لا كلمات توضّح حجم الكارثة التي خلفها الزلزال المدمّر على طرفي الحدود التركية-السورية ومحافظات أخرى في البلاد، فجر يوم الاثنين، وبينما استنفرت السلطات في أنقرة كافة مؤسساتها الخدمية والطارئة والدفاعية يخيّم على مناطق شمال غربي سوريا حالة من العجز والألم والفقد والتيه لآلاف العائلات، في وقت يسابق عمال إغاثة ومسعفون الزمن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وخلّف الزلزال ومركزه ولاية هاتاي التركية 912 قتيلا في تركيا و5385 مصابا، إضافة إلى انهيار 1710 مبانٍ. وفي حين راح ضحيته في شمال غربي سوريا أكثر من 140 شخصا حتى ساعة إعداد هذا التقرير سجّلت وزارة الصحة التابعة للنظام السوري 326 قتيلا و1042 مصابا، في حلب واللاذقية وحماة وطرطوس.
ونظرا لحجم الكارثة الكبير أعلنت تركيا، خلال الساعات الماضية حالة طوارئ من المستوى الرابع، وطلبت المساعدة الدولية من خلال مركز تنسيق الاستجابة للطوارئ التابع للاتحاد الأوروبي، وسرعان ما أرسلت عدة دول عروض مساعدة، بما في ذلك هولندا وأذربيجان والمملكة المتحدة، ودول أوروبية أخرى.
"تركيا تحركت بكل مؤسساتها منذ الزلزال"، حسب ما أعلن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، وقال في خطاب له إن بلاده تلقت عروضا للمساعدة من 45 دولة إلى جانب دول الناتو والاتحاد الأوروبي.
في المقابل ورغم أن الكارثة حلّت في كلا البلدين وراح ضحيتها المئات وآلاف المشردين والمصابين، إلا أن الوضع في شمال غربي سوريا حيث تسيطر فصائل المعارضة يبدو كارثيا على نحو أكبر، بحسب ما تحدث عمال إغاثة لموقع "الحرة".
في تلك المنطقة لا توجد إمكانية كبيرة توازي "إمكانية الدولة" ومن شأنها أن تكون قادرة على الاستجابة لمن هم تحت الأنقاض أو أولئك الذين يحتاجون للإخلاء الطبي الطارئ، والعلاج في المستشفيات، ولاسيما أنها تشهد ومنذ سنوات طويلة اكتظاظا كبيرا بالسكان، والذين يقارب النازحون منهم رقم مليوني نازح.
علاوة على ذلك يعيش مئات الآلاف من سكان شمال غربي سوريا ضمن مخيمات بالأصل، وتقع على طول الحدود مع تركيا. ومع حلول الكارثة الحالية بات الآلاف من نظرائهم على ذات الحال، بعدما انهارت منازلهم، وتصدعت أخرى، وسط مخاوف من العودة إليها بعد التحذيرات.
"الوضع كارثي"
ومنذ اللحظات الأولى التي تلت الزلزال تتولى فرق "الدفاع المدني السوري" عمليات إخلاء العالقين تحت الأنقاض، وإسعاف الجرحى إلى مشافي المنطقة، والتي باتت مكتظة على نحو كبير، وقد تكون في الساعات المقبلة عاجزة عن استقبال المزيد.
ويقول مدير "الدفاع المدني السوري"، رائد الصالح، لموقع "الحرة": "كحصيلة أولية سجّلنا أكثر من 150 قتيلا تم انتشالهم و350 جريح. العدد مرشح للارتفاع بشكل كبير".
ويضيف الصالح: "يوجد المئات من العالقين تحت الأنقاض، ومئات الأبنية المدمرة بشكل كامل. الوضع كارثي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى".
ومن قبل كان "الدفاع المدني السوري" قد أعلن شمال غرب سوريا "منطقة منكوبة" جراء الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا.
وقال في بيان إنه تم الإعلان عن ذلك على إثر الزلزال "في الشمال السوري وتطبيقا لآلية الطوارئ والاستجابة في الدفاع المدني السوري، ونتيجة للوضع الكارثي من انهيار المباني والتصدعات الحادة والمئات من الإصابات والعالقين والعشرات من القتلى ونظرا لنقص الإمكانيات والخدمات، وعدم توفر مراكز الإيواء ونقاط التجمع الآمنة وظروف الطقس العاصفة والمثلجة ودرجات الحرارة المنخفضة".
وناشد الفريق "جميع الجهات المحلية والقوى المدنية إلى استنفار كوادرها"، وأوصى جميع المنظمات الإنسانية الصحية والإغاثية العاملة في سوريا بتقاسم العمل وفقا لنظام التكافؤ وتوزعها الجغرافي، حرصا على تغطية الاحتياجات الضرورية للجميع وفق المستطاع.
بدوره يشير الصالح بالقول: "نحن الآن على سباق مع الزمن. نحتاج معدات ثقيلة وفرق لدعمنا. لا يمكننا الاستمرار بهذه الطريقة. سباقنا مع الزمن لأن كل ثانية تعني إنقاذ الأرواح".
ويتابع: "القطاع الطبي غير قادر على استيعاب الإصابات، والدفاع المدني غير قادر على إنقاذ كافة العالقين رغم الاستنفار الكامل. الكارثة أكبر من حجم استجابتنا. الكارثة تعجز عنها دول".
"شمال غرب سوريا منكوب بالكامل. عشرات آلاف العائلات بدون مأوى الآن، ولدينا في الأصل مليوني مهجر. هذه العائلات تواجه عاصفة ثلجية ومطرية وتحتاج لغذاء وعلاج طبي ومأوى"، بحسب ذات المتحدث.
وفي تصريح لموقع "الحرة" قال، لويس بوينو، المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إن "الاتحاد الأوروبي مستعد لدعم المتضررين في سوريا من خلال برامجه للمساعدة الإنسانية".
وعن كيفية الدعم أوضح بوينو: "نعمل مع شركائنا على الأرض من أجل تقديم المساعدة للمتضررين. ننظر أيضا في إمكانية حشد موارد إنسانية إضافية".
"ننتشل شخصا كل ثانية"
في غضون ذلك أصدر "المنتدى السوري" الذي يضم مؤسسات من بينها إغاثية وإنسانية بيانا جاء فيه إن "الشمال السوري منكوب منذ سنوات، وعقب الزلزال تضاعف حجم الكارثة بعد سقوط عشرات الأبنية في لحظة واحدة، والناس نيام".
وقال البيان: "الآن جميع المشافي غير قادرة على استيعاب أعداد الجرحى، وفرق الإنقاذ تعمل بكل طاقتها الاستيعابية، دون الوصول إلى جميع الضحايا والعالقين تحت الأنقاض".
ويعيش أكثر من 4.8 مليون شخص في شمال غرب سوريا في الوقت الحالي وسط البرد والخوف، إزاء العواصف الثلجية والزلازل، بينما "الاستجابة لهم تحتاج للدعم الدولي وتكاتف المنظمات الإنسانية في أسرع وقت ممكن".
ويشير المتطوع في "الدفاع المدني السوري"، بناء بحري، إلى أن أكثر من 2500 عنصر في فرق إغاثة وإسعاف يعملون الآن لانتشال الضحايا وإخلاء المصابين.
ويقول لموقع "الحرة": "لا يمكننا إعطاء أي إحصائية نهائية. هناك أعداد كبيرة من المتوفين والمصابين. في الثانية نقوم بانتشال شخص على قيد الحياة أو شخص متوفي.. للأسف".