لا موعد أو جدول زمنيا لانتهاء أزمة المحروقات غير المسبوقة، التي تضرب سوريا منذ أسابيع، وبينما كشفت تداعياتها خلال الأيام الماضية عن مستوى "العجز" من جانب حكومة النظام السوري، أثارت من جانب آخر الشكوك حول دور يلعبه "الإخوة المعاقبين" من عائلة "قاطرجي".
وتشير معظم تصريحات المسؤولين في "الحكومة السورية" إلى أن انعدام مادتي البنزين والمازوت في الأسواق "كان أمرا مفاجئا"، وأن الأخيرة "ليست عاجزة عن تأمين النفط بطرق مختلفة، لكن تأمينه بالقطع الأجنبي والدفع النقدي عبء ثقيل، لا يمكن القبول به، وبأثره على الليرة السورية".
وقال وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، عمرو سالم، الثلاثاء: "لا يوجد موعد أو جدول زمني لأزمة المحروقات. نسعى للحلول على مجالات عدة"، فيما اعتبر أن عطلة اليومين التي أعلنت عنها الحكومة لكافة مؤسسات الدولة في 11 و18 من ديسمبر، ترتبط "بواقع المشتقات النفطية الحالي".
وتستورد حكومة النظام السوري المحروقات، من مصدرين. الأول عبر "الخطوط الائتمانية" مع الجانب الإيراني، التي تجوبها الناقلات عبر البحر، والثاني عبر الطرق غير المشروعة، من مناطق شمال وشرق سوريا.
وعلى مدى سنوات تصدّر اسم "عائلة قاطرجي" المصدر غير المشروع، وخاصة عضو البرلمان "حسام"، الذي يعتبر "الأب الروحي لتجارة النفط والقمح"، والشخصية الأبرز التي اعتمد عليها النظام السوري، في عمليات شراء النفط من المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الكردية مؤخرا، وفي وقت سابق من المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش.
وهو رجل أعمال سوري، من مواليد 1982، مساهم بنسبة 33 في المائة في شركة "أرفادا"، وكان قد بدأ منذ عام 2014 في التوسط في صفقات تجارة النفط والقمح بين نظام الأسد وداعش، الأمر الذي كان سببا في وضعه على قائمة العقوبات الأميركية.
ورغم استهدافه بالعقوبات إلى جانب أخيه "محمد براء"، إلا أن المسار الذي بدأوه وخاصة عقب عام 2014 لم يتوقف، ليتبين مؤخرا أنهم أصحاب شركات بأسماء مختلفة، منها "bs company".
وهذه الشركة كانت وزارة الخزانة الأميركية فرضت عقوبات عليها في 2019، كونها تعد واحدة من أكبر مستوردي النفط الخام إلى سوريا، بينما ورد اسمها، الاثنين، ضمن قرار رسمي من جانب "وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك"، أتاح لها تزويد الفعاليات الاقتصادية بمادتي البنزين والمازوت، وبأسعار جديدة.
"مشهد كل الأزمات"
والأزمة الحالية التي تعيشها سوريا ليست الأولى من نوعها، بل سبقها الكثير. لكنها تعتبر الأشد من زاوية التداعيات التي فرضتها، خلال الأسبوعين الماضيين، إذ انعكست على شبكات الكهرباء والمياه، وحتى الاتصالات السلكية.
وفي وقت تؤكد فيه الحكومة السورية أنه "لا حلول قريبة" في الأفق للخروج من الأزمة، أصدرت وزارة التجارة الداخلية التابعة لها قرارا رفعت فيه سعر المازوت الصناعي والتجاري إلى 5400 ليرة سورية، والبنزين إلى 4900 ليرة.
وورد في بيان الوزارة أن رفع الأسعار جاء بعد اجتماع في "وزارة النفط" من أجل السماح لشركة (BS) ببيع 15 بالمئة من كميات المحروقات، التي تستوردها للفعاليات الاقتصادية.
وكان لافتا ذكر اسم هذه الشركة المعاقبة بالتحديد ضمن القرار، مما أثار الشكوك بشأن الدور الذي تلعبه في توريد المحروقات وطرحها، خاصة أنها نشرت توضيحا بعد ذلك عبر "فيسبوك" ألمحت فيه اعتزامها بيع منتجاتها الخاصة من المحروقات ضمن محطات متوزعة في عموم المحافظات السورية.
