المتهم مشتبه بتعذيبه 18 شخصا على الأقل في سوريا.
يوسف مسؤول عن مقتل العشرات في حي التضامن في دمشق

فرضت وزارة الخارجية الأميركية، الإثنين، عقوبات حظر من الحصول على تأشيرة (فيزا) على مسؤول عسكري تابع للنظام السوري تقول إنه قتل ما لا يقل عن 41 مدنيا غير مسلح في أحد أحياء دمشق في أبريل 2013.

وسيتم منع أمجد يوسف، ضابط المخابرات العسكرية لنظام الرئيس السوري، بشار الأسد، وعائلته المباشرة من دخول الولايات المتحدة، حسبما قال وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، في بيان.

وأضاف بلينكن "يصادف هذا الشهر السنة الثانية عشرة للصراع في سوريا الذي ارتكب خلاله نظام الأسد فظائع لا حصر لها، بعضها يرقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية".

وتابع الوزير الأميركي "كانت إحدى هذه الفظائع مذبحة ارتكبت في حي التضامن، أحد أحياء دمشق، حيث قتل أمجد يوسف، ضابط المخابرات العسكرية لنظام الأسد، ما لا يقل عن 41 مدنيا عزلا في 16 أبريل 2013، وتمت مشاركة أدلة الفيديو على جرائم القتل هذه، التي نفذت ببرود ومنهجية، لأول مرة علنا في عام 2022 بعد تحقيق طويل وشامل أجراه باحثون مستقلون.

ويأتي الإعلان عن تقييد التأشيرات في الوقت الذي جدد فيه عدد متزايد من الدول على الأقل مستوى معينا من الاتصال المباشر مع نظام الأسد، لا سيما في أعقاب الزلزال المدمر، الذي وقع الشهر الماضي، في تركيا وسوريا.

وقال الوزير بلينكن إن "لقطات هذه المجزرة، إلى جانب القتل المستمر وإساءة معاملة عدد لا يحصى من السوريين، بمثابة تذكير واقعي لماذا لا ينبغي على الدول تطبيع العلاقات مع نظام الأسد في غياب التقدم الدائم نحو حل سياسي".

وأدرجت الوزارة "يوسف وزوجته عنان وسوف وأفراد أسرتهما المباشرين" في قائمة غير المؤهلين للدخول إلى الولايات المتحدة.

ودعت الولايات المتحدة نظام الأسد إلى وقف جميع الانتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان، "بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر عمليات القتل خارج نطاق القضاء والاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب".

وتعهدت الخارجية بمواصلة "دعم الجهود التي يقودها السوريون والجهود الدولية لضمان وجود عواقب لانتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات المستمرة المرتكبة في سوريا".

وفي مقال نشر في أبريل 2022 في "مجلة نيو لاينز"، قال الباحثان اللذان ساعدا في فضح المجزرة إن مقاطع الفيديو، التي كانت "صادمة بالفعل بسبب فظاعتها، تبرز في إيجازها وقسوتها بين آلاف الساعات من اللقطات التي فحصناها طوال حياتنا المهنية كباحثين في العنف الجماعي والإبادة الجماعية في سوريا وأماكن أخرى".

وتابع الباحثان، وفقا لشبكة CNN "ما يثير الصدمة بشكل خاص في مقاطع فيديو التضامن هو حقيقة أن ضباط المخابرات الذين ارتكبوا المذبحة كانوا في الخدمة ويرتدون الزي العسكري"، مضيفين "إنهم يقدمون تقاريرهم إلى الرئيس بشار الأسد نفسه، ومع ذلك اختاروا إظهار وجوههم في اللقطات التي تدينهم. في عدة نقاط خلال الفيديو، نظروا مباشرة إلى الكاميرا على ما يبدو مرتاحين ومبتسمين واستخدموا جودة الفيديو عالي الدقة".

وكتب الباحثان أن يوسف، المسؤول الذي فرضت عليه وزارة الخارجية عقوبات يوم الثلاثاء، كان "مركزا ورزينا ودقيقا، ويعمل بكفاءة من أجل إكمال المهمة في غضون 25 دقيقة".

