عمليات جمع الكمأة تتم في البادية السورية - صورة تعبيرية. أرشيف
عمليات جمع الكمأة تتم في البادية السورية - صورة تعبيرية. أرشيف

قتل 43 شخصا في سوريا إثر ثلاث هجمات منفصلة شنّ اثنين منها الأحد مسلحون يُعتقد أنهم من تنظيم داعش.

وتحدث المرصد السوري لحقوق الإنسان في حصيلة جديدة عن مقتل 36 شخصا خلال جمعهم الكمأة في وسط سوريا جراء هجوم شنّه مسلحون تابعون لخلايا تنظيم الدولة الإسلامية، فيما تحدثت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن مقتل خمسة رعاة ماشية في ريف دير الزور في هجوم منفصل.

وعثر سكان في منطقة الشعفة بريف دير الزور على جثتين لمدنيين قتلا في هجوم سابق لتنظيم الدولة الإسلامية أثناء جمعهما الكمأة، وفق المرصد.

وتحدث المرصد عن مقتل "مدنيين وعسكريين إثر هجوم مسلح عليهم خلال جمعهم الكمأة في منطقة دويزين شرقي حماة في وسط البلاد، موضحا أن 17 من القتلى هم من عناصر "الدفاع الوطني" الموالين للنظام.

وفي حادثة منفصلة، قالت سانا إن "مجموعة إرهابية هاجمت بالأسلحة الرشاشة خمسة مواطنين كانوا يرعون الأغنام في ... ريف دير الزور الشرقي، ما أدى إلى استشهادهم".

وأضافت  بأن "الإرهابيين عمدوا أيضا إلى إطلاق الرصاص مباشرة على قطعان الأغنام، ما أدى إلى نفوق نحو 250 رأسا منها".

وخطف راعيان في ريف دير الزور خلال هجوم شنه مسلحون يرجّح المرصد أن يكونوا تابعين لخلايا تنظيم داعش.

وأضاف أن المسلحين كانوا "يستقلون دراجات نارية ومعهم أسلحة رشاشة"، وسرقوا كامل قطيع الأغنام.

وخلال سيطرته على مناطق واسعة في سوريا بدءا من العام 2014، سيطر داعش على بلدات وقرى عدة في ريف حماة الشرقي، قبل أن يتم طرده منها عام 2017. 

الإفراج عن عشرات المساجين

منذ بدء موسم جمع الكمأة في فبراير، يشنّ التنظيم بشكل متكرر هجمات تستهدف العمال في البادية السورية المترامية الأطراف، تتخللها عمليات إطلاق رصاص وخطف.

وبلغت حصيلة  القتلى جراء هجمات التنظيم في البادية السورية منذ مطلع العام أكثر من 235 شخصًا، معظمهم مدنيون وفق المرصد.

ورغم المخاطر، يواصل سكان المناطق المتاخمة للبادية السورية جمع الكمأة التي يستمر موسمها حتى أبريل وتباع بسعر مرتفع، ما يفسّر الإقبال على جمعها في ظل ظروف اقتصادية صعبة مع حرب مستمرة منذ أكثر 12 عاماً.

يراوح سعر الكيلوغرام الواحد إجمالا بين خمسة دولارات و25 دولاراً، وفق جودة الثمار وحجمها.

ورغم الضربات التي تستهدف قادته وتحرّكاته ومواقعه، لا يزال التنظيم قادراً على شن هجمات وتنفيذ اعتداءات متفرقة خصوصاً في شرق سوريا وشمال شرقها وفي البادية السورية المترامية الأطراف.

وفي 24 مارس، قتل 15 شخصاً أثناء جمعهم الكمأة جراء هجوم شنّه التنظيم في وسط سوريا، كما قتل في منتصف فربراير 68 شخصا أثناء جمعهم الكمأة جراء هجوم شنّه التنظيم المتطرف في ريف حمص الشرقي، وفق المرصد.

ويعتبر ذلك الهجوم هو الأعنف الذي يشنه التنظيم الجهادي منذ أكثر من عام، حين هاجم سجناً في شمال غرب سوريا، وتحديداً في منطقة تسيطر عليها القوات الكردية. 

وأسفر الهجوم يومها عن 373 قتيلا بينهم 268 جهاديا بعد معارك شرسة استمرت أياما عدة، وفق المرصد.

وأعلنت الإدارة الذاتية الكردية الأحد في بيان إطلاق سراح عشرات النزلاء من سجن غويران المركزي بمدينة الحسكة وسجن علايا في مدينة القامشلي بمناسبة اقتراب عيد الفطر.