وتحدث صحفيان من حمص ودمشق لموقع "الحرة" عن تردد مناقشات بين أصحاب محطات الوقود وبكثرة عن هذه الشركة، وأنها تريد ضخ محروقات في السوق، لبيعها من خلال المحطات الرسمية، بأسعار أقل من "السوق السوداء".
وذكر الصحفي المقيم في حمص (طلب عدم ذكر اسمه لاعتبارات أمنية) أن سعر ليتر المازوت انخفض من 18 ليرة سورية في السوق السوداء، صباح الثلاثاء، بعدما أعلنت الشركة (bs) اعتزامها بيع المنتجات في عموم المحافظات.
وكذلك الأمر بالنسبة للصحفي المقيم في دمشق، إذ يشير إلى أن "شركة قاطرجي تعهدت محطات وقود محددة في العاصمة، وباتت تديرها. الحديث الآن يذهب إلى أن البنزين والمازوت سيكون متاحا في هذه المحطات فقط، وبسعر خاص أقل من السوداء، وذو صبغة رسمية من الدولة".
ومنذ عام 2011، مُني قطاع النفط والغاز في سوريا بخسائر كبرى تقدر بنحو 91,5 مليار دولار من جراء المعارك وتراجع الإنتاج، مع فقدان النظام السوري السيطرة على حقول كبرى، فضلا،عن العقوبات الاقتصادية التي تفرضها دول غربية.
ونتيجة لذلك أدارت حكومة النظام الأزمة بطريقة "خاصة"، متجهة بذلك إلى رفع الأسعار التدريجي، الأمر الذي اعتبر محللون اقتصاديون أنه تمهيد لرفع الدعم الكامل عن مشتقات الوقود.
ولم تكن هذه الطريقة "الخاصة" لإدارة الأزمة مقتصرة فحسب على المحروقات، بل شملت الخبز أيضا، وباقي المنتجات التي تعد ركيزة الحياة اليومية للمواطنين.
خصخصة أم "هبات"؟
في غضون ذلك أوضح رئيس اتحاد غرف الصناعة في حكومة النظام السوري، غزوان المصري، الثلاثاء، أنهم "أجروا محادثات مطولة مع الوزارات المعنية والشركة المستوردة للنفط BS"، خلال الأيام الماضية.
وقال لصحيفة "الوطن"، شبه الرسمية، إن "كل صناعي يحتاج إلى مازوت أو فيول لتشغيل منشأته سيسدد احتياجاته من المادة في المصارف المعتمدة، مما يعني أنه سيحصل على وصل رسمي يمكن إبرازه في وزارة المالية عند احتساب التكاليف".
وردا على سؤال بشأن فتح باب استيراد المشتقات النفطية لمن يرغب، أضاف المصري: "من حيث المبدأ لا يوجد أي مشكلة بالسماح لمن يرغب، لكن عمليا وفي حال تم فتح باب الاستيراد، فإن ذلك سيؤثر بشكل كبير على سعر صرف الليرة السورية، لذلك ومبدئيا سيتم العمل من خلال شركة (bs)، التي تمتلك الإمكانات والتمويل اللازمين لاستيراد المواد، من دون أن يكون هناك أي تأثير على سعر صرف الليرة السورية".
ولا يعرف المسارات التي تعمل عليها الشركة لاستيراد المواد، وحجم "الإمكانيات المادية" التي تمتلكها، وما إذا كانت عائلة "قاطرجي" تملكها بالاسم أم بشكل فعلي.
وتشي كلمات المصري بأن "bs" هي المحتكرة لاستيراد ومنح المحروقات للصناعيين والتجار. وهي الشركة التي تتخذ من لبنان مقرا لها، فيما كشفت الخزانة الأميركية أنها كانت تنقل شحنات النفط إلى مصفاة بانياس، لتوضع بموجب ذلك اعتبارا من 5 من يوليو 2018، ضمن قائمة العقوبات الأميركية بموجب الأمر التنفيذي 13582".
