شريان الحياة الوحيدة في مناطق الشمال السوري لا يزال مغلق
شريان الحياة الوحيدة في مناطق الشمال السوري لا يزال مغلقا

تتضاعف كارثة الزلزال الذي ضرب مناطق شمال غربي سوريا مع الدخول باليوم الثاني، وبينما يسابق عمال البحث والإنقاذ الزمن لانتشال الضحايا وإخلاء المصابين العالقين تحت الأنقاض تحدث مسؤولان إعلامي وإغاثي لموقع "الحرة" أن معبر باب الهوى الحدودي مغلق منذ صباح الاثنين أمام جميع المساعدات الإنسانية، وهو الشريان الوحيد الذي يغذي المحتاجين في المنطقة، منذ سنوات.

وفي آخر إحصائيات "الدفاع المدني السوري" ارتفع عدد الضحايا في شمال غربي سوريا يوم الثلاثاء إلى أكثر من 790 حالة وفاة وأكثر من 2200 مصاب، في حصيلة غير نهائية ومرشحة للازدياد بشكل كبير، بسبب وجود مئات العوائل تحت الأنقاض.

وقال "الدفاع المدني"، الذي تستجيب فرقه لعمليات الإخلاء وإسعاف المصابين، إن عمليات البحث مستمرة منذ أكثر من 30 ساعة، وسط صعوبات كبيرة، واستمرار الهزات الارتدادية، مشيرا إلى أن عدد الأبنية المدمرة التي سجلها حتى الآن بلغ أكثر من 210 أبنية بشكل كامل، وأكثر من 520 بشكل كلي، فضلا عن آلاف الأبنية والمنازل المتصدعة.

"حتى هذه اللحظة لم يصل إلى مناطق شمال غربي سوريا أي دعم حقيقي بمعدات تساهم في رفع الأنقاض وسحب العالقين"، حسب ما يوضح، منير مصطفى، نائب مدير "الدفاع المدني" للشؤون الإنسانية.

ويقول مصطفى لموقع "الحرة": "هناك محاولات لتأمين بعض الأغذية والمساكن وتحويل بعض الأموال، لكن للأسف هناك مواد غير موجودة في الداخل السوري مثل تركستات ولودرات ومعدات بحث وإنقاذ. هذه المعدات تحتاج لأن تشحنها الدول".

"الشريان مغلق"

بدوره قال مدير المكتب الإعلامي لمعبر "باب الهوى" الحدودي، مازن علوش، إن المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا ومحافظة إدلب "مغلق حتى تاريخ لحظة وقوع الزلزال"، الذي ضرب طرفي الحدود التركية-السورية".

ويضيف علوش لموقع "الحرة": "لا شاحنات تجارية أو إغاثية ولا مسافرين ولا مرضى. الوضع كارثي، ولا يوجد أي حديث عن إرسال مساعدات دولية لمناطقنا".

وقبل وقوع الزلزال كان "باب الهوى" يشهد وبشكل يومي دخول قوافل إنسانية، لمساعدة المحتاجين في شمال غربي البلاد، وكانت تستهدف بالتحديد النازحين المنكوبين المقيمين في مخيمات عشوائية ونظامية.

ويتابع المسؤول الإعلامي في المعبر: "نحن كمعبر سوري مفتوح والموظفين موجودين في مكاتبهم، أما الجانب التركي فغير جاهز، وحتى الكهرباء مقطوعة من الطرف التركي لكامل منطقة إدلب من لحظة الزلزال".

"الناس اليوم بدون كهرباء وبدون مشافي خارجية وبدون مساعدات دولية"، حسب ما يشير علوش.

من جهته أكد المسؤول الإغاثي في "الدفاع المدني" منير مصطفى أن "باب الهوى مغلق بالكامل، بسبب الأعطال في الطرف التركي". ويضيف: "من الجانب السوري هناك تسهيلات لكن على الطرف الآخر هناك مشاكل في الطرقات والكهرباء".

وتحدث مصطفى عن معابر بديلة يمكن أن تحل مكان "باب الهوى" لدخول الدعم الإنساني والإغاثي للمنطقة، موضحا: "يمكن أن تتم العملية من معبر باب السلامة في ريف حلب ومعابر الراعي وجرابلس، لنقل المساعدات من تركيا إلى سوريا".

