مرتكب مجزرة التضامن في سوريا.. رائد في المخابرات
وثق تحقيق المجزرة الذي نشر، في شهر أبريل، الجريمة بالفيديو وباسم مرتكبها وصورته | Source: Webscreenshot (theguardian.com)

ما يزال مرتكب "مجزرة التضامن" في سوريا، الرائد في مخابرات النظام السوري أمجد يوسف "حرا طليقا"، وعلى رأس عمله بقاعدة عسكرية في منطقة كفرسوسة بالعاصمة دمشق، حسب ما كشف عنه تقرير جديد نشرته صحيفة "الغارديان"، يوم الجمعة.

وأعاد التقرير فظائع هذه المجزرة التي حصلت في عام 2013 وتم الكشف عنها في شهر أبريل الماضي إلى الواجهة من جديد، مستعرضا "مستجدات" طرأت على صعيد التحقيق الخاص بها، والذي يقوده بشكل ثنائي الادعاء الألماني والفرنسي.

وتحدث التقرير عن احتمالية تعرّف محققين ألمان على أحد رفاق "أمجد يوسف"، وهو ضابط سابق ويقيم في ألمانيا، وهم بصدد إعداد قضية ضده.

ونقل عن أحد زملاء "يوسف" قوله إن حضور الأخير "كان مخيفا في التضامن"، وأنه اختطف النساء بانتظام، وكثير منهن لم يعدن، مضيفا: "رأيته يأخذ النساء من طابور الخبز ذات صباح، كانوا أبرياء، لم يفعلوا شيئا، تعرضوا إما للاغتصاب وإما للقتل، لا شيء أقل".

ولفتت الصحيفة إلى تسجيل مصوّر غير منشور قالت إنها اطلعت عليه، ويظهر أمجد يوسف يطلق النار على ما يصل إلى ست سيدات ضمن حفرة، ثم يجري إشعال النار في الحفرة، وتتولى جرافة ردمها، فيما يبدو أنه محاولة محو آثار الجريمة.

وجرى تنفيذ ما يصل إلى 12 مجزرة أخرى، كان أهالي المنطقة يعرفون مواقعها، وفق ما نقلته "الغارديان" عن الزميل السابق ليوسف، مشيرة في الوقت نفسه إلى الاشتباه بوجود بعد طائفي لعمليات القتل.

لكن زميلين سابقين لمرتكب المجزرة اعتبرا العمليات "تحذيرا للمجتمعات في التضامن وحولها من التعاون مع جماعات المعارضة". وأضافا أن "جميع مواقع المجازر كانت محظورة على الأهالي، وأن العدد النهائي للقتلى على يد فرع المنطقة (227) التابع لشعبة المخابرات العسكرية قد يصل إلى 350 شخصا".

"نساء ضحايا الوحش" 

ورغم أن "مجزرة التضامن" ليست الأولى من نوعها في سوريا التي يرتكبها عناصر وضباط في قوات النظام السوري، إلا أن الآلية التي كُشفت فيها، قبل أشهر، أثبتت ضلوع المؤسسة الأمنية التابعة للنظام السوري في قتل مدنيين عزل بأسلوب "الإعدام الميداني".

ووثق تحقيق المجزرة الذي نشر، في شهر أبريل، وأعده الباحثان أنصار شحّود وأوغور أوميت أونجور، العاملان في "مركز الهولوكوست والإبادة الجماعية" في جامعة أمستردام الجريمة بالفيديو وباسم مرتكبها وصورته، ليذهب بعيدا وعلى مدى سنوات ليلتقي فيه افتراضيا وجها لوجه، ويسحبا جزءا من تفاصيل ما فعله بلسانه وباعترافاته.

وحسب ما أورد التحقيق، آنذاك، فإن المنفذ الرئيسي للمجزرة في التضامن هو العنصر في مخابرات النظام "أمجد يوسف"، والذي كان يشغل بعد عام 2011 منصب صف ضابط "محقق" في فرع المنطقة أو الفرع 227، وهو فرع تابع للأمن العسكري "شعبة المخابرات العسكرية".

وكان تسجيلٌ مصور وحيد قد أظهر كيف كان "يوسف" يقتاد مع شخص آخر رجالا معصوبي العينين ومكبلي اليدين إلى شفا حفرة، ومن ثم يدفعهم إليها ويطلق النيران على رؤوسهم وأجسادهم.