وواجه الباحثان يوسف وقالا "أولا، نفى أنه هو الظاهر في الفيديو، ثم قال إنه كان يعتقل شخصا ما، وأخيرا ، استقر على تبرير أنه يقوم بوظيفته وقال إنه فخور بأفعاله".

الشرع والجهاد الإسلامي

بالتزامن مع زيارة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إلى دمشق ولقائه بالرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، تحدثت تقارير عن اعتقال القوات الأمنية السورية قياديين بارزين من حركة الجهاد الإسلامي، في حدث يبدو شديد الدلالة على التحولات الكبيرة التي تشهدها سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر من العام الماضي.

وقالت "سرايا القدس"، وهي الجناح العسكري للجهاد الإسلامي، في بيان الأربعاء إن خالد خالد مسؤول الحركة في سوريا وياسر الزفري مسؤول لجنتها التنظيمية محتجزان لدى السلطات السورية منذ خمسة أيام.

وأضافت أن السلطات ألقت القبض على الرجلين "دون توضيح أسباب الاعتقال وبطريقة لم نكن نتمنى أن نراها من إخوة". ودعت إلى "الإفراج" عنهما. 

وأكد مسؤول في وزارة الداخلية السورية لوكالة رويترز نبأ إلقاء القبض على القياديين في الحركة، لكنه لم يجب عن أسئلة لاحقة حول سبب اعتقالهما.

حركة "الجهاد الإسلامي" هي إحدى أهم الفصائل الفلسطينية المسلحة، وإن كانت أكثرها غموضاً وتعقيداً، من حيث تاريخها وأيديولوجيتها. صنفتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، ونمت لتصبح ثاني أكبر حركة مسلحة في قطاع غزة وثالث أكبر حركة في الضفة الغربية.

وعلى الرغم من أنها أصدرت أول بيان علني لها في 11 ديسمبر عام 1987، كان وجودها واحدا من أكثر أسرار المقاومة الفلسطينية كتمانا. تأسست الحركة في قطاع غزة عام 1981 على يد مجموعة من الطلاب الفلسطينيين الذين لم يسبق لأحدهم أن أمسك بسلاح، لكنها سريعاً تحولت إلى استخدام العنف ضد أهداف إسرائيلية في عام 1984، أي قبل خمس سنوات من ظهور حركة حماس.

واكتسبت الحركة سمعة سيئة بسبب طبيعة هجماتها المثيرة للجدل في عنفها، ومواقفها المتصلبة ضد إسرائيل. وكان الشعار الذي طرحته هو: "الإسلام، الجهاد، وفلسطين": الإسلام كنقطة انطلاق، الجهاد كوسيلة، وتحرير فلسطين كهدف.

وكانت الحركة ولا تزال ملتزمة بـ"لاءات ثلاث": لا تفاوض، ولا حل الدولتين، ولا اعتراف بإسرائيل.

في كتابه "تاريخ الجهاد الإسلامي الفلسطيني: الإيمان والوعي والثورة في الشرق الأوسط"، يروي الباحث إيريك سكير حكاية جذور تأسيس حركة الجهاد الإسلامي، التي بدأت من رسم وضعه فتحي الشقاقي (مؤسس الحركة/ اغتيل في العام ١٩٩٥) على ورقة في مارس 1979، يمثل مستطيلًا يتقاطع مع دائرة. 

كان هذا الرسم، بحسب سكير، يمثل مشروعهم السياسي الجديد، ويحتوي على ثلاث مساحات متميزة. تمثل المساحة الأولى "الإخوة الذين كانوا أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين فقط". ثم هناك "الإخوة الذين كانوا أعضاء في كل من جماعة الإخوان والمشروع الجديد الذي يشكل نوعاً ما انشقاقاً عن الإخوان. وأخيراً، هناك أولئك الذين انضموا إلى هذا المشروع دون أن يكونوا من الإخوان المسلمين. كانت هذه المنظمة تُعرف بـ "الطلائع الإسلامية"، وهي نواة حركة الجهاد الإسلامي.

