الأمم المتحدة تحاول جمع مليارات الدولارات لأعمال الإغاثة في سوريا
الأمم المتحدة تحاول جمع مليارات الدولارات لأعمال الإغاثة في سوريا

أطلقت مؤسستان سوريتان هما "مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية" و"البرنامج السوري للتطوير القانوني"، دراسة "غير مسبوقة" كشفت عن "كيفية استفادة الشركات الخاصة المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا من مشتريات الأمم المتحدة من الدولة، وحصة التمويل التي تذهب إليها".

واعتمدت الدراسة في عملية البحث على مصادر مفتوحة، من قبيل الجريدة السورية الرسمية، وأخرى تتيحها وكالات الأمم المتحدة، فضلا عن مقابلات مع 5 موظفين سابقين، و3 رجال أعمال، وخبيرين في عمليات الأخيرة في سوريا، من دبلوماسيين ومدنيين.

وجاء الإطلاق ضمن فعالية استضافها برنامج سوريا في "معهد الشرق الأوسط"، الثلاثاء، وحضرها المعدون من كلا المؤسستين في واشنطن، وخبراء من منظمات حقوق إنسان دولية.

ومنذ عام 2011 جعل الوضع الكارثي في سوريا منذ بدء الثورة البلاد السوريين من أكبر المتلقين للمساعدات الإنسانية في العالم، فيما كان الجزء الأكبر من إنفاق هذه المليارات، يتم من جانب الأمم المتحدة، والتي تواصل العمل حتى الآن "في بيئة شديدة التقييد".

ورغم أن تقارير سابقة كشفت عن شبهات "فساد" سابقة، إلا أن معدو الدراسة الحالية قالوا إنها "أول جهد كمي ومنهجي لفحص ديناميات الموردين". وهؤلاء ممن يرتبطون بعلاقات مباشرة وغير مباشرة مع النظام السوري، وقد تغلغلوا في سلسلة صفقات وعقود أبرمتها الوكالات الأممية، لأعوام سابقة.

وحللت الدراسة الأموال التي ذهبت إلى أكبر 100 مورد معروفين للأمم المتحدة في سوريا.

ووجدت أن حوالي 137 مليون دولار ذهبت إلى ما أسماه التقرير شركات ذات خطورة "عالية" أو "عالية جدا"، بما في ذلك الشركات المملوكة لمستغلي الحرب، والأشخاص المعاقبين، وحلفاء النظام البارزين.

وكتب مؤلفو التقرير: "عندما يتم إساءة استخدام المساعدات الإنسانية وتشويهها بشكل منهجي، بحجة حماية حيادية العمليات الإنسانية، فقد تصبح سلاحا خطيرا في يد الحكومة ضد شعبها".

وتواصل موقع "الحرة" عبر الهاتف ومن خلال البريد الإلكتروني مع، ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة من أجل الحصول على تعليق بشأن الدراسة المذكورة، إلا أنه لم يتلق ردا حتى ساعة إعداد هذا التقرير.

"سبع محاور"

وحسب الدراسة التي اطلع عليها موقع "الحرة" قبل إطلاقها فقد سلطت الضوء على سبع قضايا تتعلق بعمليات الشراء الحالية بين الموردين ووكالات الأمم المتحدة.

القضايا هي: "منتهكو حقوق الإنسان الذين يستغلون النظام"، و"التعاقد مع الأفراد والكيانات الخاضعة للعقوبات"، و"عدم تحديد الجبهات والوسطاء"، و"الاعتماد على العقود الكبيرة"، و"نقص الشفافية"، و"استيعاب الفساد" و"عدم حماية الطاقم".

وكشفت التحقيقات أن العديد من الموردين وهي شركات مرتبطة أو يملكها منتهكون لحقوق الإنسان، ومستفيدون من النظام السوري بشكل مباشر.

