إردوغان والأسد
إردوغان والأسد

تتصدر سوريا وتشعبات مساراتها قائمة ملفات السياسة الخارجية التركية، بعد فوز الرئيس، رجب طيب إردوغان بالانتخابات، ورغم أن أنقرة أطلقت وعودا وسارت بتحركات قبل السباقين الأول والثاني، تسود الآن تكهنات بشأن طريقة التعاطي التي ستتخذها في المرحلة المقبلة.

وقبل موعد السباق الرئاسي والبرلماني بأشهر كانت أنقرة قد اتجهت لفتح أبوابها الموصدة مع النظام السوري، وانطلقت في العلاقة معه ضمن "عملية بناء حوار رباعية"، انخرطت فيها كل من روسيا وإيران، كطرفين راعييّن.

وبموجب هذه العملية اجتمع النظام السوري وتركيا لأكثر من مرة، على مستوى الاستخبارات والدفاع والسياسة، لتصل آخر محطات العلاقة بلقاء وزراء الخارجية في العاصمة الروسية موسكو، قبل موعد الانتخابات بأيام قليلة.

ومع أن الخطوات المذكورة اعتبرت "تطورا فريدا" هو الأول من نوعه منذ أكثر من عقد، إلا أن المخرجات والنتائج لم تكن بذات السياق، لتبقى العلاقة بين كل من أنقرة ودمشق دائرة ضمن معادلة متضادة، تحكمها أولويات وشروط و"خارطة" لا تعرف مفاتيحها.

ولطالما اعتبر مراقبون أن ما أقدمت عليه أنقرة تجاه النظام السوري كان دوافعه بالأساس "اعتبارات انتخابية"، وبالتالي لن يكون هناك أي تعاطي شبيه في المرحلة المقبلة، بعد فوز إردوغان وتبدد الأسباب.

مع ذلك، تحدث مراقبون أتراك وسوريون لموقع "الحرة" أن المسار الذي بدأ قبل قرابة ستة أشهر لن يتوقف، وأنه "ليس انتخابيا بحتا" بقدر ما يؤسس لعلاقة مستجدة سترتبط بها الخيارات بمستويات التقدم والثقة.

ويصر النظام السوري حتى الآن وبعد 4 لقاءات استخباراتية ودفاعية وسياسية على شرط انسحاب القوات التركية من سوريا، من أجل البدء بعملية "التطبيع"، وهو ما تراه أنقرة غير واقعي.

كما يؤكد النظام على فكرة "عدم تسمية المسار القائم بالتطبيع"، مشددا على "شرط الانسحاب" للمضي بذلك.

في المقابل كانت أولى التصريحات المتعلقة بمرحلة ما بعد الانتخابات قد صدرت تركيا على لسان الناطق باسم الرئاسة، إبراهيم قالن، بعد يوم واحد من إعلان فوز إردوغان.

وأعلن قالن أن بلاده لها 3 أولويات، هي: ضمان أمن الحدود ومكافحة الإرهاب، عودة اللاجئين، استمرار المفاوضات بين النظام والمعارضة من خلال دفع "اللجنة الدستورية" إلى الأمام.

وعن سؤال يتعلق باللقاء الذي سادت الكثير من الأحاديث بشأنه بين إردوغان وبشار الأسد، أوضح الناطق باسم الرئاسة أنه "لا توجد اجتماعات مقررة حاليا على المدى القريب".

"أولى الخطوات"

ومن المقرر أن تكون أولى خطوات "بناء الحوار" بين أنقرة والنظام السوري في المرحلة المقبلة العمل على "خارطة الطريق" واللجنة المشكّلة من أجل ذلك، وتضم خبراء استخبارات ودفاع وسياسة.

ومن المتوقع أن تعقد اللجنة اجتماعها الأول في الأيام المقبلة، حسب ما ذكرت صحيفة "يني شفق" المقربة من الحكومة، فيما لم يصدر أي تعليق رسمي بشأن الموعد.

وتأتي "وحدة سوريا السياسية وأمن حدودها وسلامة أراضيها" في مقدمة البنود الرئيسية على جدول أعمال اللجنة، ومن ثم قضايا "مكافحة الإرهاب وأمن الحدود"، وصولا إلى "العودة الآمنة للسوريين في تركيا إلى بلادهم".

وفي حين تبرز قضايا "الإرهاب" التي تربطها أنقرة بـ"وحدات حماية الشعب" الكردية في صدارة ما تهتم به أنقرة من المسار الرباعي، إلا أن عودة اللاجئين "طوعا" كانت قد خطفت الأضواء خلال الأيام الماضية على نحو أكبر.

وبينما كانت أحزاب المعارضة تزيد من جرعة الخطاب المعادي للاجئين اتجه إردوغان ومسؤوليه للإعلان عن مشروع سكني في ريف حلب، لإسكان أكثر من مليون لاجئ سوري فيه، وبدعم من قطر.

ولم يعلق النظام السوري على المشاريع السكنية التي أعلنتها أنقرة، أو مساعيها بشأن عودة اللاجئين طوعا، سواء إلى الشمال السوري الخاضع لسيطرة المعارضة أو مناطق سيطرته، كما قال وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، مؤخرا.

