سوريا معبر حدودي
ترتبط محافظة إدلب بالأراضي التركية بمعبر "باب الهوى" الحدودي

تشهد المعابر الحدودية الواصلة بين تركيا وسوريا "عودة مليئة بالموت وإجازات مآسٍ وفواجع"، بعدما كانت الأنظار تتجه إليها منذ اليوم الأول للزلزال المدمّر محمّلةّ بمناشدات إنسانية وإغاثية، وبينما فتحت أبوابها قبل يومين أمام منكوبي الكارثة من السوريين، لم تتوقف عنها شاحنات نقل الجثامين.

وترتبط محافظة إدلب بالأراضي التركية بمعبر "باب الهوى" الحدودي، وإلى الشرق قليلا هناك معبر "باب السلامة" و"الراعي"، وصولا إلى أقصى الشمال الشرقي، إذ ترتبط الأراضي السورية بتركيا من خلال معبري "تل أبيض" و"رأس العين".

وبحسب الإحصائيات التي قدمها مدير المكتب الإعلامي لمعبر "باب الهوى"، مازن علوش لموقع "الحرة" بلغ عدد الجثامين التي وصلت من تركيا إلى سوريا، خلال الأيام الماضية 1413، ومن المتوقع عبور المزيد، إذ ترغب الكثير من العائلات بدفن موتاها في البلاد، بعدما قضوا في ولايات تركية متفرقة.

ويشير المسؤول الإعلامي من جانب آخر إلى أنه المعبر الذي يربط إدلب بتركيا شهد ومنذ الثلاثاء وحتى ظهر الأربعاء عبور أكثر من 500 من السوريين المنكوبين، الذين كانوا يقيمون في الولايات الجنوبية لتركيا. ويضيف أيضا أنه من المتوقع وصول العدد إلى الآلاف خلال الساعات والأيام المقبلة.

وكغيرهم سكان المناطق المنكوبة في عشر مقاطعات تركية نال اللاجئون السوريين نصيبا كارثيا في عدّاد القتلى والمصابين والمشردين، وخاصة في أنطاكيا وكهرمان مرعش. المدينتان اللتان كانتا موطنا مفضلا للكثير منهم، بسبب القرب من سوريا، فضلا عن رخص المعيشية هناك.

وفي حين اتجهت الكثير من العائلات، منذ الأسبوع الفائت لدفن موتاها من الأقارب والأبناء في المدافن التركية التي خصصها الجانب التركي، أقدمت أخرى على نقل جثث ذويها إلى الداخل السوري، وخاصة ممن تعود أصولهم إلى إدلب وريف حلب، أو ممن لهم أقارب من باقي المحافظات هناك.

في غضون ذلك وفي وقت باتت مئات الآلاف من العائلات التركية والسورية مشردة خارج منازلها، وما رافق ذلك من المشاكل المتعلقة بالعثور على مسكن ومأوى جديد سمحت السلطات التركية للسوريين المنكوبين بقضاء "إجازة" في بلدهم سوريا، على أن لا تقل مدتها عن 3 أشهر وتزيد عن ستة أشهر.

وتستهدف هذه الإجازات جميع المعابر التي تصل تركيا بمناطق سيطرة فصائل المعارضة، سواء في إدلب أو ريف حلب، فيما يشير المسؤول الإعلامي لمعبر "باب السلامة"، أنهم بصدد البدء باستقبال العائلات السورية التي ترغب بالدخول إلى البلاد.

وكان معبر "باب السلامة" قد شهد، منذ فجر الاثنين، أي تاريخ الزلزال المدمّر عبور مئات الجثامين التي تعود لسوريين قضوا في ولايات تركيا الجنوبية، وبلغ عددها حتى الآن بحسب آخر الإحصائيات 166 جثة، بينما عبر من خلال معبر "الراعي" 22 حتى ظهر الأربعاء.

"موطن اللجوء الأول"

وكانت مدينة غازي عنتاب التي أصابتها الكارثة تستضيف في السنوات السابقة النسبة الأكبر من اللاجئين السوريين في جنوبي تركيا، إذ احتضنت 460 ألفا و150 لاجئا تليها مدينة هاتاي بـ354 ألف لاجئ، وأورفا 368 ألف لاجئ، وأضنة 250 ألف لاجئ.

