافقا".

ورغم أن هذه الكلمات الهجومية لم تعد حاضرة في الوقت الحالي، إلا أن وسائل إعلام النظام السوري بقيت تفرق بين ما تصفها بـ"حماس المقاومة" و"حماس الإخوانية".

ويؤكد المحلل السياسي السوري، علاء الأصفري أن عودة العلاقات تأتي "لتصحيح المسار وتصب في صالح المقاومة، بعيدا عن الشيء الشخصي"، مضيفا: "سوريا تفتح أذرعها للجميع. سوف نشهد زيادة صلابة محور المقاومة".

بدورها تقول الكاتبة السورية، عالية منصور: "موضوع الجناح المقاوم للحركة يذكرني بموضوع الجناح العسكري حزب الله".

وتضيف: "حماس هي حماس من دون أجنحة. قد يكون للنظام حساسية على شخصيات معينة في الحركة وهناك تفهم إيراني حمساوي للأمر. ما عدا ذلك كلاهما - أي النظام السوري وحركة حماس - ينتميان لمحور واحد ويسعيان لخدمة أجندته".

وتابعت الكاتبة: "استغرب ممن استغرب قيام حماس بالتطبيع مع النظام، وهي التي ورغم موقفها المؤيد للثورة السورية سابقا إلا انها لم تتوقف يوما عن كيل المديح وتأييد إيران شريكة الأسد بقتل السوريين".

A portrait of Syrian President Bashar al-Assad is pictured with its frame broken, in a Syrian regime's Political Security…
صورة للرئيس السوري بشار الأسد في أحد فروع الأمن في حماة بعد سيطرة المعارضة عليه

قال مسؤولان سوريا كبيران لرويترز، الأحد، إن الرئيس، بشار الأسد، غادر دمشق إلى وجهة غير معلومة، وذلك بعد أن أعلنت المعارضة أن قواتها بدأت بالدخول إلى العاصمة من دون وجود مؤشر على انتشار الجيش النظامي.

وقالت المرصد السوري لحقوق الإنسان إن الأسد غادر البلاد عبر مطار دمشق.

وظل الأسد في دمشق إلى السبت، وفقا لمسؤولين أمنيين سوريين وعرب، تحدثوا لصحيفة وال ستريت جورنال. وفي الأسبوع الماضي، سافرت زوجته وأولاده إلى روسيا، بينما سافر أصهاره إلى الإمارات العربية المتحدة. 

ونقلت الصحيفة عن تلك المصادر أن "مسؤولين مصريين وأردنيين دعوا الأسد إلى مغادرة البلاد، وتشكيل حكومة في المنفى"، وهو ما نفته السفارة الأردنية في واشنطن بشدة، في بيان شديد اللهجة هاجمت فيه الصحيفة التي دعتها إلى "تصحيح الخطأ"، فيما لم تصدر القاهرة أي تعليق على الأمر.

وذكرت الصحيفة أن الدول العربية، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة وقطر، باتت تشعر بقلق متزايد إزاء الانهيار السريع لنظام الأسد، وما قد يترتب على ذلك من زعزعة الاستقرار الإقليمي. 

وقالت إن الأسد حث تركيا على التدخل لوقف المتمردين، "وسعى للحصول على الأسلحة والمساعدة الاستخباراتية من دول بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن والعراق، ولكن حتى الآن تم رفض طلباته، كما قال مسؤولون أمنيون سوريون ومسؤولون عرب".

واستخدم نظام الأسد الأسلحة التي زودته بها روسيا وإيران لصد قوات المعارضة خلال الحرب الأهلية المستمرة منذ سنوات دون أن يتمكن من هزيمتهم، وهو ما جعله عرضة للخطر عندما انشغل حلفاؤه بحروب في أماكن أخرى وواصل أعداؤه الزحف.

ويشكل التقدم السريع الذي حققته المعارضة في غرب سوريا أحد أخطر التهديدات لحكم عائلة الأسد المستمر منذ 50 عاما، كما يأتي في لحظة محفوفة بالمخاطر بالنسبة للشرق الأوسط.

وأسقطت قوات المعارضة تماثيل والد الأسد وشقيقه في المدن التي سيطرت عليها، كما مزقت صوره على لوحات إعلانية وفي مكاتب حكومية ودهستها بالأقدام وأحرقتها أو أمطرتها بالرصاص.

وأصدرت الرئاسة السورية اليوم السبت بيانا نفت فيه مغادرة الأسد للبلاد مؤكدة أنه يمارس مهام عمله في دمشق. وذلك قبل دخول قوات المعارضة للعاصمة، والحديث عن مغادرة الأسد.

وأصبح بشار رئيسا في عام 2000 بعد وفاة والده، حافظ الأسد، مما أدى إلى الحفاظ على هيمنة الطائفة العلوية على الدولة ذات الأغلبية السنية والإبقاء على سوريا حليفة لإيران تناصب إسرائيل والولايات المتحدة العداء.