"عقبات تعيق التدخل"

في غضون ذلك قال مسؤول كبير في الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة إن الأضرار التي لحقت بالطرق ونقص الوقود والطقس الشتوي القاسي في سوريا كلها عوامل تعرقل مواجهة الوكالة لآثار الزلزال الذي وقع الاثنين وأودى بحياة كثيرين، بينما ترك الملايين في حاجة إلى المساعدة.

وأضاف المصطفى بن لمليح المنسق المقيم للأمم المتحدة في مقابلة عبر رابط فيديو من دمشق لوكالة رويترز: "البنية التحتية متضررة والطرق التي اعتدنا استخدامها في الأعمال الإنسانية تضررت، وعلينا أن نكون مبدعين في كيفية الوصول إلى الناس لكننا نعمل بجد".

وأشار بن لمليح إلى أن العديد من الذين دُمرت منازلهم يقضون الليل في العراء أو في السيارات في أجواء شديدة البرودة دون الحصول على المواد الأساسية، مضيفا أن الأمم المتحدة تعمل على الإسراع بحشد جميع المساعدات الممكنة للمناطق المتضررة.

رغم أن الشمال الغربي لسوريا اعتاد على "الكوارث" على مدى سنوات، إلا أن تلك التي حّلت عليه فجر الاثنين كان لها وقع خاص.

وبينما كانت "المأساوية والفواجع" حالة ترتبط سابقا بمن كان يقيم في الخيام تحت جدران قماشية ممزقة توسّعت دائرتها لتشمل الجميع. أولئك القاطنين بين جدران أسمنتية، سرعان ما حولها زلزال إلى مدفن.

ولا تزال الأرقام المذكورة الخاصة بالضحايا أولية وحصيلة غير نهائية، وما بين الساعة والأخرى تحدّث السلطات الصحية والرسمية بياناتها، وسط توقعات من تضاعف الوفيات في الساعات المقبلة، ولاسيما أن أعمال الإنقاذ وإخلاء الضحايا والجرحى لم تنه بعد اليوم الأول من الكارثة، التي ضربت بتداعياتها أيضا مناطق سيطرة النظام السوري في سوريا.

وأعلنت وزارة الصحة في دمشق صباح الثلاثاء أن عدد ضحايا الزلزال ارتفع إلى 812 وفاة و1449 إصابة في محافظات حلب واللاذقية وحماة وريف إدلب وطرطوس، في حصيلة غير نهائية.

ونقلت وسائل إعلام رسمية عن وزير الأشغال العامة والإسكان، سهيل عبد اللطيف، قوله إن "الوضع كارثي من ناحية عدد الإصابات والأضرار الكبيرة في الأبنية والبنى التحتية".

وأضاف عبد اللطيف أن "جميع آليات الشركات الانشائية والمقاولين والجهات العامة والفعاليات المجتمعية متواجدة في مواقع الابنية المنهارة، وبمؤازرة آليات من باقي المحافظات".

وفي حين ضرب الزلزال المدمر، الذي قالت هيئة "الكوارث والطوارئ التركية" (آفاد)، إن قوته بلغت 7.7 درجة وسط وجنوب تركيا بالإضافة إلى مدن وبلدات الشريط الحدودي مع البلاد من الطرف السوري، إلا أن النصيب الأكبر من الضرر تركز في مناطق بعينها، مما خلّف حصيلة ضحايا ودمار على نحو أكبر.

وفي الطرف التركي تعرضت ولاية هاتاي الملاصقة للجانب السوري لأضرار كبيرة، وصرح رئيس بلديتها، لوتفو سافاش أن فرق البحث والإنقاذ بدأت في الوصول إلى المناطق المتضررة، وأن بعض الأعمال قد بدأت.

وقال سافاش: "بدعم من رؤساء بلديات أنقرة وإسطنبول وإزمير، يمكننا الآن توفير الغذاء والخيام ومياه الشرب"، مضيفا: "هناك ما يقرب من 2000 مبنى مدمر في هاتاي. معظم المباني العامة، مبناينا، إدارة الإطفاء، AFAD، ثلاثة مستشفيات تضررت بشدة. خسائرنا كبيرة جدا".