لكن إلى جانب هذا الفيديو، الذي نشر وكان أساس الكشف عن المجزرة، وصل إلى يد معدي التحقيق والمحققين 27 تسجيلا آخرا، فيما تحفظوا على نشرها "لاعتبارات إنسانية من جهة وحقوقية من جهة أخرى"، وفق ما يقول أحد المطلعين لموقع "الحرة".

وتظهر إحدى التسجيلات التي لم تنشر، وسبق وأن استعرضت تفاصيلها مجلة "نيولاينز" كيف قتلت سبع نساء يرتدين الحجاب والمعاطف، التي تميز ملابس النساء المحافظات "بشراسة وكراهية".

وجاء في تقرير المجلة الذي نشر في 27 من أبريل: "إحداهن صرخت صرخات استغاثة، ولكن نداءها لم يصل إلى أذني قاتلها، بل أجابها قائلا: (قومي ولك شر**). تم جرها من شعرها وإلقاؤها في الحفرة".

جانب آخر من تسجيل مختلف أظهر "امرأتان تصرخان بلا حسيب ولا رقيب عندما يركلهما أمجد يوسف في القبر ويقتلهما؛ بينما تواجه أخريات مصيرهن في صمت".

وفي مقطع فيديو إضافي لم ينشر أيضا تدور الكاميرا حول مجموعة من الأطفال القتلى، بما في ذلك الأطفال الرضع الذين تعرضوا للطعن أو بالرصاص، ويرقدون في غرفة مظلمة بينما يتحدث ماسك الكاميرا بإيجاز: "أطفال أكبر الممولين من حي ركن الدين. تضحية لروح الشهيد نعيم يوسف".

ولخص معدو التحقيق بالنسخة التي نشرتها "نيولاينز" مشاهد وحشية من الإعدام الميداني بعبارة أن "معظم الضحايا يموتون في صمت. قليل من التسول والبكاء والصياح؛ يحاول الآخرون المساومة أو التسوية أو التماس. لا أحد منهم ينطق بـالشهادة. شهادة إيمان المسلمين، قبل الموت".

"يتوسل أحد الضحايا: أرجوك من أجل الإمام علي، لكن يوسف لا يرحم ويقذفه: اللعنة عليك يا ابن العاهرة"، وفق معدي التحقيق.

"ما خفي أعظم"

وكانت فرنسا قد اتخذت، في شهر أغسطس الماضي، خطوة هي الأولى من نوعها على المستوى الدولي حيال ملف "مجزرة حي التضامن".

وفي بيان نشرته وزارة الخارجية الفرنسية، حينها، قالت إنها أحالت إلى "مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب"، وثائق تتعلق بـ"المجزرة"، للتحقيق فيها.

وأضافت أن هذه الوثائق تحمل صورا وتسجيلات مصوّرة للمجزرة التي ارتكبتها القوات الموالية للنظام السوري في حي التضامن بدمشق عام 2013، فيما تعد نتيجة "جهد طويل للعديد من الأشخاص المدافعين عن حقوق الإنسان"، وفق ما ذكره البيان.

وأشارت الخارجية إلى أن هذه الجريمة يمكن أن تكون من "أخطر الجرائم الدولية وجرائم الحرب"، وأن فرنسا "تواصل العمل من أجل ضمان عدم إفلات مرتكبي جرائم الحرب بحق الشعب السوري".

وسرعان ما أصدر النظام السوري بيانا علّق بموجبه على ما أعلنته الخارجية الفرنسية، فيما كان أول رد من جانبه على التحقيق الذي كشف "المجزرة" بتفاصيلها الدقيقة، في شهر أبريل.

وقال مصدر رسمي مسؤول في وزارة الخارجية والمغتربين بحكومة النظام السوري، في 15 من أغسطس، إن المقطع المسرّب "مفبرك ومجهول المصدر، ويفتقد لأدنى درجات الصدقية"، في إشارة إلى التسجيل الذي أظهر الضابط "يوسف" وهو يقوم بإعدام المدنيين، ومن ثم دفعهم داخل "الحفرة".

واعتبر المصدر، بحسب بيان نشرته الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا) أن تصرف فرنسا "لم يكن مستغربا، باستخدام المواد المكررة التي تعتبر من أكثر الأدوات تضليلا والتي استُخدمت في العدوان على سوريا".

علي الجاسم، وهو باحث مختص في الجماعات شبه العسكرية، ومطلع على حيثيات المجزرة يقول لموقع "الحرة" إن ما نشر عنها هو "غيض من فيض"، وأن هناك 27 تسجيلا مصورا توثق مجازر مختلفة.

