أثار تسجيل مصور انتشر خلال الساعات الماضية موجة غضب في شمال غرب سوريا الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة، بعدما وثّق واقعة تحرش لفظي نفذها شاب وانضم إليه رجل مسن بحق امرأة منقبة استقلت السيارة الخاصة بهما بينما كانت تبحث عن وسيلة لنقلها من المخيم الذي تقيم فيه إلى مدينة الدانا بريف إدلب.
ويعود تاريخ حدوث الواقعة إلى سبعة أشهر مضت، بحسب ما قال نشطاء إعلاميون ومطلعون على الواقعة لموقع "الحرة"، لكنه انتشر بكثرة عبر مجموعات "الواتساب" ووسائل التواصل الاجتماعي، بعد تسريبه من أحد أصدقاء الشاب، والذي تم الكشف عن اسمه ومكانه، في وقت تحاول الأجهزة الأمنية هناك إلقاء القبض عليه.
مقطع فيديو متداول لسائق مع مسن يتحرشان بامرأة مهجرة تسكن في المخيمات
— المهاجرون الأن (@immigrantsnow) April 26, 2023
وكان السائق يصور رغم مطالبة المرأة بإيقاف ذلك لكن السائق تجاهل طلبها وتابع التصوير.
ويستهزئ الرجلان أثناء التحرش به.
ويدعى السائق يدعى أحمد الربيع الحج مكي من ريف حلب الجنوبي#سوريا #تحرش #ادلب #المهاجرون_الآن pic.twitter.com/E4lPoi7EQJ
ويظهر التسجيل الذي صوّره منفذ واقعة التحرش بنفسه بينما يقود السيارة وبجانبه الرجل المسن والامرأة تعرض "عابرة السبيل" لعبارات استفزازية و"خادشة للحياء"، مع أنها كانت تطلب من السائق عدم التصوير، وتؤكد بالقول: "الله يوفقك لا تصور".
وفي حين لم يلق مطلبها بعدم التصوير أي استجابة، طلب الشاب منها البحث عن زوجة للرجل المسن، بقوله: "ظبطيلنا الحجي بهالبرد"، ليرد الأخير بالقول: "والله تلحقين أجر (تكسبين الأجر)".
وبعد ذلك عرضا عليها بينما كانا ينظران إليها وسط الابتسامات خيارا بأن تترك زوجها وتتزوج الرجل المُسن، ليسكنها في عمارة بعيدا عن ظروف المخيم.
وتعيش الكثير من النساء السوريات في مخيمات الشمال السوري، وسط ظروف مأساوية للغاية، سواء من ناحية المعيشة اليومية أو من خلال عملهن لكي يعلن أطفالهن، بعدما فقدت الكثير منهن أزواجهن بسبب الحرب.
وبينما تتسلط الأضواء على نحو أكبر، ومنذ سنوات على الظروف الإنسانية بشكل عام والعسكرية والسياسية الخاصة بمناطق الشمال السوري نادرا ما تلقى "حوادث التحرش" حيزا كبيرا.
في حين تشير ناشطات سوريات في حقوق المرأة إلى أن "العمل النسوي والتوعوي محارب في تلك المناطق من قبل قوى الأمر الواقع"، وكذلك الأمر بالنسبة لباقي مناطق النفوذ في سوريا.
ما تفاصيل الواقعة؟
وتتناقل تقارير إعلامية بين الفترة والأخرى معلومات تتعلق بمحاولات التحرش والابتزاز الجنسي، وتقول إن الحالة العامة الخاصة بالنازحين تغذيها بشكل أكبر، ولاسيما أن العيش ينحصر ضمن خيمة ضيقة ومكشوفة الأطراف، مع انعدام الخصوصية وفي ظل أوضاع مأساوية ونقص كبير في الاحتياجات الإنسانية.
علاوة على ذلك، تسفر الظروف التي تعيشها النساء في الشمال السوري، من حيث العمل وتقطع السبل للانتقال إلى مناطق أخرى انطلاقا من المخيمات عن تعرض الكثير منهن لهكذا نوع من الحوادث، فيما تبقى "خارج دائرة الضوء"، مع انتشار تفاصيل قلة منها كمحض صدفة.
فيما يتعلق بحادثة التحرش اللفظي الجديدة يقول الناشط الإعلامي المقيم في شمال سوريا، عدنان الإمام إن الشاب المنفذ لها والذي ظهر في التسجيل ينحدر من ريف حلب الجنوبي، ويقيم في الوقت الحالي في منطقة عفرين بريف حلب الشمالي.
ويشرح الإمام لموقع "الحرة" أنه "معروف في المنطقة بسمعته السيئة وسجله السابق في هكذا نوع من الحوادث، ما أسفر مؤخرا عن اعتقاله من قبل الشرطة العسكرية، ويطلق سراحه بعد فترة".
