لاجئون سوريون في لبنان
لاجئون سوريون في لبنان

نهر جديد من الدماء فاض في سوريا فجر الاثنين الماضي، هذه المرة نتيجة زلزال تمكّن خلال ثوان معدودة من إحداث دمار تعجز عنه أعتى الأسلحة، حيث حوّل أحياء كاملة إلى ركام وقتل وأصاب آلاف الأشخاص، فارضاً على السوريين ألماً مريراً ونزوحاً جديداً. 

الحكومة السورية وهيئات إغاثة أعلنت أن نحو 1,444 شخصا قتلوا الاثنين في سوريا جراء الزلزال المدمر الذي اتخذ من جنوب غرب تركيا مركزاً له، فيما بلغت قوته 7.8 درجات على مقياس ريختر، ليعقبه زلزال آخر بقوة 7.6 درجات. ارتداداتهما كانت كارثية على محافظات إدلب وحماة وحلب واللاذقية وطرطوس، وأقل حدة في عدد من دول الشرق الأوسط، كلبنان ومصر والأردن. 

أما منظمة الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء"، العاملة في مناطق الشمال الخارجة عن سيطرة النظام، فأعلنت أن "حصيلة ضحايا الزلزال في شمال غربي سوريا ارتفعت لأكثر من 790 حالة وفاة وأكثر من 2200 مصاب والعدد مرشح للارتفاع بشكل كبير بسبب وجود مئات العائلات تحت الأنقاض". 

وناشدت "الخوذ البيضاء"، اليوم الثلاثاء، الجهات الدولية والمنظمات الإنسانية مساعدة منكوبي الزلزال بشكل عاجل، مشددة على أن "الوقت بدأ ينفد ومئات العائلات لا تزال عالقة تحت الأنقاض، وسط استمرار عمليات البحث والصعوبات الكبيرة واستمرار الهزات الارتدادية"، مشيرة إلى أن حصيلة المباني المدمَّرة بلغت أكثر من 210 بشكل كامل وأكثر من 520 بشكل جزئي وآلاف الأبنية والمنازل تصدعت بسبب الزلزال. 

وكأنه لا يكفي السوريين المأساة التي يعيشونها منذ عام 2011، من قصف وقتل واعتقال وتهجير ونزوح ولجوء، ليزيد الزلزال الطين بلة والمعاناة فوق الأخرى، لاسيما في ظل تقطّع السبل بين كثيرين منهم وعائلاتهم اللاجئة في دول العالم، منها في لبنان حيث يتجرّع عدد من اللاجئين الألم مضاعفاً، بعد وفاة أو فقدان أبنائهم وأقاربهم وعجزهم عن العودة إلى بلدهم لدفنهم أو متابعة آخر المعلومات عن عمليات انتشال من بقي منهم حيا تحت الأنقاض. 

مكبلون في اللجوء 

حالة من الحزن والارتباك والقلق والخوف، يعيشها اللاجئون السوريون في لبنان، منهم ثائر بكار الذي فقد عدداً كبيراً من أهله بعد أن انهار عليهم مبنى مؤلف من خمس طبقات في إدلب، ويقول "ما حصل لا يتحمله عقل، خسرت حتى الآن نحو عشرة أطفال من أقاربي، إضافة إلى عمي وزوجته وأولادهما، وفي حين نجت شقيقتي بأعجوبة من تحت الأنقاض لا زلت انتظر أخباراً تطمئنني عن بقية أهلي وأنا أعلم أن كل لحظة تمر تقلل من احتمال خروجهم أحياء، لا سيما وأن ساعات طويلة مرت وهم محاصرون بالركام". 

ما يحرق القلب أكثر كما يشدد ثائر في حديث لموقع "الحرة" أنه "ليس بإمكاني فعل شيء، فقط أتابع الأخبار لاسيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي عسى أن أتمكن من مشاهدة أحد من أقاربي في مقاطع الفيديو المتداولة"، ويضيف "أشعر بأني مكبل، لا يمكنني أن أكون إلى جانبهم في ظل هذه الكارثة الكبرى". 