"مطار هاتاي غير صالح للاستخدام. أولئك الذين يأتون يجب أن يأتوا من أضنة وعنتاب. يجب أن تأتي فرق الإنقاذ عن طريق البر لأن لديهم معدات ثقيلة. نحن نركز على ما يمكننا استرداده بسرعة باستخدام معدات البناء، ولكن هناك حاجة إلى محترفين ذوي خبرة".

وتابع رئيس البلدية: "هناك مشكلة اتصال خطيرة في وسط المدينة وفي أجزاء معينة من هاتاي"، وأن "الأمر قد يستغرق ساعات للوصول إلى السلطات".

الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتحدث في منتدى الاستثمار السعودي الأميركي، في الرياض،  13 مايو 2025. رويترز
الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتحدث في منتدى الاستثمار السعودي الأميركي، في الرياض، 13 مايو 2025. رويترز

من المتوقع أن يكون إسقاط العقوبات الأميركية عن سوريا بداية عهد جديد للاقتصاد الذي دمرته الحرب على مدى 13 عاما، وأن يفسح الطريق أمام تدفقات الاستثمارات من السوريين في الخارج ومن تركيا ودول في الخليج تدعم الحكومة الجديدة.

وقال رجال أعمال ووزير المالية السوري ومحللون لرويترز إنهم يتوقعون تدفق رؤوس الأموال إلى الاقتصاد المتعطش لها بمجرد إسقاط العقوبات وفق إعلان الرئيس دونالد ترامب المفاجئ، على الرغم من تحديات كثيرة ما زالت تواجه الدولة المنقسمة بشدة.

وقال رجل الأعمال السوري الملياردير غسان عبود لرويترز إنه يضع خططا للاستثمار، ويتوقع أن هناك سوريين آخرين لهم علاقات تجارية دولية يفكرون في ذلك أيضا.

وأضاف الرجل الذي يعيش في الإمارات "كانوا خائفين من القدوم والعمل في سوريا بسبب مخاطر العقوبات... هذا سيختفي تماما الآن".

ومضى يقول "أُخطط بالطبع لدخول السوق لسببين: (أولا) أريد مساعدة البلاد على التعافي بأي طريقة ممكنة، وثانيا، هناك أرض خصبة: فأي بذرة توضع اليوم قد تدر هامش ربح جيدا". وعرض عبود خطة بمليارات الدولارات لدعم الفن والثقافة والتعليم في سوريا.

وقد يعيد رفع العقوبات تشكيل الاقتصاد جذريا في مسار جديد لحكام سوريا الجدد الذين اتبعوا سياسات السوق الحرة وابتعدوا عن نموذج تخطيط الدولة الذي اتبعته عائلة الأسد في خمسة عقود من حكمها.

وفرضت الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى عقوبات صارمة على سوريا في أثناء الحرب التي اندلعت بسبب الاحتجاجات ضد حكم بشار الأسد في 2011.

وأبقت واشنطن على هذه العقوبات بعد الإطاحة بالرئيس السوري السابق في ديسمبر، بينما كانت تصوغ سياستها تجاه سوريا وتراقب تصرفات الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس المؤقت أحمد الشرع، وهو قيادي سابق في تنظيم القاعدة.

وحثت السعودية وتركيا اللتان تدعمان حكومة الشرع واشنطن على إسقاط العقوبات. وقال وزير الخارجية السعودي الأربعاء إن فرص الاستثمار ستكثر بمجرد حدوث ذلك.

وفي خطاب أُذيع على التلفزيون في وقت متأخر من مساء الأربعاء، قال الرئيس السوري أحمد الشرع إن قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، رفع العقوبات عن سوريا قرار تاريخي شجاع، مؤكدا التزام سوريا بتعزيز المناخ الاستثماري.

وأضاف "نرحب بجميع المستثمرين من أبناء الوطن في الداخل والخارج ومن الأشقاء العرب والأتراك والأصدقاء حول العالم وندعوهم للاستفادة من الفرص المتاحة في مختلف القطاعات".

وترك الصراع مناطق حضرية كثيرة أنقاضا وقتل مئات الآلاف من الأشخاص. وتقول وكالات الأمم المتحدة إن أكثر من 90 بالمئة من السوريين البالغ عددهم 23 مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر.

ويقول تيموثي آش، المحلل الاستراتيجي البارز للأصول السيادية في الأسواق الناشئة في شركة "آر.بي.سي بلوباي" لإدارة الأصول "هناك فرصة حقيقية لإحداث تغيير جذري في سوريا والمنطقة الأوسع".