وذكر مراسل فرانس برس في شمال شرق سوريا أن المفرج عنهم "كانوا متّهمين بالإرهاب على خلفية تعاونهم  مع عناصر تنظيم الدولة الإسلامية وعائلاتهم".

وتشهد سوريا منذ العام 2011 نزاعاً داميا متشعبا، تسبب بمقتل أكثر من نصف مليون شخص وبدمار هائل في البنى التحتية ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.     

علامات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية داخل منزل متضرر بدمشق في 23 أبريل 2018
علامات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية داخل منزل متضرر بدمشق في 23 أبريل 2018

أدت الهجمات غير المشروعة بالأسلحة الكيميائية إلى مقتل وإصابة الآلاف خلال الحرب الأهلية في سوريا، كثير منهم من الأطفال، ولكن بعد مرور أكثر من عقد من الزمن لا يزال الجناة بمنأى عن العقاب.

وقد يتغير ذلك في إطار مبادرة أُطلقت، الخميس، في لاهاي لإنشاء محكمة جديدة لمثل هذه الفظائع.

وعملت حوالي عشر مجموعات حقوقية سورية وخبراء قانونيون دوليون وآخرون في هدوء على مدى عامين على وضع الأساس لمحكمة جديدة قائمة على المعاهدات يمكنها محاكمة من يتهمون باستخدام المواد السامة المحظورة بجميع أنحاء العالم.

وقالت صفاء كامل، 35 عاما، وهي معلمة من حي جوبر بالعاصمة السورية دمشق "المحكمة بالنسبة للسوريين هي أمل"، متذكرة الهجوم بغاز السارين الذي وقع في 21 أغسطس عام 2013 بمنطقة الغوطة والذي أدى لمقتل أكثر من 1000 شخص كثير منهم كانوا نائمين.

وأضافت "الأعراض التي تعرضنا لها الغثيان وإعياء واصفرار الوجه، وحالات إغماء.. حتى من الصغار... كان خوف كتير كبير".

وتابعت قائلة "عندما فتشنا عن الشهداء الذين فقدناهم أثناء هذا القصف الكيماوي كان عدد الضحايا كتير كبير.. لا تمحى من ذاكرتنا كيف كانت مصفوفة".

وأظهرت وثائق اطلعت عليها "رويترز" أنه تم عقد العديد من الاجتماعات الدبلوماسية واجتماعات الخبراء بين الدول لمناقشة الاقتراح، بما في ذلك الجدوى السياسية والقانونية والتمويلية.

وقال المحامي البريطاني السوري إبراهيم العلبي، وهو أحد الشخصيات الرئيسية وراء هذه المبادرة، إن دبلوماسيين من 44 دولة على الأقل من مختلف القارات شاركوا في المناقشات، بعضهم على المستوى الوزاري.

وقال العلبي لرويترز "بينما يطالب بها السوريون بشأن استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، إذا رغبت الدول في ذلك فإن الأمر قد يتجاوز ما هو أبعد من سوريا بكثير".

ودُشن مقترح إنشاء المحكمة الاستثنائية للأسلحة الكيماوية في 30 نوفمبر وهو اليوم الذي يتم فيه إحياء ذكرى ضحايا الهجمات الكيماوية بجميع أنحاء العالم. 

وستكون الخطوة التالية هي أن تتفق الدول على صياغة المعاهدة.

وقال ثلاثة دبلوماسيين من دول في شمال وجنوب العالم لـ"رويترز" إن حكوماتهم تناقش إنشاء المحكمة، ورفضوا الكشف عن أسمائهم لأنهم غير مخولين بالتحدث في هذا الشأن.

وقال أحد المصادر "هناك اهتمام جدي، واهتمام بالغ، واعتراف بالحاجة إلى شيء كهذا، إلى الحاجة لمعالجة فجوة الحصانة بالأساس".

"شيء من العدالة"

تحظر اتفاقيات جنيف، التي قننت قوانين الحرب، استخدام الأسلحة الكيماوية. 

وشددت من ذلك اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية لعام 1997، وهي معاهدة لمنع انتشار هذه الأسلحة انضمت إليها 193 دولة وتشرف عليها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

لكن الانقسام السياسي بشأن الحرب السورية في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وفي الأمم المتحدة عرقل الجهود الرامية إلى المحاسبة عن انتهاكات القانون الدولي واسعة النطاق في مئات مما يشتبه بأنها هجمات كيماوية.