ويتضح من إعلان وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار أنه ستكون هناك آلية لتخفيف التصعيد المحتمل من أجل تقليل المخاطر في المرحلة المقبلة، بحسب ما يقول مراد أصلان عضو هيئة التدريس في جامعة حسن كاليونجو والباحث في مركز "سيتا".

وفي الوقت نفسه، يضيف أصلان لموقع "الحرة" أن "الهدف من هذه المبادرة الجديدة هو المساهمة في جهود بناء الثقة، بسبب التاريخ الطويل للصراع من خلال إنشاء قناة اتصال".

"على السوريين، سواء النازحين أو الذين لجأوا إلى بلد آخر، أن يلاحظوا ما إذا كان الأسد يمتثل لمتطلبات عصر جديد ومستقر".

غير ذلك "سيواصل الصراع وتيرته إذا بقي الأسد على نفس الصفحة، من التطهير الديموغرافي في البلاد من المواطنين السوريين".

ويرى الباحث التركي أن "خريطة الطريق ليست سوى خطوة من طريق طويل لمعرفة ما إذا كان السوريون أنفسهم سيوافقون على السلام والمصالحة بالنظر إلى حقيقة أن عملية جنيف للأمم المتحدة واسعة النطاق".

ولا يمكن لتركيا أن تتراجع عن المسار الذي حدث قبل مرحلة الانتخابات، وفق المحلل السياسي المقيم في دمشق، غسان يوسف. 

ويقول يوسف لموقع "الحرة": "آخر لقاء بين أنقرة ودمشق حصل في العاشر من شهر مايو أي قبل الانتخابات بـ4 أيام".

وما سبق "حصل بوساطة روسية مع سوريا لحضور الاجتماع رغم أن دمشق كانت وما زالت تشترط الانسحاب الكامل من سوريا".

ويعتبر المحلل السياسي أن "المشوار طويل ويحتاج لعمل كبير ونفس طويل، وأن يكون هناك ضغط روسي كبير وإيراني لتنفيذ الاتفاقيات والتفاهمات وأيضا لخروج القوات التركية من سوريا".

"تقاليد دولة"

ويسود اعتقاد أن لهجة أنقرة تغيّرت تجاه النظام السوري بعد انتهاء الانتخابات، وإعلان فوز إردوغان على منافسه المعارض، كمال كليتشدار أوغلو.

ويدلل المراقبون على ذلك بتصريحات الناطق باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، بعد نفيه وجود "أي خطط للقاء بين إردوغان والأسد في المستقبل القريب".

ويرى الباحث السياسي التركي، عمر أوزكيزيلجيك أن "تركيا كان لها دافعين للتحدث مع الأسد قبل الانتخابات، والآن بقي دافع واحد هو مكافحة الإرهاب".

ولا يعرف ما هي الأوراق التي يمتكلها نظام الأسد بخصوص قضية "مكافحة الإرهاب" التي تصر عليها أنقرة، ولاسيما أن المناطق التي ترى فيها الأخيرة "منبعا للخطر" لا تحسب على مناطق سيطرة دمشق. 

أما في قضية اللاجئين فنادرا ما يعلق عليها النظام السوري، في وقت تعتبر المنطقة التي تستهدفها مشاريع "العودة الطوعية" من جانب تركيا خارج مناطق سيطرته أيضا.
وتختلف وجهة نظر الباحث التركي أصلان مع الاعتقاد المذكور سابقا، إذ يوضح "تركيا لديها تقاليد الدولة ولن تغير الانتخابات الأهداف المنشودة والاستراتيجيات المنفذة". 

ومع ذلك "قد تتغير الأولويات والاستراتيجيات حسب دورات العمل والتفاعل".

ويقول أصلان إن "عمل النظام على الأرض سيوضح أولويات تركيا. بهذا المعنى، قد يحل الخيار العسكري محل مكتب النوايا الحسنة الحالي بقدر ما ينتهك الأسد شروط اتفاق السادة".

من جهته يعتبر المحلل السياسي غسان يوسف أن "إردوغان استغل الفرص وحاول اللعب على جميع الحبال، لكن موضوع العلاقة مع دمشق لم يكن انتخابيا بحتا".

ويشرح فكرته بأن "تركيا تريد شرعنة لوجودها في سوريا، وأن تعيد العلاقات الاقتصادية، لأنها تعرف بأن دمشق عادت لحضنها العربي والجامعة العربية".

كما يضيف أن "تركيا تعتبر سوريا الممر الوحيد لدول الخليج، وهو ما يساعد على ترتيب الاتفاقيات، التي تم التفاهم عليها قبل الانتخابات".

"أولويات ذات شقين"

وبينما تتجه الأنظار إلى مسارات السياسة الخارجية التي سيتبعها إردوغان بعد أداء اليمين يوم الجمعة تبرز "أولويات ذات شقين لأنقرة"، حسب ما يقول الباحث في مركز "سيتا" مراد أصلان.
وتغطي القراءة الأولية "عودة آمنة وتطوعية ومشرفة للسوريين إلى وطنهم، مما يحد من كارثة ديمغرافية محتملة".