وبينما أسفر التسجيل عن موجة غضب عارمة بين النشطاء السوريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي كشف بعضهم عن اسم المتحرش، وهو "أ.ر.م"، وكذلك الأمر بالنسبة للرجل المسن الذي شاركه في الحادثة، بينما ألقى الجهاز الأمني التابع لـ"هيئة تحرير الشام" في إدلب القبض عليه، مساء يوم الأربعاء.
ويوضح الناشط الإعلامي الإمام أن "قوات الأمن العام اعتقلت الرجل المسن من المخيم المقيم فيه في منطقة الدانا، بينما لم يعلن عن اعتقال الشاب المقيم في إحدى المخيمات بمنطقة عفرين".
"سبب التحرش ليس اللباس"
وفي وقت يحتاج ملايين الأشخاص إلى مساعدات إنسانية كالغذاء والدواء والملبس في ظل عدم وجود مأوى لكثير من الناجين في الشتاء القارس، تدفع النساء دائما أثمانا مضاعفة في وقت الأزمات.
ويرتبط ماسبق بضعف وصول الخدمات الصحية المراعية لأوضاعهن، بحسب ما ذكرت منظمة "فيوليت"، المعنية بحقوق الإنسان ومقرها تركيا، على صفحتها على موقع "فيسبوك"، في شهر فبراير الماضي.
وقدرت الأمم المتحدة عام 2020 أن خمس الأسر السورية تعولها نساء، وذلك بارتفاع نسبته 80 بالمئة عن عام 2011.
ويعيش في شمال غرب سوريا 4.2 مليون شخص في ملاجئ مؤقتة بما في ذلك الخيام والمنازل الهشة، وفقا للأمم المتحدة.
واللافت في التسجيل المصور الذي أثار موجة الغضب في شمال سوريا أن الشاب والرجل المسن تحرشا بالامرأة، رغم أنها "منقبة"، وهو ما تطرق إليه معلقون عبر موقع التواصل "تويتر"، إذ قالت عبير شبارو الخبيرة اللبنانية في النوع الاجتماعي: "سبب التحرش مش أكيد لباس المرأة وهيدا أحد الأمثلة".
وأضافت أن "سبب التحرش قلة أخلاق المتحرش".
وكتب الناشط عمر في "تويتر" معلقا على التسجيل: "استغلال حاجة الناس. فقط لأنك طلعتها معك بالسيارة بدك تذلها؟! أم تفكر بأن قاطني الخيام لقمة سائغة يا وحوش!".
وتوضح المديرة التنفيذية لـ"اللوبي النسوي السوري"، ريما فليحان أن "ظاهرة التحرش هي عنف جنسي يمارس على النساء دون حساب".
كما أن "التصوير دون إذن صاحبة العلاقة انتهاك للخصوصية، وفعل عنفي يأتي في نفس السياق. هذه أفعال مدانة ويجب محاسبة الفاعلين بالقانون".
وتقول فليحان لموقع "الحرة" إن "هذه الأفعال هي جزء من منظومة متكاملة قائمة على العنف القائم على النوع الاجتماعي، بسبب غياب القانون والاستهانة بحقوق النساء".
وتضيف: "الأفعال يجب مواجهتها قانونيا واجتماعيا وإعلاميا من أجل خلق بيئة امنة للنساء، كونهن يواجهن كل أنواع العنف بالمجتمع وداخل المنزل وبالعمل وبالحياة العامة، بسبب الاستهانة بحقوقهن، وبسبب قيم ذكورية سائدة اجتماعيا لا تساوي بين الرجل والمرأة"، حسب تعبيره.
وتشير الواقعة الجديدة إلى أن "الظاهرة المرتبطة بها موجودة في كل سوريا، وتزداد في الأماكن، التي تسودها الفوضى وانعدام القانون وانتهاكات قوى الأمر الواقع ذاتها بحق النساء".
بالاضافة إلى "المنظومة الذكورية التي تنظر للنساء بدونية، وتسيء لهن، ولا تراهم كمواطنات كاملات لديهن نفس الحقوق، بل تربطهن فقط بالجنس وبالأدوار النمطية المرسومة لهن في عقول مريضة نتيجة لإرث اجتماعي معتل".
ووفق الناشطة النسوية فليحان "تزداد ظاهرة العنف والمشكلات الاجتماعية برمتها في ظل الفوضى والدمار والنكسات الاجتماعية والاقتصادية".
وتكون آثار هذه الظاهرة "طويلة الأمد، وتتأثر بها النساء بشكل أكبر، بسبب عدم وجود حماية وبيئة آمنة، وبسبب تفاقم المشكلات النفسية، والعوامل الاجتماعية الموجودة أساسا، والتي تزداد بتأثير الانتكاسات الأممية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية".
ومع أن "أهمية العمل النسوي والتوعوي تكمن فيما سبق، إلا أنه محارب في تلك المناطق من قبل قوى الأمر الواقع وغالبية رجال الدين، كما هي محاربة في مناطق النظام السوري من قبل أجهزة الأمن"، حسب ما تقول فليحان.