تهريب حبوب الكبتاغون المخدرة إلى الخليج من سوريا
صورة لعملية ضبط حبوب كبتاغون قبل دخولها الى السعودية

ما تزال أصداء الخطوات العربية تجاه النظام السوري حاضرة حتى الآن، ورغم أنها من المرجح أن تفرض مشهدا جديدا في العلاقة بين دمشق والمحيط، إلا أن محطات السبيل لذلك تبدو ضبابية، من زاوية "ماهية الملفات" التي قد تشكّل أساسا لـ"طي صفحة الماضي" كما يروّج له.

وبعدما كانت علاقة رئيس النظام السوري بشار الأسد بإيران أكثر ما كان يتردد في السنوات الماضية على صعيد توجس الدول العربية وإحجامها عن أي خطوات إيجابية تجاه دمشق بات هذا الملف خافتا على نحو أكبر، ولاسيما من جانب السعودية، التي وقّعت اتفاقا مع طهران، وتسير الآن بخطوات أسست لها المصافحة في بكين.

ومع ذلك وفي حين بات "التوأم الإيراني-السوري" بعيدا عن دائرة المخاوف العربية المتعلقة بسوريا حل مكانه ملف تهريب المخدرات وحبوب "الكبتاغون"، وأصبح في صدارة ما يدور الحديث عنه في الوقت الحالي، فيما تطرقت إليه وسائل إعلام سعودية مؤخرا، ووضعه على رأس "مباحثات" الرياض ودمشق.

ويقول خبراء وتقارير لخارجيات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إن الغالبية العظمى من إنتاج "الكبتاغون" العالمي يحدث في سوريا، مع كون منطقة الخليج وجهته الأساسية، بينما تعتبر السعودية السوق الرئيسي له، والأردن كذلك مع تحوّلها أيضا إلى نقطة العبور ومحطة عمليات التهريب.

ومن المرجح أن يكون على رأس جدول الأعمال في محاولات التطبيع بين الدول العربية والنظام السوري، ويشير تقرير لشبكة "سي أن أن" إلى أن "المخدرات قد تكون الآن بمثابة ورقة مساومة بيد الأسد".

ونقلت الشبكة، الثلاثاء، عن خبراء قولهم إن "الكبتاغون" تم الترويج له خلال المرحلة الماضية على أنه "ورقة" في محادثات التقارب بين النظام السوري ونظرائه الذين يسعون إلى التطبيع.

وبينما اعتبر مراقبون في حديثهم لموقع "الحرة" أن هذا الأمر بات واقعا بمعنى أن محاولات النظام السوري نجحت في هدفها بـ"الابتزاز"، إلا أنهم اعتبروا أن "ورقة المساومة التي يمسكها الأسد تطلق سؤالين كبيرين".

ويتعلق السؤال الأول بمدى رغبة النظام السوري في إنهاء ملف "الكبتاغون"، والثاني بإمكانياته على تفكيك الشبكات كاملة وإيقاف صنبور الحبوب بالكامل، وهو الأمر الذي يقول مراقبون إنه سيكون "تحديا يتداخل بالأساس مع الرغبة".

"أداة ضغط سياسية"

وعلى مدى السنوات الماضية أصبحت سوريا بنظر دول عربية وغربية "دولة مخدرات"، وارتبط ذلك بكم الشحنات الكبيرة التي خرجت منها، وعبرت الحدود لتصل إلى مصر والسعودية والأردن ودول أبعد، كإيطاليا واليونان ورومانيا.

وتنوعت هذه الشحنات ما بين "حبوب الكبتاغون" و"أكف الحشيش"، بينما اختلفت طرق تهريبها. تارة بعلب الحليب وأوراق الشاي، وأخرى ضمن لفافات الورق المقوّى وأطباق البيض وحبات الفواكه.

وبحسب تقارير أمنية لعدة دول، فإن النظام السوري يعتبر المسؤول الأول عن تهريب وتصنيع ما تحتويه هذه الشحنات، والتي تحولت شيئا فشيئا إلى "مكسب تجاري كبير"، يعود بالفائدة الاقتصادية عليه من جهة، وعلى "حزب الله" اللبناني الذي ينتشر وكلاؤه في مناطق متفرقة داخل سوريا من جهة أخرى.