ويضيف الجاسم: "هناك حفرة ألقيت فيها النساء بعد إعدامهن. توجد مقاطع ذبح. ما خفي أعظم"، وأن "هناك اعتبارات تتعلق بالتحقيق وأمنية وإنسانية احتراما للضحايا وعائلاتهم تحول دون نشره بقية التسجيلات".

ويوضح الباحث أن دخول الادعاء الألماني على الخط يأتي ضمن "جهد مشترك مع فرنسا"، إذ تولت هاتين الدولتين المبادرة القانونية المتعلقة بالمجزرة.

ويتميز مسار "مجزرة التضامن" عن باقي الأنشطة التوثيقية أو الحقوقية بأنها "أظهرت خطوط الأوامر والقيادة. من القاعدة حتى قيادة شعبة المخابرات العسكرية، وصولا إلى مكتب الأمن القومي والقصر الجمهوري".

"إذا قارنا التضامن بصور قيصر لدينا توثيق للإجرام في كلا الحالتين، لكن يخفى في الأخيرة المرتكب الفيزيائي لهذه الأفعال".

ويوضح الجاسم: "في مجزرة التضامن لدينا المرتكب. هو ليس صورة تمر بشكل عابر. الشخص بات معروفا ومن هو وما هي خلفياته وارتباطاته ووضعه الاجتماعي، والعلاقات التي نسجها مع مرؤوسيه".

وزاد: "هي قضية متكاملة الأركان، والأهم أنها أثبتت بالدليل القاطع تورط الأجهزة الأمنية، وأن فعل المجزرة في السياق السوري هو عمل منظم وليس اعتباطيا".

الشرع والجهاد الإسلامي

بالتزامن مع زيارة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إلى دمشق ولقائه بالرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، تحدثت تقارير عن اعتقال القوات الأمنية السورية قياديين بارزين من حركة الجهاد الإسلامي، في حدث يبدو شديد الدلالة على التحولات الكبيرة التي تشهدها سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر من العام الماضي.

وقالت "سرايا القدس"، وهي الجناح العسكري للجهاد الإسلامي، في بيان الأربعاء إن خالد خالد مسؤول الحركة في سوريا وياسر الزفري مسؤول لجنتها التنظيمية محتجزان لدى السلطات السورية منذ خمسة أيام.

وأضافت أن السلطات ألقت القبض على الرجلين "دون توضيح أسباب الاعتقال وبطريقة لم نكن نتمنى أن نراها من إخوة". ودعت إلى "الإفراج" عنهما. 

وأكد مسؤول في وزارة الداخلية السورية لوكالة رويترز نبأ إلقاء القبض على القياديين في الحركة، لكنه لم يجب عن أسئلة لاحقة حول سبب اعتقالهما.

حركة "الجهاد الإسلامي" هي إحدى أهم الفصائل الفلسطينية المسلحة، وإن كانت أكثرها غموضاً وتعقيداً، من حيث تاريخها وأيديولوجيتها. صنفتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، ونمت لتصبح ثاني أكبر حركة مسلحة في قطاع غزة وثالث أكبر حركة في الضفة الغربية.

وعلى الرغم من أنها أصدرت أول بيان علني لها في 11 ديسمبر عام 1987، كان وجودها واحدا من أكثر أسرار المقاومة الفلسطينية كتمانا. تأسست الحركة في قطاع غزة عام 1981 على يد مجموعة من الطلاب الفلسطينيين الذين لم يسبق لأحدهم أن أمسك بسلاح، لكنها سريعاً تحولت إلى استخدام العنف ضد أهداف إسرائيلية في عام 1984، أي قبل خمس سنوات من ظهور حركة حماس.

واكتسبت الحركة سمعة سيئة بسبب طبيعة هجماتها المثيرة للجدل في عنفها، ومواقفها المتصلبة ضد إسرائيل. وكان الشعار الذي طرحته هو: "الإسلام، الجهاد، وفلسطين": الإسلام كنقطة انطلاق، الجهاد كوسيلة، وتحرير فلسطين كهدف.

وكانت الحركة ولا تزال ملتزمة بـ"لاءات ثلاث": لا تفاوض، ولا حل الدولتين، ولا اعتراف بإسرائيل.

في كتابه "تاريخ الجهاد الإسلامي الفلسطيني: الإيمان والوعي والثورة في الشرق الأوسط"، يروي الباحث إيريك سكير حكاية جذور تأسيس حركة الجهاد الإسلامي، التي بدأت من رسم وضعه فتحي الشقاقي (مؤسس الحركة/ اغتيل في العام ١٩٩٥) على ورقة في مارس 1979، يمثل مستطيلًا يتقاطع مع دائرة. 