تسع سنوات من اللجوء، وعدم القدرة على العودة إلى الديار، وكل سنة كما يشدد ابن القصير "يسوء الوضع أكثر في لبنان، وبعد أن كان لدي بصيص أمل بأن تضحك لي الحياة يوماً، جاء الزلزال ليطفئه، وكل ما أطلبه الآن أن يمنحني الله الصبر على هذا المصاب الجلل". 

وفي الأمس غادرت بعثة لبنانية تضم عناصر من الجيش والدفاع المدني وفوج إطفاء بيروت ولجنة إدارة الكوارث في رئاسة مجلس الوزراء – الأمانة العامة للمجلس الأعلى للدفاع، الصليب الأحمر اللبناني والقطاع الخاص، إلى سوريا للمشاركة بعمليات البحث والإنقاذ.  

قضى الزلزال على رغبة ابن القصير عمر كرازون في الحياة كما يقول، وذلك بعد خسارة خاله عبد الكريم العبد، وابنه سعيد وزوجته وأولاده الثلاثة، في جنديريس في ريف حلب، ويشرح لموقع "الحرة" " منذ أن وقعت الكارثة وأنا لا أعلم الليل من النهار، لا سيما وأن عدداً من أقاربي لا يزالون تحت الأنقاض، في وقت التواصل مع من لايزالون على قيد الحياة أمر صعب جداً بسبب سوء شبكة الاتصالات" ويشدد "نعيش مأساة فظيعة أكبر من أن تصفها الكلمات". 

"الموت أرحم" 

قبل تسع سنوات غادر "أبو يهاب" سوريا إلى لبنان، متخذاً من خيمة في مخيم الأبرار في عرسال مسكناً لعائلته، فابن بلدة فليطة فقد الاتصال بابنته وزوجها النازحان في مخيمات إدلب، ويقول لموقع "الحرة"، " أشعر أني محاصر من كل الاتجاهات، فالعودة إلى وطني لكشف مصير ابنتي وعائلتها أمر مستحيل كوني مطلوب للنظام، لا بل لا أقوى على الخروج من الخيمة بسبب الثلوج التي تغطي المكان والبرد الشديد الذي لا نملك وسائل لمقاومته سوى البطانيات". 

خلال لحظات الكارثة استيقظ "أبو إيهاب" من نومه، ظن بداية كما يقول أن رياحاً عاتية تكاد تقتلع خيمته، وما هي إلا ثوان حتى أدرك أن مهاجمه من تحت الأرض وليس من فوقها، ليصدم بعد متابعة الأخبار، بأن الزلزال استشرس في سوريا، حاول التواصل مع ابنته تهاني لكن هاتفها كان خارج الخدمة وكذلك حال هاتف زوجها، في حين أجاب ابنه الذي يسكن في جرمانا على اتصاله، مطمئنا إياه أنه بخير. 

لا يعرف "أبو إيهاب" أحداً من المحيطين بابنته، وبالتالي لا سبيل لديه للاطمئنان عليها وعلى عائلتها، ويقول لموقع "الحرة" " أتمنى أن يكونوا بخير، فإلى حد الآن أحاول اقناع نفسي بأن الأمر يتعلق بتوقف شبكة الاتصالات وليس بمكروه أصابهم، مع العلم أنه بعد كل الظروف الصعبة التي مررت بها من حرب وموت وخطر وجوع ولجوء، بات خبر الموت عاديا بالنسبة لي، فلم أعد أتأثر كثيراً بما يجري، باختصار (تمسحت)". 

وتوقعت منظمة الصحة العالمية الثلاثاء الأسوأ، معبرة عن خشيتها من أن تكون حصيلة قتلى الزلزال المدمر "أعلى بثماني مرات من الأرقام الأولى" المنشورة، كما عبر مدير المنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس عن قلق المنظمة "على نحو خاص بشأن المناطق التي لم تردنا معلومات منها بعد. إنه الآن سباق مع الزمن. مع مرور كل ساعة وكل دقيقة، تقل فرص العثور على ناجين أحياء". 

أما المسؤولة في المنظمة أديلهايد مارشانغ، فقالت إن عدد المتضررين قد يصل إلى "23 مليونا بينهم نحو خمسة ملايين في وضع ضعف". 