وتشير تقديرات الحكومة البريطانية إلى أن 80 في المئة من إنتاج "الكبتاغون" في العالم يصدر من سوريا، وإن ماهر الأسد شقيق رأس النظام السوري يشرف شخصيا على هذه التجارة في الخارج.

وكذلك الأمر بالنسبة لتقديرات الولايات المتحدة الأميركية، ما دفع واشنطن في أواخر مارس الماضي لفرض عقوبات على عدد من الشخصيات السورية واللبنانية، بينهم سامر كمال الأسد ووسيم بديع الأسد.

وحتى الآن لا يعرف بالتحديد الأثر الغربي الذي سيلقي بظلاله على تجارة الكبتاغون داخل مناطق النظام السوري، وما إذا كان الأخير لديه نية في الانعطافة في هذا "الملف الكبير"، سواء بسبب الضغوط الغربية أو كبادرة حسن نية للعودة لـ"الحضن العربي".

ويرى الباحث الأول في "البرنامج السوري للتطوير القانوني" ومقره لندن، إياد حميد، أن النظام السوري "يستطيع نظريا إن قام بتوظيف موارد الدولة التعامل مع تجارة الكبتاغون وتقليص حجمها".

لكنه يعتقد أن "النظام مدرك أنه في مرحلة ما سيضطر لكبح تجارة الكبتاغون في إطار صفقة تعيد تعويمه سياسيا واقتصاديا".

وفي المرحلة الحالية، وخاصة في ظل عدم وجود حل سياسي يفتح الباب أمام أموال إعادة الإعمار يستبعد حميد في حديثه لموقع "الحرة" أن "يقوم الأسد بخطوات عملية في هذا الاتجاه".

ويضيف الدكتور في الاقتصاد والزميل الأول في "نيو لاينز"، كرم شعار، أن "تجارة الكبتاغون باتت بالفعل أداة ضغط سياسية بيد النظام السوري"، وأن "هذا الأمر لم يعد يخف على أي أحد".

ويشير شعار في حديث لموقع "الحرة" إلى التقرير الأخير الذي نشرته صحيفة "عكاظ" السعودية، موضحا أن "الكبتاغون" كان في سياق تقريرها على رأس قائمة المباحثات بين الرياض ودمشق.

وقالت الصحيفة في 27 مارس الماضي إن رئيس الأمن الوطني في سوريا، علي مملوك، ومدير المخابرات العامة، حسام لوقا، قد زارا الرياض، وأجريا محادثات مع مسؤولين سعوديين حول العودة التدريجية للعلاقات بين البلدين.

وتابعت: "وذلك بعد أن تتعهد دمشق بحزمة من الإصلاحات على مستوى الوضع الداخلي والعلاقة مع المعارضة السورية، إضافة إلى تعهدها ألا تكون مصدرا لتصدير الكبتاغون إلى الأردن ودول الخليج".

ووفق الصحيفة فقد بدأ النظام السوري "على أرض الواقع بملاحقة خلايا تعمل في مجال صناعة وتصدير الكبتاغون إلى الأردن، وأحبطت سلطاته عدة عمليات الأسبوع الحالي في بادرة حسن نية لتحسن العلاقات مع الرياض".

و"لا يخف على أحد أن الغالبية الكاسحة من إنتاج وتهريب الكبتاغون هي من مناطق سيطرة النظام السوري، وهذا الشيء ينطبق على الأطراف اللبنانية في سوريا مثل حزب الله".

ويوضح الباحث شعار: "في حال كان للأسد رغبة حقيقية في إيقاف إرسال المخدرات لدول الخليج فهو قادر أن يحل الغالبية العظمى من المشكلة، بينما سيبقى جزء صغير".

لكنه يضيف مستدركا: "هل هناك نية حقيقية للأسد؟ الجواب لا. النظام سيظل يلعب مع العالم بنفس لعبة باكستان والإرهاب".