والتعقيد في سيرة الجهاد الإسلامي وتموضعها، مرده إلى عوامل عديدة لعبت دوراً في رسم هوية الحركة وتشكيل أفكارها من روافد متنوعة، وقد تبدو أحياناً متناقضة. فهي كما يرى باحثون، بينهم الباحثة الإسرائيلية مائير هاتينا، نشأت من تأثير حاسم للجماعات المصرية المتطرفة في السبعينيات. 

وفي المقابل، تركز الباحثة، بفيرلي ميلتون إدواردز، على صراع الحركة مع جماعة الإخوان المسلمين في أوائل الثمانينيات، بشأن المقاومة المسلحة. وبينهما رأي، يتوقف عنده إيريك سكير في كتابه، يقول بأن "الجهاد الإسلامي" خرجت تأثراً بالثورة الإيرانية عام ١٩٧٩. 

وفي الحالات كلها، تبدو حركة "الجهاد الإسلامي" اليوم في قلب هذه التناقضات، فهي الفصيل الأقرب فلسطينياً إلى إيران تمويلاً وتسليحاً مع إشارات إلى حالات "تشيّع" داخل الحركة. ومع ذلك فإن تنسيقها مع حماس لم يتوقف، حتى مع التباين بين حماس و"الجهاد" حول قضية الثورة السورية، وبقاء الجهاد الإسلامي في "حضن" النظام السوري مستفيدة من الحماية التي وفرها لها، في وقت كانت حماس تبتعد عن النظام بسبب مزاج الثورة القريب من الإخوان المسلمين.

مع ذلك نسقت حماس مع "الجهاد" هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، وتحتفظ بأسرى إسرائيليين.

ومع تولي أحمد الشرع السلطة في سوريا، تزداد الأمور تعقيداً. فالشرع يميل، بحسب معطيات عديدة، إلى الاقتراب أكثر من تسوية مع إسرائيل قد تستكمل باتفاقية سلام، والابتعاد أكثر عن حماس وما تمثله. ولقاؤه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس يصب في هذا السياق.

ولا يحيد اعتقال الأمن السوري القياديين في "الجهاد" عن هذا "النهج"، ويأتي استكمالاً للمزاج السياسي للشرع المبتعد بوضوح، إلى حد القطيعة، عن إيران. إذ قطعت القيادة السورية الجديدة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وتأمل في إعادة بناء الدعم الإقليمي والدولي لسوريا، لا سيما رفع العقوبات وتمويل إعادة الإعمار بعد حرب أهلية مدمرة استمرت 14 عاماً.

لكن قد لا يعني اعتقال القياديين في الجهاد أن الشرع سيفعل الشيء ذاته مع حركة "حماس" في سوريا، على الأقل في الفترة المقبلة، كما يوضح نائب مدير مركز كارنيغي، الباحث مهند الحاج علي، لموقع "الحرة". بل إن الشرع على الغالب سيحافظ على العلاقة التاريخية بحماس لما تمثله من امتداد يرتبط بالإخوان المسلمين. 

وإذا كان الشرع في وارد "بيع" حماس، فإنه بالتأكيد سيطلب ثمناً عالياً لقاء ذلك. ويعتقد الحاج علي أن حماس لن تُحرج الشرع وستلتزم بما يناسبه في سوريا، حتى لو عنى ذلك قطع التواصل مع إيران، وإن كان الباحث في كارنيغي يتوقع أن تلعب حماس أدواراً في المستقبل لتحسين علاقات الشرع بإيران.

وأوردت وكالة رويترز في تقرير الشهر الماضي أن الولايات المتحدة قدمت لسوريا قائمة شروط يتعين الوفاء بها مقابل تخفيف جزئي للعقوبات. وذكرت مصادر لرويترز أن أحد الشروط هو إبعاد الجماعات الفلسطينية المدعومة من إيران.