ويواجه السوريون "خطر فقدان طابعهم المجتمعي بقدر ما يقضون عقودا في أراضٍ أجنبية"، فيما "لا تستطيع الأجيال السورية الجديدة التحدث بلغتها الأم وهي محرومة من التمتع بتراثها الثقافي".

ويقول أصلان إن "هذه الصورة تشكل أيضا خطرا على الأمن المجتمعي لتركيا، لأن المشهد السياسي سيقع في شرك الاتهامات، كما شوهد خلال انتخابات 2023".

وستستغل الأحزاب السياسية المعارضة، مثل "حزب الشعب الجمهوري" "حزب النصر" الذي يتزعمه أوميت أوزداغ استضافة السوريين كرافعة للادعاء المزعوم بأن "حكومة أردوغان تدمر البلاد".

وكان إردوغان قد أراد ردع مثل هذه الحجة بفكرة مفادها: "يجب علينا احترام القيم الإنسانية وتشكيل الأرضية لعودة المتطوعين الآمنة والمشرفة، ويعتمد هذا التفكير على فكرة أن سوريا بدون شعبها ستكون أرضية لنزاع طويل الأمد".

من جانب آخر هناك تفكير تركي آخر "يدور حول مواجهة إقليمي الإرهاب الذي يسهل إما داعش أو حزب العمال الكردستاني / حزب الاتحاد الديمقراطي / وحدات حماية الشعب".

ويشير الباحث التركي أن بلاده "ترى هذا الاحتمال يمثل تهديدا، ولهذا السبب كانت تركيا مصرة على تأمين عمق 30 كم من الحدود".

"الدعم الأميركي لحزب العمال الكردستاني والمنتسبين إليه في سوريا هو الأولوية الأساسية لتركيا ويجب ألا يكون هناك مجال لدولة أمر واقع قادرة في سوريا"، حسب تعبير ذات المتحدث.

ويضيف أن "حزب العمال الكردستاني / حزب الاتحاد الديمقراطي يتمتع بالمرونة للعب مع الولايات المتحدة وروسيا وإيران ونظام الأسد"، وأن "سياسة تركيا الجديدة هي الحد من هذه المرونة وتهميش شبكة الإرهاب، من خلال إغلاق أبواب نظام الأسد وإيران وروسيا".

وتختلف وجهة نظر المحلل السياسي غسان يوسف، إذ يرى أن "مطالب أنقرة بخصوص محاربة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) واقعية، لكن ذلك لا ينطبق على مناطق شمال غرب سوريا!".

ويقول المحلل: "هل توجد قسد في شمال اللاذقية وإدلب؟ لماذا لا تفتح تركيا طريق إم فور وتفكك النصرة وترحّل المقاتلين الأجانب؟".

ويعتقد يوسف أن "هناك الكثير من الأمور التي يمكن أن تقدمها تركيا، ليكون بعد ذلك تعاون على محاربة أو تحجيم قسد لمنع إنشاء الكانتون".

"طريق وحيد للانسحاب"

ولتركيا قوات كثيرة في الشمال السوري، وتنتشر في محافظة إدلب وأرياف حلب وصولا إلى منطقتي تل أبيض ورأس العين، بعدما أطلقت عملية "نبع السلام" في 2019.

وحتى الآن تؤكد أن وجودها خارج الحدود مرتبط بـ"مكافحة الإرهاب"، والذي تراه مرتبطا بـ"وحدات حماية الشعب" و"حزب العمال الكردستاني".  كما تدعم أنقرة تحالف "الجيش الوطني السوري" الذي يعتبره النظام السوري "منظمة إرهابية"، وأنه يجب تفكيكها.

ويرى النظام أيضا أن انتشار الأتراك في سوريا يعتبر "احتلالا"، بينما يؤكد على ضرورة "إنهائه" كخطوة أولى للمضي بعملية "التطبيع".
 
وتتمثل السياسة الجديدة لتركيا في تشجيع نظام الأسد على الامتثال لقرارات الأمم المتحدة والتوصل إلى إجماع لإنهاء الصراع السوري، مع مراعاة المخاوف المذكورة، على رأسها "التهديدات الإرهابية".

و"لم يكن الأسد مهتما بحل النزاع حسب سلال الأمم المتحدة"، ويرى الباحث أصلان أن "خارطة الطريق ستكون على الأقل قاعدة لتسهيل التوصل إلى حل وسط بين الائتلاف السوري المعارض ونظام الأسد".

ويضيف: "إذا قاوم نظام الأسد، فقد تدفع تركيا روسيا لقبول خيار ثالث، وهو خيار عسكري، وبالتالي لن يكون هناك عذر لوقف الحملة العسكرية للقوات المسلحة التركية والجيش الوطني السوري".

ويستبعد المحلل السياسي يوسف أن "تخرج تركيا من سوريا، إذا لم يكن هناك تعديل لاتفاقية أضنة أو توقيع اتفاقية جديدة تستطيع من خلالها التدخل في حال تمدد حزب العمال".

ويؤكد أنه "لا يرى أن بوادر للانسحاب التركي من البلاد".