"قيادة من أساس النظام"

وفي تقرير لها، في مايو 2021، قالت صحيفة "الغارديان" البريطانية إن الحدود بين سوريا ولبنان انعدم فيها القانون، وباتت مرتعا لعمليات التهريب، والتي يتورط فيها مسؤولون من الجانبين.

وينقل المهربون الحشيش والكبتاغون عبر طريق يمتد من سهل البقاع اللبناني ومدينة القصير السورية الحدودية، والطرق شمالا باتجاه مينائي اللاذقية وطرطوس.

ووفقا لـ"الغارديان" فإن اللاذقية تقع تحت عيون ومراقبة كثيفة من أجهزة أمنية أميركية وأوروبية وأجهزة الاستخبارات. ورغم هذا وقعت بعض عمليات التهريب من المصدر، وتم إحباطها لاحقا.

وهذا المشهد المذكور ينطبق أيضا على طول الحدود السورية-الأردنية، والتي لم تعد تشهد عمليات تهريب كبتاغون وأصناف أخرى من المخدرات، بل تطوّرت لتشمل الأسلحة، وعبر وسائل متطورة على متن طائرات مسيرة.

ولطالما ألمح مسؤولون أردنيون إلى مسؤولية "الفرقة الرابعة" التي يقودها شقيق رأس النظام السوري في عمليات إنتاج وتهريب المخدرات، وكذلك الأمر بالنسبة لتقارير غربية.

في المقابل التزم النظام السوري سياسة الصمت وعدم التعليق، لكنه وفي ذات الوقت أعلن مرارا عن "ضبطه لشحنات حبوب مخدرات"، في مناطق متفرقة من البلاد.

ويشير عامر السبايلة، وهو أستاذ جامعي ومحلل جيوسياسي أردني إلى أن "الكبتاغون بات وبلا شك أكثر الملفات التي يتوجب على السوريين تقديم الكثير فيها من أجل إعادة بناء الثقة مع المنظومة العربية ومنظومة الخليج".

ويقول السبايلة لموقع "الحرة": "الإنتاج والتهريب يضع على المحك قدرة النظام وليس رغبته في انتشار الظاهرة على أراضيه وتصديرها".

"الظاهرة معقدة جدا، وشكلت فكرة الاقتصاد البديل للكثيرين سواء ميليشيات أو أنظمة أو دول"، فيما "تعتاش منها شبكة واسعة في المنطقة مرتبطة بشبكات الجريمة والإرهاب".

ويضيف المحلل الأردني: "القضاء على الظاهرة أمر مستبعد، لكن على السوريين أن يقدموا خطوات عملية واضحة تسمح لهم بإظهار قدرتهم وسيادتهم على أراضيهم، وبالتالي تتحول لنقطة تواصل مع الدول العربية المعنية في هذا الموضوع".

ويقول صلاح ملكاوي، المحلل الأردني الذي يتابع تجارة "الكبتاغون" عن كثب، إنه على الرغم من إنكار سوريا، إلا أنه من المستحيل عبور المخدرات منها دون تدخل العديد من الجهات الفاعلة المرتبطة ارتباطا وثيقا بالأسد ونظامه.

وأضاف ملكاوي لشبكة "سي أن أن" أن "قادة المليشيات والأجهزة الأمنية والقوات العسكرية متورطون في عملية تهريب المخدرات"، وأنه "لا يمكن للمخدرات أن تصل إلى هذه المناطق دون المرور بعشرات الحواجز ومنها التابعة للفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري".

"الكرة في الملعب السوري"

وعلى مدى أسابيع باتت الخطوات المتعلقة بـ"عودة سوريا إلى الحضن العربي" أكثر ما يتصدر الأخبار والتطورات الخاصة بالملف السوري.

وشهدت الفترة الأخيرة تحركات سعودية تجاه النظام هي الأولى في نوعها منذ أكثر من عقد بالإعلان عن مباحثات لاستئناف الخدمات القنصلية. مع العلم أن المملكة هي الأكثر تضررا من تجارة الكبتاغون المرتبطة بالأسد.