كان هذا الرسم، بحسب سكير، يمثل مشروعهم السياسي الجديد، ويحتوي على ثلاث مساحات متميزة. تمثل المساحة الأولى "الإخوة الذين كانوا أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين فقط". ثم هناك "الإخوة الذين كانوا أعضاء في كل من جماعة الإخوان والمشروع الجديد الذي يشكل نوعاً ما انشقاقاً عن الإخوان. وأخيراً، هناك أولئك الذين انضموا إلى هذا المشروع دون أن يكونوا من الإخوان المسلمين. كانت هذه المنظمة تُعرف بـ "الطلائع الإسلامية"، وهي نواة حركة الجهاد الإسلامي.

والتعقيد في سيرة الجهاد الإسلامي وتموضعها، مرده إلى عوامل عديدة لعبت دوراً في رسم هوية الحركة وتشكيل أفكارها من روافد متنوعة، وقد تبدو أحياناً متناقضة. فهي كما يرى باحثون، بينهم الباحثة الإسرائيلية مائير هاتينا، نشأت من تأثير حاسم للجماعات المصرية المتطرفة في السبعينيات. 

وفي المقابل، تركز الباحثة، بفيرلي ميلتون إدواردز، على صراع الحركة مع جماعة الإخوان المسلمين في أوائل الثمانينيات، بشأن المقاومة المسلحة. وبينهما رأي، يتوقف عنده إيريك سكير في كتابه، يقول بأن "الجهاد الإسلامي" خرجت تأثراً بالثورة الإيرانية عام ١٩٧٩. 

وفي الحالات كلها، تبدو حركة "الجهاد الإسلامي" اليوم في قلب هذه التناقضات، فهي الفصيل الأقرب فلسطينياً إلى إيران تمويلاً وتسليحاً مع إشارات إلى حالات "تشيّع" داخل الحركة. ومع ذلك فإن تنسيقها مع حماس لم يتوقف، حتى مع التباين بين حماس و"الجهاد" حول قضية الثورة السورية، وبقاء الجهاد الإسلامي في "حضن" النظام السوري مستفيدة من الحماية التي وفرها لها، في وقت كانت حماس تبتعد عن النظام بسبب مزاج الثورة القريب من الإخوان المسلمين.

مع ذلك نسقت حماس مع "الجهاد" هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، وتحتفظ بأسرى إسرائيليين.

ومع تولي أحمد الشرع السلطة في سوريا، تزداد الأمور تعقيداً. فالشرع يميل، بحسب معطيات عديدة، إلى الاقتراب أكثر من تسوية مع إسرائيل قد تستكمل باتفاقية سلام، والابتعاد أكثر عن حماس وما تمثله. ولقاؤه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس يصب في هذا السياق.

ولا يحيد اعتقال الأمن السوري القياديين في "الجهاد" عن هذا "النهج"، ويأتي استكمالاً للمزاج السياسي للشرع المبتعد بوضوح، إلى حد القطيعة، عن إيران. إذ قطعت القيادة السورية الجديدة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وتأمل في إعادة بناء الدعم الإقليمي والدولي لسوريا، لا سيما رفع العقوبات وتمويل إعادة الإعمار بعد حرب أهلية مدمرة استمرت 14 عاماً.

لكن قد لا يعني اعتقال القياديين في الجهاد أن الشرع سيفعل الشيء ذاته مع حركة "حماس" في سوريا، على الأقل في الفترة المقبلة، كما يوضح نائب مدير مركز كارنيغي، الباحث مهند الحاج علي، لموقع "الحرة". بل إن الشرع على الغالب سيحافظ على العلاقة التاريخية بحماس لما تمثله من امتداد يرتبط بالإخوان المسلمين. 

وإذا كان الشرع في وارد "بيع" حماس، فإنه بالتأكيد سيطلب ثمناً عالياً لقاء ذلك. ويعتقد الحاج علي أن حماس لن تُحرج الشرع وستلتزم بما يناسبه في سوريا، حتى لو عنى ذلك قطع التواصل مع إيران، وإن كان الباحث في كارنيغي يتوقع أن تلعب حماس أدواراً في المستقبل لتحسين علاقات الشرع بإيران.

وأوردت وكالة رويترز في تقرير الشهر الماضي أن الولايات المتحدة قدمت لسوريا قائمة شروط يتعين الوفاء بها مقابل تخفيف جزئي للعقوبات. وذكرت مصادر لرويترز أن أحد الشروط هو إبعاد الجماعات الفلسطينية المدعومة من إيران.