وأكدت الخزانة أيضا، في 2019، أن شركة BS Company Offshore ساعدت ماديا أو رعت أو قدمت دعما ماليا أو ماديا أو تقنيا أو سلعا أو خدمات لشركة مصفاة بانياس، التابعة للنظام السوري.
ولا يرى الصحفي السوري الاستقصائي، مختار الإبراهيم، أن ما يحصل في قطاع المحروقات "عبارة عن خصخصة"، بل هو "منح قطاعات معينة لأشخاص وشركات معينين".
ويقول الإبراهيم لموقع "الحرة": "الخصخصة أمر إيجابي، وتعني تحرير النشاط الاقتصادي والمالي وإعطاء القطاع الخاص مجالا أوسع، للحد من احتكار الحكومة في السوق".
لكنه يضيف مستدركا: "الذي يحصل هو هبات. بالتالي ذهب الاحتكار من يد الدولة وتنصلت من مسؤولياتها لصالح الأشخاص".
"الدولة تعطي الرواتب والأجور على أنها تدعم قطاعات كثيرة، منها المحروقات، وفي المقابل فهي تعطي هذه القطاعات لأشخاص وشركات سيلعبون بما يحلو لهم. هذا له أثر سلبي على المواطنين وسيفاقم الوضع المعيشي".
من جانبه يوضح الاستشاري الاقتصادي، يونس الكريم، أن شركة "bs" تعمل منذ سنوات في مجال الخدمات النفطية، ومن أعمالها تأمين حاجة الصناعيين من المازوت والفيول بالسعر الحر المحدد من قبل الحكومة السورية.
كما تعمل على "استيراد النفط الخام وتكريره في مصفاتي بانياس وحمص، مقابل أجور مالية تدفعها للحكومة"، وفق الكريم.
ويقول لموقع "الحرة" إن قرار "وزارة التجارة وحماية المستهلك"، الذي صدر الاثنين يشير إلى نقطتين "لافتتين"، الأولى أنه سمح لشركة "bs" ببيع 15 بالمئة من كميات المحروقات التي تستوردها إلى التجار والصناعيين، بينما النسبة الباقية (85 بالمئة) ستتاح في الأسواق لاحقا.
أما الثانية فتذهب إلى أن قرار السعر الجديد من جانب "وزارة التجارة الداخلية" يعني أن الملف انتقل من يد وزارة النفط، وبذلك تحولت المحروقات إلى "سلعة شأنها أي سلعة أخرى. الخصخصة باتت رسميا رغم عدم صدور ذلك على العلن".
واعتبر الاستشاري الاقتصادي أن دور قاطرجي "يجعل في سوريا شركة كبيرة ومن تحتها باقي الشركات التي تورد المحروقات. من يريد أن يعمل لابد من الانصياع لمتطلبات قاطرجي. هذه هي المعادلة".
وعادة ما تتجه أي حكومة إلى فكرة "الخصخصة"، عندما ترى أن القطاع الخاص والأشخاص فيه سيتم الاستفادة من خبراتهم الإدارية بمجال ما، سواء الطاقة أو غير ذلك، وأن هذه الشركات لديها الخبرة الفائقة لحل أي مشكلات تعترض الدولة.
لكن ما يلاحظه الصحفي الإبراهيم أن "هؤلاء الأشخاص والشركات (في إشارة إلى bs) ناشئة وجديدة في السوق، وهذا يؤكد أن الخصخصة بهذا الشكل ليست في صالح المواطن، وهي هبات تمنح لغايات ما".
ويعتقد الإبراهيم أن النظام السوري سيلجأ إلى الاستعانة أيضا بأشخاص من دول مجاورة، وأسماء جديدة غير ظاهرة على الساحة، للالتفاف على العقوبات المفروضة، بموجب قانون "قيصر".
"يعلم الجميع أن مشكلة المحروقات مفتعلة لدفع الناس للقبول بأن أي حل جديد هو بمثابة عطاء في حين أن ما يحصل - بشكل آخر - هو جعل رقاب هؤلاء في يد المحتكر الجديد لهذا القطاع". ويتابع الإبراهيم: "سوف يلعب بأسعار هذه السلع بما يصب في صالحه وصالح من خوله في هذا المكان".