وقبل ذلك استقبلت الإمارات بشار الأسد مع زوجته، بينما زار وزير الخارجية المصري دمشق واستقبل نظيره فيصل المقداد في القاهرة، في خطوة تلت زيارة أجراها وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى سوريا، وكانت الأولى في نوعها أيضا منذ 2011.

ويسود ترقب في الوقت الحالي بشأن ما إذا كانت الدول العربية ستجتمع كاملة على "إعادة سوريا للجامعة العربية"، فيما تثار تكهنات بشأن "الثمن" الذي قد يدفعه الأسد إزاء ذلك، أو أنه قد يحصل على ما يريد بالمجان، وبناء على تقاطع مصالح.

واعتبر المحلل الأردني السبايلة أن "الكبتاغون هو الملف الأهم على صعيد علاقة سوريا بالدول العربية"، ويقول إنه "بات الآن تحديا في الملف السوري".

وما يزيد من التحدي هو أن "تركيبة الداخل السوري ليست واضحة، بسبب وجود ميليشيات ومناطق مهددة بعودة تنظيمات إرهابية للعمل بقوة".

ولذلك يعتقد السبايلة أنه "من الصعب توقع انتهاء ظاهرة الكبتاغون في سوريا بسرعة، أو أن يكونوا السوريين قادرين على تفكيكها بصورة سريعة".

من جانبه يوضح الباحث السوري إياد حميد أن "أموال تجارة الكبتاغون تمر عبر قنوات لا تؤثر فيها العقوبات الغربية، كونها مثل أية تجارة مخدرات، تتبع أساليب غير قانونية تتطلب أساليب غير العقوبات الاقتصادية لمكافحتها بنجاح".

ويقول في تعليقه على قدرة النظام السوري على تفكيك التجارة العابرة للحدود إنه "يحق التساؤل فيما إذا كان النظام السوري كتلة متجانسة قادرة بقرار من بشار الأسد على وضع حد لتجارة وتصنيع الكبتاغون".

خبراء يرون أن نهج التعامل مع فلول النظام السابق مفتاح مستقبل الاقتصاد السوري (AFP)
خبراء يرون أن نهج التعامل مع فلول النظام السابق مفتاح مستقبل الاقتصاد السوري (AFP)

تدقق الحكومة السورية الجديدة في إمبراطوريات الشركات التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات والمملوكة لحلفاء الرئيس المخلوع بشار الأسد، وأجروا محادثات مع بعض هؤلاء الأثرياء فيما يقولون إنها حملة لاستئصال الفساد والنشاط غير القانوني.

بعد تولي السلطة في ديسمبر، تعهدت جماعة هيئة تحرير الشام، التي تدير سوريا الآن، بإعادة إعمار البلاد بعد حرب أهلية وحشية استمرت 13 عاما وكذلك بإنهاء النظام الاقتصادي شديد المركزية والفاسد الذي هيمن عليه أتباع الأسد.

ولتحقيق هذه الأهداف، شكلت السلطة التنفيذية بقيادة الرئيس الجديد في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع لجنة مكلفة بتحليل المصالح التجارية المتشعبة لكبار رجال الأعمال المرتبطين بالأسد مثل سامر فوز ومحمد حمشو، حسبما ذكرت ثلاثة مصادر لرويترز.

ووفقا لمراسلات اطلعت عليها رويترز بين مصرف سوريا المركزي والبنوك التجارية، فإن الإدارة الجديدة أصدرت أوامر بعد أيام من السيطرة على دمشق تهدف إلى تجميد الأصول والحسابات المصرفية للشركات والأفراد المرتبطين بالأسد، وشملت في وقت لاحق على وجه التحديد أولئك المدرجين على قوائم العقوبات الأميركية.

لقاءات مع "حيتان الأسد"

وذكر مسؤول حكومي ومصدران سوريان مطلعان على الأمر، طلبوا عدم الكشف عن هويتهم، أن حمشو وفوز، وهما اثنان من حيتان المال في عهد الأسد، عادا إلى سوريا من الخارج والتقيا بشخصيات بارزة في هيئة تحرير الشام في دمشق في يناير.

وتفرض الولايات المتحدة عقوبات على حمشو وفوز منذ عامي 2011 و2019 على الترتيب.