وعلى سبيل المثال فإن شركة "صقور الصحراء" التي حصلت على عقود بمبلغ إجمالي قدره 1،036،036 دولارا أميركيا مع منظمة "اليونيسف" و"الأونروا" في عامي 2019 و2020 هي في الواقع شركة مملوكة لبلال النعال وفادي أحمد.

ويعرف "فادي أحمد" باسم "فادي صقر" أيضا، وهو قائد ميليشيا "الدفاع الوطني" الموالية للنظام السوري، والمسؤولة عن انتهاكات واسعة، لاسيما في دمشق في الأعوام الأولى للثورة.

وكان أبرز هذه الانتهاكات التي ارتبطت باسم هذه الميليشيا مجزرة التضامن في 2013، والتي تم الكشف عنها مؤخرا.

وإحدى الأمثلة الأخرى التي أوردتها الدراسة، كانت شركة "فيرست كلاس" التي يملكها نزهت مملوك، وهو ابن علي مملوك مدير مكتب الأمن القومي والشخصية الأمنية الأقوى والأبرز في النظام السوري. 

وقد حصلت شركة "ابن مملوك" على عقد قيمته 371000 دولار أميركي من "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" (UNDP) في عام 2020.

وجاء في الدراسة أنه تم دفع ما مجموعه 68 مليون دولار أميركي لشركات مملوكة جزئيا على الأقل لأفراد، هم على لوائح العقوبات الأميركية والأوروبية، ولوائح عقوبات المملكة المتحدة، نتيجة ممارساتهم وانتهاكاتهم لحقوق الإنسان.

وهذا "المبلغ الصادم" يمثل ما يقارب 23 بالمئة من إجمالي المشتريات، التي حصلت عليها الأمم المتحدة من الموردين الخاصين.

في غضون ذلك، أشار المعدون إلى أن المعلومات الصادمة كان بالإمكان الحصول عليها والتحقق منها بسهولة، ففادي صقر المالك أيضا لشركة "صقور الصحراء" المذكور سابقا، هو على قوائم العقوبات الأميركية منذ أغسطس 2020. 

وكذلك الأمر في أحد الأمثلة الأخرى، حيث وجدت الدراسة أن شركة "الأمير للمنتجات الغذائية"، والتي تعتبر جزء من مجموعة الأمير المملوكة لسمير حسن وعائلته حصلت على عقود مع "برنامج الغذاء العالمي" في عامي 2019 و 2020، بمبلغ إجمالي قدره 8،444،671 دولارا أميركيا.

وتضيف: "مع العلم أن سمير حسن معاقب من قبل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة لدوره في دعم النظام السوري"، بالإضافة للعديد من الشخصيات الأخرى كنادر القلعي وخالد الزبيدي مالكي ومطوري فندق إيبلا، الذين حصلا على عقود بقيمة 102،325 دولارا أميركيا في عام 2019، رغم أنهما مستهدفين بالعقوبات الأميركية بموجب قانون قيصر.

"وسطاء تسهيل الأعمال"

تطرقت الدراسة في محاور أخرى إلى البحث في الجهات التي لعبت دور الوسيط مع أفراد من مرتكبي الانتهاكات، أو لعبت دور تسهيل أعمالهم.

وأوردت مثالا عن شركة "شروق للخدمات الأمنية"، التي فازت بعقود مع "منظمة الصحة العالمية" و"برنامج الأغذية العالمي" و"برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" خلال عامي 2019 و 2020 بمبلغ إجمالي قدره 2،365،120 دولارا أميركيا. 

وتتهم هذه الشركة أنها مرتبطة بماهر الأسد، شقيق رئيس النظام وقائد "الفرقة الرابعة" سيئة السمعة. 

وعلى هذا النهج تم إبرام العديد من العقود، من بينها التمويل الأعلى لـ"برنامج الأغذية العالمي" بقيمة  25،729،583 خلال عامي 2019 و 2020 مع "الشركة السورية لزيت الزيتون"، المملوكة لحبيب وإياد بيتنجانة (40 بالمئة) ، نزار الأسعد (40 بالمئة)، غسان أديب مهنا (10 بالمئة) وحسن شريف (10 بالمئة).