وشهد حكم الأسد في سنواته الأولى اندلاع الحرب في العراق ووجود أزمات في لبنان، قبل أن تضرب الحرب الأهلية سوريا في أعقاب الربيع العربي عام 2011. ونزل السوريون حينها إلى الشوارع مطالبين بالديمقراطية، لكن قوات الأسد استخدمت القوة الغاشمة ضدهم.

ورغم أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب وصفه في عام 2018 بأنه "حيوان" لاستخدامه الأسلحة الكيميائية، تمكن الأسد من البقاء في السلطة لفترة أطول مقارنة بالكثير من القادة الأجانب الذين اعتقدوا أن نهايته وشيكة في الأيام الأولى من الصراع، عندما فقد مساحات شاسعة من سوريا لصالح المعارضة. ونفى الأسد الاتهامات الموجهة إليه باستخدام أسلحة كيميائية.

وبمساعدة الضربات الجوية الروسية والفصائل المدعومة من إيران، تمكن الأسد من استعادة معظم الأراضي التي فقدها خلال الهجمات التي شنتها قواته لسنوات، بما في ذلك الحصار الذي فرضته القوات الحكومية على الغوطة الشرقية ووصفه محققون في الأمم المتحدة بأنه "من العصور الوسطى".

وشهدت رئاسة الأسد فترة من الهدوء النسبي في ظل تمركز معارضيه إلى حد كبير في جزء من شمال غرب سوريا، لكن أجزاء كبيرة من البلاد ظلت خارج قبضته وواجه الاقتصاد صعوبات بسبب العقوبات المفروضة عليه.

كما أعاد الأسد العلاقات مع الدول العربية بعد سنوات من القطيعة، لكنه ظل منبوذا بالنسبة لمعظم دول العالم.

ولم يدل الأسد بأي تصريحات علنية منذ سيطرة المسلحين على حلب قبل أسبوع لكنه قال في اتصال هاتفي مع نظيره الإيراني مسعود بزشكيان إن التصعيد يهدف إلى إعادة رسم المنطقة لصالح المصالح الغربية، وهو ما يعكس وجهة نظره بشأن الثورة باعتبارها مؤامرة مدعومة من الخارج.

وفي تبريره لتعامل القوات الحكومية مع الاحتجاجات في مراحلها الأولى، شبّه الأسد نفسه بأنه جراح . وقال في عام 2012 "هل نقول له (للطبيب): يداك ملطختان بالدماء؟ أم نشكره على إنقاذ المريض؟".

وظل الأسد مفعما بالثقة خلال الفترات الأولى من الصراع بينما كانت المعارضة تستولي على مدينة تلو الأخرى.

وقال الأسد لجنوده بعد استعادة بلدة معلولا في عام 2014 "لا حل مع الارهاب سوى أن يضرب بيد من حديد... سوريا قادرة على الخروج من أزمتها".

وأوفى الأسد بالوعد الأول، لكنه عجز عن الوفاء بالوعد الثاني. فبعد سنوات، لا تزال أجزاء كبيرة من سوريا خارج سيطرة الدولة، كما دُمرت مدن وتجاوز عدد القتلى 350 ألفا وفر أكثر من ربع السكان إلى الخارج.

خطوط حمراء

ويحظى الأسد بدعم مجموعة من السوريين تعتقد أنه ينقذهم من الإسلاميين المتشددين.

ومع تزايد نفوذ الجماعات المسلحة التي تستمد أفكارها من تنظيم القاعدة، استشرى هذا الخوف بين الأقليات لكن هذه الجماعات وعدت السكان الأسبوع الماضي بالحماية.

ويتمسك الأسد بفكرة أن سوريا هي معقل القومية العربية حتى مع تزايد النزعة الطائفية في الصراع. وفي حديثه لمجلة (فورين أفيرز) في عام 2015، قال الأسد إن الجيش "يتكون من كل أطياف المجتمع السوري".

ولكن بالنسبة لخصومه، فإن الأسد يعمل على تأجيج النزعة الطائفية.‭ ‬

وتزايدت حدة الصراع الطائفي مع وصول مقاتلين شيعة مدعومين من إيران من مختلف أنحاء الشرق الأوسط لدعم الأسد، ودعم الدول ذات الأغلبية السنية ومنها تركيا وقطر لقوات المعارضة.

وأكد مسؤول إيراني كبير على قيمة الأسد لدى إيران عندما أعلن في عام 2015 أن مصيره "خط أحمر" بالنسبة لطهران.

وفي الوقت الذي دعمت فيه إيران موقف الأسد، فشلت الولايات المتحدة في فرض "خطها الأحمر" الذي حدده الرئيس باراك أوباما في عام 2012 فيما يخص استخدام الأسلحة الكيميائية.

وخلصت التحقيقات التي تدعمها الأمم المتحدة إلى أن دمشق استخدمت الأسلحة الكيميائية.