وأوضحت المصادر الثلاثة أن الرجلين، اللذين يثيران استهجان العديد من السوريين العاديين بسبب علاقاتهما الوثيقة مع الأسد، تعهدا بالتعاون مع جهود تقصي الحقائق التي تبذلها القيادة الجديدة.

وتتهم وزارة الخزانة الأميركية مجموعة أمان القابضة، التي يملكها فوز، بالتربح من الحرب في سوريا، وتتنوع أعمالها بين صناعة الأدوية وتكرير السكر والتجارة والنقل.

وبالمثل، فإن مصالح حمشو، التي تندرج تحت مجموعة حمشو الدولية واسعة النطاق، وتتراوح بين البتروكيماويات والمنتجات المعدنية إلى الإنتاج التلفزيوني.

ولم يستجب حمشو، الذي اتهمته وزارة الخزانة الأميركية بأنه واجهة للأسد وشقيقه ماهر، لطلب من رويترز للتعليق. ولم يتسن الوصول إلى فوز للتعقيب.

ولم يسبق الإعلان عن إنشاء اللجنة، التي لا يُعرف أعضاؤها، أو المحادثات بين الحكومة السورية الجديدة واثنين من رجال الأعمال اللذين ربطتهما صلات وثيقة بحكومة الأسد ويسيطران على قطاعات كبيرة من الاقتصاد السوري.

ويقول محللون ورجال أعمال سوريون إن النهج الذي ستتبعه الحكومة السورية الجديدة تجاه الشركات القوية المرتبطة بالأسد، والذي لم يتضح بالكامل بعد، سيكون أساسيا في تحديد مصير الاقتصاد في الوقت الذي تكافح فيه الإدارة لإقناع واشنطن وحلفائها برفع العقوبات.

وأكد وزير التجارة ماهر خليل الحسن ورئيس هيئة الاستثمار السورية أيمن حموية لرويترز أن الحكومة على اتصال ببعض رجال الأعمال المرتبطين بالأسد دون تحديدهم أو الخوض في تفاصيل.

وأكد خلدون الزعبي الذي تعاون مع فوز لفترة طويلة أن شريكه أجرى محادثات مع السلطات السورية لكنه لم يؤكد معلومة زيارته للبلاد.

وقال الزعبي من بهو فندق "فور سيزونز" في وسط دمشق، والذي تملك مجموعة فوز حصة أغلبية فيه، "أبلغهم فوز أنه مستعد للتعاون مع الإدارة الجديدة وتقديم كل الدعم للشعب السوري والدولة الجديدة. وهو مستعد للقيام بأي شيء يُطلب منه".

وقال المصدران السوريان إن فوز، الذي يحمل الجنسية التركية، غادر دمشق بعد المحادثات. ولم يتسن لرويترز التأكد من مكان حمشو.

"اقتصاد البلد في أيديهم"

فرضت الولايات المتحدة عقوبات على فوز وحمشو وآخرين ممن لعبوا دورا اقتصاديا بارزا، ومن بينهم ياسر إبراهيم، أكثر مستشار حظي بثقة الأسد.

ويقول محللون سوريون إن نحو 12 رجلا يشكلون الحلقة الضيقة من أباطرة الأعمال المرتبطين بالنظام السابق، ويعتبرهم المسؤولون الحكوميون، الذين عينتهم هيئة تحرير الشام، أشخاصا محل اهتمام.

وأمرت السلطات السورية الشركات والمصانع التابعة أو المرتبطة بأباطرة الأعمال بمواصلة العمل تحت إشراف سلطات هيئة تحرير الشام بينما تحقق اللجنة في أعمالها المختلفة.

وقال وزير التجارة لرويترز خلال مقابلة في أوائل يناير إن "سياستنا هي السماح لموظفيهم بمواصلة العمل وتوريد السلع إلى السوق مع تجميد تحركات أموالهم الآن".

وأضاف "إنه ملف ضخم. اقتصاد البلد في أيديهم (حلفاء الأسد من رجال الأعمال). ما فيك تقول لهم يفلو"، موضحا أن الحكومة الجديدة لا تستطيع تجنب التعامل معهم.