بدوره يشير الباحث أصلان إلى أن "الأمن في شمال سوريا يتطلب وجودا عسكريا تركيا، وإلا فإن النازحين السوريين سيكونون فريسة لنظام الأسد".

وسيؤدي هذا التوقع إلى "جلب ملايين اللاجئين الجدد إلى تركيا، وقد تستغل الخلايا الإرهابية الفرص وتوسع دائرة نفوذها على حساب أمن تركيا والسوريين".

ويوضح أصلان أن "الانسحاب الكامل لن يكون خيارا إلا إذا قام السوريون ببناء دولة ديمقراطية خاضعة للمساءلة، وإقامة سيادة كاملة على كل شبر من سوريا".

الرئيس التركي في استقباله الأخير لوزير خارجية الإدارة السورية الجديدة
الرئيس التركي في استقباله الأخير لوزير خارجية الإدارة السورية الجديدة

أن يخرج مسؤول تركي ويصرّح بشأن قضية ترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط هو حالة مألوفة منذ سنوات وطالما ترددت على كل لسان في أنقرة. لكن هناك ما هو جديد ولافت الآن.

يتعلق هذا الجديد بسوريا، التي قد يعيد التغيير التاريخي فيها رسم خارطة الطاقة الإقليمية، بحسب خبراء ومحللين تحدثوا لموقع "الحرة".

ما إن لبثت البلاد من نفض الغبار الذي تركه عليها نظام الأسد قبل سقوطه حتى خرجت تصريحات رسمية من أنقرة. وجاءت هذه التصريحات من طرف وكأنه رمى حجرا في بركة مياه راكدة.

الطرف هو تركيا وأعلنت بعد سقوط الأسد على لسان وزير النقل فيها، عبد القادر أورال أوغلو أنها تعتزم بدء مفاوضات مع الإدارة الجديدة في سوريا من أجل ترسيم الحدود البحرية في البحر المتوسط.

وذكر الوزير أن مثل هذه الصفقة ستسمح للبلدين بـ"تحديد مساحات نفوذهما" للتنقيب عن النفط والغاز"، وهو الأمر الذي يثير عدة تساؤلات جوهرية على صعيد قضية غاز شرق المتوسط.

هذه القضية (الترسيم وغاز شرق المتوسط) هي الأساس كما وضعها المسؤولون الأتراك وسلطت وسائل الإعلام المقربة من الحكومة الضوء عليها كثيرا أيضا، خلال الأيام الماضية.

ومع ذلك، يضاف إليها قضايا أخرى، وترتبط على وجه الخصوص بخطوط أنابيب الطاقة والتغيرات التي قد تطرأ على مساراتها، ومن هم الخاسرون والرابحون؟

ولم يصدر أي تعليق حتى الآن من الجانب السوري على صعيد القضية التي أثارتها أنقرة، وقالت إنها تعتزم بدء مفاوضات بشأنها.

ورغم أن استشراف مآلاتها ومستقبلها في المرحلة المقبلة قد يكون بعيدا بالنظر إلى طبيعة الحكم المؤقت الآن في سوريا، لا تنطبق هذه الحالة عند الوقوف على الأهداف التي تقف خلف العجلة التركية بشأن عملية الترسيم.

قضية ترسيم الحدود البحرية الذي دائما ما تطرحها أنقرة هو ملف معقد وشائك، وتدور منذ سنوات طويلة في حالة من الأخذ والرد.

علاوة على ذلك، تعد قضية غاز شرق المتوسط واحدة من أبرز القضايا الجيوسياسية والاقتصادية في المنطقة، حيث تتداخل فيها مصالح العديد من الدول المتنافسة على الموارد الطبيعية في هذه المنطقة الاستراتيجية.

وتتنازع عدة دول على حقوق الاستفادة من هذه الموارد، وهي تركيا، اليونان، قبرص، إسرائيل، لبنان ومصر، حيث تقوم كل دولة بالمطالبة بحقوق بحرية تمتد على مسافات شاسعة في المتوسط.

ويعود ما سبق جزئيا إلى عدم وضوح الحدود البحرية في بعض المناطق، والتي لم يتم الاتفاق عليها بين الدول المعنية، مما يعقد عملية استخراج الغاز، ويجعلها عرضة للتهديدات السياسية والاقتصادية.

"خطة اللاعب الرئيسي"

ومن الواضح أن تركيا ترغب في التفاوض بسرعة على اتفاق لترسيم الحدود مع الحكومة السورية الانتقالية، من أجل "تعزيز خطتها لتصبح اللاعب الرئيسي في غاز شرق المتوسط"، كما يعتقد خبير الطاقة والجغرافيا السياسية، توماس أدونيل.

ولديها هدف آخر بأن "تكون المحور الذي يخدم أوروبا، مما يحل محل روسيا".

كما أن تركيا بحاجة إلى الغاز للاستخدام المحلي، وفق أدونيل.

ولذلك يعمل الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، بحسب قوله "على الحصول على أكبر قدر ممكن من الغاز من شرق المتوسط وقطر، لتقليل اعتماد بلاده المفرط والخطر على الغاز الروسي".