و"الأسعد" و"مهنا" و"شريف" هم شركاء للراحل محمد مخلوف، عم رئيس النظام بشار الأسد، ومهنا هو صهره أيضا.

أما حسن شريف، هو شقيق عمار شريف، الذي تم إدراجه أيضا من قبل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، والذي حددته سلطات العقوبات، على أنه "واجهة لعائلة مخلوف".

علاوة على ذلك، وجدت الدراسة أن شركة "رامي قبلان للتجارة"، التي تعتبر جزء من مجموعة رامي قبلان، التي تأسست عام 2013، قد حصلت على تمويل بعقود مع العديد من وكالات الأمم المتحدة في عامي 2019 و 2020 بمبلغ إجمالي قدره 21،521،453 دولار أميركي. 

و"رامي قبلان" مرتبط بإيهاب مخلوف، شقيق رامي مخلوف، قريب رئيس النظام وكذلك الاسم الأبرز في دعم النظام اقتصاديا حتى عام 2019.

وهذه الشبكة من العلاقات المعقد والمرتبطة جميعها بدعم النظام تظهر كيف تم بناء هذه الشركات لتلعب دور الوسيط لدعم وتمويل مرتكبي الانتهاكات، ومجددا لم تكن هذه المعلومات مستحيلة الوصول.

"غوص في التفاصيل"

يقول الدكتور، كرم شعار، إن الدراسة "ستزيد الضغط على منظمات الأمم المتحدة العاملة في سوريا، حتى تستثمر بشكل أكبر في مكافحة الفساد الموجودة في مؤسساتها، ولكي تتوخى الحذر بشكل أكبر في المستقبل، وصولا للابتعاد عن أفراد مرتبطين بانتهاكات لحقوق الإنسان".

واعتمدوا في عملية بحثهم، حسب ما يقول شعار لموقع "الحرة" على بيانات "مرصد الشبكات السوري"، وعلى الجريدة الرسمية السورية وعلى بعض المواقع والمصادر الأخرى.

ويضيف: "بشكل عام فإن الرقابة على وكالات الأمم المتحدة من قبل الدول المانحة أقل بكثير من رقابة الدول على مؤسسات القطاع الخاص. لهذا السبب نجد هناك حالات وممارسات غير سليمة".

ويوضح الباحث السوري أن العقوبات الدولية المفروضة على النظام السوري هي بالمجمل "أحادية الجانب"، وهو ما تؤكد عليه الأمم المتحدة بقولها إنها غير معنية وغير ملزمة بها".

لكن في المقابل يرى شعار أن "الدول المانحة لا تزال تمتلك حق القول: صحيح إن الأمم لا تلتزم لكنني كمانح من حقي معرفة كيف تستخدم هذه الأموال. من حقي أيضا القول: يجب أن تلتزم الأمم المتحدة بعدم التعامل مع عدة أشخاص".

في غضون ذلك، بحثت الدراسة في طبيعة المناقصات التي تجريها وكالات الأمم المتحدة لمشترياتها، خاصة تلك الكبيرة منها. 

"المناقصات مثل المنتجات الغذائية، هناك احتمالية حقيقية فيها للمنافسة، خاصة وأن السعر الذي يقدمه المورد هو العامل الرئيسي في تحديد الفائز".

وكلما زاد حجم العقد، قلت المنافسة واستبعدت الشركات الصغيرة منها لتقتصر على الشركات الكبيرة التي من المرجح أن تكون مرتبطة كليا أو جزئيا بالنظام السوري ومنتهكي حقوق الإنسان"، وفق المعدون، لاسيما أنها "الشريحة الوحيدة التي تملك القدرة على التقديم وتوفير المواد والحماية".

وشكّلت قضايا الشفافية في العمل لدى وكالات الأمم المتحدة إحدى النقاط الإشكالية التي أوردها التقرير، والذي رغم اعتماده على بيانات الأمم المتحدة نفسها، إلا أنه خلص أن هناك "قمعا للمعلومات" بطريقة ملفتة للنظر.