بحسب أبو "إيهاب" "قد يكون الموت أرحم من الظروف الصعبة التي نمر بها، فقد فصلتني مفوضية شؤون اللاجئين من تقديماتها النقدية والغذائية، وأنا عاطل عن العمل ووالد لسبعة أبناء، توقفت عن إرسال صغيريّ إلى المدرسة لعدم قدرتي على تأمين المال لمالك الباص، إذ بالكاد أتمكن من تأمين ربطة خبز كي لا نموت جوعاً، إذ يكفي أننا نواجه برد الشتاء من دون مازوت للتدفئة فالجمعيات التي تتأخذ على عاتقها هذه المهمة لم تقدم لنا هذا العام سوى غالوناً واحداً". 

وعن الأوضاع الصعبة التي يعيشها اللاجئون في لبنان، علّقت المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، دلال حرب بالقول "شملت المساعدات النقدية الشتوية الخاصة بالمفوضية لهذا العام 273 ألف عائلة، إضافة إلى المساعدات العينية الطارئة كالبطانيات والفرش والملابس الشتوية وعدّة لتمكين الخيم ومواجهة العواصف، أما المساعدات النقدية التي نقدمها للاجئين بصورة شهرية، فهي تساعد اللاجئ على أن يؤمن المواد الأساسية كالغذاء وغيرها بحسب أولوية احتياجاته". 

بعض العائلات تحصل، كما تقول حرب لموقع "الحرة"، "إما على مساعدات نقدية من مفوضية اللاجئين أو غذائية من برنامج الغذاء العالمي مفوضية أو الاثنتين معاً، كما أن هناك مساعدات خاصة بحماية النساء والأطفال"، مشيرة إلى أنه "كل عام تتكرر مشاهد الفيضانات وتشلّع الخيم في الشتاء وكذلك استجابتنا الطارئة للأكثر ضعفاً". 

المعارضة السورية لطالما اتهمت نصرالله وسليماني بارتكاب مجازر في سوريا.

انتهى الزمن الذي كانت فيه الحروب مع إسرائيل تشهد شبه إجماع في المنطقة، فحتى التيارات الإسلامية التي شكلت المواجهة المقدسة مع إسرائيل جزءا من وعيها الحركي وهويتها الدينية، تغيرت أولويات كثير منها بعد الربيع العربي.  

ودقت الحرب الراهنة مع إسرائيل لاسيما في لبنان إسفينا حادا أحدث شروخا عميقة في أوساط الإسلاميين بكل أطيافهم، من الموسومين بالاعتدال إلى أكثرهم تشددا وأصولية.

شقاق في بيت الإسلاميين

لقد كان دوما تدخل إيران ووكلائها الإقليميين في القضية الفلسطينية موضع سجال بين الإسلاميين، فبين من يراه مجرد مناورات إيرانية لاختراق الدول والمجتمعات العربية، ومن يعده دعما جادا وفارقا في الصراع المستمر منذ عقود.  

ومع انتقال تركيز الجيش الإسرائيلي نحو الجبهة الشمالية مع لبنان، وتنفيذه سلسلة من الاغتيالات الدقيقة حيدت معظم الصف القيادي الأول لحزب الله، وطالت أمينه العام حسن نصر الله، وجد الإسلاميون أنفسهم أمام مفترق طرق إزاء هذه النكبات التي حلت بالحزب، وعكست البيانات الصادرة عنهم حالة التشظي والانقسام التي باتت تعصف بهم.

الجيش الإسرائيلي أكد انه سيواصل استهداف قادة آخرين في الحزب
مقتل نصر الله.. منذ تعقبه لمدة أشهر حتى العثور على جثته
قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، السبت، إن القادة الإسرائيليين كانوا على علم بمكان وجود زعيم حزب الله حسن نصر الله منذ عدة أشهر، لكنهم قرروا استهدافه الأسبوع الماضي لأنهم اعتقدوا أن لديهم نافذة زمنية قصيرة قبل أن يختفي مرة أخرى في مكان مختلف.

كانت مواقف جماعة الإخوان المسلمين والكيانات المحسوبة عليها متباينة إلى حد كبير، ويمكن تقسيمها إلى أربعة مواقف، موقف نعى قيادات حزب الله ووصفهم بالشهداء وترحم عليهم، وهو موقف فرع الإخوان في فلسطين، والمغرب ممثلا في حزب العدالة والتنمية الذي عزى في قادة الحزب.  