الباحث في الشأن التركي، محمود علوش، يوضح من جانبه أن تركيا كشفت عن نواياها الاستراتيجية في ما يتعلق بالعلاقة مع سوريا الجديدة.

ويقول لموقع "الحرة" إنها "تطمح أن تعيد العلاقة تشكيل موازين القوى على مستوى الصراع الجيوسياسي في شرق المتوسط".

لكن علوش يعتقد أن مثل هذه الاتجاهات الاستراتيجية بين تركيا وسوريا "لا يمكن أن نلحظها في المستقبل المنظور".

ويضيف من جانب آخر "نحن أمام وضع جديد في سوريا.. وهذا الوضع يشكل مناسبة لتشكيل علاقة تحالف استراتيجي بين تركيا وسوريا".

وسيكون لهذه العلاقة آثار كبيرة على إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية الإقليمية.

كما قد تعيد تشكيل توازن القوى في قضايا حيوية للبلدين ولتركيا على وجه الخصوص، لاسيما قضية الصراع الجيوسياسي في شرق المتوسط.

ورغم أن العديد من الدول الإقليمية والدولية تتعامل مع الإدارة السورية الجديدة، من الناحية القانونية، فإن هذه الإدارة لا تمتلك السلطة القانونية لتوقيع أي اتفاق يعيد ترسيم الحدود البرية أو البحرية.

ومع ذلك ترى الباحثة اليونانية في شؤون الشرق الأوسط، إيفا كولوريوتيس، أن "أنقرة تريد من إثارة قضية ترسيم الحدود البحرية الضغط على نيقوسيا وأثينا".

وهذا الضغط لا يمكن فصله عن الشعبية المحلية الكبيرة لما يُعرف بـ "الوطن الأزرق" في المجتمع التركي.

من ناحية أخرى، تعتقد كولوريوتيس في حديثها لموقع "الحرة" أن أنقرة قد تسعى في مرحلة لاحقة لفتح ملف ترسيم الحدود البحرية مع سوريا لتقليص الخلافات ووضع أساس للدولة السورية الجديدة.

كما قد تسعى إلى التوصل إلى اتفاق على مذكرة تفاهم مع الإدارة السورية الحالية أو مع الحكومة الانتقالية التي قد تتشكل لاحقا، في خطوة مشابهة لمذكرة التفاهم التي تم توقيعها في ديسمبر 2019 بين أنقرة والمجلس الرئاسي في طرابلس الليبية.

هل الترسيم سهل؟

عملية ترسيم الحدود البحرية، التي أعاقتها سابقا الخلافات حول وضع هاتاي (لواء إسكندرون) توقفت في عام 2011 بسبب تدهور العلاقات بين تركيا وسوريا.

وحتى الحدود الجانبية التي تفصل المياه الإقليمية التي يبلغ عرضها 12 ميلا لكلا البلدين لم يتم تحديدها لهذه الأسباب، وفقا للباحث التركي، يوجيل آجار.

ولا شك أن مثل هذه الاتفاقية من شأنها أن توفر مكاسب لتركيا، حيث تعترف سوريا رسميا بأن منطقة هاتاي تحت السيادة التركية.

في أوائل الثمانينيات، عقدت الدولتان مفاوضات لتحديد الحدود الجانبية للمياه الإقليمية، لكن المحادثات فشلت بسبب الخلافات حول هاتاي.

ويشير الباحث آجار إلى مكاسب أخرى تركز على الطاقة، في حال تمت اتفاقية ترسيم الحدود.

ويشرح فكرته بالقول "مع تحديد الحدود البحرية، ستوفر المعرفة والخبرة والبنية التحتية والتكنولوجيا التركية لسوريا ميزة، من حيث أنشطة استكشاف الطاقة".

ومن ناحية أخرى، يمكن القول إن الدور الإقليمي القوي لتركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط يمكن أن يساعد سوريا أيضا في تعزيز علاقاتها مع الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى.

لكن ما سبق لن يكون بالأمر السهل وفق خبراء آخرين. لماذا؟

لأننا أمام ملف معقد ومتشابك يرتبط بعدد من الدول في البحر الأبيض المتوسط، كما تقول الباحثة كولوريوتيس.

بالإضافة إلى ذلك، هناك نزاع بين تركيا واليونان حول المنطقة الاقتصادية الخالصة بين البلدين وقضية قبرص، ونزاعات أخرى بين تركيا ومصر وبين اليونان ومصر.

أما بالنسبة لليبيا، ومع وجود حكومتين، واحدة ذات مرجعية برلمانية في الشرق والأخرى في طرابلس، فلكل حكومة تفسيرها الخاص للحدود البحرية، بحسب ذات الباحثة.

تبرز تعقيدات أخرى، على الصعيد القانوني بالتحديد.

وتوضح كولوريوتيس أن أي خطوة قانونية في هذا الاتجاه (ترسيم بين تركيا وسوريا) ستتطلب موافقة قبرص، سواء الجزء التركي أو اليوناني.