وتحدث المعدون أن أكثر من 75 مليون دولار أميركي من قيمة المشتريات ذهب لجهات غير معروفة تم حجب اسمها من تقارير الأمم المتحدة لـ "دواعي أمان وخصوصية".

وهذه الحالة تمثل ما يقارب من 20 بالمئة من المشتريات، لتجعل سوريا في المركز الأول بحجب هذه النوع من البيانات عن الرأي العام وبنسبة تصل إلى الضعف تقريبا عن صاحب المركز الثاني اليمن.

ولا تقتصر مشكلة الشفافية على حجب المعلومات فقط، بل تصل إلى تحويل الأموال التي كانت تحصل عليها الأمم المتحدة بالدولار الأميركي من الداعمين إلى الليرة السورية من خلال مصرف سوريا المركزي.

وكان "المركزي" يبيع الدولار بسعر تعسفي وبفارق كبير جدا عن سعره الحقيقي، ما يزيد من مخاوف عمليات غسيل الأموال التي قد تمارسها جهات مرتكبة للانتهاكات تحت هذا الغطاء، وصولا إلى الإعلان عن جهات متعاقدة مرخصة في دول كلبنان والإمارات وغيرها، من دون الإشارة إلى الجهة العاملة أو منفذة الخدمة داخل سوريا لتبقى مجهولة، "ما يشكل غطاء إضافيا وغياب للشفافية في العمل".

"تحدي التوظيف"

رغم أن محاربة الفساد يعتبر من أبرز ما تتعهد الأمم المتحدة بالتقيد به في كتيبها الخاص، "إلا أن هذا لا يظهر في عملها داخل سوريا كما يفترض به"، حسب ما توصل إليه الباحثون.

وفي إحدى المقابلات التي أجراها المعدون وصفت عمل الأمم المتحدة في سوريا بأنه يشبه "أي مؤسسة حكومية"، من حيث الفساد والمحسوبية والتوظيف، بناء على الخدمات والضغوطات الممارسة وتسريب المعلومات للموردين. 

"التوظيف مع الأمم المتحدة في سوريا كان تحديا لوحده، شابه الكثير من الفساد، من خلال تدخل النظام وحرمان موظفين من التأشيرات".

وجاء في الدراسة أن "النظام السوري تمكن من إلزام موظفي الأمم المتحدة الدوليين غير المتعاونين على مغادرة البلاد من خلال الضغط عليهم أو تخويفهم أو حرمانهم من التأشيرات، في مقابل تفضيل أولئك الذين يؤيدون رواية النظام، حيال ما يحصل في سوريا خلال العقد الماضي".

كذلك "نجح النظام في الضغط لتوظيف أفراد مرتبطين به، سعيا للاستفادة من الرواتب العالية لموظفي الأمم المتحدة، مقارنة بالوضع المعيشي ومتوسط الرواتب السيء جدا في سوريا".

أبرز الأمثلة عما سبق كان توظيف شكرية المقداد، زوجة وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، بعقد مع منظمة الصحة العالمية في عام 2016، رغم أن بعضا من كوادر المنظمة اعترضت آنذاك على هذا التعاقد.

وأضاف المعدون: "وصف أحد الموظفين السابقين الذين قابلهم التقرير بأن إداراتهم (مليئة بالشبيحة) وهذا ما سهل الفساد ونشر الخوف والرعب لدى أي صوت معارض لهذه الآلية في العمل والتوظيف".

وفي هذا السياق خلص المعدون إلى أن "الوكالات الأممية عجزت عن حماية الموظفين من مضايقات وتهديدات النظام والقوات الأمنية والمسلحة التابعة له، حيث يعتبر ترهيب موظفي الأمم المتحدة تهديد حقيقي لعملهم وسلامتهم".