وأسفر هجوم بغاز السارين على الغوطة التي سيطرت عليها قوات المعارضة في عام 2013 عن مقتل مئات، لكن موسكو توسطت في صفقة لتدمير الأسلحة الكيميائية السورية، مما أدى إلى تجنب رد فعل أمريكي.

ومع ذلك، استمر الغاز السام في ضرب مناطق المعارضة، إذ دفع هجوم بنفس الغاز في عام 2017 ترامب إلى إصدار أمر برد صاروخي.

ونفى الأسد الاتهامات بمسؤولية الدولة عن الهجوم.

كما نفى الأسد أن يكون الجيش قد ألقى براميل متفجرة محملة بالمتفجرات تسببت في دمار عشوائي. وبدا أنه يستخف بالاتهام في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) في عام 2015، إذ قال "لم أسمع عن استخدام الجيش للبراميل، أو حتى أواني الطهي".

ونفى صحة عشرات الآلاف من الصور التي تظهر تعذيب محتجزين في مراكز اعتقال للحكومة مرجعا ذلك لمؤامرة ممولة من قطر.

ومع توقف القتال، اتهم الأسد أعداء سوريا بشن حرب اقتصادية.

ولكن بينما ظل الأسد منبوذا من الغرب، بدأت بعض الدول العربية التي دعمت معارضيه قبل ذلك في فتح الأبواب أمامه. واستقبل قادة الإمارات بشار الأسد خلال زيارة له إلى البلد الخليجي في عام 2022.

طبيب العيون

قدم الأسد نفسه في كثير من الأحيان على أنه رجل بسيط من عامة الشعب، إذ ظهر في مقاطع مصورة وهو يقود سيارة عائلية متواضعة، وفي صور مع زوجته أثناء زيارتهما لمحاربين قدامى في منازلهم.

تولى بشار الأسد منصبه في عام 2000 بعد وفاة والده حافظ الأسد، رغم أنه لم يكن المقصود بخلافه والده.

فقد أعد حافظ الأسد ابنه البكر، باسل، لخلافته. ولكن عندما توفي باسل في حادث سيارة عام 1994، تحول بشار من طبيب عيون في لندن، حيث كان يكمل دراسته، إلى الوريث الجديد.



وبعد أن أصبح رئيسا، بدا أن الأسد قد تبنى إصلاحات ليبرالية جرى تصويرها بتفاؤل باعتبارها "ربيع دمشق".

وأطلق سراح مئات السجناء السياسيين وقدم مبادرات إلى الغرب وفتح الاقتصاد أمام الشركات الخاصة.

وساعد زواجه من أسماء الأخرس وهي مصرفية سابقة مولودة في بريطانيا، والتي له منها ثلاثة أطفال، في تعزيز الآمال في قدرته على قيادة سوريا على مسار إصلاحي أكثر.

ومن أبرز محطات الود المبكر بين بشار الأسد وزعماء غربيين حضوره قمة في باريس حيث كان ضيف شرف في العرض العسكري السنوي بمناسبة يوم الباستيل.

ولكن مع بقاء النظام السياسي الذي ورثه دون تغيير، تلاشت علامات التغيير سريعا.

وسجن معارضون وساهمت الإصلاحات الاقتصادية في انتشار ما وصفه دبلوماسيون أمريكيون، في برقية صادرة عن السفارة الأمريكية في عام 2008 نشرتها ويكيليكس، بالمحسوبية والفساد "الطفيلي".

بشار الأسد
بلومبرغ: محاولة أخيرة للأسد للاحتفاظ بالسلطة
مع اقتراب المتمردين السوريين من العاصمة دمشق، يقوم الرئيس بشار الأسد بمحاولة أخيرة للبقاء في السلطة، بما في ذلك المبادرات الدبلوماسية غير المباشرة مع الولايات المتحدة والرئيس المنتخب دونالد ترامب، وفقًا لما قاله أشخاص لديهم معرفة مباشرة بالوضع لوكالة "بلومبرغ".



في حين كانت النخبة تعيش حياة جيدة، دفع الجفاف الفقراء إلى النزوح من المناطق الريفية إلى الأحياء الفقيرة حيث اشتعلت الثورة.

وأدى التوتر الذي نشأ مع الغرب بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في عام 2003 إلى قلب ميزان القوى في الشرق الأوسط رأسا على عقب.

وأسفر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في بيروت في عام 2005 عن ضغوط غربية أجبرت سوريا على الانسحاب من لبنان. وأشار تحقيق دولي أولي إلى تورط شخصيات سورية ولبنانية بارزة في عملية الاغتيال.

وفي حين نفت سوريا تورطها، قال نائب الرئيس السابق عبد الحليم خدام إن الأسد هدد الحريري قبل أشهر، وهو الاتهام الذي نفاه الأسد أيضا.

وبعد خمسة عشر عاما، أدانت محكمة مدعومة من الأمم المتحدة أحد أعضاء حزب الله المدعوم من إيران بالتآمر لقتل الحريري. ونفى حزب الله، حليف الأسد، أي دور له في عملية الاغتيال.