وتعتبر القضية المذكورة شائكة للغاية بالنظر إلى الخلافات حول مستقبل الجزيرة بين الجانب التركي الذي يطالب بالانفصال ونيقوسيا التي ترفض أي خطوة انفصالية وتدعم وحدة الجزيرة مقابل نوع من الفيدرالية للجزء الشمالي.

وفي المقابل يجب على تركيا وسوريا أيضا الانخراط في حوار مع لبنان، حيث يتطلب ترسيم الحدود السورية اللبنانية أيضا التنسيق.

وكان الرئيس القبرصي نيكوس كريستودوليديس أجرى زيارة عاجلة إلى بيروت في اليوم الثاني من تولي العماد جوزاف عون رئاسة لبنان، كخطوة استباقية.

وتضيف كولوريوتيس أن "الزيارة تسلط الضوء على وجود عدة ملفات تربط بين البلدين، بما في ذلك ملف ترسيم الحدود البحرية".

لم تنس كولوريوتيس أيضا الخلافات الكامنة بين تركيا ومصر بشأن الحدود البحرية أيضا.

وتؤكد "ملف ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وسوريا في ضوء التغيرات السياسية الجارية في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، لن يتم حله في أي وقت قريب".

لماذا الآن؟

بعد عامين من اندلاع الثورة السورية كتبت ربا الحصري وهي خبيرة ومحللة في قضايا الطاقة في الشرق الأوسط مقالا تحليلا استهدف تلك الفترة ويكاد يواكبها الآن.

جاء في المقال على مركز أبحاث "كارنيغي" أن "سوريا قد لا تكون منتجا رئيسيا للنفط أو الغاز في الشرق الأوسط، ولكن نتائج الانتفاضة فيها قد تحدد شكل خريطة الطاقة الإقليمية في المستقبل".

المقال أوضح أن "الموقع الجغرافي للبلاد يوفر إمكانية الوصول إلى المتوسط للكيانات غير الساحلية التي تبحث عن أسواق لمنتجاتها الهيدروكربونية".

وأضاف أن الموقع يعطي أيضا فسحة أخرى للبلدان التي تسعى إلى الوصول إلى أوروبا دون الحاجة إلى المرور عبر تركيا.

نظام الأسد سقط بالفعل فجأة وقد لا تنحصر التبعات على الداخل بل على مستوى الإقليم. هذا ما أشار إليه أيضا "تشاتم هاوس"، في السابع عشر من ديسمبر 2024.

وأشار المركز إلى أن "ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وسوريا يعطي الأولى فرصة حاسمة".

فقد تكون الحكومة السورية الجديدة أكثر استعدادا للاعتراف بمطالبات تركيا بالمنطقة الاقتصادية الخالصة في شرق المتوسط، وهو ما من شأنه أن يعزز موقف أنقرة في النزاعات الجارية مع اليونان وقبرص.

وقد يشمل ذلك المطالبات التركية ومطالبات جمهورية شمال قبرص التركية - وهي دولة بحكم الأمر الواقع لا تعترف بها إلا أنقرة، بحسب "تشاتم هاوس".

"فرصة"

الفرص أمام تركيا والطموحات كانت برزت في قمة الطاقة الكبرى التي عقدت في إسطنبول، نوفمبر 2024.

فقد استضاف المسؤولون الأتراك وزراء من كبار منتجي الغاز بما في ذلك أذربيجان وليبيا وأوزبكستان، إلى جانب ممثلين من بلدان العبور مثل جورجيا ومستوردين من أوروبا الشرقية.

وتتمثل رؤية أنقرة في أن تعمل تركيا كنقطة عبور رئيسية بين منتجي الغاز إلى الشرق والجنوب، والأسواق إلى الغرب.

يقول مقال "تشاتم هاوس" إن البنية الأساسية الحالية للطاقة توفر أساسا جيدا لهذه الطموحات التركية.

ويوضح أن خط أنابيب الغاز الطبيعي عبر الأناضول، الذي يشكل جزءا من ممر الغاز الجنوبي الذي ينقل الغاز الأذربيجاني إلى أوروبا، يثبت بالفعل مدى ملاءمة تركيا كدولة عبور.

كما تمتلك البلاد سبعة خطوط أنابيب للغاز، وخمس محطات للغاز الطبيعي المسال، وثلاث وحدات تخزين عائمة، ومنشأتين للتخزين تحت الأرض ــ فضلا عن فائض كبير من القدرة على الاستيراد يمكن استخدامه في التجارة.

وفي ما يتعلق بسوريا فإن إمكانية قيام دولة سورية جديدة مستقرة تخلق فرصة لتركيا للاستفادة من هذه الإمكانات المذكورة.

ويشرح كاتب مقال "تشاتم هاوس"، كريم الجندي أنه من خلال إنشاء خط أنابيب للغاز إلى الغرب من سوريا والاتصال بشبكة خط أنابيب الغاز العربي القائمة (التي تربط بين سوريا والأردن ومصر)، تستطيع تركيا أن تقدم لمنتجي الغاز الإقليميين مثل إسرائيل ومصر طريقا أكثر جدوى تجاريا إلى الأسواق الأوروبية مقارنة بالبدائل الحالية للغاز الطبيعي المسال.