كما خلصوا ألى أن "الموظفين باتوا تحت رعب رفض منح المشاريع أو قبول عروض الشخصيات المدعومة من النظام. بينما كانت ردود فعل مديري الوكالات هي الخضوع لهذه الضغوطات أو دفع الموظفين لقبول ما يطلب منهم خوفا من التهديدات عوض عن حمايتهم".

الشرع والجهاد الإسلامي

بالتزامن مع زيارة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إلى دمشق ولقائه بالرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، تحدثت تقارير عن اعتقال القوات الأمنية السورية قياديين بارزين من حركة الجهاد الإسلامي، في حدث يبدو شديد الدلالة على التحولات الكبيرة التي تشهدها سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر من العام الماضي.

وقالت "سرايا القدس"، وهي الجناح العسكري للجهاد الإسلامي، في بيان الأربعاء إن خالد خالد مسؤول الحركة في سوريا وياسر الزفري مسؤول لجنتها التنظيمية محتجزان لدى السلطات السورية منذ خمسة أيام.

وأضافت أن السلطات ألقت القبض على الرجلين "دون توضيح أسباب الاعتقال وبطريقة لم نكن نتمنى أن نراها من إخوة". ودعت إلى "الإفراج" عنهما. 

وأكد مسؤول في وزارة الداخلية السورية لوكالة رويترز نبأ إلقاء القبض على القياديين في الحركة، لكنه لم يجب عن أسئلة لاحقة حول سبب اعتقالهما.

حركة "الجهاد الإسلامي" هي إحدى أهم الفصائل الفلسطينية المسلحة، وإن كانت أكثرها غموضاً وتعقيداً، من حيث تاريخها وأيديولوجيتها. صنفتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، ونمت لتصبح ثاني أكبر حركة مسلحة في قطاع غزة وثالث أكبر حركة في الضفة الغربية.

وعلى الرغم من أنها أصدرت أول بيان علني لها في 11 ديسمبر عام 1987، كان وجودها واحدا من أكثر أسرار المقاومة الفلسطينية كتمانا. تأسست الحركة في قطاع غزة عام 1981 على يد مجموعة من الطلاب الفلسطينيين الذين لم يسبق لأحدهم أن أمسك بسلاح، لكنها سريعاً تحولت إلى استخدام العنف ضد أهداف إسرائيلية في عام 1984، أي قبل خمس سنوات من ظهور حركة حماس.

واكتسبت الحركة سمعة سيئة بسبب طبيعة هجماتها المثيرة للجدل في عنفها، ومواقفها المتصلبة ضد إسرائيل. وكان الشعار الذي طرحته هو: "الإسلام، الجهاد، وفلسطين": الإسلام كنقطة انطلاق، الجهاد كوسيلة، وتحرير فلسطين كهدف.

وكانت الحركة ولا تزال ملتزمة بـ"لاءات ثلاث": لا تفاوض، ولا حل الدولتين، ولا اعتراف بإسرائيل.

في كتابه "تاريخ الجهاد الإسلامي الفلسطيني: الإيمان والوعي والثورة في الشرق الأوسط"، يروي الباحث إيريك سكير حكاية جذور تأسيس حركة الجهاد الإسلامي، التي بدأت من رسم وضعه فتحي الشقاقي (مؤسس الحركة/ اغتيل في العام ١٩٩٥) على ورقة في مارس 1979، يمثل مستطيلًا يتقاطع مع دائرة. 

كان هذا الرسم، بحسب سكير، يمثل مشروعهم السياسي الجديد، ويحتوي على ثلاث مساحات متميزة. تمثل المساحة الأولى "الإخوة الذين كانوا أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين فقط". ثم هناك "الإخوة الذين كانوا أعضاء في كل من جماعة الإخوان والمشروع الجديد الذي يشكل نوعاً ما انشقاقاً عن الإخوان. وأخيراً، هناك أولئك الذين انضموا إلى هذا المشروع دون أن يكونوا من الإخوان المسلمين. كانت هذه المنظمة تُعرف بـ "الطلائع الإسلامية"، وهي نواة حركة الجهاد الإسلامي.