كما يعيش في كل من كهرمان مرعش وكلس وأديمان والعثمانية ودياربكر وملاطيا حوالي 550 ألف لاجئ، بحسب أحدث إحصائيات رئاسة الهجرة التركية، في مطلع فبراير الحالي.

ولم يتضح حتى الآن أعداد الضحايا السوريين الذين قضوا إثر الزلزال في الولايات الجنوبية، والأرقام المتعلقة بالعائلات المشردة، فيما لم يتكشف ما إذا كانت الحكومة التركية ستتكفل بدعم المنكوبين في المرحلة المقبلة، كغيرهم من المواطنين الأتراك.

في المقابل وفي حين لا تزال عمليات الإنقاذ جارية في تركيا، أظهرت آخر إحصائيات هيئة الكوارث والطوارئ (آفاد) أن عدد القتلى ارتفع إلى 35418 شخصا، ووصل الرقم في سوريا بكافة محافظاتها إلى ما يزيد عن 3688.

"الموت من كل جانب"

ولا تقل المناطق التي تقصدها العائلات المنكوبة في شمال سوريا "قتامة" عن حالتها المآساوية التي دخلت فيها فجأة، إثر الزلزال، ولطالما حذّرت الأمم المتحدة من الأوضاع المأساوية فيها، والخاصة بملايين النازحين والسكان الأصليين هناك.

علاوة على ذلك ما تزال آلاف العائلات في الشمال السوري تقبع في العراء، بعدما فقدت منازلها، في وقت يتخوف قسم آخر منها من العودة إلى المسكن الذي أصابه الصدع.

وتظهر بيانات حصل عليها موقع "الحرة" من فريق منسقو الاستجابة في الشمال السوري أن عدد النازحين من المناطق المتضررة في شمال غرب سوريا بلغ حتى الآن 153.893 نسمة (30,796 عائلة)، مع استمرار أعمال الإحصاء.

وفيما يتعلق بالمنازل المدمّرة بشكل كلي تشير البيانات إلى أن تبلغ 1123 منزلا، مع وجود 3484 منزل آخر قابل للسقوط، وبالإضافة إلى تسجيل 13.733 منزلا غير صالح للسكن، فيما ظهرت التصدعات على 9,637 منزل آخر.

كما وثّقت البيانات أن عدد الأفراد المتضررين حتى الآن من الزلزال في شمال غرب سوريا بلغ 853,849 نسمة تركز معظمهم في المناطق المنكوبة (حارم، جنديرس ، سلقين ، أرمناز ،عزمارين ، الأتارب).

ويوضح أسعد الأسعد منسق قسم المراقبة والتقيم والمساءلة في منظمة "إحسان" التابعة لـ"المنتدى السوري" أن هناك عدد كبير من العائلات التي خرجت من منزلها نتيجة الزلال الأخير والكثير منها ما زال خارج المنزل خوفا من الهزات الارتدادية التي مازالت متواصلة وبشدات متفاوتة".

وبسبب أيضا أن "الكثير من المنازل وخاصة في المناطق الحدودية قد تعرضت إلى تصدعات كبيرة، وبعضها مهدد بالانهيار".

ويقول الأسعد لموقع "الحرة": "عانت تلك العوائل صعوبات كبيرة خلال الزلزال وخاصة أن الجو كان منخفض الحرارة وتتخلله هطولات مطرية غزيرة، ما الكثير منها إلى البقاء في العراء ريثما تجهز مراكز الإيواء المؤقتة".

ويضيف: "حجم الكارثة والاحتياج كبير جدا. الدعم المقدم من قبل المنظمات الإنسانية لم يكفي الاحتياج، بسبب عدم تجهيز مسبق لمثل هذه الكارثة، عدا عن تأخر المساعدات المقدمة من الأمم المتحدة، بسبب إغلاق المعابر التي هي الشريان الرئيسي للمنطقة".

الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتحدث في منتدى الاستثمار السعودي الأميركي، في الرياض،  13 مايو 2025. رويترز
الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتحدث في منتدى الاستثمار السعودي الأميركي، في الرياض، 13 مايو 2025. رويترز

من المتوقع أن يكون إسقاط العقوبات الأميركية عن سوريا بداية عهد جديد للاقتصاد الذي دمرته الحرب على مدى 13 عاما، وأن يفسح الطريق أمام تدفقات الاستثمارات من السوريين في الخارج ومن تركيا ودول في الخليج تدعم الحكومة الجديدة.

وقال رجال أعمال ووزير المالية السوري ومحللون لرويترز إنهم يتوقعون تدفق رؤوس الأموال إلى الاقتصاد المتعطش لها بمجرد إسقاط العقوبات وفق إعلان الرئيس دونالد ترامب المفاجئ، على الرغم من تحديات كثيرة ما زالت تواجه الدولة المنقسمة بشدة.

وقال رجل الأعمال السوري الملياردير غسان عبود لرويترز إنه يضع خططا للاستثمار، ويتوقع أن هناك سوريين آخرين لهم علاقات تجارية دولية يفكرون في ذلك أيضا.

وأضاف الرجل الذي يعيش في الإمارات "كانوا خائفين من القدوم والعمل في سوريا بسبب مخاطر العقوبات... هذا سيختفي تماما الآن".

ومضى يقول "أُخطط بالطبع لدخول السوق لسببين: (أولا) أريد مساعدة البلاد على التعافي بأي طريقة ممكنة، وثانيا، هناك أرض خصبة: فأي بذرة توضع اليوم قد تدر هامش ربح جيدا". وعرض عبود خطة بمليارات الدولارات لدعم الفن والثقافة والتعليم في سوريا.

وقد يعيد رفع العقوبات تشكيل الاقتصاد جذريا في مسار جديد لحكام سوريا الجدد الذين اتبعوا سياسات السوق الحرة وابتعدوا عن نموذج تخطيط الدولة الذي اتبعته عائلة الأسد في خمسة عقود من حكمها.

وفرضت الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى عقوبات صارمة على سوريا في أثناء الحرب التي اندلعت بسبب الاحتجاجات ضد حكم بشار الأسد في 2011.

وأبقت واشنطن على هذه العقوبات بعد الإطاحة بالرئيس السوري السابق في ديسمبر، بينما كانت تصوغ سياستها تجاه سوريا وتراقب تصرفات الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس المؤقت أحمد الشرع، وهو قيادي سابق في تنظيم القاعدة.

وحثت السعودية وتركيا اللتان تدعمان حكومة الشرع واشنطن على إسقاط العقوبات. وقال وزير الخارجية السعودي الأربعاء إن فرص الاستثمار ستكثر بمجرد حدوث ذلك.

وفي خطاب أُذيع على التلفزيون في وقت متأخر من مساء الأربعاء، قال الرئيس السوري أحمد الشرع إن قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، رفع العقوبات عن سوريا قرار تاريخي شجاع، مؤكدا التزام سوريا بتعزيز المناخ الاستثماري.

وأضاف "نرحب بجميع المستثمرين من أبناء الوطن في الداخل والخارج ومن الأشقاء العرب والأتراك والأصدقاء حول العالم وندعوهم للاستفادة من الفرص المتاحة في مختلف القطاعات".

وترك الصراع مناطق حضرية كثيرة أنقاضا وقتل مئات الآلاف من الأشخاص. وتقول وكالات الأمم المتحدة إن أكثر من 90 بالمئة من السوريين البالغ عددهم 23 مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر.

ويقول تيموثي آش، المحلل الاستراتيجي البارز للأصول السيادية في الأسواق الناشئة في شركة "آر.بي.سي بلوباي" لإدارة الأصول "هناك فرصة حقيقية لإحداث تغيير جذري في سوريا والمنطقة الأوسع".