ومن شأن هذا أن يشكل تحديا فعليا لمنتدى غاز شرق المتوسط، وهو تحالف يضم مصر وإسرائيل واليونان وقبرص وفلسطين والأردن وإيطاليا وفرنسا، بحسب الجندي.

وكان مشروع خط أنابيب شرق المتوسط الرائد التابع لمنتدى غاز شرق المتوسط قد عانى من حيث الجدوى الفنية والمالية.

ولم يحقق خط الأنابيب المقترح بطول 1900 كيلومتر، والذي يربط بين إسرائيل وقبرص واليونان سوى تقدم ضئيل، كما تعرض لضربة قوية عندما سحبت الولايات المتحدة دعمها في عام 2022.

ولذلك فإن الطريق البري عبر سوريا إلى البنية التحتية القائمة في تركيا من شأنه أن يوفر بديلا أقصر وأبسط من الناحية الفنية وأكثر فعالية من حيث التكلفة، وفق "تشاتم هاوس".

وقد يمثل هذا أيضا فرصة مستقبلية للبنان، الذي بدأ مؤخرا أعمال التنقيب البحرية ويفتقر إلى البنية التحتية الخاصة به للتصدير.

"لعبة أنابيب"

علاوة على ما سبق، فإن الاستقرار في سوريا قد يسمح بإحياء مشروع خط الأنابيب المعطل منذ فترة طويلة لربط حقول الغاز الطبيعي القطرية بتركيا عبر المملكة العربية السعودية والأردن وسوريا.

أشار إلى ما سبق مركز مركز "بيجين-السادات للدراسات الاستراتيجية الإسرائيلي" (مركز بيسا).

كما سلطت الضوء عليه وكالة "الأناضول" التركية شبه الرسمية، لترسم خارطة تحدد الفوائد المكاسب الخاصة به. بعد يوم واحد فقط من سقوط نظام الأسد!

مركز الأبحاث الإسرائيلي نشر أيضا خارطة أنابيب طاقة أخرى تمر من سوريا.

وأوضح أن سقوط نظام الأسد في سوريا "أدى إلى إحياء خطط تركيا لبناء خطوط أنابيب النفط والغاز عبر البلاد، وتحويلها إلى ممر طاقة إقليمي للدول المجاورة".

ومن شأن بعض هذه الخطط أن توفر لدول الخليج العربية طريقا بريا أكثر ملاءمة لتصدير الطاقة إلى أوروبا عبر تركيا، مما يشكل تحديا لتطلعات إسرائيل المماثلة، وفقا لمركز "بيسا".

وأضاف أنه ورغم أن إسرائيل تتمتع بفرص أخرى لتصدير غازها الطبيعي إلى أسواق جديدة عبر خطوط الأنابيب، إلا أنها تشكل خطر تقويض علاقات إسرائيل مع اليونان وقبرص.

وختم المركز تقريره بتوصية مفادها: "يجب على إسرائيل أن تتابع (لعبة خطوط الأنابيب) في سوريا عن كثب لضمان عدم مرور الفرص الاقتصادية الجديدة في المنطقة دون أن تستغلها".

ما الذي تأمله أنقرة؟

بناء على الواقع القائم في سوريا لا يمكن أن نتصور اتفاقا لترسيم الحدود مع تركيا في المدى المنظور، بحسب الباحث علوش.

لكنه يضيف أن "ما تأمله أنقرة في نهاية المطاف هو أن تكون هناك حكومة مستقرة وطويلة الأمد في دمشق تساعد في التأسيس لعلاقات استراتيجية معها".

وهذه العلاقات ترتبط بالأساس بالمجالات الخاصة بقضية شرق المتوسط.

وفي حال تم الاتفاق "سيكون له آثار كبيرة على المنافسة الجيوسياسية في شرق المتوسط".

ومن جانب "سيعزز موقف تركيا في هذه المعادلة، ويضعف مواقف الأطراف الأخرى المتصارعة لاسيما قبرص الجنوبية واليونان"، بحسب علوش.

ولم تعلّق مصر خلال الأيام الماضية على القضية التي أثارتها أنقرة.

وفي المقابل سارعت كلا من اليونان وقبرص للتعليق على الخطة التركية وإعلان رفضهم القاطع لها.

ويوضح علوش أن "خطوة ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وسوريا ستقلق دول حوض المتوسط الأخرى مثل مصر وإسرائيل".

ويقول: "لأن أي تفوق لتركيا في المعادلة سيؤثر على مكانة الأطراف الأخرى في هذا الصراع".

ومع ذلك وبينما هناك فرص واحتمالات وسيناريوهات تلوح في الأفق سلسلة من العقبات.

من هذه العقبات أن "أي اتفاق ثنائي مع الحكومة السورية الانتقالية الضعيفة من جانب تركيا سيواجه معارضة من اليونان، قبرص، الاتحاد الأوروبي، وربما إسرائيل".

قال ما سبق خبير الطاقة والجغرافيا السياسية، توماس أدونيل.

وأوضح من جانب آخر أنه "من أجل بناء خطوط الأنابيب المكلفة التي يحتاجها شرق البحر المتوسط، هناك حاجة إلى ضمانات أمنية لمدة 25 عاما على الأقل للاستثمارات".