والتعقيد في سيرة الجهاد الإسلامي وتموضعها، مرده إلى عوامل عديدة لعبت دوراً في رسم هوية الحركة وتشكيل أفكارها من روافد متنوعة، وقد تبدو أحياناً متناقضة. فهي كما يرى باحثون، بينهم الباحثة الإسرائيلية مائير هاتينا، نشأت من تأثير حاسم للجماعات المصرية المتطرفة في السبعينيات. 

وفي المقابل، تركز الباحثة، بفيرلي ميلتون إدواردز، على صراع الحركة مع جماعة الإخوان المسلمين في أوائل الثمانينيات، بشأن المقاومة المسلحة. وبينهما رأي، يتوقف عنده إيريك سكير في كتابه، يقول بأن "الجهاد الإسلامي" خرجت تأثراً بالثورة الإيرانية عام ١٩٧٩. 

وفي الحالات كلها، تبدو حركة "الجهاد الإسلامي" اليوم في قلب هذه التناقضات، فهي الفصيل الأقرب فلسطينياً إلى إيران تمويلاً وتسليحاً مع إشارات إلى حالات "تشيّع" داخل الحركة. ومع ذلك فإن تنسيقها مع حماس لم يتوقف، حتى مع التباين بين حماس و"الجهاد" حول قضية الثورة السورية، وبقاء الجهاد الإسلامي في "حضن" النظام السوري مستفيدة من الحماية التي وفرها لها، في وقت كانت حماس تبتعد عن النظام بسبب مزاج الثورة القريب من الإخوان المسلمين.

مع ذلك نسقت حماس مع "الجهاد" هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، وتحتفظ بأسرى إسرائيليين.

ومع تولي أحمد الشرع السلطة في سوريا، تزداد الأمور تعقيداً. فالشرع يميل، بحسب معطيات عديدة، إلى الاقتراب أكثر من تسوية مع إسرائيل قد تستكمل باتفاقية سلام، والابتعاد أكثر عن حماس وما تمثله. ولقاؤه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس يصب في هذا السياق.

ولا يحيد اعتقال الأمن السوري القياديين في "الجهاد" عن هذا "النهج"، ويأتي استكمالاً للمزاج السياسي للشرع المبتعد بوضوح، إلى حد القطيعة، عن إيران. إذ قطعت القيادة السورية الجديدة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وتأمل في إعادة بناء الدعم الإقليمي والدولي لسوريا، لا سيما رفع العقوبات وتمويل إعادة الإعمار بعد حرب أهلية مدمرة استمرت 14 عاماً.

لكن قد لا يعني اعتقال القياديين في الجهاد أن الشرع سيفعل الشيء ذاته مع حركة "حماس" في سوريا، على الأقل في الفترة المقبلة، كما يوضح نائب مدير مركز كارنيغي، الباحث مهند الحاج علي، لموقع "الحرة". بل إن الشرع على الغالب سيحافظ على العلاقة التاريخية بحماس لما تمثله من امتداد يرتبط بالإخوان المسلمين. 

وإذا كان الشرع في وارد "بيع" حماس، فإنه بالتأكيد سيطلب ثمناً عالياً لقاء ذلك. ويعتقد الحاج علي أن حماس لن تُحرج الشرع وستلتزم بما يناسبه في سوريا، حتى لو عنى ذلك قطع التواصل مع إيران، وإن كان الباحث في كارنيغي يتوقع أن تلعب حماس أدواراً في المستقبل لتحسين علاقات الشرع بإيران.

وأوردت وكالة رويترز في تقرير الشهر الماضي أن الولايات المتحدة قدمت لسوريا قائمة شروط يتعين الوفاء بها مقابل تخفيف جزئي للعقوبات. وذكرت مصادر لرويترز أن أحد الشروط هو إبعاد الجماعات الفلسطينية المدعومة من إيران.