وموقف عبر عن سروره وابتهاجه بتصفية من وصفه بـ"المجرم الطائفي حسن نصر الله" كما جاء في البيان الذي أصدره تنظيم "الإخوان المسلمين" في سوريا، مؤكدا أن فرحهم بمقتل نصر الله "يتسق تماماً مع أدبيات الجماعة ومواقفها الممتدة منذ عقود، من البغي والعدوان الطائفي على شعبنا السوري، الذي رعاه نظام إيران طوال الفترة الماضية".

الموقف الثالث وهو الذي أدان ببرود قتل حسن نصر الله، لكن دون إسبال وصف الشهيد عليه أو الترحم عليه، وهو الموقف الذي اختارته جماعة الإخوان المسلمين في مصر بجبهتيها المتنافستين "جبهة لندن" و"جبهة إسطنبول".  

أما الموقف الرابع فهو الذي اختار التزام الصمت وعدم التعليق، حتى لا يزداد الصدع اتساعا، وحتى لا يتمدد الخلاف إلى القواعد الشعبية، وينتهي بانشقاقات جماعية، وهو الموقف الذي اختارته جماعة الإخوان المسلمين في الأردن وذراعها السياسية "جبهة العمل الإسلامي".

سجال الأصوليين

إذا كان مقتل إسماعيل هنية قد شق صف تنظيم القاعدة إلى الدرجة التي عارض فيها قادة كبار في التنظيم مواقف قيادته العام، ولم يجد سيف العدل بدا من التزام الصمت بعد مقتل إسماعيل هنية، وهو الذي أصدر بيان تعزية في مقتل أفراد عائلته في أبريل الماضي ووصفه حينها بـ "الشيخ المجاهد الفاضل إسماعيل هنية" لأنه يدرك أن نعي هنية والترحم عليه سيؤدي حتما إلى انشقاقات عريضة في تنظيمه، وربما انفصال فروع عنه لاسيما الفرع السوري "حراس الدين" والفرع الصومالي " حركة الشباب"؛ إذا كان الموقف من الترحم على هنية قد خلف كل ذلك الجدل، فإن مقتل حسن نصر الله وقادة حزب الله قد وسع دائرة السجال لتشمل كل الأصوليين من المحسوبين على التيار الجهادي والسلفي، وأثار في صفوفهم عاصفة من الشنآن والخلافات الحادة.

حوّل هؤلاء مواقع التواصل الاجتماعي إلى جبهة صراع حامية، تراشقوا فيها بتهم التبديع والتخوين، والجهل بالشرع والواقع.

الشيخ حسن الكتاني، وهو من منظري التيار الجهادي، لم يُخف تأييده لعمليات حزب الله ضد إسرائيل وحث أنصاره على دعمها، إلا أنه أضاف، في البيان، " أنصر أخاك ظالما أو مظلوما" في إشارة إلى مظالم حزب الله في سوريا، التي يجب التغاضي عنها في هذه الظروف حسب اعتقاده.  

كلام الكتاني جر عليه وابلا من النقد والهجوم من أصدقائه ورفاقه، إذ وصفه أبو محمود الفلسطيني المقرب من أبي قتادة الفلسطيني أحد أبرز شيوخ التيار السلفي الجهادي بـ "التلبيس" واعتبر التعاون مع محور إيران بأنه " مهلكة عقدية ودنيوية".  

وأضاف، في تغريدة منفصلة، "من المعيب والمقرف أن ترى من يزعمون أنهم مشايخ وطلبة علم ونخب يدلسون ويزورون التاريخ الذي نحن شهود عليه وعشناه، فقط لينظفوا يد إيران من دماء وأعراض المسلمين".

نكبات حزب الله المتتالية، والتي بدأت باغتيال القيادي فؤاد شكر مرورا بتفجير أجهزة البيجر وأجهزة الاتصال اللاسلكية وانتهاء بمقتل أمينه العام حسن نصر الله، تفاعلت معها شريحة عريضة من السلفيين الجهاديين بالفرح والشماتة، وقد كتب أيمن هاروش المقرب من هيئة تحرير الشام عشرات المنشورات والقصائد عبر فيها عن سعادته ومباركته لمصائب الحزب المتتالية.  