ولذلك، "فإن هذه الاستراتيجية المتعلقة بالاتفاقات الثنائية المتنازع عليها حول الحدود البحرية قد لا تكون حلا".

الحل يذهب فقط باتجاه "مؤتمر متعدد الأطراف"، يوافق فيه جميع الأطراف على ترسيم الحدود البحرية، خاصة فيما يتعلق باستغلال موارد النفط والغاز.

ومن شأن المؤتمر أيضا أن يوفر الأمان الجيوسياسي للاستثمارات في خطوط الأنابيب التي يحتاجها الفاعلون الإقليميون وتركيا من أجل أمن الطاقة لجميع الأطراف، بحسب أدونيل.

ماذا لو أبرم الاتفاق؟

"قد تبرم أنقرة ودمشق اتفاقا.. لكنني أعتقد أن الواقع هو أن الولايات المتحدة هي الوحيدة التي يمكنها التوسط في اتفاق إقليمي لخطوط الأنابيب إلى أوروبا"، بحسب أدونيل.

ويقول إن الاتفاق قد يكون بأن يتم نقل الغاز الإقليمي إلى تركيا أولا، ثم إلى أوروبا، كما يريد إردوغان.

ومع ذلك، من المحتمل أن تطلب الولايات المتحدة من تركيا تقديم تنازلات، يضيف الخبير.

ويطرح مثالا عن هذه التنازلات "مثل تقديم المزيد من الدعم لأوكرانيا، وتقليل التعامل مع روسيا، أو الموافقة على التقارب مع إسرائيل".

قانونيا، وحتى إذا توصلت تركيا وسوريا إلى تفاهم ثنائي، فإن نيقوسيا وأثينا سيرفضان ذلك بالتأكيد، مما يجعل الاتفاق غير قابل للتنفيذ، استنادا إلى حوادث مشابهة في السابق، تقول الباحثة كولوريوتيس.

على سبيل المثال، عندما توصلت بلجيكا وهولندا إلى اتفاق في الستينيات بشأن منطقة كانت ألمانيا تدعي ملكيتها، حكمت محكمة العدل الدولية بأن هذا الاتفاق غير ملزم لألمانيا، وهو ما رفضته ألمانيا.

من وجهة الباحثة "ما يجب أن يحدث في شرق البحر المتوسط هو أن تتمتع قبرص واليونان وتركيا بالإرادة السياسية للجلوس على طاولة المفاوضات من أجل التوصل إلى حل نهائي لقضية قبرص".

وبعد ذلك، يجب أن تتوحد جميع الدول المعنية لتحديد الحدود البحرية النهائية للمنطقة.

في المقابل وإذا تم التوقيع على مثل هذا الاتفاق رغم الصعوبات، فسيكون تأكيدا لتحالف استراتيجي مهم بين أنقرة ودمشق، وهو ما سينعكس في التعاون العسكري بين البلدين.

وقد يفتح ذلك الطريق لتركيا لإقامة قواعد عسكرية دائمة في سوريا، كما هو الحال في قطر وليبيا، وفقا للباحثة اليونانية.

وسيكون الاتفاق امتدادا لتحالف أكبر يجمع أذربيجان وتركيا وسوريا. و"هذا أمر ستراه إسرائيل بعين الريبة والقلق"، على حد تعبير كولوريوتس.

"الثروة تكمن بالموقع"

بلغة الأرقام كانت إنتاجية الغاز في سوريا وصلت إلى أقصى طاقتها في عام 2010 وكانت تلبي الاحتياجات المحلية، مع تصدير جزء صغير منها إلى الخارج.

أما بالنسبة للنفط، فقد وصل إنتاج سوريا في عام 2010 إلى حوالي 400,000 برميل يوميا، وهو رقم محدود مقارنة بإنتاج الدول الأخرى في المنطقة.

لكن الأرقام في وادٍ والموقع في وادٍ آخر.

وتقول الباحثة كولوريوتيس إن "سوريا تلعب دورا مهما في قطاع الطاقة بسبب موقعها الجغرافي الحيوي".

وتضيف أن "المياه الإقليمية السورية قد تكون ممرا حيويا لنقل الغاز المصري عبر الأنابيب إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا".

كما كانت هناك مناقشات بين تركيا وإسرائيل لتفعيل خط أنابيب غاز تحت الماء نحو الأراضي التركية، مما يعني المرور عبر المياه الإقليمية السورية.

ومن ناحية أخرى، تشير الباحثة إلى أن "مشروع نقل الغاز القطري إلى تركيا عبر الأنابيب لا يزال قابلا للتنفيذ.. وستكون سوريا ممرا مضمونا لهذا المشروع".

ويعتقد الباحث علوش أنه "يوجد قلق كبير لدول حوض المتوسط من تداعيات التحول السوري على العلاقات التركية السورية وتداعياتها على توازن القوى على شرق المتوسط".

ويقول "نستطيع القول إن هناك حقبة جديدة ستعيد تشكيل الصراع على الثروات في شرق المتوسط".