وذكرت مصادر مطلعة بشكل مباشر أن مجموعة حمشو الدولية من ضمن الشركات التي وُضعت تحت إشراف هيئة تحرير الشام.

ووجدت رويترز خلال زيارة قامت بها في أواخر يناير أن القليل من العمل كان يجرى في مقر المجموعة الحديث متعدد الطوابق في دمشق حيث تعرضت بعض المكاتب للنهب عقب سقوط الأسد.

وقال موظف، طلب عدم نشر اسمه، إن الموظفين تلقوا تعليمات بالتعاون الكامل مع الإدارة السورية الجديدة، التي يزور أفراد منها الشركة بانتظام سعيا للحصول على معلومات.

ويقول بعض خبراء الاقتصاد إن الوضع الاقتصادي المزري في البلاد يجبر الشركات المحلية الكبرى على مواصلة العمل بغض النظر عمن قد تكون تابعة له.

وتقول الأمم المتحدة إن 90 بالمئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر.

ورغم توافر السلع الأساسية قليلا بعد رفع القيود التجارية الصارمة عقب سقوط الأسد، لا يزال العديد من السوريين يجدون صعوبات في تحمل تكلفتها.

وقال كرم شعار مدير شركة استشارات اقتصادية تركز على سوريا وتحمل اسمه "على السلطات السورية توخي الحذر قبل شن حملة صارمة على فلول النظام السابق لأن هذا قد يؤدي إلى نقص كبير (في السلع)".

"أكبر قدر ممكن من العدالة"

قال رجلا أعمال بارزان والمسؤول الحكومي إن العديد من الأثرياء السوريين لم يكن لديهم وقت للتصرف في أصولهم المحلية أو نقلها بسبب سرعة سقوط الأسد وهروبه في الثامن من ديسمبر إلى روسيا، مما أعطى الإدارة السورية الجديدة فرصة لاستغلال ذلك بقوة في التعامل معهم. وتم تجميد أصولهم منذ ذلك الحين.

لكن عدم تعامل سلطات هيئة تحرير الشام بشفافية مع الأباطرة وأعمالهم التجارية يهدد بردود فعل عكسية.

وقال شعار الذي يدعو إلى اتباع مسار قانوني صارم "النهج العام تجاه فلول نظام الأسد غير واضح وقد يعتمد على الفاعل وعلى مقدار الدعم الذي يتمتعون به أيضا".

واعترف رئيس هيئة الاستثمار السورية أيمن حموية، الذي عُين للتعامل مع المستثمرين الأجانب المحتملين وتقديم المشورة للسلطات الحاكمة الجديدة بشأن السياسة الاقتصادية، بالمخاوف الشعبية بشأن مستقبل الشركات المرتبطة بالنظام والتي تتفاوت في الحجم والأهمية.

وقال إن رجال الأعمال العاديين، الذين أجبروا على دفع رشاوى أو العمل مع النظام، ليسوا تحت نظر الإدارة الجديدة.

لكنه أضاف أن العملية ستكون مختلفة بالنسبة لقلة ممن أقاموا شراكات مع الأسد وحققوا ثروات على حساب الدولة وقاموا بأنشطة غير قانونية.

فماهر شقيق الأسد على سبيل المثال، الذي تقول الولايات المتحدة إنه كان على صلة بحمشو، يدير الفرقة الرابعة للجيش السوري التي ارتبطت فيما بعد بإنتاج عقار الكبتاغون المشابه للأمفيتامين.

وقال حموية "إذا تغلبت على أحد (أباطرة الأعمال) أو سجنته، فمن المستفيد؟ عليك أن تعمل ببطء، ومع اللجان والمعلومات والتحقيقات حتى تحقق أكبر قدر ممكن من العدالة".

وذكر الزعبي، الذي حافظ على علاقات مع بعض جماعات المعارضة السورية إلى جانب شراكته مع فوز، أنه فهم من تعاملاته مع الإدارة الجديدة أنها تسعى إلى اتباع نهج "التفاهم".

وأضاف "أنا متفائل بأن الإدارة الجديدة لا تشخصن الأمور".