ورد حذيفة عزام، نجل المرشد الروحي للأفغان العرب عبد الله عزام، عليه قائلا:" يا من تبارك القصف اليوم هيئ نفسك للقصف غدا، فأنت الهدف التالي".  

وذهب حذيفة عزام بعيدا في تأييده لمعارك حزب الله ضد إسرائيل، واعتبر أن أي هجوم من قوات المعارضة السورية على النظام السوري أو حزب الله في سوريا هي "حرب بالوكالة عن إسرائيل".  

تصريح قابله رفاقه السابقون بالاستهجان والاستغراب، لاسيما أن حذيفة دأب على تقديم نفسه "جهاديا"، يسير على خطى والده، وقد كرس معظم وقته للدفاع عن الثورة السورية منذ انطلاقتها في 2011.

من جانبه، خصص الداعية السلفي المغربي، محمد الفيزازي، عدد من المنشورات ندد فيها بمواقف حزب العدالة والتنمية المغربي وجماعة العدل والإحسان الذين نعوا حسن نصر الله ووصفوه بـ"الشهيد". وأكد أنه "لا يجوز الترحم عليه، ولا تقديم التعازي فيه ولا في حزبه الشيطاني".

أما هاني السباعي، القيادي الإسلامي المقرب من القاعدة المقيم في لندن، فخصص جزءا من خطبته في الجمعة الماضية للرد على الإسلاميين الذين رأى أنهم بدأوا يتأثرون بالسردية الإيرانية وخص منهم كل من أحمد مولانا ومحمد إلهامي.

خلاف يتجدد

طالما كان الموقف من حزب الله مثار خلاف بين الإسلاميين، في حرب "تموز 2006"، انحازت معظم مكونات التيار الإسلامي المدني إلى حزب الله، وأعلنت دعمها له، بل صرح عدد من الرموز الإسلامية حينها بأن حزب الله مكون أصيل من مكونات الصحوة الإسلامية.  

وكان الموقف الإيجابي من الحزب أيامها بمثابة الأرضية التي سعى فرقاء الشيعة والسنة للانطلاق منها في مشروع "التقريب بين المذاهب". وحدهم الوهابيون والقاعدة ومن يدور في فلكهم من جماعات وتيارات ظلوا متمسكين بموقفهم الرافض للتطبيع مع الحزب وإن رفع راية "الجهاد" و"المقاومة الإسلامية".

بعد دخول الثورة السورية طور العسكرة، وتحالف الحزب مع النظام السوري لقمع الثوار، وضلوعه في مجازر كثيرة لاسيما في حمص وحلب، انهارت فكرة "التقريب بين المذاهب".  

واعتذر يوسف القرضاوي عن الجهود التي بدلها في سبيل إنضاجها والدفع بها إلى أرض الواقع، واتخذ موقفا جديدا من الحزب لا يختلف كثيرا عن الموقف التقليدي لشيوخ التيار السلفي، وتبعه في ذلك معظم الجماعات المحسوبة على خط الإخوان المسلمين.

بعد هجوم السابع من أكتوبر، تصدر الحزب مجددا واجهة الأحداث، وقدم نفسه كجبهة "إسناد" لقطاع غزة، وبدا واضحا أن إعادة ترميم شرعيته التي بددها في سوريا تقع في صلب أهداف هذا "الإسناد".  

والسجال الحامي حوله اليوم دليل على أن تأهليه مجددا، وتحسين صورته أمام المجتمعات السنية مهمة تكتنفها الصعوبات والتحديات، خصوصا ومجازره في سوريا لاتزال طرية في ذاكرة السوريين.

وما استجد في الجدل الراهن أنه أثار الانقسام في صفوف الجماعات الاسلامية بمختلف توجهاتها وأفكارها، من الإخوان المسلمين الذين أصدروا بيانات متضاربة بشكل صارخ، إلى الأحزاب الإسلامية التي تراوحت الأوصاف التي أسبلوها على حسن نصر الله من " المجاهد الشهيد" إلى "المجرم الهالك".  

وامتد الشقاق إلى التيار الإسلامي المتشدد الذي انقسم بين شامت من فجائع حزب الله وبين من يعتبر الحزب خط دفاع حيوي عن فلسطين ويثمن جهوده "الإسنادية" لقطاع غزة.