ونفت حكومة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، استخدام الأسلحة الكيماوية ضد معارضيها في الحرب الأهلية التي اندلعت في مارس 2011 والتي وصلت الآن إلى طريق مسدود إلى حد كبير. 

ولم ترد وزارة الإعلام على طلب من "رويترز" للتعليق.

وأقامت دول، من بينها فرنسا، محاكمات بموجب ما يسمى بالاختصاص القضائي العالمي للنظر في جرائم الحرب، لكن في الحالات التي لا تستطيع فيها المحكمة الجنائية الدولية فعل شيء.

ولا يوجد كيان قانوني يستطيع محاكمة الأفراد المشتبه بهم في استخدام الأسلحة الكيماوية على مستوى العالم.

وقال دابو أكاندي، المحامي البريطاني وعضو لجنة القانون الدولي بالأمم المتحدة لرويترز "عندما توجد أصوات تقول ‘نحن بحاجة إلى شيء من العدالة... أعتقد أن ذلك سيكون قويا".

وذكر أكاندي أن هناك محاكم دولية لجرائم الحرب، من البلقان إلى رواندا ولبنان، لكن لم يركز أي منها على جريمة نشر الأسلحة الكيماوية على وجه التحديد.

وأضاف "ستكون محاولة لسد فجوة بمعنى أنها ستكون مخصصة في الأساس للقضايا التي لا تستطيع فيها المحكمة الجنائية الدولية ممارسة اختصاصها القضائي.. وأعتقد أن هذا سيكون الشيء المبتكر في هذا الشأن".

وليس للمحكمة الجنائية الدولية المختصة بجرائم الحرب في العالم، ومقرها لاهاي، اختصاص قضائي في سوريا.

وتتمتع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بسلطة التحقيق في مزاعم استخدام الأسلحة الكيماوية وتحديد الجناة المزعومين في بعض الحالات، لكنها لا تتمتع بسلطة الملاحقة القضائية. 

وقالت في يناير إن سوريا مسؤولة عن هجوم وقع في مدينة دوما عام 2018 وأسفر عن مقتل 43 شخصا.

ووجدت آلية التحقيق المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية أن الحكومة السورية استخدمت غاز الأعصاب السارين في هجوم وقع في أبريل 2017، واستخدمت الكلور مرارا كسلاح واتهمت مسلحي تنظيم "داعش" باستخدام غاز الخردل.

واستخدمت روسيا، حليفة سوريا، حق النقض (الفيتو) مرارا ضد محاولات تمديد آلية التحقيق المشتركة التي انتهت في نوفمبر 2017.

بعد عشر سنوات

بالنسبة للدكتور محمد سليم، الذي ساعد في علاج مئات المرضى بعد هجوم الغوطة عام 2013، لا تزال صور الاختناق والموت تبكيه. 

ويتذكر أحد الأطفال الناجين وهو ملقى بين الجثث ويسأله: "عمو أنا عايش؟".

وقال لـ"رويترز" في لاهاي "الحقيقة عندنا شعور بالمرارة إن المحاسبة تأخرت عشر سنوات.. إذا قيد هلق مشروع انطلاق محاسبة فبيكون بعد عشر سنوات بدأ هذا المشروع.. نتمنى ألا ننتظر عشر سنوات إضافية".

وأضاف "أنا يللي بدي قوله إنه خللي القانون الدولي والعدالة ياخد مجراها".

وقالت الآلية الدولية المحايدة والمستقلة للتحقيق في الجرائم الأشد خطورة المرتكبة في سوريا، التابعة للأمم المتحدة، لـ"رويترز" إن جزءا صغيرا فقط من حوالي 200 تحقيق في جرائم الحرب السورية أجرته دول معظمها أوروبية يتعلق بالهجمات الكيماوية.

وقالت رئيسة هذه الآلية، كاثرين مارشي-أويل، إنه لا توجد فرص كافية لتحقيق العدالة فيما يتعلق بهجمات الأسلحة الكيماوية في سوريا، وإن الآلية الدولية المحايدة والمستقلة مستعدة للعمل مع محكمة جديدة.

وأضافت "هيئة دولية لديها موارد مخصصة وفريق اكتسب خبرة في إقامة دعاوى بشأن حوادث الأسلحة الكيماوية قد تكون في وضع جيد يسمح بالتعامل مع هذا النوع من القضايا".