وقال أونور جنش، الرئيس التنفيذي لمجموعة "بي.بي.في.إيه" المالية العالمية التي تضم مصرف غرانتي، ثاني أكبر بنك خاص في تركيا، إن الشركات والبنوك التركية من المتوقع أن تستفيد من إسقاط العقوبات.

وأضاف لرويترز "بالنسبة لتركيا، سيكون الأمر إيجابيا لأن هناك حاجة إلى عمليات إعادة إعمار كثيرة في سوريا. من يفعل هذا؟ الشركات التركية".

ومضى يقول "سيسمح إسقاط العقوبات للشركات التركية بالذهاب إلى هناك الآن بشكل أفضل بكثير، وستتمكن البنوك التركية من تمويلها، وهذا سيدعم الأمر".

ودعمت تركيا قوات المعارضة السورية في أثناء الحرب التي دمرت اقتصادا متنوعا ومنتجا.

وأظهرت بيانات سورية رسمية أوردها البنك الدولي في عام 2024 أن الاقتصاد السوري انخفض إلى أكثر من النصف بين عامي 2010 و2021. لكن البنك قال إن هذا على الأرجح أقل من الواقع.

فرص في كل المجالات

ارتفعت قيمة الليرة السورية منذ إعلان ترامب.

وقال متداولون إن العملة تراوحت بين 9000 و9500 مقابل الدولار يوم الأربعاء، مقارنة مع 12600 في وقت سابق من هذا الأسبوع. وقبل الحرب في عام 2011، كان الدولار يعادل 47 ليرة سورية.

وقال وزير المالية السوري محمد يسر برنية لرويترز إن مستثمرين من الإمارات والكويت والسعودية ودول أخرى، قدموا ستفسارات عن الاستثمار.

وأضاف برنية لرويترز "سوريا اليوم هي أرض الفرص، وهناك إمكانات كامنة هائلة في جميع القطاعات، من الزراعة إلى النفط والسياحة والبنية التحتية والنقل".

وقال "ندعو جميع المستثمرين إلى اغتنام هذه الفرصة".

ووصف كرم بشارة، المدير العام لبنك (شهبا بنك) وهو يشاهد في مكتبه بدمشق لقطات من اجتماع ترامب مع الشرع في الرياض يوم الأربعاء، الحماس الذي يسود مجتمع الأعمال قائلا "إنه رائع بشكل يفوق التصور".

وقال "نحن على المسار الصحيح الآن على الصعيد الدولي ما لم يحدث شيء في سوريا يعرقل العملية".

وما زالت الأوضاع في سوريا هشة. فبعض الجماعات المسلحة لم تسلم أسلحتها للحكومة بعد، ومطالب الحكم الذاتي من الأكراد نقطة خلاف، والعنف الطائفي جعل الأقليات تخشى من حكم الشرع رغم وعوده بتوفير الحماية والحكم بطريقة تشمل جميع الأطياف. 

وتعارض إسرائيل الشرع وتقول إنه ما زال من المتشددين. وقصفت إسرائيل سوريا مرات كثيرة.

وقال جهاد يازجي، وهو صحفي ومؤسس ورئيس تحرير "التقرير السوري" الإخباري الاقتصادي على الإنترنت، إن قرار الولايات المتحدة يمثل تحولا جذريا لأنه نقل "رسالة سياسية قوية جدا" وفتح الطريق أمام عودة التكامل مع الخليج والمنظمات المالية الدولية والعدد الكبير من السوريين في الغرب.

وقال المستثمر اللبناني عماد الخطيب إنه يعجل بخططه للاستثمار في سوريا بعد إعلان ترامب.

وتعاون الخطيب مع شركاء لبنانيين وسوريين في إجراء دراسة جدوى لإقامة مصنع لفرز النفايات في دمشق بقيمة 200 مليون دولار قبل شهرين. وأرسل في صباح الأربعاء فريقا من المتخصصين إلى سوريا لبدء التحضيرات".

وقال "هذه هي الخطوة الأولى... وستتبعها خطوات أكبر إن شاء الله. وسنعمل بالتأكيد على جذب مستثمرين جدد لأن سوريا أكبر بكثير من لبنان".