وقال أونور جنش، الرئيس التنفيذي لمجموعة "بي.بي.في.إيه" المالية العالمية التي تضم مصرف غرانتي، ثاني أكبر بنك خاص في تركيا، إن الشركات والبنوك التركية من المتوقع أن تستفيد من إسقاط العقوبات.

وأضاف لرويترز "بالنسبة لتركيا، سيكون الأمر إيجابيا لأن هناك حاجة إلى عمليات إعادة إعمار كثيرة في سوريا. من يفعل هذا؟ الشركات التركية".

ومضى يقول "سيسمح إسقاط العقوبات للشركات التركية بالذهاب إلى هناك الآن بشكل أفضل بكثير، وستتمكن البنوك التركية من تمويلها، وهذا سيدعم الأمر".

ودعمت تركيا قوات المعارضة السورية في أثناء الحرب التي دمرت اقتصادا متنوعا ومنتجا.

وأظهرت بيانات سورية رسمية أوردها البنك الدولي في عام 2024 أن الاقتصاد السوري انخفض إلى أكثر من النصف بين عامي 2010 و2021. لكن البنك قال إن هذا على الأرجح أقل من الواقع.

فرص في كل المجالات

ارتفعت قيمة الليرة السورية منذ إعلان ترامب.

وقال متداولون إن العملة تراوحت بين 9000 و9500 مقابل الدولار يوم الأربعاء، مقارنة مع 12600 في وقت سابق من هذا الأسبوع. وقبل الحرب في عام 2011، كان الدولار يعادل 47 ليرة سورية.

وقال وزير المالية السوري محمد يسر برنية لرويترز إن مستثمرين من الإمارات والكويت والسعودية ودول أخرى، قدموا ستفسارات عن الاستثمار.

وأضاف برنية لرويترز "سوريا اليوم هي أرض الفرص، وهناك إمكانات كامنة هائلة في جميع القطاعات، من الزراعة إلى النفط والسياحة والبنية التحتية والنقل".

وقال "ندعو جميع المستثمرين إلى اغتنام هذه الفرصة".

ووصف كرم بشارة، المدير العام لبنك (شهبا بنك) وهو يشاهد في مكتبه بدمشق لقطات من اجتماع ترامب مع الشرع في الرياض يوم الأربعاء، الحماس الذي يسود مجتمع الأعمال قائلا "إنه رائع بشكل يفوق التصور".

وقال "نحن على المسار الصحيح الآن على الصعيد الدولي ما لم يحدث شيء في سوريا يعرقل العملية".

وما زالت الأوضاع في سوريا هشة. فبعض الجماعات المسلحة لم تسلم أسلحتها للحكومة بعد، ومطالب الحكم الذاتي من الأكراد نقطة خلاف، والعنف الطائفي جعل الأقليات تخشى من حكم الشرع رغم وعوده بتوفير الحماية والحكم بطريقة تشمل جميع الأطياف. 

وتعارض إسرائيل الشرع وتقول إنه ما زال من المتشددين. وقصفت إسرائيل سوريا مرات كثيرة.

وقال جهاد يازجي، وهو صحفي ومؤسس ورئيس تحرير "التقرير السوري" الإخباري الاقتصادي على الإنترنت، إن قرار الولايات المتحدة يمثل تحولا جذريا لأنه نقل "رسالة سياسية قوية جدا" وفتح الطريق أمام عودة التكامل مع الخليج والمنظمات المالية الدولية والعدد الكبير من السوريين في الغرب.

وقال المستثمر اللبناني عماد الخطيب إنه يعجل بخططه للاستثمار في سوريا بعد إعلان ترامب.

وتعاون الخطيب مع شركاء لبنانيين وسوريين في إجراء دراسة جدوى لإقامة مصنع لفرز النفايات في دمشق بقيمة 200 مليون دولار قبل شهرين. وأرسل في صباح الأربعاء فريقا من المتخصصين إلى سوريا لبدء التحضيرات".

وقال "هذه هي الخطوة الأولى... وستتبعها خطوات أكبر إن شاء الله. وسنعمل بالتأكيد على جذب مستثمرين جدد لأن سوريا أكبر بكثير من لبنان".